خمسة أعوام على غياب حسين شريف...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-28-2024, 02:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-14-2010, 01:33 AM

طلال عفيفي
<aطلال عفيفي
تاريخ التسجيل: 06-20-2004
مجموع المشاركات: 4380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خمسة أعوام على غياب حسين شريف...




    269.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    خمسة أعوام مرت، ولا يزال مقعد الأستاذ حسين شريف خالياً في مشهد الثقافة
    والفنون البصرية الجميلة.
    شكل غياب حسين شريف عن الحياة في هذا العالم خسارة كبيرة لا تعوض لمحبيه
    والمستأنسين بروحه وصداقته.

    اليوم، والبلاد السودانية تمر بأعمق أزماتها وأضيق إمتحاناتها، ووسط هذا
    الهول العجيب من القسوة والضراوة والقبح، أحس بفقده أكثر.
    كانت حياة حسين شريف خليطاً بديعاً من المقدرات والمواهب والمشاعر، التي عمل
    عليه بحلاوة الفنان ودأب المقاتل، فنسج من لحمه ودمه نسيجاً أسطورياً من الألوان
    والأفكار.

    كلما أنظر في أعماله، في السينما أو التلوين، تستغرقني هذه الروح المتجاوزة
    والمنفلتة القادرة على التعبير الخلاق عن عوالم شديدة التعقيد.
    أتذكر صوته الهاديء القوي وهو يعبر عن أفكاره في المرات النادرة التي كان يتكلم
    فيها.

    كان يجثو للتلوين على ركبتيه، ويعامل اللوحة بحنو بالغ ومؤثر، ينظر إلى الألوان
    المبسوطة أمامه وكأنه يسمعها. يمسح بالفرشاة ويخربش مبدعاً عصيراً من الألوان شديد
    الندرة.

    أذكر مشهده وهو مفرود على سريره في جلبابه الأزرق وهو يقرأ مجلاته وجرائده التي أتى
    بها من مشوار الظهيرة. على يمينه علبة السجائر والساعة. وعلى يساره، على ذات السرير،
    تل صغير من الأوراق والقصاصات التي يرجع إليها بين الحين والآخر.. بعضها مدون عليه
    كتابات تهمه لأصدقاء أو ملاحظات دونها ليستفيد منها في تصوير فيلمه الأخير الذي أنهكه.
    أو أحياناً أدخل عليه فأراها جالساً في وحدته كالأمير، في كامل بهائه يحيط بيده سوار
    الفضة.
    كان له مقعد مفضل، يجلس عليه ساعة أو بعض ساعة، ثم ينتقل منه ليجلس على الأرض
    واضعاً ذراعيه على المائدة الزرقاء.
    يفكر قليلاً ثم يدخن، ثم يقول كلمة او كلمتين ويصمت.

    كانت الحياة بجوار حسين شريف حالة من الهدوء. تختلط في منزله الصغير رائحة دخان السجائر
    برائحة الطعام الذي كان دائماً يعده على مهل ولا ياكله. . . هدوء شديد لكنك تشعر بالحياة
    العارمة تملأ المكان، الأفكار المستيقظة طوال الليل، النباتات الخضراء التي أسبغ عليها
    عطفاً لا ينتهي، صوت إبي داؤود الخافت القادم من ركن في مكتبته الخشبية والإضائة الساحرة
    التي تغمر المكان.

    كان حسين شريف عاشقاً للحياه. عاشقاً للمعاني الإنسانية فيها وعاملاً عليها بإخلاص وصدق.
    فكان إنساناً شديد الإتساق مع نفسه، لا يكلف نفسه مداهنة ولا موالاة ولا أي شيء من تكاليف
    هذه الدنيا العجيبة، وتنحى عن الحياة وهو في قمة إحترامه لنفسه ولأفكاره وما إعتقد أنه
    خير.
    تنحى عن الحياة مثلما عاش، هادئاً ومسالماً.

    بالنسبة إلي كان التعرف إلى حسين شريف والحياة إلى جواره باباً من الحياة. ونلت بفضله
    أجمل ما في حياتي من معارف وتلقيت عنه ومنه أكثر ما أحس أنه أضاف لي وأعانني على
    نفسي والعالم.

    تعرفت معه على حلاوة التفاصيل الصغيرة، ملمس الحجارة، جمال الخواتم، سحر الروائح،
    فوائد السفر السبعة(وأكثر)، ملامح الطيور، بهجة السينما، ألوان الأقمشة، زيوت الرسم،
    أسماء الصحارى، طعم المشاريب، روح الكتابة، شبابيك اللغة، طلاوة الصمت، معنى النوم
    والصحيان، لذعة النكات، منحنيات الكمنجات في الأغاني، إطالة النظر في الوجوه، سقاية
    الطرقات بالمشي وسلام المحبين.

    معه عرفت وتعلمت أن أحدد خياراتي أكثر. وعرفت غرضي من الحياه.

    كان حسين، برغم طريقته اللطيفة ورقته وتهذيبه الرفيع، إنساناً في غاية القوة وشخصية
    عميقة التأثير. وعلى الرغم من خفوت صوته ونحافته كان يتحول بشكل كاريزمي لمركز أي
    مجلس يحل به، كان إنساناً شديد الجاذبية، يغمر الكل بحنانه ويسخر من الكل، يأتي بخفة
    عاشق ويجلس كملك كبير ويضحك كطفل.

