الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
وعاظ الكوارث
|
محمد حسن علوان
قال المبشر الإنجيلي بات روبيرتسون إن سبب الزلزال الذي ضرب هايتي الأسبوع الماضي هو تحالف الهايتيين مع الشيطان قبل مئتي سنة، ما جعل اللعنة تحل عليهم إلى الأبد. وأول ما يتبادر للذهن ونحن نقرأ هذا الخبر هو محاولات بعض الوعاظ في السعودية تفسير الكوارث بنفس الطريقة، فالسيول تجري بسبب ذنوب أهل المدن، والمطر ينحبس بسبب البنوك الربوية، والأوبئة تنتشر بسبب منع الزكاة. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن السلوك الأيديولوجي الذي يقف وراء مثل هذه التفسيرات الوعظية للحوادث المأساوية هو نفسه مهما اختلفت الأديان والحضارات.
فهناك دائماً قسيس أو حاخام أو داعية أو كاهن يستخدم هذه المناورة الوعظية العتيقة لإلقاء الرعب في قلوب الناس، مستنداً على قوى الطبيعة المدمرة لتوثيق زعمه، فيضمن بذلك قوافل من التائبين العائدين إلى كنيسته أو معبده أو مسجده، وبقاء عباد الله في حظيرة الخوف الأبدية.
في المعارف الثيولوجية، يسمى هذا الأسلوب (لوم المذنب) Victim Blaming Theology، وهو في حقيقته استغلال لغريزة الخوف الإنسانية الفطرية لتدجين الوعي لدى المذنب، ودفعه للتسليم بما يوعظ به طمعاً في السلامة والنجاة. وكما يقول الفلاسفة إن الخوف هو الغريزة الأساسية التي اعتمدت عليها الأديان في انتشارها منذ الأزل، ولكنه كان خوفاً (فطرياً) من الطبيعة القاسية أدى إلى النظر للأديان كمصدر للعزاء والمواساة وتخفيف آلام الناس وأوجاعهم الدنيوية، ولكنه الآن، وعلى أيدي المبشرين والوعاظ والقساوسة المهووسين بحشد الأتباع وتطبيق الأجندات، صار خوفاً (مركّباً)، تتم هندسته في المنابر والخطابات الوعظية، لتتحول الأديان طبقاً لذلك من مصدر عزاء وراحة إلى عكس ذلك تماماً: مصدر للخوف الأبدي من العقاب الذي قد يحلّ في أي لحظة عند أول بادرة للذنب.
وتحوّل الإله الرحيم الذي يغفر بلا حدود، ويعاقب وفق إطار إلهي حكيم، إلى ذلك الإله الذي يتعامل مع عباده بمبدأ (المعاملة بالمثل): كل ذنب تذنبه، يقابله كارثة دنيوية تحيق بك. وتلك معاملة لا تليق بالإله مهما كانت المبررات الثيولوجية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|