الملحمة: هناك خبر بأن الحكومة سوف لن تسمح بالموكب وهذا متوقع ومنذ متى كانت الشمولية تسمح للشعب بأن يعبر عن نفسه، فلندرس التاريخ، خروج الشعب دائما كان ضد ارادة الشموليات وبإرادة الشعب صاحب الإرادة وصاحب السلطة:
رابعاً: دور الريف في الإنتفاضة: يجب إشراك جميع فئات الشعب وخاصة جماهير الريف ويمكن أن يسهم أهل القرى بدور كبير. هناك صراع ابدي ما بين مدنية المدينة وريفية الريف وتعابير مثل "عربي" ، "جنقاوي" "فلاح" ، "غرابي" "اهل العوض" كلها تعابير مدينية وليست مدنية تود الإشارة لتفوق مدنية المدينة على مدنية الريف وخلق تناقض وإستعلاء على المستوى الإجتماعي والسياسي والإقتصادي يسمى في الأدب السياسي لهذه الأيام بالتهميش ولكن أرى إن الموضوع اعمق من ذلك بكثير وليس المجال هنا للإسترسال في هذا الجانب. فأغلب عساكر الجيش بعكس الضباط هم هؤلاء الفئات والذين ساهموا في قوات التجمع في الشرق اغلبهم من فئات تسمى اصطلاحاً "الجنقو" والحركة الشعبية كانت لديها كتيبة تسمى "كتيبة جنقو" والكلمة تعني عمال الزراعة المياومة الذين يشتغلون في الزراعة بأجر يومي. هؤلاء وغيرهم من الفئات التي تمتليء بهم اطراف المدن عانوا الأمرين في ظروف معيشتهم وفي التعليم وفي توزيع الفرص المتساوية مما جعلهم ثوار بالفطرة في إنتظار من يوقد شرارة الثورة وتمتليء بهم المدن السودانية وقد رأينا عندما توفي د. جون قرنق كيف تحركوا وملأوا الطرقات من تلقاء أنفسهم. فإذا كانت هناك أي جهة لها خطاب مقنع لهم سوف يتفجرون كالبركان. هؤلاء يمثلون اهل القرى الذين رحلوا للمدن طلباً للرزق وللعلم وبعضهم طاب له المقام لأننا لم ننقل الخدمات والمطارات وادارات الجوازات والتنمية لهم في قراهم فذهبوا يبحثون عن التنمية في المدن الكبرى والتي اكتظت بهم ويشتكي اهل الخرطوم من ذلك بكثرة كلما يلتفت أحدهم يقول لك أنني اصبحت غريباً في مدينتي الهادئة التي ولدت فيها ولم اعد اعرفها تهكماً من أهل الأقاليم الذين ملأوا عليه مدينته. وقد ركب في المقعد المجاور لي في الطائرة في زيارتي الأخيرة للوطن احد السودانيين وكان طوال الرحلة يشتكي ويقول إنه لم يعد يطيق الخرطوم نتيجة لهؤلاء وكنت أحاول أن اشرح له أن الموضوع أعمق من ذلك ولكن لا حياة لمن تنادي وحتى لم يسألني من أين أنا وأفترض أنني من العاصمة. في الريف تمارس السلطة القهر ذاته بطرق مختلفة ويمكن تعبئة جماهير الريف واكسابها الوعي أو يمكن تجميعها في مناطق محددة وتحريكهم بشكل تنظيمي محدد فهم لهم قناعتهم وفي حالة غضب ولكن لم نفهم سيكولوجيتهم مما أدى إلى نوع من الغربة المتبادلة ما بين احزابنا وهذه الجماهير ولا تجد اثر كبير إلا لبعض التنظيمات الناشطة والحركية وفي السابق كانت قيادة الأنصار تستطيع تجميع الأنصار في الجزيرة أبا وفي أمدرمان متى ما كان هناك حدث سياسي ويمكثون لأيام حسب الظرف. يمكن تعبئة أهل الأقاليم بسهولة وخاصة المزارعين لأن المزارع البسيط يجتهد طوال الموسم وفي النهاية يختفي مجهوده ومحصوله بالضرائب والعشور والقبانة والظلم واضح عليهم وضوح الشمس في رابعة الضحى وقد هجر بعضهم الزراعة. إذن نستطيع القول من الشروط الضرورية للإنتفاضة أشراك اهل الريف فيها وحتى تشتعل الثورة في اكثر من موقع مما يشتت مجهود السلطة الحاكمة في النهاية سوف ينحاز الضباط والعساكر إلى أهلهم وإلى الجماهير كما حدث ويحدث دائماً ولكن علينا إيصال النظام والجماهير لهذه النقطة وهي نقطة اللاعودة وبعدها تشتعل الجماهير كالبارود وسوف لن تسطيع السلطة إطفاء هذا الغضب الثوري. لابد من بناء تنظيمات ريفية فاعلة تشارك مع المدينة في الإنتفاضة وتعبئة الجماهير لتدرك مصالحها الحقيقية التي هي بالضرورة متناقضة مع مصالح السلطة الحاكمة ومليونيراتها الجدد وكفى إستغلالاً للريف. في السنوات الماضية كانت كل العملة الصعبة أو اغلبها يأتي من المحصولات الزراعية مثل القطن والصمغ العربي وتحول كل الإيرادات للخرطوم والمدن الكبرى ونترك المناطق الزراعية التي شقي أهلها بلا مستشفيات ولا مصانع وحتى المصانع الموجودة يعم فيها الفساد وتسطير عليها طبقات وجهات محددة ويصعب على اهل تلك المناطق ايجاد الوظائف المناسبة لهم. لو شاءت الظروف ودخلت مستشفى ريفي مثل مسشتفى ربك عاصمة ولاية النيل الأبيض وسوف تصاب بالدهشة ولا تعرف أنك في مشتشفى أم في سلخانة من شدة الروائح الكريهة المنبعثة من كل الأنحاء. باي معيار من المعايير لا يصلح أن يكون هذا مستشفى لعلاج بشر بل سوف تصاب بمرض بدلا عن العلاج ولا شك في ذلك. بينما بالمقابل ميزانية جهاز الأمن تعادل عشرات الأضعاف ميزانية التعليم أو الطبابة لذلك هاجر وسوف يهاجر اهل الريف للعاصمة طلباً للإستشفاء وطلباً للتعليم وللرزق، لذلك فهؤلاء في إنتظار من يسلمهم الراية الثورية وسوف يحملوها إلى أن يكون النصر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة