التحية و اعلان حب للشعب الاريتري في عيد استقلاله

Quote: عالمنا وارتريا بين الأمس واليوم جبهة التحرير الارترية ـ المجلس الثوري مكتب الثقافة والاعلام 08.08.2005 من الصعب جداً تصور وفهم قيام الثورة الارترية أو ما صادف الثورة من مصاعب أو تحقيق الاستقلال الوطني نفسه اعتماداً على العوامل الداخلية وحدها ،لقد كان دور العامل الخارجي في التاريخ الارتري كبيراً ،فكلٍّ من الدعم السياسي ، الاقتصادي والعسكري الذي منحته القوى الدولية العظمى للأنظمة الاثيوبية المتتالية من جهة ،والتدخل الأجنبي وما أحدثه من انقسامات داخل صفوف الثورة الارترية من جهةٍ أخرى قد خلفا آثاراً كبرى. البحر الأحمر بدوره لعب ويلعب أدواراً استراتجية هامة لربطه بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط من ناحية وكونه طريقاً بحرياً تجارياً وسطاً يربط بين القرن الافريقي وآسيا وأوربا من الناحية الأخرى ،وما معسكر (( كانيو ستيشن )) بأسمرا والقاعدة البحرية الأمريكية بمصوع الذين أقامتهما الولايات المتحدة بارتريا في حقبة الحرب الباردة إلا أسطع النماذج على المصالح الاستراتيجية للقوى العظمى في ذلك البحر. لقد كانت اثيوبيا واحدةً من أقرب الحلفاء الي أمريكا ،وعند مناقشة مصير ارتريا السياسي بالأمم المتحدة وقفت أمريكا الي جانب المطالب الاثيوبية ،وكما صرح فيما بعد السيد / جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا في ذلك الحين فإن أهم دوافعهم الي تأييد المطالب الاثيوبية هو انحيازهم ـ أي الأمريكيين ـ الي مصالحهم الاستراتيجية التي استدعت ربط ارتريا بإثيوبيا وتجاهل حق الشعب الارتري في تقرير مصيره ،وبفضل الدعم الأمريكي المطلق لنظام هيلي سلاسي استطاع الإمبراطور أن يضم ارتريا الي أملاكه الإمبراطورية دون إدانة أو اعتراض من المجتمع الدولي ،كما أن دور الدعم الأمريكي لاثيوبيا في تدمير وإضعاف قوة الثورة الارترية لم يكن بالدور الثانوي. في السبعينيات بدأت تطورات جديدة بالظهور في المنطقة ،فقد قطعت العلاقة بين السودان والاتحاد السوفيتي السابق في العام 1971م ،وفي 1972م قام الرئيس السادات بطرد السوفييت من بلاده ،وفي 1974م أسقط نظام هيلي سلاسي في اثيوبيا واستبدل بنظام الدرق العسكري الموالي للسوفييت ،واستبدل الصومال علاقاته القوية مع السوفييت بعلاقاتٍ أقوى مع الغرب ،بيد أنه لم يكن مجدياً لأمريكا أن تخسر اثيوبيا ذات الأربعين مليوناً من السكان وأقدم وأقوى أصدقائها بالمنطقة لتكسب الصومال ،كما أن دخول القوات الكوبية الي اثيوبيا سبـّــب المزيد من القلق لأمريكا فيما يتعلق باثيوبيا ،وزاد من قلق أمريكا أيضاً انتشار التأثير السوفيتي في كلٍّ من ليبيا ،اليمن الجنوبي ،وسوريا. لم يكن قلق أمريكا نابعاً من فقدانها لمعسكر اتصالاتها بقاعدة (( كانيو ستيشن )) بأسمرا ولا قاعدتها البحرية بمصوع ،وذلك لأن قناة السويس كانت قد أغلقت في 1974م وتضاءلت أهمية قاعدتها الاتصالية بأسمرا بسبب تطور تكنولوجيا الأقمار الصناعية ،إلا أنها شعرت بمرارة العلقة الدبلوماسية الكبيرة التي ألحقها بها السوفييت عندما أفقدوها الصلة باثيوبيا أقوى وأقدم أصدقائها والحليف الاستراتيجي لها ولصديقتها إسرائيل. أما