|
Re: بي حجرين ... (رواية) (Re: هشام آدم)
|
______________________
وفي طريقه إلى المنزل، يشير إلى المركبات العابرة لتقلّه في طريقها إلى أي نقطة أبعد من مكانه. تتوقف سيارة (بوكس) فيركض ليرمي نفسه داخل حوضها الخلفي قبل أن تتوقف تماماً، ويجلس مع آخرين. آخرون يحملون ملامح أقرب إلى ملامحه، يشعر إلى جوارهم بأنه أكثر تميّزاً، ربما لأنه يحمل في داخله إردبّات سعادة لا يحملونها، وقد لا يستشعرونها فيما تبقى من حياتهم. يتكلمون عن أشياء يعرفها ويفهمها، أشياء يسمعها كل يوم، وربما كانت متكررة كما بقية الأشياء في حياته التي لا يتغّير فيها شيء غير التواريخ : أزمة الديزل التي أدت إلى توقف الشاحنات ناقلة البضائع وبالتالي انعدام بعض المواد الأساسية كالزيت والسكر والبصل وبعض الخضراوات، حادثة انقلاب باص الركاب الإكسبرس على طريق العقبة ووفاة أربعة أشخاص إضافة إلى السائق، قطوعات الكهرباء وما تسببه في الصيف من أزمات حادة وتضرر الناس على إثر ذلك، الزيادة الملحوظة للقرّاص وحشرات الصيف. موضوعات يألفها الريّس أكثر من تلك التي يسمعها في النادي الإفرنجي.
أناس تضحكهم أشياء بسيطة وربما تافهة، يتندرون على أنفسهم وعلى ما يجري من حولهم بكل سخرية. تكلّموا عن حفلة العرس التي انقطع فيها التيار الكهربائي لأكثر من نصف ساعة، وكيف أن الحضور دهشوا - بعد عودة الكهرباء - عندما لم يجدوا للعروسين أي أثر. قال البعض – سراً – أن العريس من عائلة محافظة جداً، ولم يكن يسمح له بالاختلاط مع الجنس الآخر، وأنه كان متلهفاً لانتهاء الحفل لأسباب يقدّرها المتزوجون حديثاً. وقال البعض الآخر أن العروس كانت مستاءة من عدد السكارى في الحفل. بينما ذهب آخرون إلى أن انقطاع الكهرباء كان مدبّراً من قبل ذوي العريس الذين أرادوا التهرّب من عشاء المدعوين، إذ فاق عددهم حد توقعاتهم وإمكانياتهم، غير أن جميع الروايات اتفقت على أن انقطاع الكهرباء كان حلاً سماوياً دون شك. في الطريق، يضرب الريّس بيده على جانب البوكس ليخفف من سرعته، فيسارع بالقفز قبل أن يتوقف تماماً ، ويلوّح للآخرين مودعاً إياهم، بينما تنطلق السيارة مرّة أخرى.
في بورسودان يكفي أن تلتقي بالناس في مركبة عامة ليتولّد نوع من الإلفة بينك وبينهم. لا يهم إن كنت تعرفهم من قبل أو لا، إذ يمكن لأي شخص أن يشارك الآخرين حديثهم حتى وإن كان قد انضم إلى الجلسة للتو. أهل بورسودان البسطاء، بسطاء في كل شيء حتى في أحاديثهم وفي علاقاتهم. وهم لا يحبون الذين يتعالون عليهم. من ملامح الناس العابرة صباحاً إلى كل مكان تعرف تفاصيل الطقس الحياتية. وحركة الأقدام لا تخف وطأتها على الأرض إلاّ في موعد المسلسل المسائي، وفيما عدا ذلك فبورسودان مدينة حيّة وتعج بالحركة. وعندما تخف حركة أقدام البشر، تبدأ الكلاب نوبتها الليلة، فتتعالى أصوات النباح في كل مكان. قلّة من الناس هم من لا يملكون كلباً أو يشتركون مع جار ملاصق نباح كلبهم وحراسته الليلة. الإضاءات الخافتة داخل البيوت والمنبعثة من فوانيس زيتية بدائية تجعل الشوارع أكثر عتمة، بينما تتعالى أصوات ضربات الطار في مسيد الطريقة القادرية لتكوّن مع نباح الكلاب جوقة مسائية أصبحت معتادة لأهل ديم بوليس. أسوار المسيد وبابه الزنكي المضاء بأنوار خضراء تزيّن الحي دون أن تزوّد المارة بالضوء الكافي المخفِف للعتمة والظلام هو ما يذكّر الريّس بأن اليوم هو يوم الاثنين دون شك. يمر عبر ميدان الحي المليء بالحصوات الصغيرة المتناثرة، وحفر السكّج بكّج والبلّي المصنوعة بيد الأطفال دون أن تسترعي انتباهه القصائد النبوية التي تتلى، ودون أن يهشّ نباح الكلاب عن أذنيه.