    لو رأيته لأول مرة، لن تتصور، وهو بهيئته البسيطة وأقمشته القطنية التي تكسي جسده
    الخفيف، ذلك العالم الموار والمشاعر العالية الجامحة اللذان يملأن قلبه وعقله، ولن
    تتخيل معاني تلك الفرادة والذكاء الشديد التي تغص بها روحه. فقد كان حسين شريف شكلاً
    من أشكال الإنسان القادر، الإنسان الخلاق.

    أنجز حسين شريف في عمره مجموعة كبيرة من اللوحات والأعمال الزيتية عالية الخصوصية
    أهلته لأن يكون واحداً من أهم الملونين في العالم، كما ترك خلفه عدداً من الأعمال السينمائية
    التي أخرجها وعمل على كتابتهاوصياغة مشاهدها وتحضير تفاصيلها قطعة فقطعة، كان يصمم
    الديكور والملابس ويحدد الزوايا ومواقيت التصوير ونوع الفلاتر وطريقة الكلام. وأظن أن مذهبه
    السينمائي مذهب فريد، تعامل من خلاله بأسلوبية جديدة مع السينما. فأفلام حسين محتشدة بروح
    الشعر، ومحتشدة بشيء يشبه الأحلام، ومحتشدة بالحكايا الخفية. والصورة في سينماه أخاذة بشكل
    لا يصدق.
    ليست الصورة وحدها، كان حسين أخاذاً في قراءة الشعر وفي وسيلته في التعبير عن نفسه وفي
    كتابته، وأعتقد أنني إلى اليوم لم أقرأ عملاً أدبياً في جمال ودقة ونصاعة السيناريو الذي
    كتبه لفيلمه الأخير "التراب والياقوت"،الذي قدم فيه تأويلاً سينمائياً لمجموعة من أشعار محمد
    عبد الحي ومحجوب شريف ومحمد المك إبراهيم وعلي عبد القيوم وعبدالرحيم أبو ذكرى والفيتوري
    وبعض المقتطفات من كتابات الطيب صالح، جمع كل هذه المشاعر في خيط سينمائي واحد، حكى من
    خلاله غربة النفس والروح لامساً مواضع الحنين ومشاعر الإغتراب التي تصيب الناس.
    صاغ السيناريو بلغة ناعمة ودقيقة وشديدة التوهج والإيحاء.
    كما تحيلك طريقة كتابته للسيناريو إلى ثقافته العميقة ومعرفته بالشعر والتصوف والموسيقى
    وتعدد المناخات النفسية لأبناء آدم وبناته.

    كان حسين حافظاً وراوياً لأشعار إبن الفارض وسياحات إبن عربي ورؤى أبي يزيد البسطامي، فكان
    من مفاتيح فيلمه الأخير هذه المعارف التي مزج بها الغربة الوجودية للإنسان وروح التصوف
    بمحنة السودانيين في إغترابهم النفسي الذي كابدوه ولا يزالون يرزحون تحت وطأته القاسية.

    خمسة أعوام مرت، فقدت فيها نفساً عزيزة علي، وقلباً في منتهى اللطف، وأباً عظيماً لا أعرف كيف
    عرفت أن أعيش كل هذه السنوات دونه.

    إفتقدت بغياب حسين شريف عن حياتي، وجهة نظر، وأصبح مسيري في الحياة أضعف،
    ومصيري أبأس، ومنابي من حلاوة الأيام أقل.

    أسأل الله أن يعزز مقامه بالراحة، ويفتح علي بمحبته ويكمل حياتي بما تبقى لي
    من ذكراه الطيبة وإنسانيته الباذخة وأثره المحمود.






    (عدل بواسطة طلال عفيفي on 01-15-2010, 00:40 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-14-10, 01:33 AM
  Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-14-10, 01:37 AM
    Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-14-10, 01:46 AM
      Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-14-10, 02:06 AM
        Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-14-10, 02:53 AM
          Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... abdalla elshaikh01-14-10, 03:15 AM
            Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... عبدالله شمس الدين مصطفى01-14-10, 07:16 AM
              Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-14-10, 11:30 PM
            Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... خالد ماسا01-14-10, 07:46 AM
              Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-15-10, 01:19 AM
            Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-14-10, 03:20 PM
              Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... باسط المكي01-14-10, 03:35 PM
                Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-15-10, 11:33 AM
  Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... Adil Osman01-14-10, 04:01 PM
    Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... Mohamed Elgadi01-15-10, 00:00 AM
      Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... خضر حسين خليل01-15-10, 00:26 AM
        Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-18-10, 12:40 PM
      Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... حبيب نورة01-15-10, 00:26 AM
        Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... محمد سنى دفع الله01-15-10, 02:56 PM
          Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... مطر قادم01-15-10, 03:55 PM
            Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-18-10, 12:33 PM
          Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-18-10, 12:21 PM
        Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-18-10, 11:42 AM
      Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-18-10, 11:39 AM
      Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي03-13-10, 00:53 AM
    Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... طلال عفيفي01-16-10, 09:32 AM
      Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... Emad Abdulla01-17-10, 01:26 PM
        Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... Emad Abdulla01-17-10, 01:33 PM
          Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... عبدالله شمس الدين مصطفى01-17-10, 03:24 PM
      Re: خمسة أعوام على غياب حسين شريف... إيمان أحمد01-22-10, 05:25 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de