|
Re: بي حجرين ... (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________
وفي مكانٍ ما وقفت فتحية شبانة وهي تطلق زغاريدها المخنوقة بدموعٍ لم يرها غير الريّس، فلوّح لها بسيفه، وضمّها إليه بقوة "أبشري يا أم ياسر .. أبشري" فتحية شبانة التي لم تجد إلاّ ثوبها الذي ترتديه لتمسح به دموعها التي ذرفت فجأة رغم حرصها على ألا تبكي في هذه الليلة، كانت تشعر بأن ثمة خيطاً ما مربوطاً بقلبها بدأ يفلت من بكرته، لذا كانت تضع كفيها مضمومتين على صدرها بينما راح الريّس يرفع الغطاء القرمصيصي عن وجه إيمان التي كادت لتذوب خجلاً عندها. وما أن بدا وجهها حتى ارتفعت أصوات الزغاريد تمزق خجل العروسين اللذان تسمرا مكانهما دون أن يبديا أيّ حراك. لم تستطع إيمان أن ترفع رأسها، بينما ووقف الريّس إلى جوارها بزهوٍ ذكوري خجول لا يعرف ما يتوجب عليه فعله. عندها سمع إحداهن تقول "أمسك مرتك واتقدموا يالا"
داخل الصيوان كان الأطفال يملئون الأرجاء بالصراخ والركض تحت الأقدام، بينما جلس البعض في هدوء يتناولون وجبة العشاء المتواضعة التي تم توزيعها تلك الليلة في صحون بلاستيكية. فيما آثر بعض الفتيان الجلوس على كراسي وضعوها متراصة بالقرب من المسرح الذي سيقف عليه فنان الحفل. وتوزع البقية بطريقة تلقائية إلى ذكور وإناث على جانبي المسرح، بينما فرشت سجادة هائلة بين المجموعتين. هذا الفرز المدروس كان مظهراً شكلياً غير ملزماً، فما هي إلا ساعات قليلة جداً حتى اختلط الجميع، ولم يعد هنالك حاجة للكراسي على الإطلاق. الجميع واقفون إما متفرجين أو راقصين.
على ضوء سيارة مسرعة استيقظت كلبة فريال الضو، نبحت في وجه السيارة وركضت خلفها مسافة، ثم عادت إلى مكانها مرة أخرى. بينما شقت السيارة طريقها إلى عمق الحي الشعبي، لتتوقف فجأة أمام الصيوان. تنفتح الزجاجة الخلفية المظللة للسيارة وتخرج ساريسيا رأسها وهي تشاهد بفضول وتعجّب تلك الأنوار والموسيقى الصاخبة دون أن تعرف سبباً لكل ذلك. مدّت ساريسيا رأسها بكل رقة إلى السائق لتسأله: - أهذا عرس يا سباستين؟ * يبدو كذلك آنستي.
لا تتذكر ساريسيا متى كانت آخر مرة تشاهد فيها عرساً شعبياً كهذا منذ حفل زواج ابنة مأمون القرن صديق والدها. رغم ما اكتنف ذلك الحفل من مظاهر برجوازية نظراً لكون مأمون القرن أحد أغنياء بورتسودان. شعرت ساريسيا، التي كانت تميل إلى الحياة البسيطة التي اعتادت وتربت عليها منذ أيام صباها في المناطق النوبية التي ولدت فيها، برغبة ملحة في مشاهدة هذا الحفل. فكانت تفكر بوسيلة تقنع بها "حارسها الأمين" سباستين أن يدعها تتفرج لبضع دقائق فقط "إذا عرف السيد جيوفاني فسوف لن يرحمنا آنستي" قالها سباستين محذراً ساريسيا التي لم يكن من الصعب عليها أن تقنعه بالمكوث لا سيما وهي تعرف مقدار ما يكنه لها من محبة، وهي التي يعتبرها بمثابة ابنته التي توفيت في حادث ارتطام قطارين في باريس قبل ستة أعوام عندما كانت عائدة مع والدتها من عطلة رأس السنة. "أخبره بأننا علقنا في الوحل فقط!" قالتها ساريسيا برجاء ممزوج بدلال أنثوي تجيده تماماً. ولكي تثير فيه تلك الشفقة التي لا يستطيع أن يقاومها أردفت قائلة "أريد أن أستمتع بوقتي في بورتسودان قبل مغادرتها، هذا آخر طلب أطلبه منك .. أرجوك"
تقدم سباستين بسيارته الفارهة إلى منطقة يابسة نوعاً ما، حيث نزلت ساريسيا، وهي تمسك بأطراف فستانها التقليدي على غرار اللباس الأوروبي للطبقات الراقية في العصور الوسطى. وبينما توقف البعض يرمقونها بنظرات مندهشة، تقدمت بكل ثقة إلى حيث يمكنها المشاهدة الكاملة، وجلست بجوار فتاة ظلت تتابعها بنظراتها الفضولية قبل أن تبتسم في وجهها بسذاجة وتومئ لها بالجلوس. عندما لم تتمالك نفسها، انحنت الفتاة إلى صديقتها الجالسة في المقعد الأمامي لها مباشرة "هوي ... شفتي الخواجية الجات قعدت جمبي دي؟" عندها ابتسمت ساريسيا بلطافة ومكر مهذب وهي تقول "أنا بتكلم عربي كويس خلي بالك" لم تستطع الفتاة أن تتفوه بكلمة بعدها، فقط علّقت بصرها إلى الأمام دون أن تبدي أي حراك.
