|
Re: الخرطوم تتفق مع الأمم المتحدة على استقبال 105 خبراء ،والبشير يهرول خجلآ للسعودية!! (Re: بكري الصايغ)
|
::::: بعـدركــوع الانقـــاذ: الـبشــيـر يهـرول للسعـوديــة، والـتـرابي يـعتـزل الـسـياســة:
الترابي ... ما بين الخلوة والخروج إلى الهامش
الاتحادى الاحد 24 ديسمبر2006 ارتفع الحديث الذى كان يدور همسا عن عزم الزعيم الاسلامى والامين العام لحزب المؤتمر الشعبى ، الدكتورحسن الترابى ، مغادرة ساحات العمل السياسى الحزبى قريبا ، والاتجاه الى خلوات العمل الفكرى عبر مواصلته الكتابة فىما كان ابتدره عن التفسير التوحيدى للقرآن الكريم ، لكن المتتبع لسيرة الرجل الذى ملأ الدنيا وشغل الناس يصعب عليه التسليم بأن الترابى الذى يقترب حثيثا من العقد الثامن ، سيخلد تماما الى خلوات الفكر والتأمل . فشيخ حسن كما يحلو لحوارييه وشيعته مناداته ، لن تهدأ ثائرته دون ان يقتص من تلاميذه الذين يمسكون باعنة السلطة بعد ان أقصوه منها عنوة وزجوا به فى السجن حبيسا لاكثر من عامين حسوما ، وانفاذ مشروعه الفكرى وحركته الاسلامية التى انفق عمره في ترجمة مشروعها الى ارض الواقع ، وهو فى ذلك يشابه جده الشيخ حمد ود الترابى «حمد النحلان» الذى وصفه ود ضيف الله فى الطبقات بشايب الصوفية «أب سما فاير» كناية عن ثوريته المستمرة حتى بلوغه من الكبر عتيا . وعندما اندلعت الازمة في دارفور سيقت الاتهامات الي الترابي وجماعته بالضلوع في تأجيجها ومساندة الحركات المسلحة هناك وتحديدا «حركة العدل والمساواة» التي يقودها خليل ابراهيم احد كوادر الاسلاميين ، وبغض النظر عن صحة تلك الادعاءات او مجافاتها للحقيقة ، فان المؤكد كان الدعم الكامل الذي اظهره الترابي لمطالب حركات الهامش والتأكيد علي عدالتها ، بل انه اتهم بتحريك كل خيوط اللعبة الخطرة التي تدور في اطراف البلاد ولعل ما عضد من ذات الحديث اعلانه علي الملأ استعداده لحل مشكلة دارفور ما بين عشية وضحاها ، وثقة الترابي في قدرته علي حل قضايا دفع الكثيرين الي التشكيك بجديته في مغادرة الملعب السياسي الي ساحة التفكير واتمام التفسير التوحيدي، بل رأوا في سنده للحركات المطلبية محاولة للانتقام من تلاميذه الذين اقصوه من دائرة الفعل السياسي خاصة وان أزمة دارفور جلبت علي قادة الانقاذ سخط المجتمع الدولي الذي بات ينظر الي الترابي بنحو متبدل عن صورة الارهابي والاصولي المتشدد. وقاوم الترابي محاولات عديدة ترمي لاقصائه من الملعب السياسي بدرت من اصوات شباب داخل حزبه ناصرتها عناصر خارجية من خصومه في بقية الاحزاب الى جانب ضغوط من القوي الدولية والاقليمية التى ترفض عودته مجددا الى ساحات التأثير الفاعل على مجريات الاحداث بالبلاد . وفي اخر حوار اجرته « الصحافة » مع الترابي الخميس 14 ديسمبر ، اظهر الرجل حالة من الاحباط لما وصل اليه حال البلاد التي تعاني الدمار والخراب علي كل جبهاتها جنوبا وغربا وشرقا ، وتشعب الامر الي تدخل دولي بات ، حسبما قال ، يعقد علي الناس مصائرهم ، والمستمع الي الترابي يأخذه التفكير الي ان الشيخ علي وشك الترجل عن زخم السياسة التي جلبت عليه وحركته بعد اربعين عاما من المثابرة، وبالاً ما كان يخطر علي بال بشر ،حتي ان شباب الاسلاميين تصدوا مؤخرا الي انتقاد التجربة وتشريح فصولها الخفية ، كجزء من سياسة التوبة والتكفير التي بادر اليها الترابي نفسه بعد المفاصلة التي وقعت بين الاسلاميين قبل ست سنوات ، وحملته الي تكوين حزب المؤتمر الشعبي ومعارضة تلاميذه بقوة الكلمة وصلابة الموقف لحد جر عليه حملة اعتقالات وتضييق ألقت بظلالها علي النشاط السياسي واقعدت المؤتمر الشعبي عن الدور الذي رسمته الفكرة الاساسية لتشكيل الحزب ، وامتلأت الساحة وقتها بالاقوال عن ان الترابي عازم علي مغادرة منصبه السياسي لان الشعبي لم