أبي الذي لم أعرفه ...

Quote: في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات و في مثل هذا الصباح تلقيت المكالمة التي لم يخطر ببالي أبدا أن أتلقاها و لم أهييء نفسي لها إطلاقا... كان المتحدث في الطرف الآخر زوج شقيقتي... لم تكن هناك طريقة سهلة لنقل الخبر... لم تكن هناك كلمات يمكن أن تقال فتخفف وقع المصيبة... لم يكن أمامه إلا أن يقول الخبر كما هو.... (ياسر البركة فيكم... أبوك مات و نحن ماشين الدفن هسع).... تعبيرات كثيرة كان الواحد يقرأها و يمر عليها مرورا... تعبيرات مثل مادت الأرض من تحتي و أظلمت الدنيا في وجهي و فقدت الإحساس بما حولي و غيرها من التعبيرات التي كنا نقرأها في الألغاز و الروايات,,, فجأة أصبح معناها مفهوما جدا عندي لأنها ببساطة أصبحت عاجزة تماما عن التعبير عن حالتي في تلك اللحظة... لم أكن أشعر بوجود أرض حتى تميد من تحتي و لا دنيا حتى تظلم في وجهي و لا شيء حولي حتى أفقد الإحساس به... إنها تلك اللحظات الأولى التي يتجمد فيها العقل تماما و يرفض التعامل مع الحقائق المطروحة أمامه... يرفض حتى الإقرار بوجودها دعك من محاولة تحليلها... ربما هي وسيلة وقاية إلهية لتمنع العقل من الانهيار الكامل.... ثم بعد دقائق أو ساعات أو أيام أو شهور أو حتى سنوات يبدأ الإنسان في تقبل الحقيقة و التعامل معها. هي الآن حقيقة مؤلمة لا أملك إلا دموعي و دعواتي للتعامل معها كلما خطرت ببالي... حقيقة أن أبي قد مات... مات من دون أن أحظى بكلمة او حتى نظرة وداع.... مات من دون أن أرد بعض جميله و أنال نعمة أن أخدمه في أيامه الأخيرة... يا لحزني في هذا الصباح... يقولون إن كل شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر إلا الحزن فإنه يبدأ كبيرا ثم يصغر... فلماذا أشعر أن حزني يكبر مع الأيام... قناعتي أن الحزن لا يصغر أبدا و لكن الله برحمته يجعله يأخذ أشكالا مختلفة النفس أقدر على التأقلم معها... اللهم اغفر لأبي و ارحمه و عافه و اعف عنه... اللهم وسع مدخله و أكرم نزله و وسع له في قبره مد بصره... اللهم اجعله في سدر مخضود و طلح منضود و ظل ممدود و فاكهة كثيرة لا مقطوعة و لا ممنوعة و فرش مرفوعة... اللهم نقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس و اغسله من خطاياه بالثلج و الماء و البرد و باعد بينه و بين خطاياه كما باعدت بين المشرق و المغرب... اللهم إن عبدك عليا قد جاءك و هو فقير إلى رحمتك و أنت غني عن عذابه فارحمه برحمتك الواسعة و اجعل قبره روضة من رياض الجنة... اللهم اغفر له و لأموات المسلمين أجمعين... اللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده و اغفر لنا و له.