وبدأ الحفل حتى قبل دخول العروسين، وظلت ساريسيا تحدق بتركيز علّها تفهم ما يجري قبل أن يشعر سباستين بالممل وهو في سيارته. عندها سمعت زغاريد متعالية تنطلق من نسوة وقفن في زاوية ما من الصيوان. ودخل إثرها العريس ممسكاً بذراع عروسه التي لم تكن تكاد ترفع رأسها إلاّ لتستقبل قبلات النسوة والفتيات اللواتي أحطن بها كما تحيط برادة الحديد بقطب المغناطيس. كان من السهل على ساريسيا أن تعرف مقدار البساطة التي يتمتع بها هؤلاء الناس، لذا فلم تتكلف في تصرفاتها، حتى أنها لم تكن تستاء من نظراتهم التي كادت أن تشغلهم عن الحفل. حمدت ساريسيا الرب في سرها لأنها كانت ترتدي فستاناً محتشماً فهي تعلم أن لهؤلاء عقدة تجاه أجساد النساء العارية، حتى ولو لم تكن كذلك بالفعل، فعلت ذلك بعد أن ألقت نظرة سريعة – للتأكد فقط – من أن فستانها لا يظهر ما قد يثير ضدها الآخرين.
وما أن جلس العروسان حتى قفز أحدهم حاملاً سيفاً وبدأ يرقص في دائرة بشرية مكوّنة من رجال ونسوة، وتعجبت للوهلة الأولى، وهي ترى كيف يميل الرجل بظهره إلى الخلف بمقدار 90 درجة تقريباً، حاملاً السيف أمام وجهه تماماً، وكيف كان يحرك رأسه كما تفعل طيور البجع البري. وعندما استدارت حوله مجموعة أخرى من الحاضرين، لم تستطع أن ترى شيئاً. وقفت ساريسيا بفضولٍ بالغ، وتقدمت حتى توقفت خلف الدائرة البشرية تماماً. كانت تتابع الرقص بإعجاب بالغ. وما أثار دهشتها أكثر، هو دخول أحدهم متقافزاً بشكل متمايل بإيقاع لم تكن لتخطئه ساريسيا أبداً، كأنه زورق صيد تتقاذفه أمواج البحر. ثم سيدة بثوبها الأرجواني اللامع وهي ممسكة بزجاج عطر بدأت ترشه على الراقصين وعلى الدائرة البشرية بشكل عشوائي تماماً، مطلقة زغاريد أغرت بقية النسوة اللواتي بدأت يزغردن معها بشكل متناغم.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:46 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 12:30 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 01:34 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ابو جهينة | 11-27-06, 02:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 05:04 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:47 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:52 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 07:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 09:28 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 10:31 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-27-06, 08:43 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 03:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 04:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:11 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:30 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 12:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 03:39 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 03:48 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 09:18 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 11-29-06, 10:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | منى أحمد | 11-29-06, 03:37 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 03:24 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 02:39 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 04:12 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 05:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:10 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:55 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:58 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:02 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:09 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-30-06, 05:52 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-01-06, 02:03 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-02-06, 10:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:19 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:37 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:42 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-04-06, 09:43 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Safa Fagiri | 12-04-06, 12:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ايوب عبدالرحيم | 12-05-06, 04:51 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 11:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-25-06, 09:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 05:56 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 07:05 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-27-06, 07:19 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-28-06, 03:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 01:57 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:24 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 03:32 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 05:13 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 06:04 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 03:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 07:40 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 08:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 01-30-07, 02:01 PM |
|
|
|