فالنترحم على روح الاستاذ محمد يوسف محمد / المحامي

Quote: مثل غالبية المثقفين كان خط الحركة الإسلامية في بداياته اتحاديا مساندا تقوية الروابط مع مصر باعتبارها الرافد الأساسي لتقوية الهوية العربية الإسلامية في السودان بيد أن هذا الموقف تبدل بعد تنكر عبد الناصر لحركة الاخوان المسلمين بمصر وإعدامه لقادتها, فقد قاد الإسلاميون بالسودان الحملة الشعبية على النظام المصري وقادوا التظاهرات في أم درمان والخرطوم وود مدني وعطبرة وسنار وغيرها من المدن.. ونتيجة لهذا الموقف الشعبي المساند للاخوان فقد امتنعت حكومة الأزهري عن تسليم بعض الاخوان الفارين للسودان لنظام عبد الناصر مما مثل أول اشارة استقلالية من جانب حكومة السودان تجاه مصر وكان لموقف الإسلاميين بالسودان دوره في بلورة الاتجاه الاستقلالي داخل الحركة الإسلامية, لذلك فقد انصرفت الحركة للتفكير في إطار (السودان المستقل). المسألة الدستورية: ذكرنا ان المؤتمر التأسيسي 1954م كان قد ركز على قضية الدستور الإسلامي باعتبارها محوراً للعمل السياسي للحركة الإسلامية وكانت الحركة مؤهلة لكي تضطلع بدور كبير في هذا الجانب فغالبية المؤسسين من خريجي كليات القانون (محمد يوسف محمد, حسن الترابي, محمد صالح عمر, الرشيد الطاهر, دفع الله الحاج يوسف, عمر بخيت العوض, توفيق طه, صادق عبد الله), وقد اجتمع هؤلاء وغيرهم من الاخوان الى جمع غفير في دار التبشير الإسلامي بأم درمان في 10 ديسمبر 1955م ليعلنوا تأسيس (الجبهة الإسلامية للدستور) وتم انتخاب عمر بخيت العوض أميناً عاماً لها وكانت الجبهة اطاراً سياسياً غير حزبي, لذلك فقد ضم الاجتماع التأسيسي اتحادات الختمية وكيانات الأنصار الى جانب الاخوان وأنصار السنة المحمدية وجماعات التبشير الإسلامي, وعبر المكتب التنفيذي للجبهة في عضويته عن غالبية هذه الجماعات المشتركة في تأسيس الجبهة على الرغم من اضطلاع الاخوان بقيادتها الفعلية وأعلنت الجبهة أن خطتها في العمل تتلخص في تحقيق هدفين: أولاً: تعبئة الرأي العام السوداني للدعوة الإسلامية في بحث الدستور مستنداً الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: الاتصال بكافة الهيئات والأحزاب والزعماء والأفراد لتأييد دعوة الجبهة للدستور الإسلامي. كما نشأت لجان اتصال وتنسيق من السادة النواب في مجلس النواب والشيوخ وكذلك قامت بإعداد دستور نموذجي يتكون من ستة أبواب, والدستور المقترح يعكس الموقف الفكري للحركة الإسلامية في ذلك الوقت, فقد دعا الى جمهورية رئاسية إسلامية مفضلاً صيغة الدولة الموحدة, بيد أن أهم السمات الاخرى تتمثل في المبادئ الاقتصادية والتي حددت الملكية وظيفة اجتماعية ترعاها الدولة وتصونها.. كما نصت على تكوين مجلس للتخطيط الاقتصادي يقوم بالآتي: 1/ منع تركيز الثروة في أيد قليلة. 2/ تأميم المصارف. 3/ التخلص من الربا. 4/ منع الاحتكار. 5/ تنمية الإنتاج المحلي لرفع مستوى المعيشة. المسألة الاجتماعية: الإشارة الى المبادئ الاقتصادية في الدستور تقود الى إثارة مسألة مهمة وهي رؤية الإسلاميين للمسألة الاجتماعية وتوزيع الثروة وحول هذه القضية دار حوار داخلي كبير. تبلور في اتجاه وسطي داخل الحركة الإسلامية يدعو لتأميم التجارة من أيدي الأجانب وتأميم المصارف وتخطيط الاقتصاد لمصلحة الطبقات الأكثر فقراً والتعامل بالمعاملات الإسلامية التي تحرم الربا والاحتكار والضرر والاستغلال. كما دعوا الى تدخل الدولة لقيادة التنمية في البلاد لرفع مستوى المعيشة, وهكذا تجاوبت الحركة انطلاقاً من خلفياتها الإسلامية مع الروح الاشتراكي الذي كان طاغياً في أوساط الطلاب (الجماعة الإسلامية) التي انشقت بزعامة بابكر كرار الى إعلان برنامج اقتصادي اشتراكي متطرف مما دعا الصحافة السودانية آنذاك أن تطلق عليهم لقب (شيوعيو إسلام) ثم تخلت الجماعة الإسلامية عن هذا الاسم الى اسم جديد يبلور خطها الاشتراكي وتسمت باسم الحزب الاشتراكي الإسلامي. المسألة القومية: تجاوبت الحركة الإسلامية في السودان مع قضايا القومية العربية في فلسطين والجزائر وسواها وساهمت بالقتال المسلح في فلسطين, وكانت الحركة الإسلامية من أقوى المناصرين صوتاً في الدفاع عن الثورة الجزائرية وذلك لارتباط الثورة الجزائرية بمسألة الهوية العربية الإسلامية والتي توافق الخط الفكري الذي تناضل الحركة من أجله. أما قضية فلسطين فقد استمر الارتباط الوثيق بها واشتركت الحركة في معسكرات حركة فتح في الستينيات بل أن أحد زعامات العمل الإسلامي بالسودان المرحوم (محمد صالح عمر) قضى وقتاً غير قصير في صفوف المقاتلين من فتح باسم (أبي معاذ) وقد كان هو ورفاقه نواة الحركة المسلحة التي قاومت انقلاب مايو في سنواته الأولى. وعلى الرغم من موقف العداء مع النظام الناصري في مصر فإن الحركة الإسلامية بالسودان ظلت تعبر عن تعاطفها القومي في قضية الحرب ضد العدو الإسرائيلي وبذلك فقد سهمت بفاعلية في تظاهرات التعبئة إبان مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم عقب هزيمة يونيو 1976م, وكان الموقف السياسي للاخوان إبان سني الحرب الباردة مطابقاً لموقف عبد الناصر إذ رفضوا مشروع إيزنهاور لربط دول المنطقة بمحور أمريكا، ورفضوا المعونة الأمريكية المشروطة وأيدوا ثورة 14 تموز في العراق وأعتبروها مؤشراً لانهيار النظم المرتبطة بالاستعمار في المشرق العربي وهكذا فإن الإسلاميين بالسودان ظلوا يتفاعلون مع قضايا الوطن العربي ويعدون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من الكيان العربي، يتفاعلون مع قضاياه وينظرون إلى المستقبل بحسبانه الموعد لإنجاز حلم الوحدة العربية باتجاه وحدة الأمة الإسلامية الكبرى.