حركة التحرر الوطني الارترية فلم تكن لتدعمها لأنها من ناحية لم يرد بخاطرها أن تكون ارتريا المستقلة صديقةً لها ،ومن ناحية وبما أن دعم الولايات المتحدة لارتريا يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى الأمر الذي يعني انتهاكاً لميثاق منظمة الوحدة الافريقية لم ترد أمريكا أن تعكر صفو علاقاتها بدول وحكومات افريقيا ،وبمعنى آخر كانت أمريكا تعتقد أنها بدعمها لارتريا سوف تخسر دولاً إفريقية عديدة. ولكن أمريكا لم تكن تمانع أن يقوم أصدقاؤها بدعم الثورة الارترية ،لأنها كانت تعتقد أن انتصار نظام الدرق على الثورة الارترية يعني تقوية الوجود السوفيتي في القرن الافريقي ،بل كانت تحبذ أن تتواصل معركة ارتريا واثيوبيا هكذا دون انتصار طرف على الطرف الآخر. أما بقية الدول الغربية فلم تقطع دعمها لاثيوبيا ،واستطاعت اثيوبيا بفضل الدعم السوفيتي الرسمي الكبير من جهة والدعم الغربي الرسمي وغير الرسمي من الجهة الأخرى أن تصمد في مواجهة الحروب الداخلية التي اندلعت ضدها من كل الجهات ،ولم تكن أمريكا تعارض ذلك الدعم إن لم تكن راضيةً عنه. الاتحاد السوفيتي كان يقدم الدعم المباشر وغير المباشر ـ أي عن طريق أصدقائه ـ للثورة الارترية ويدافع عن ثورة وقضية حق ارتريا في تقرير مصيرها في المحافل الدولية، وبعد انتقال اثيوبيا الي الأخذ بالنظام الاشتراكي دخل السوفييت في ورطة، وفي السبعينيات بذل السوفييت عن طريق حليفتيهما كوبا وألمانيا الشرقية مساعي لعقد صلحٍ بين اثيوبيا والثورة الارترية لم تكلل بالنجاح، ولكنهم في نهاية الأمر قرروا الوقوف بجانب اثيوبيا، واتبعوا سياسةً تنحو الي منح ارتريا حكماً ذاتياً في إطار الدولة الاثيوبية وتزايد في ذات الوقت دعمهم لاثيوبيا، ونتيجة ذلك كله كان تحول بعض أصدقاء الثورة الارترية كاليمن الجنوبي وليبيا والحزب الشيوعي السوداني وبعض تنظيمات الثورة الفلسطينية الي الوقوف بجانب اثيوبيا. الصداقة الاستراتيجية التي ربطت بين كلٍّ من امريكا واسرائيل واثيوبيا والعلاقة السيئة بين الدول الثلاث مجتمعةً وبين الدول العربية اضطرت بعض الدول العربية الي الوقوف بجانب نضال الشعب الارتري من أجل الاستقلال، كما أن علاقة اسرائيل باثيوبيا لم تنقطع حتى بعد سقوط نظام هيلي سلاسي، ولذلك بذلت الدول العربية كل ما في وسعها سعياً الي خلق دولة ارترية مستقلة تكون صديقة للعرب، وبالفعل سعت كل دولة الي بناء علاقة بالتنظيم الذي رأته يقـــوّي من تأثيرها في شؤون ارتريا المستقبل من بين تنظيمات الثورة الارترية، وعلى العموم اتخذت الدول العربية موقفاً يدعم استقلال ارتريا. لم يكن السودان يدافع عن استقلال ارتريا احتراماً لسياسة منظمة الوحدة الافريقية التي لم تكن تسمح بتدخل أعضاء المنظمة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، لكنه من جانب آخر كان يسمح لمختلف تنظيمات الثورة الارترية بممارسة نشاطاتها السياسية والعسكرية علي أراضيه، وكانت الأنظمة السودانية المختلفة تتأثر في سياساتها تجاه ارتريا مداً وجزراً بطبيعة علاقاتها مع اثيوبيا وتوازن القوى الداخلي بين مختلف القوى السياسية السودانية، ومن حينٍ الي آخر كانت الضغوط الخارجية التي تمارس علي السودان كثيراً