|
لا لتهجير النوبة: أنا أحد المهجرين وعشت مرارة المأساة
|
فى عام 1989م، تكالبت علينا كتائب من الحركة الشعبية لتحرير السودان فى جنوب كردفان، فأمطرت قرانا بوابل من الهاونات والديكترويوفات وغيرها من الأسلحة الثقيلة. و قرانا هى تجمع لعدة قرى تقع شمال شرق كادقلى، وهى: أبوسفيفة، كركراية، البخس، رميلى، الدندور، بجعاية، أم سنينة وغيرها .. وأنا من مواليد قرية كركراية رئاسة القرى والتى بها المدرسة الأبتدائية التى درست بها. مع إننى ولدت فى أسرة رعوية إلا أن قرية كركراية هى مسقط رأسى.
كتائب الحركة الشعبية التى غزتنا فى تلك القرى هى: كتائب البركان، زعلان، ومن قبلهم كتيبة حديد. كتيبة حديد لم تصل قرانا، ولكن زعزت كل جنوب كردفان جنوب كادقلى، مثل قرى الحمرة، أم سردبه، البيرة، أم دورين، القردود، اللحيمر وغيرها من قرى تقطنها القبائل العربية وقائد تلك الكتيبة - حديد - الفعلى هو الدكتور رياك مشار، نائب رئيس حكومة الجنوب حالياً .. لتروا كيف أن الحركة رمتنا بفلذات أكبادها ..
كان خيار التهجير غير وارد بالنسبة لنا الشباب، فالموت أولى، لكن ماذا عن الكبار والصغار والنساء!. كان جنود الحركة لا يعرفون غير القتل، متى ما قتلوا شخصاً (أمرأة، رجل عجوز أو حتى الأطفال رواعية الغنم) فهم يبدون كأنهم منتصرين.
من أبشع المناظر عندما يقطعون شخص كخروف الضحية، أو قل كالدجاجة فى الشواية - يقطعون الأرجل، الأنف واليدين وحتى الأعضاء التناسلية ويضعونها على بطن الضحية وفمه وكأنهم يتشفون فيه وهو قتيل .. ولا يدرون أنه ليس لميت إيلام.
كان دور الجيش ينحصر فى ملاحقة الجناة إلى أوكارهم والتى عادة ما تكون فى رؤوس الجبال والغابات الوعرة. إذا طاردناهم يأتى فصيل منهم ويزعزع الأطفال .. والأغرب يأتى شخص واحد يحمل مدفع كلنكيت ويظل جوار القراية طوال الليل يرزع فى القرية - دوول دوول دوول - طوال الليل .. وليس مهم أن تسقط دانة فى شخص أو حمار أو كلب، لكن المهم الناس ما تنوم .. كما يقولون خصيمك "سهره ولا نومة".
مع تلك البلاوى قررنا نهجر الأطفال والنساء والعجزة ونبقى نحن الرجال فقط للدواس ..
سوف أواصل عندما حانت ساعة التهجير.
بريمة
|
|
|
|
|
|
|
|
|