يؤد دوره المتناسب مع اشواقه ، ولعل ما عضد من ذات الحديث اعلان الترابي في حديث خص به «الصحافة» اثناء اجتماعات هيئة الشوري قبل نحو عام ، نيته مغادرة منصبه بانعقاد المؤتمر العام المحدد له نهاية هذه السنة، حتي لا يقع التكليف ويجبر بالتالي علي الاستمرار لعامين اخرين في منصب الامين العام، لكن المؤتمر تعثر التئامه في الوقت المحدد لجملة اعتبارات يلخصها مسؤول الاعلام بالمؤتمر الشعبي المحبوب عبد السلام في ضعف الطاقات المادية والبشرية التي اعاقت اكتمال المؤتمرات القاعدية ، فضلا عن ان الحزب مر بأزمات عصيبة بعد تعرضه لعنف النظام بنحو تضررت منه المعايش ومواقع كسب المال والوظيفة العامة التي باتت محصورة بيد الحزب المالك ، يضاف اليها مشاكل اثرت علي الحزب بشكل جدي ناهيك -الحديث للمحبوب- عن تشويه السمعة والاعتقالات ، ويقول لـ « الصحافة» في اتصال هاتفي امس ، ان الحزب يتجه الان الي التعافي من كل المعوقات السابقة واقرار فلسفة التوافق بين الحزب والتنظيم القائمة علي التمدد في كل شعب الحياة الاجتماعية . ويري المحبوب ان المسيرة المتعثرة للشعبي لم تتح انتقال تجربة التجديد باليسر الطبيعي واحتاج بالتالي الي المحافظة علي الجيل القديم في المناصب العليا التي يتقلدها الرعيل الاول من الاسلاميين برغم ان عطاءهم المادي قل كثيرا، ويضيف بان الحديث عن تنحية الترابي فرضته ضرورة التجديد الملحة للمنصب وليس شخصه ، والدعوة الان ان تتقدم اجيال الشباب وان يحدث التغيير بطريقة شورية مقبولة بعيدا عن الطابع الدرامي ، ويري ان الترابي استثمر كثيرا من وقته بالمعتقلات في اتجاه التفسير، حيث وجد خلوة لا بأس بها اعانته علي اكمال عمل فكري مقدر، لكن خروجه من المعتقل وانشغاله بالسياسة والعمل الاجتماعي اثر علي هذا الجانب، فكان لابد من الموازنة التي تحفظ عطاءه الذي يحتاجه الناس في الوقت الراهن اكثر من أي وقت مضي، ويضيف «قد لا يأتي اليوم الذي نكون فيه بحاجة الي الترابي كما نحن الان في هذه المرحلة الحرجة »، ويشدد المحبوب علي اهمية التعاطي بجدية بالغة مع اكمال الترابي لمشروعه ، فالرجل بطبعه يميل الي العمل الفكري ويجد فيه راحة ، لكنه اعلن اكثر من مرة رغبته في ان يري الاجيال التالية متحملة لمسؤولياتها ، ويستدرك بالقول «لكن كل ذلك رهين بمن الشخصية الانسب لتتولي القيادة». لكن كمال الجزولي القانوني والكاتب المعروف يري ان خيارات الترابي لا تنفصل عن خيارات مجمل الكيان الذي ينتمي اليه اويقوده او يمثله باي شكل ، ويعتبر في حديث هاتفي مع «الصحافة » امس ما يتردد عن انسحابه والاكتفاء بدور معين لايبدو مفهوما لانه في هذه الحالة يشبه مغادرة الممثل لخشبة المسرح فجأة تاركا بقية الممثلين الذين لايدرون كيفية التصرف ازاء ذاك الانسحاب ليكون التصرف نفسه موضع مساءلة ويندرج ضمن المعطيات التي يتم علي اساسها تقييم الانسحاب ، ويري الجزولي ان الامر يبدو معقدا من منظور حرمان شخص مثل الترابي من حقه في ان يعتلي الخشبة وينزل منها وقت ما يشاء ، فمن الناحية النظرية يستند القراران الي حريته الشخصية ، واية محاولة لطرح اي منهما للنقاش العام تبدو غير مبررة ولا مشروعة ، ويمضي الجزولي الي القول بان المسألة في غاية التعقيد ، لكن اذا طرحت علي مستوي المعايير العمرية لنشاط المفكرين فانها تصل الي مستوي اللا معقول لان المفكر والسياسي ليس ظاهرة بايلوجية ينبغي التخلص منها ، كما يفعل بحصان العربة في عمر معين يستوجب اطلاق رصاصة الرحمة عليه ، ويضيف «اسمع كثيرا مثل هذه الكلام عن الديناصورات والقدامي ، لكني اري ان السياسي والمفكر يستمر في عطائه بقدر ما يشعر انه قادر علي الاداء» . ومع تشديد الجزولي علي ان للترابي الحرية الشخصية في اتخاذ قرار التقاعد من الناحية الوجودية البحتة الا انه