ما تتمخض عن آثارٍ سلبية على الثورة الارترية، وبما أن العلاقة بين السودان واثيوبيا ظلت سيئةً طيلة فترة الكفاح الارتري المسلح وباستثناء بعض المضايقات التي كان يمارسها السودان علي تنظيمات الثورة الارترية في بعض الأحيان يمكن القول عموماً أن السودان قد وقف الي جانب الثورة الارترية، ومن الحقائق التاريخية غير القابلة للإنكار أن الشعب السوداني بالذات ظلّ دوماً يعلن مساندته وإيمانه الكامل باستقلال ارتريا. حتى فجر تحرير ارتريا من الاحتلال الأجنبي ظلّ نظام ورؤية الحزب الواحد هو المفهوم السائد سواء وسط الثورة الارترية أو دول المحيط، بمعنى أن الغلبة كانت لمفهوم الاستيلاء على السلطة عن طريق القوة والانفراد بها وإبعاد وسحق كل القوى المعارضة، ويمكن القول : إن السبب الأساسي وراء الحروب الأهلية هو سيادة ذلك المفهوم وسيطرته علي عقلية قوى الثورة الارترية. الي جانب إيمان وتمسك الشعب الارتري القاطع بالاستقلال والذي كان له الدور الحاسم في تحقيق ذلك الاستقلال، تضافرت عوامل خارجية مؤثرة سهلت أكثر من إمكانية حصول ارتريا على الاستقلال، ويأتي علي رأس تلك العوامل : سقوط الاتحاد السوفيتي، نمو وتزايد قوة الحركات الاثيوبية المعارضة، قـبـول جــبــــــهــة (( الإهودق )) الاثيوبية بمبدأ إجراء الاستفتاء علي استقلال ارتريا والالتزام بنتيجته، وصول ثورة الإنقاذ الوطني الإسلامية التي تؤمن باستقلال ارتريا الي السلطة في السودان وما شابه ذلك من العوامل الخارجية، ولولا قبول جبهة (( الإهودق )) الاثيوبية بالذات بمبدأ إجراء الاستفتاء علي استقلال ارتريا والالتزام بنتيجته لما استطاعت منظمة الوحدة الافريقية التي تتخذ من العاصمة الاثيوبية مقرها الدائم وتتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، لما استطاعت أن تقول بملء فيها : نعم لاستقلال ارتريا، كذلك لم تكن أمريكا حتى العام 1993م تتقبل مبدأ استقلال ارتريا، والموقف الأمريكي وما يماثله من المواقف كان بالإمكان أن يخلق تعقيداتٍ مختلفة أمام الاستقلال، ولذلك كان موقف الإهودق من استقلال ارتريا موقفاً تاريخياً جديراً بالشكر والإشادة. ارتريا اليوم (( ارتريا ما بعد 1993م )) : ــ منذ بداية التسعينيات وحتى اليوم جرت في منطقتنا والعالم أحداث وتغيرات كبيرة، فمن المتغيرات الرئيسية علي مستوى العالم انتهت حقبة الحرب الباردة والصراع بين القطبين العالميين، وكتبت الغلبة للقطب الامريكي فساد العالم وهيمن عليه، وها نحن نعيش عالم القطب الدولي الواحد، ونتج عن ذلك تضاءل احترام مبدأ سيادة الدول وتكررت وتعددت صور انتهاك سيادة الدول، واجتياح أمريكا المباشر لأرض أفغانستان والعراق خير شاهد علي هذه الحقيقة، كما حلت المفاهيم الليبرالية كالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية السياسية والفكرية محل المفاهيم والأفكار التي تدافع عن نظام دكتاتورية الحزب أو الفرد أو الطبقة الواحدة. أما علي مستوى منطقتنا أصبحت ارتريا بعد مايو 1993م دولةً تتمتع بـ : عطف وتأييد دول الجوار، استعداد أمريكا ودول الغرب عامة لتقديم كافة أشكال الدعم للدولة الوليدة، تأييد شعبي كاسح، عودة اللاجئين والمهاجرين الارتريين للمساهمة في بناء