|
Re: سواهي ذات الدواهي (Re: محمد عثمان الحاج)
|
بحسب ما قال به عالم النفس الكبير كارل يونج فإن لكل أمة عقل باطن جماعي له رموز أساسية تظهر في أحلام المنتمين لتلك الأمة. رمز العجوز الماكرة الشريرة هو أحد الرموز المثيرة للاهتمام في التراث العربي الإسلامي ونجد هذا الرمز يظهر بكثرة في كتاب ألف ليلة وليلة، ويجب أن أضيف هنا أن العجوز بمقاييس تلك الأيام التي كان يتم فيها تزويج البنات وهن دون الخامسة عشر، تعتبر امرأة ناضجة بمقاييس هذه الأيام والدليل هو سلوك سواهي الوارد في المقطع أعلاه!
في تراثنا السوداني لدينا عجوبة التي تسببت في خراب سوبا!
العجوز ترمز إلى الدنيا أيضا في اللاوعي الجماعي العربي والدنيا مذمومة فهي ضرة الآخرة:
يقول ابن سيرين في منتخب الكلام في تفسير الأحلام:
وأما العجوز: فهي دنياه. فإن رآها متزينه مكشوفة نال دنياه مع بشارة عاجلة وإن رآها عابسة دلّت على ذهاب الجاه لأجل الدنيا. وإن رآها قبيحة انقلبت عليه الأمور، وإن رآها عريانة فإنّه فضيحة. وإن رآها متنقبة فإنّه أمر مع ندامة. فإن رأى كأن عجوزاً دخلت داره، أقبلت دنياه، وإن رآها خرجت عن داره زالت عنه دنياه. فإن تكن العجوز مسلمة، فهي دنيا حرام. فإن كانت مسلمة فهي دنيا حلال. وإن كان قبيحة فلا خير فيها. والعجوز المجهولة في التأويل أقوى. فإن رأت امرأة شابة في منامها كأنّها قد تحولت عجوزاً، دلت رؤياها على حسن دينها. فإن رأى الرجل عجوزاً لا تطاوعه وهو يهم بها. فهي دنيا تتعذر عليه. فإن طاوعته نال من الدنيا بقدر مطاوعتها.
ويقول صاحب تعطير الأنام في تفسير الأحلام (عبد الغني النابلسي):
العجوز هي في المنام عجز، وربما دلّت على الدنيا الذاهبة، وربما دلّت على الآخرة لأنها ضد الدنيا، وتدل على الخمرة لأنها من أسمائها، وتدل على البقرة لأنها من أسمائها أيضا. وربما دلّت العجوز في المنام على الحمل بعد اليأس منه. وربما دلّت رؤية العجوز على المكر والخديعة والهمز واللمز. والعجوز المريضة عجز، والعطشى قحط، فإن عادت صبية زال القحط، وإن دخلت العجوز المجهولة على مريض خشي عليه من الموت، وهو دليل خير للحامل. والعجوز تدل على أرض سبخه لا تنبت. ومن رأى عجوزاً قبيحة المنظر فإنها تدل على الفتنة والحرب. والعجوز الكافرة مال حرام، والعجوز المسلحة مال حلال مع سرور لمن رآها. ومن تحوّلت عجوزاً نالت وقاراً. والعجوز المجهولة تدل على السنة المجدبة. وقد تكون العجوز القبيحة المنظر بشارة بزوال الحرب والقحط، والعجوز الهزيلة سنة قحط، فإن سمنت أقبلت السنة. والعجوز المكفهرة الوجه دنيا مع هم وذهاب جاه، وإن كانت عارية فإنها فضيحة في دنياه. ومن رأى عجوزاً دخلت داره أقبلت عليه دنياه، وإن رآها خرجت عنه ذهبت دنياه. وإن رأت امرأة أنها قد صارت عجوزاً فإنه صلاح دنياها.
الكثير من المجتمعات العربية تغرس في العقل الباطن للفتيات منذ الصغر فكرة أنهن لا يؤتمن على شرفهن وأنهن إن غفل عنهن الرقيب لحظة فقدن عفافهن، فتكون نتيجة ذلك وقوع المحذور لآن القناعة ترسخت في العقل الباطن! دارت تلك الأفكار في رأسي قبل سنوات بينما كان محدثي يشفط أنفاس الشيشة ويتلاعب بشارب ضخم وهو يحكي كيف راودته امرأة حجازية عن نفسه في البادية بعد أن تسببت ظروف طارئة في اجتماعهما منفردين، وكيف أنه عف عنها خجلا من ابنها الذي كان صديقه، ولا عجب فقد بدا في جلسته تلك تجسيدا لعنترة بن شداد بجسده الهائل وعضلاته المفتولة وشاربه الضخم بما يمثل اغراء حقيقيا لأرملة بدوية شبه أمية!
هكذا نسج اللاوعي العربي الجماعي خوفه من انتقام العجوز. هل سيكون هلاك العرب والمسلمين ذات يوم وانقراضهم بسبب سواهي ذات الدواهي؟
| |
|
|
|
|