|
محمد النعمان .. يسوع الطير
|
محمد النعمان .. شدني كما شد الكثيرين إلى شعره .. و إلتزامه بنمط أنيق في الكتابة عموما. يتمتع بجزالة اللفظ و قوة المعنى .. تختلط الفلسفة بكل ما يكتب .. يطلق القريب و هو يقصد البعيد الكامن في تجاويف المعنى .. لفت نظري عشقه للطير .. بما يمثله من فضاء رحيب و إنطلاقة حرة .. و ضعف في قوة .. و سهولة في إمتناع .. و جمال في غموض. في آخر إبداعاته ( طاء الطير و راءات البحر ) نجد أن كلمة الطير و الريش تكررتْ في أكثر من موضع .. و كما جاءت مداخلتي له بأن أجود الكلام هو ما شابه كرة الكريستال .. تعطي الناظر إليها عدة زوايا من الإبهار .. إنها وحدة المصدر و تعدد الإشعاع :
بصبر ِ الشاعر ِ الساهر ِ على وَعْـكةِ الريش ِ في عبارتِهِ *** ويتبعُـهَا إلى غيضةِ النبع ِ في أصقاع ِ امرأةٍ ، نبع ٍ غامض ٍ تخطَّـفه الطيرُ كلما صاحتِ الأوراكُ: خذِ الطيرَ – يا ليلُ – إلى أول ِ الماءِ والقـمْ جحيمي ليلاً أقـلّ. *** تطحلبَ الروحُ فيها ، وخَـرَّتْ على دم ٍ سـينبشه الحنين ُ ، عمّـا قليل ٍ بمناقيرَ من ذهب ٍٍ
***
سـيدلُّ طيرَ دمي عليَّ كلما أصابني بلوثةِ الطير ِ ، عن عَمَـدٍ جسـدٌ ظلَّ ينالني – في احتمالكِ – لكنه أبداً لا يُنــالْ. *** وكما تماسَّ الريشُ والعضلُ الرقيق ُ في طبائع ِ الطير ِ ، لأول ِ مرةٍ لا من سأم ِ الجاذبيةِ أو من سهوِهَا بل صعوداً من عزائم ِ الكائن ِ ضدَّ أكثر هيئاته سقوطاً في كمين ِ الكمـالْ إتحدي بي خـفيفة ً في ذاتٍ عاشق ٍ
*** طائرٌ مشى على دمي ، ثملاً استنصطني على سهر ٍ ، قـــالَ لي:
أنا يسوعُ الطير ِ ودليلُ سـواهرهِ لو تقصَّـى الطيرُ مرتبكاً وزنَ اللـيل ِ منخطـفاً إلى مسغبةٍ فوق عوالي الجـبالْ فاتبعـني إذا ما درتُ كوكباً من الريش ِ ، طائشاً حولَ جمرتها
***
أنا سيدُ الطير ِ ، قـالْ وخديجُ النورسَـه فاتبعـني ، ناضحـاً بي ولا تقـلْ لسيدةٍ حبلى على سرير ِ غربتها: لديني على جسـر ٍ حتى لا تأويكَ القوافلُ يتيمـاً كتيمـاً *** وطن ٍ أسَرَته ُ الأساطيرُ جريحاً بين صدوع ِ الخريطةِ لأمنحه من فطنةِ ريشي *** وإني أنا أكمـلُُ الطير ِ وخادمُـهَا ولي أفقٌ رَخِيٌّ بين نهـديها *** شبَّ الأفق ُ على بلدٍ ملتبس ٍ في دمها فطارتْ بمشيئةِ الريش ِ الخفيفِ إلى شـأنها فيه ولم تطرْ بنميمةِ رَبِّها أو بخبر ِ الهدنةِ *** أنا حاجبُ الأرض ِ على كنزها الحيِّ ونبيُُّ الطير ِ ، قـالْ أنا الطائشُ الطافرُ *** وغابتْ يكالمـها الطيرُ في مناماتِ عاشقِهَا ، ويتبعُـهَا غمامٌ غامضٌ ونشــيد.ُ ***
لكل قاريء لهذه الأبيات الروائع منفذ إلى المعنى .. قريبه و بعيده. أنا .. غصت أكثر في هذه الكلمات :
وإني أنا أكمـلُُ الطير ِ وخادمُـهَا ولي أفقٌ رَخِيٌّ بين نهـديها ***
أكمل الطير في سِفْر الطيور هو الهدهد .. الذي كان مقربا لسيدنا سليمان .. و هو الذي أتى بخبر سبأ و بلقيسها ... و هو بذلك نال سيادة بني ريشه و في نفس الوقت نال شرف خدمة الحاشية بما فيها الطير .. فصار أكملهم .. و بين نهديها ... رسم طائرنا أفقه الرحيب .. أفق رخي .. يحلق في فضاءاتها و إن أتعبه التحليق .. ضم جناحيه مرتاحا بينهما .. صورة في منتهى الألق و بتعبير فلسفي .. محمد النعمان .. هذا إبهار و ألق لا ينتهي .. شكرا ..
|
|
|
|
|
|
|
|
|