كان الريّس يحس بسعادة تغمره وتشعره بأنه أصغر من سنواته الثلاثين، وهو يتقافز بين الحفر الرملية التي تملأ ميدان دقنة، ملوّحاً بيديه الاثنتين في الهواء كأنه يجرّب الطيران الأمر الذي كان يثير فضول الكلاب ونباحها. كان الظلام والوقت المتأخر ما يغريه بأن يتراقص على الأنغام التي ما زال يتذكر طعم إيقاعها جيداً، ويعيد تعبئتها في كل مرّة، تماماً كآلة البيانولا . الكلاب والمدّاحون والريّس كانوا هم مصدر الإزعاج الوحيد للحي النائم بسلام، متدثرين برطوبة الصيف المعتادة والقرّاص. عندما اقترب الريّس من منزله، بدأ في اكتساب بعض الاتزان والهدوء، ورسم كروكياً لملامح جادة نوعاً ما. يرفع يديه، ليُسقط مزلاج الباب بهدوء وحذر خشية أن يوقظ أمه التي تنام في فناء المنزل.
- جيت يا المسخوت؟ * إنتي صاحية يا أم محجوب وله صحيتي مع صوت الباب؟ - هو أنا بجيني نوم وإنتا بره؟ يا ولدي ما قلتا ليك بطّل الصرمحة والصعلكة بتاعتك دي .. القدرك معرّسين وفاتحين بيوت حسي
يواصل الريّس إحكام إغلاق الباب بكل هدوء دون أن يردّ على اسطوانة والدته التي اعتاد على سماعها في كل ليلة يتأخر فيها خارج المنزل. كانت أمه تعتبر هذه النصائح كالمعوذتين قبل النوم، بل كانت تتحين الفرصة لتتلو على مسامعه "نهج البردى" في كل مرّة تجد فرصة مواتية لذلك، معيدة عليه جملتها المستنسخة التي لا تفتأ تقولها له "شهاب الدين أظرط من أخيه" لم يكن يعرف الريّس سراً لهذه الجملة المتلازمة التي تصر نفرين على ترديدها دائماً. يسحب الريّس بقدمه اليسرى طوباً قريباً ويثبته أسفل الباب، ويدخل إلى الفرندة ويخرج حاملاً سريره بيديه، ويعود ليضع عليه مرتبة من الإسفنج ووسادة تشبه إلى حدٍ كبير ورق الباسطة الناشفة. يقف برتابة ممسكاً بملاءة ينفّض بها بعض الغبار – ربما – عن المرتبة الإسفنجية. أمّه التي كانت تبحث في نقاشها معه عن خاصرة ضعيفة تكسر فيها قناعته بالعزوبية، كانت فقط تحلم بأن تراه متزوجاً كبقية أصدقائه. وبين كل كلمة وأختها كانت تبصق ماء التمباك الآسّن من فمها على علبة "حليب نيدو" مملوءة بالتراب إلى منتصفها. وتعيد وضع العلبة تحت سريرها وهي تغمغم بكلمات لم تعرف ما إذا كانت دعوات أم لعنات. في طول سنوات الريّس الثلاثين، لم ير أمّه لحظة تغيير تراب علبة حليب النيدو، وعجز عن رصد تلك اللحظة النادرة جداً، غير أنه دائماً ما يجد العلبة بتراب جديد في كل مرّة. بجوار السرير الذي تنام عليه نفرين - أم محجوب الريّس - طاولة صغيرة من النوع القابل للطي وعند فردها أو طيّها تصدر صوت طقطقة، لذا يسميها البعض "طقطوقة"، عليها كأس ماء شفّاف تضع عليها نفرين طقم أسنانها، وسبحة طويلة لا تفارقها أبداً.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:46 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 12:30 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 01:34 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ابو جهينة | 11-27-06, 02:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 05:04 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:47 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:52 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 07:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 09:28 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 10:31 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-27-06, 08:43 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 03:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 04:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:11 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:30 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 12:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 03:39 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 03:48 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 09:18 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 11-29-06, 10:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | منى أحمد | 11-29-06, 03:37 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 03:24 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 02:39 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 04:12 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 05:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:10 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:55 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:58 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:02 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:09 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-30-06, 05:52 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-01-06, 02:03 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-02-06, 10:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:19 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:37 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:42 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-04-06, 09:43 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Safa Fagiri | 12-04-06, 12:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ايوب عبدالرحيم | 12-05-06, 04:51 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 11:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-25-06, 09:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 05:56 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 07:05 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-27-06, 07:19 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-28-06, 03:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 01:57 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:24 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 03:32 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 05:13 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 06:04 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 03:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 07:40 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 08:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 01-30-07, 02:01 PM |
|
|
|