|
Re: وهتف الطيبون المجهجهون المشردون في جدة للبشير بملء الحلاقيم!! (Re: هشام هباني)
|
تحياتي أخي هشام. تصرف هؤلاء الرعاع يثير قضية كبيرة وخطيرة جدا ـ وهي ماذا حدث للشعب السوداني؟ كيف حدث أنه وفي خلال عقود قليلة انهار دين وأخلاق أمة بأسرها وتم استبدالها بدين جديد شيطاني وبأخلاق الأبالسة؟
ذات يوم كنا نفخر بأننا أشجع شعب في العالم وشجاعة أمتنا شهد بها أبناء شعب شجاع هم الإنجليز أنفسهم. كنا ذات يوم نفخر بأننا أكرم وأشهم شعب في العالم. أنظر كيف هو حالنا الآن؟
لم يصبح الجبن ومهادنة الظالمين أمرا محسوبا وحسب بل تعدى الأمر ذلك للعق أحذيتهم استمطارا لبضع دريهمات من زينة الحياة الدنيا.
دخلنا القرن الماضي ونحن أمة لا زالت تعيش بأخلاقها في عهد الفرسان ـ ليس كمثل دون كيشوت سرفانتس الموهوم ولكن حقا وفعلا. في ذلك الوقت كان الناس قبائل وكان كل انسان يحمل شلوخ قبيلته على وجهه وبالتالي كان كل تصرف يقوم به مراقبا من قبيلته قبل القبائل الأخرى وكانت تلك القبائل تتبارى في الكرم والشجاعة والشهامة وقيم الرجولة الحقة. وإذا كانت سلبيات النظام القبلي جعلته هدفا لهجوم جيل المتعلمين الأوائل ومن تلاهم حتى انتهت مؤسسة القبيلة فعليا في وسط السودان وبقيت اسميا حتى بدأت تعود للظهور بوجه آخر خبيث في أيامنا هذه ـ فقد تبع انهيار تلك المؤسسة انهيار الكثير من ايجابياتها.
أغاني البنات في ذلك العهد كانت تمجد قيم الرجولة والفروسية فوق كل زخرف الحياة الدنيا وكانت الأمهات يغرسن في أبنائهن تلك القيم منذ الصغر وتتمنى الأم أو الأخت موت ابنها بطلا مدافعا عن الحق: ما دايرالك الميتة ام رمادا شح دايراك يوم لقى وبدميك تتوشح.
في مجاعة سنة ستة الشهيرة سجل تاريخنا أن أناسا قيدوا أنفسهم ونسائهم بالسلاسل وبقوا في مكانهم حتى الموت حفاظا على كرامتهم من أن يمدوا أيديهم لغيرهم وحفاظا على شرف نسائهم أن يتعدى عليه أحد مستغلا جوعهن.
وتعال وأنظر ماذا حدث لنا خلال حكم السفاح نميري والترابي وتلاميذه.
أعتقد أن هذه المصيبة بدأت بالانهيار الاقتصادي في عهد السفاح نميري الذي جعل خير العقول السودانية تضطر للهجرة وهي الخيار السهل بدلا من مواجهة من دمر البنية التحتية للاقتصاد السوداني وأجاع شعبه وهو جعفر نميري واجتثاث نظامه الفاسد.
في كتابه الانسان وقواه الخفية يقول كولن ولسون أن مشرفي معسكرات اعتقال أسرى الحرب توصلوا إلى استنتاج أصبح فيما بعد قاعدة هامة لمشرفي السجون وهي أن هناك دائما نسبة خمسة في المائة من المساجين هم الذين يخططون للهروب والتمرد داخل السجن ويقودون البقية وأنه اذا تم تحديد هؤلاء الخمسة في المائة ووضعهم في الزنازين فإن البقية لا يفكرون في الهروب ولايتجرؤون عليه حتى لو تركت لهم الأبواب مفتوحة. إذن هناك دائما نسبة خمسة في المائة من الأمة هي التي تحرك بقيتها. بالنسبة لنا فإن هذه الخمسة في المائة اغتربت وغادرت السودان وبقي القطيع الذي يتبع كل من هب ودب اذا تقدم لقيادته اللهم إلا القليل ممن حاولوا المقاومة فتعرضوا للقتل والتعذيب.
الاغتراب أيضا أتى بقيمة أخرى وهي أن المال والثراء أصبح هو الهدف الأسمى والقيمة العليا في الحياة وأصبحت قاعدة الغاية تبرر الوسيلة في الحصول على المال هي السائدة وأصبحت أغاني البنات تعكس تلك الحقيقة وتغيرت القيم التي تربي عليها الأمهات أبنائهن. كل ذلك جعل من الشعب السوداني أرضا خصبة للجبهه الاسلاميه استغلتها خير استغلال تحقيقا لأوامر سيدها الخفي وهو ابليس نعوذ بالله فكانت النتيجة نهاية شعب بأكمله.
أقول لك أخي هشام هذه الكلمات وكلي حسرة بعد أن استمعت لشهادة أخ عزيز زار السودان لأول مرة بعد عشرين عاما في الغربة فإذا به يجد نفسه في بلد أخرى لا تنتمي بصلة للبلد التي تركها ووسط أناس لايشبهون ذلك الشعب الرائع الذي تركه قبل عشرين عاما فأصبح حاله كأحد أبطال روايات الخيال العلمي الذين ركبوا آلة السفر عبر الزمن عبر حقب طويلة لكنها للأسف ليست سوى عشرين عاما.
السؤال الآن هو هل يمكن أن يعود هذا الشعب الذي كما قال أحدهم أنه دب فيه الوهن ولولا ذلك لم يحكمه أمثال هؤلاء ـ هل يمكن أن يعود هذا الشعب لسيرته الأولى؟ بالتأكيد ذلك سوف لن يحدث. سيظل راكعا لوكلاء الشيطان يسيرون فيه بأمره اللهم إلا اذا حدثت معجزة إلهية إكراما للصالحين الذين تزين قباب ضرائحهم الأرض الطاهرة. الموضوع طويل وأتمنى منك أن تتعمق فيه أكثر تشخيصا للداء وبحثا عن الدواء ـ كيفما تكونوا يؤمر عليكم؟ نظام الجبهة ليس سوى أحد أعراض مرض خبيث اسشترى في مجتمعنا وقضى على كل ما هو جميل فهل من شفاء لأمتنا؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|