الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
Re: ذاك رئيس (Re: abubakr)
|
Quote: -------------------------------------------------------------------------------- العدد 1484 - التاريخ: الخميس 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 | الموضوع: شئون دوليه رقم الصفحة 13 -------------------------------------------------------------------------------- عالم بلاحدود: لي كوان يو استورد الرمل والحجارة وبنى دولة
خلال اللقاء الأول بينهما في البيت الأبيض قدم الرئيس أوباما ضيفه لي كوان يو بوصفه الزعيم الأسطوري، والتعبير قد يختلف معناه بالإنكليزية لكنه يعني كما قال أحد أبرز قادة القرن العشرين والواحد والعشرين لأنه قضى عدة عقود رئيساً لوزراء سنغافورة دولة المدينة الصغيرة في نهاية حدود ماليزيا، ولأنه جعل منها من أبرز نمور القارة ومن أغناها رغم أنها كانت تفتقر إلى بعض المواد الخام من النفط والذهب والمطاط والأرز. وشكره لي كوان الذي بلغ السادسة والثمانين واكتفى بمنصب وزاري متواضع بعدما قاد الدولة التي لا تتجاوز سبعمائة كيلومتر مربع أو أصغر من بعض مدننا وعدد سكان يقدر بخمسة ملايين نسمة أو ربع سكان القاهرة، وإذا احتاجت إلى المزيد من الأرض تستورد الحجارة والرمال من إندونيسيا المجاورة لتردم بها البحر وتبني عليها الناطحات. وكان للرئيس لي كوان خريج بريطانيا الفضل الأكبر في بنائها من مستعمرة بريطانية وتشييد أحد أفخر اقتصاديات جنوب شرق آسيا، وحكايته معها ظلت جزءاً من أساطير القارة حتى بعد انسحابه من اتحاد ماليزيا الفيدرالي عام 1965 مع أنه لم يكن مقتنعاً بالخطوة الجريئة التي فصلته عن ما كانت تسمى الملايو التي كانت متخلفة نسبياً عن نمور آسيا آنئذ وهي تايوان وكوريا الجنوبية والفلبين وسنغافورة وماليزيا بفضل جهود الأسطورة الأخرى – الرئيس السابق مهاتير محمد. واضطر لي كوان إلى التحالف مع الولايات المتحدة لحاجته إلى دعم عسكري يحميه من جارته القوية الصين وإندونيسيا إذ أنه بلا موارد ولا قوة عسكرية ولا رمال كافية إلا ما يستورده، لكنه كان أحد عظماء القارة ومن أكثرهم طموحاً وخيالاً وذكاءً. وعمل بهمة لا تعرف الكلل من عام 1959 حتى تقاعده من الرئاسة عام 2004. ولما حققتُ أمنية غالية بزيارة سنغافورة في طريقي إلى بقية الشرق الأقصى طلبتُ أن أجري لقاءً صحافياً معه إن أمكن لنشره في "الشرق الأوسط" التي كنت أكتب فيها عموداً يومياً تحت عنوان "عالم بلا حدود" وأقوم في الوقت نفسه بتحرير جريدة "عرب نيوز" الإنكليزية اليومية. لكن مكتبه اعتذر بقوله إنه لن يتمكن من استقبالي لإجراء الحديث إلا بعد ثلاثة أشهر فأهلاً وسهلاً إذا أحببت العودة. ولم ألتقيه بعد ذلك حتى يومنا هذا مع أنني واصلت متابعة مشواره العجيب كما كنت أتابع أخبار سنغافورة من قبل استقلالها عن بريطانيا عام 1957 ثم اتحادها مع الملايو. وفي تلك الأثناء كانت اليابان قد احتلتها خلال الحرب العالمية الثانية 1940-1945 إثر هزيمتها الكبرى لبريطانيا التي وصفها ونستون شرشل رئيس الوزراء بأنها واحدة من أسوأ هزائم بلاده في التاريخ الحديث، لكن الحرب وهزيمة اليابان عجلت باستقلال سنغافورة مع بقية دول آسيا ومنها الملايو