|  | 
  |  شوارع ما تخرش المية |  | الونسة وطق الحنك أكاد أجزم بأنها صنعة سودانية  والشاهد على هذا أنك لن تجد حلة أو حياً يخلو من ركن به علامة مميزة للتجمع (لستك –عود قديم  - مزيرة عمود وأحيانا قد يكون الركن نفسه معلماً) ... الكلام من أجل الكلام في السوق – المواصلات  – الجامع – حتى يخيل للإنسان أن كثيراً من الناس خلقوا للكلام فقط وأحيانا تتخيلهم بلا آذان وبأفواه كبيرة حتى تقسّم الكلام عندنا الى كلام جميل وكلام فارغ وفي حالة الاستنكار (بالله ده كلام ده!) .. والونسة أحيانا قد تكون ونسة مفيدة بين زملاء عمل أو أصحاب مهنة ولا تأثير للحكمة القائلة اذا كان السكوت من فضة فالكلام من ذهب وللأسف هي عادة مرتبطة بتزجية الوقت وقلة الشغلة حتى أن أحدهم قال لمؤنسه (ونستك بايخة لكن قضيت لينا وقت). فيصبح عليك أن تضيع وقتك وتسمع (فارغة).
 وذات ونسة كنت طرفاً غير أصيل فيما كان الحضور يقفزون من موضوع إلى آخر اتجه المتآنسون إلى العمران الذي انتظم البلاد خاصة في الجانب الحكومي من كباري وسفلتة شوارع ومنشئات عمرانية أخرى. وبما أنه لم يكن بينهم متخصص في تلك الونسة في الشئون الهندسية كانوا يختلفون في تقييم ذلك الوضع .. منهم من يرى أن البلد غير محتاجة إلى كل هذه المظاهر والأولى أن توجه للزراعة والتعليم والانشطة الأكثر فائدة للمواطن . بينما يرى آخرون أن هذه المنشئات ضرورية للمظهر الحضاري ولمواكبة المدن العالمية وآخرون يتابعون .. ولكني سرحت في نفس اتجاه الونسة لكن على هامشها وحاولت ان اتذكر ملامح بعض المباني التي احتلت اماكن عامة ماذا كان يوجد بها حتى أنني استعنت بالأسماء مثلا ميدان الامم المتحدة. ربما كانت الذاكرة قد تغبشت شيئا ما او لعلها بداية الشيخوخة ولكنها تظل اماكن يوصف بها مثل كثير من الاعلانات التي تصف لك موقع الخدمة جوار صينية القندول  .. القندول الذي نبت فجأة وقطف فجأة او عندنا في الحي مثلا للآن يصفون بدكان السيجارة وهي سيجارة ضخمة كانت موضوعة كدعاية امام الدكان .. رأيناها ونحن اطفال ولكنها اطفئت بعامل التغيير العمراني  والبيئي وكثير من الامكنة زالت أسباب تسميتها والتصق بها الاسم .
 حتى الشوارع طالها التغيير .. أصبحت عريضة في أمكنة وفي أمكنة أخرى زحفت عليها المباني واختفت وعند عودتي للونسة التي لا زالت مشتعلة صاح أحدهم من المناوئين للعمران (هسة شارع المعونة ده حفروه من بحري ما عارف مودينو وين ودكوه وسفلتوه بدون مجاري للمياه وخليهم يرجو الخريف ). بيني وبين نفسي تحدثت (شوارع ما تخرش المية) وهل حقاً فاتت هذه الملاحظة على المهندسين كما ملاحظة كبري المك نمر الذي كان يمكن ان يتجاوز شارع الجامعة بنفق تمر من تحته العربات تفاديا للزحمة ؟ قد تكون التساؤلات صحيحة وقد تكون غير صحيحة .. لكنها الونسة .
 |  |  
  |    |  |  |  |