وتعمير البلاد، إبداء القوى السياسية الارترية رغبتها واستعدادها للحوار من أجل تحقيق المصالحة والوفاق الوطني. بيد أن كل تلك العوامل الإيجابية التي تصب في مصلحة الشعب والوطن ذهبت أدراج الرياح في مدة وجيزة بسبب السياسات الخرقاء التي انتهجها النظام الدكتاتوري، فصارت ارتريا جزيرةً معزولةً عن محيطها وجيرانها، وتواصلت صور وأشكال معاناة الشعب الارتري اليوم بأبشع مما كانت عليه بالأمس، واختفى العدل والسلام والرخاء، وانتهكت الحقوق الإنسانية، وأحبطت كل الآمال الارترية، وتهاوت قدرات شعبنا على الصبر والتحمل والتجمل، وسقط قادة ارتريا الجديدة في نظر المجتمع الدولي. على الصعيد العالمي تزايدت أهمية النفط بالنسبة لأمريكا ودول الغرب عامة لما تواجهه من تزايد سكاني وتطور تكنولوجي متسارع، ولكن الظروف المضطربة التي تسود الشرق الأوسط لن تؤمـّــن أو تضمن تلبية هذا الطلب المتزايد علي النفط، ولذلك تتجه أنظار الغرب الباحثة عن بدائل لبترول الشرق الأوسط الي افريقيا، والعامل الثاني الذي يجذب الغرب الي افريقيا هو أعمال الإرهاب، فهناك مخاوف من ألا تتحول افريقيا لما تعانيه من فقر مدقع وفساد وحروب وخلافه الي معسكر لقوى الإرهاب العالمي، ولذلك تركز سياسة أمريكا في افريقيا علي هذين الموضوعين، والمراقبون يرون أن ربط الحكومات الغربية لمساعداتها الاقتصادية لافريقيا بإدخال النظام الديمقراطي التعددي وضرورة احترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية والإنسانية إنما يهدف الي محاربة ثالوث الحرب والفقر والفساد الذي هو البيئة الصالحة لتفريخ الإرهاب والتطرف. ارتريا ليست لها أهمية نفطية تجذب اليها أنظار الغرب، ولكن ساحلها البحري الطويل يمنحها الأهمية في نظر الغرب خوفاً من أن تصبح تلك الشواطئ معبراً أو مخرجاً لقوى الإرهاب، ولذي نرى القادة العسكريين الامريكيين يكثرون من التردد على الموانئ والشواطئ الارترية، في حين أن القادة السياسيين الامريكان لم يحدث أن شوهدوا وهم يزورون ارتريا، فلا يزال الاهتمام الامريكي متجهاً الي الدول الافريقية البترولية وذات المساحة والكثافة السكانية الأكبر كالسودان، نيجيريا، الكنغو ودول غرب افريقيا، ويبدو أن أهمية ارتريا للغرب تقتصر فقط علي الناحية الأمنية والمتمثلة في محاربة الإرهاب تحديداً. إن الدول التي ترغب وتلح في حدوث التغيير في ارتريا هي دول الجوار التي أقضّ نظام إسياس مضجعها بسياساته وممارساته العدوانية، أما الدول العربية اليوم فلها من مشكلاتها الداخلية ما يشغلها عن الاهتمام والانشغال بارتريا، فأهم القضايا التي تستأثر بأولويات الدول العربية اليوم الي جانب قضاياها الداخلية هي مشكلات فلسطين والعراق ولبنان. لذلك فاليوم كما بالأمس يتعين ويتحتم على الشعب الارتري أن يعتمد علي إمكاناته الذاتية ووحدته الداخلية، فعليه أن يتحد اليوم لتحقيق العدالة والديمقراطية والسلام والازدهار كما اتحد بالأمس لتحقيق الحرية والاستقلال الوطني، فما نعيشه من أوضاع محلية، اقليمية، دولية لا يحتمل أية انقسامات أو تكتلات قائمة علي أسس دينية، مناطقية، عرقية أو إقليمية. http://www.nharnet.com/Archives/Arch_2005/Aug2005/ELFRC...AraArticle_Aug08.htm