ثم الانفصال عما سميت ماليزيا. كشفت لي زيارتي لسنغافورة فصلاً تاريخياً وجغرافياً واقتصادياً زاخراً لأنها تحولت من مساحة مدينة هندية أو إندونيسية إلى دولة صناعية تستورد المياه ثم تقوم بتصفيتها كما يفعل الناس بالنفط، وبعد ذلك تبيع الفائض إلى إندونيسيا وبذلك تستعيد بعض ما دفعته من ثمن الماء الخام القادم من وراء الأفق، وبعد أعوام كانت مع عدن وجبل طارق من أهم الموانئ الحرة في العالم. لكن توقعات أو مخاوف العالم من الانسحاب السنغافوري لم تتحقق لأن كوان يو كان هناك يقود السفينة ويحولها إلى دولة، مهما كانت صغيرة، شهد لها العالم بالنجاح، وتدفق المهاجرون إليها وتعايشت الأديان والأجناس بكل أمان وسلام وعلى رأسهم البوذيون من أصل صيني –42%– والمسلمون 15% ومثلهم المسيحيون وبعض الهندوك والعرب من أصول حضرمية. بعد ذلك زرت ماليزيا التي احتفظت باسمها كاملاً بعد الوحدة، والتقيت السيد مهاتير محمد رئيس الوزراء وتبادلنا أطراف الحديث وتجرأت خلال اللقاء على سؤاله عن أسباب تخلف بلاده عن بقية النمور حتى سنغافورة التي لا تساوي إلا جزءاً من بلاده مساحة وسكاناً وموارداً, فشرح لي بعض الأسباب الهامة ثم طلب مني العودة إلى كوالالمبور بعد أعوام حدد لي عددها، ولما عدت إليها لأحضر كتاباً عنه بالعربية كانت العاصمة قد تحولت إلى حاضرة رائعة قل مثيلها في جنوب شرق آسيا بل أنها ربما أجمل مدينة في المنطقة – أكبر وأروع من جارتها. وفرحت كثيراً عندما قال لي فخامة الرئيس علي عبدالله صالح إنه تلقى من مهاتير نسخة من الكتاب وسُعد بقراءته. يبلغ معدل دخل الفرد السنوي في سنغافورة حالياً أكثر من ستة وخمسين ألف دولاراً مقابل حوالي ثمانمائة وربما ألف في الوطن وخمسة عشر ألفاً في ماليزيا حيث يتعدى السكان الثلاثين مليوناً يتقدمون بسرعة كما أن بلادهم تتطور بقوة نحو مستويات النمور الأخرى كما تأكد لي بعد الانتهاء من كتابي عن مهاتير محمد. استمر لي كوان في رئاسة الوزراء حتى 1990 اطمأن خلالها إلى سلامة المشوار ولما أصروا عليه أصر بدوره على ترك المنصب والاكتفاء بالبقاء مستشاراً لمجلس الوزراء حتى خلال رئاسة ابنه لي سين لونج عام 2004 وهو ما لم يفعله أي حاكم حتى الآن – الرضا بالبقاء على الهامش تحت إمرة ولده أو أي شخص آخر يقدم زبدة تجاربه وعلمه ومعرفته بالناس والأجناس المتعددة في بلاده. استفادت سنغافورة كثيراً من الهدوء الذي سادها والحماية الأمريكية والعسكرية التي وجدتها مع الاستثمارات الكبيرة التي تدفقت عليها من اليابان والولايات المتحدة والصين عن طريق هونج كونج وتشجيع لي كوان يو لإقامة الصناعات الإلكترونية العديدة والتحويلية التي جعلت منها دولة مصدرة من الدرجة الأولى فقامت فيها صناعات المطاط وزيت جوز الهند والقصدير وإطارات السيارات والبلاستيك. ولما وقعت بريطانيا اتفاقية تقضي بضرورة استقلال هونج كونج لمدة خمسين عاماً قبل الانضمام إلى الصين الأم هاجر الألوف من سكان المستعمرة السابقة إلى سنغافورة حاملين معهم ثرواتهم المالية والعلمية وتجاربهم الثرية وزادوها ثراءً على ثراء حتى جعلوا منها اليوم ليست فقط من نمور آسيا بل من أكثر بلاد العالم تقدماً وهناءً وأمناً وأماناً.
فاروق لقمان |
| |
|
|
|
|
|
|
|