يطالبه من منظور المسؤولية السياسية والاخلاقية بالبقاء حتي تكتمل «المخالصات» بينه والشعب الذي ظل يؤثر علي حياته علي مدي 40 عاما ،ويوضح اكثر بان الانسحاب من هذه الزاوية يبدو غير مبرر اخلاقيا وغير مشروع سياسيا بالرغم انه في ظروف وملابسات اخري يمكن عدها في اعتبارات الحرية الشخصية . غير ان الكاتب الصحفي و المحلل السياسي خالد التجاني النور، يري ان الاحزاب في السودان بشكل عام ابعد ما تكون عن تطبيق معاني الشوري والديمقراطية ، ويدلل علي ان كل الزعامات لازالت موجودة بشخوصها منذ اكتوبر 1964 م سواء كانت يسارية او تقليدية اواسلامية ، لذلك فان العقلية السياسية السودانية تعاني مشكلة حقيقية بالدعوة الي افعال لا تطبقها داخلها وفاقد الشئ لايعطية بالطبع، ويشير التجاني في حديث الي « الصحافة » هاتفيا امس الي تجربة السياسي البريطاني هيث الذي ظل ينشط سياسيا لسنوات طويلة الي ان خسر الانتخابات فاستقال من الحزب وهو يقول «لايوجد رجل لايمكن تعويضه» لكننا في السودان- يضيف التجاني - ننتظر دوما تدخل«عزرائيل» وبالتالي نعاني من اختناق زعامي . ويري التجاني، ان الترابي صاحب قدرات اكبر من وظيفة الامين العام او رئيس الدولة بل ان وجوده في وظائف من تلك الشاكلة كان خصما علي دوره كمفكر و ظلم نفسه بالتحول الي سياسي وعندما يحاول ان يلعب الدورين فانه يفقدهما معا ، ويشدد علي ان الوقت حان ليتحرر الترابي من الارتهان للسياسة والحزب لان حجمه وقدراته من شأنها افراز تجربة عظيمة وبرؤية نقدية قد تساعد في الخروج من المأزق . وينبه الي ان فكرة الهامش والمركز كانت رؤية فكرية قبل ان تكون تنظيمية وقادت الي الصراع والانشقاق، لكن نبوءة الترابي صحت كما يقول التجاني لانه كان يطالب بان تعطي الاطراف نصيبا من المركز و كان يقرأ الواقع السياسي من ناحية فكرية ، ويمكنه ان يفعل ذات الدور من خارج موقع السلطة او القيادة السياسية فهو قادر علي تحريك الخيوط من بعيد بدليل الهواجس التي اشعلها في النظام بعد مغادرته للموقع التنظيمي .اذاً فالتأثير كما يقول التجاني لا يمت بصلة الي الموقع الحزبي فالحركة الاسلامية كانت جسما صغيرا ، لكن قيادة الترابي اعطتها حجما اكبر وبالتالي فالرجل تجاوز كليا مرحلة التأثير من موقعه التنظيمي. وفي المقابل لايري المحبوب عبد السلام في اهتمام الترابي بحركات الهامش محاولة لتصفية الخصومة مع الاسلاميين في شق المؤتمر الوطني بقدر ما هي تحرك طبيعي لان لفظ « الحركات الطرفية » يطلق عليها مجازا لكنها تمثل كل السودان فقوي الاطراف لم تتطور لتنافس الاحزاب المعروفة وهي اقرب الي الحركات المطلبية ولاتنهض في الغالب بما تفعله الاحزاب القومية ، والترابي كما يقول المحبوب ناصر تلك القوي منذ وقت مبكر وتمسك بالانتخاب المباشر للولاة وان تتجه غالبية السلطات الي الاطراف ،ويشير الي ان الترابي اشتهر بامتلاكه طاقة هائلة من التفاؤل جعلته يرقي بالحركة الاسلامية الي قوة كبري في السودان لكنه يقر -المحبوب- في ذات الوقت بان الظروف التي تمر بها البلاد تجعل الاحباط مشروعا وتدفع بالزعيم الاسلامي الي ان يحدث الناس بحقيقة الوضع الذي فيه تشاؤم ، و يستشهد بمقولة المفكر الايطالي اليساري قرامشي حين يقول ما معناه ان تشاؤم العقل يدفع بتفاؤل الارادة ، ويستطرد قائلا «نستشعر حالة حزبنا الصعبة وكذلك بلادنا فيزداد الامل والرغبة في التبديل الي الافضل ». ويرفض كمال الجزولي في المقابل ان يكون احساس الترابي بالاحباط مبررا للانسحاب قبل تصفية الحسابات ، واجراء المخالصات النهائية ، فالمسرح الذي اسهم في نصبه كل هذا الاسهام لايزال عامرا ولم يسدل ستائره ، وبالتالي ليس من حقه ان يقرر وحده النزول من الخشبة ، دع عنك التقرير بمفرده اطفاء المصابيح واعلان الغاء العرض هكذا فجأة .
| |
|
|
|
|