|
الطريق إلى "قندهار" إفريقيا! .. حليمة مظفر
|
Quote: الطريق إلى "قندهار" إفريقيا! بعيدا عن الانتخابات السياسية في بلاد النيلين؛ وخلال خمسة أيام تقضيها؛ تكون لديك رغبة مُلحة في اكتشاف حكاية الإنسان السوداني الكريم جدا رغم الفقر والبطالة؛ وهذا يعني الذهاب لمكان يختصر المسافات؛ وليس هناك كـ"قندهار" أو سوق "الناقة" أشهر الأسواق الشعبية؛ وقيل إنه سمي "قندهار" لأنه حين تمت محاولة إزالة السوق؛ تزامن ذلك مع تاريخ الهجوم الأمريكي على "قندهار" بأفغانستان. وكالعادة؛ في الطريق من العاصمة إليها؛ لا يدير السائق السوداني تسجيل السيارة إلا ليشدو بأغنيات ذات طابع صوفي بألحان سودانية؛ تتغنى بصفات وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام وأخلاق أصحابه؛ فما أن تصعد سيارة تاكسي أو تصعد أتوبيس النقل أو تفتح الإذاعة السودانية وغيرها؛ إلا وتشنف آذانك لها؛ محرضة على فضائل الأخلاق والأعمال . وأنت في طريقك إلى "قندهار" يغمرك إحساس بأن السنوات عادت للوراء 1400 سنة؛ وأنك قريب جدا من حياة المسلمين الأوائل؛ فكل شيء حولك يوحي بهذا؛ بساطة الحياة وزهدها في مظاهر المجتمعات المادية؛ وثقافة الطين قد غلبت الثقافة الإسمنتية الحديثة؛ فيما الإنسان السوداني غاية في الطيبة والتهذيب والتواضع؛ مهما كان منصبه عاليا أو مستوى تعليمه؛ إنه يحترم النظام؛ ويلتزم به في الشارع؛ ورغم تقشف الحياة وحرارة الصيف الساخنة جدا التي تتجاوز الـ40 درجة؛ والحياة المطحونة بالفقر والتوتر السياسي والحصار الاقتصادي؛ تراه ودودا وخلوقا؛ ونادرا جدا إن وجدته غاضبا أو عابسا في وجهك. حين تصل"قندهار".. هناك لا شيء يعلو على التراب سوى الإنسان؛ فأنت ببساطة في إفريقيا؛ تتأمل بدائية الحياة من حولك؛ الأبقار والإبل والخيل وعربات الماء والحطب التي يجرها الحمير؛ فيما لا تنفك تتفحص الوجوه السمراء و"المحترقة" تحت الشمس الحامية؛ بعضها لساكني قندهار وأخرى لباعة جائلين؛ ولن تتردد في البحث عن أفضل مطعم شعبي لسيدة سودانية؛ تختار مكانك على مجالس مصنوعة من سعف وخشب؛ وتنتظر أن تطهو النسوة السودانيات ما طلبته في الهواء الطلق من لحوم طازجة؛ بعد مشاهدتهن وهن يقمن بغسلها وتقطيعها والخضار؛ وطهيها بطريقة وأدوات بدائية لم أتوقعها يوما، وكل منهن تحمل في ملامحها حكاية لكفاح المرأة السودانية؛ التي تخوض تجربتها الأولى هذه الأيام في الترشح للانتخابات الرئاسية، وأكثر النسوة المكافحات في "قندهار" شهرة هي "حنان" بائعة الشاي؛ التي رحلت من قريتها مطلقة؛ وبسبب عملها ببيع "الشاي الساخن"؛ استطاعت إعالة أطفالها وبدأت تكمل دراستها في الجامعة؛ ولأنها تفوقت في سنتها الأولى؛ حصلت على منحة جامعية لإكمال دراستها دون رسوم وما تزال في السوق تكافح. أخيرا؛ يأتي طلبك على أطباق قديمة بعضها نحاسي؛ تمد يدك لتناول الطعام؛ فتجد نفسك قد شبعت في ظل تأمل تلك الوجوه المتعبة؛ وتتهيأ للانتهاء برشفات باردة من العصير السوداني"قنقليس"؛ وسريعا ما يبدد انتباهك "غناء صوفي" يصدح من جهاز تسجيل قديم؛ مربوط بعربة خشبية؛ يجول صاحبها بها؛ يعرض بضاعته عليك؛ ثم يختفي بين تلك الوجوه؛ لتبحث أنت طريقا للخروج من دائرة زمن "قندهار" . |
http://alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3484&id=18843&Rname=128
|
|
|
|
|
|