|
Re: العلمانية في خطاب الانتخابات السياسيّة: عثمان عجبين وهالة عبد الحليم وآخرون عن العلمانية !! (Re: Abdel Aati)
|
إفادة أولى: جابر حسين
من الممكن أن نقول بأن مجتمعاتنا في المنطقة لا تزال، في جوهرها، ذات بنية متخلفة اقتصاديّاً واجتماعياً وثقافيّاً، يسودها فكرٌ لاعقلانيّ، سلفيّ في الأساس وتوفيقي، لكنه، أحياناً، يظهر بمظهرٍ حداثيّ؛ إلا أنها حداثة وضعية وسطحية وزائفة. أنظر، شخصيّاً، إلى العلمانية على أن تكون صياغة وتجديد للبنية الاجتماعية الشاملة، بكل مستوياتها؛ السياسية والاقتصادية والثقافية، أو لا تكون. وإن وجدت، وفق هذه الظاهرة السطحيّة، فهي لا تكون إلا مجرّد جزر مضيئة متناثرة في محيط غامر من التقليد والتخلّف والتبعية.
من المؤسف أننا لا نزال نناقش قضية العلمانيّة، بل إن هذه المناقشة لا تنطلق من حيث ما توصّلت إليه في العالم من منجزات اجتماعية وعلمية وتكنولوجيّة باهرة، ولا من حيث ما نواجهه في بلادنا من عقبات ومشكلات موضوعيّة. إن الدعوة للعلمانية تكون لأجل التحديث والتجاوز الجذري لكل الأمور. أقول أنه من المؤسف أننا نناقشها الآن من حيث قبولها أو رفضها، من حيث ضرورتها أو عدم ضرورتها، مع أنها، في اعتقادي، ضرورة موضوعيّة، ولا سبيل إلى تحررنا من التخلف والتبعية سوى بالتسلّح بها. أنظر إليها باعتبارها أُفُقَاً ثقافيّاً كامل البنية، ومحصلة لعلاقات اجتماعية وتاريخية واقتصاديّة؛ هي نظرة موضوعيّة للحياة، منظوراً إليها في حيويّتها وتنوعها الخصب، وصراعها الدائم والمتشابك مع آيديولوجيات ومفاهيم وسلطات.
الفرد، من حيث هو إنسان، نتاج لعلاقاته الاجتماعية، والعلمانية هي أُفُقه ورؤياه إلى العالم والكون بكليّاته، وهي، إلى ذلك، إبعاد قصدي للدين، بصفةٍ عامّة، وللغيبيات، بصورةٍ أدقّ، عن شأن الدولة الحديثة. مفاهيمها وآليات حركتها المستمرة في التاريخ؛ إنها، بهذا المنظور، شكل حيوي من أشكال الوعي بالتاريخ الإنساني، ومحاولة جسورة للاقتراب من الحياة، بل والدخول في معمعانها، وهي، أيضاً، لافتة ضخمة تسدّ الطريق أمام الرؤى والأفكار والممارسات الظلامية المتخلّفة. هي دعوة للالتزام بقيم التحرر والتقدّم ودعوة متواصلة ومستمرة للتنوير العام، وشعار بالغ السطوع في الحياة المعاصرة. هي محور الإشارة السائدة في فكرنا الحديث، وهي الدعوة التي يحملها رجال المستقبل؛ الدّاعون والعاملون من أجل التقدّم والتطوّر في مواجهة المتأخرين؛ المتخلّفون المتمسكون بالماضي كما هو. هي اتجاه عقلي ومنهج للتحليل ورؤية شاملة للعالم؛ إنها، في جوهرها، تستند إلى الترابط السببي في تفسير الظواهر الماديّة الاجتماعية والنفسية والفكريّة، الأدبية منها والفنية، جميعها. إنها القانون العلمي الذي يعمل في نسقٍ تاريخيٍّ ويوجّه ظاهرات الحياة وتفاصيلها.
وبهذا فإن كلا الاتجاهين جانبا الصواب؛ حيث أن الأول (الخطاب العلماني) يحصر العلمانية في التعددية، فقط، باعتبارها _التعددية_ نافذة ضرورية للديموقراطية، ويتجاهل، بذلك، المنظومة الفكرية الكاملة للعلمانيّة، والتي تتناول الحياة في كليّاتها، وفي أنفاقها جميعاً. أما الخطاب الآخر المضاد فهو مضلل يسعى، عبر شعارٍ رخيص، لأجل إقصاء العلمانيّة عن طريق مداعبة الغرائز بشكلها المتدني لدى الجماهير ضدّ شعارات تقدمية تطلع وتظهر هنا أو هناك. وفي اعتقادي أن العلمانية يجب أن تطرح كبنية ثقافية وفكرية كاملة تتناول كل تفاصيل حياتنا، وأن لا تكون شعاراً مطروحاً في الشارع الانتخابي الذي يمتلئ الآن بمعوقات وتشوّهات كثيرة تؤدي، في النهاية، ووفق هذا الطرح الفجّ، إلى تغبيش الرؤية الفكرية لدى الجماهير.
|
|
|
|
|
|
|
|
|