قوس قزح المعارضة ، أو ، الرعب الناعم !
يبدو أنّ سُحب الأحزاب السياسية - المحمّلة بالكثير من الضغائن والمآسي والدموع النابعة من جغرافية البلد المترامي الأوجاع – التي تجمّعت في جوبا منذ حين ، قد أسقطت بعض أثقالها التاريخية وهي تتجمّع في سماء الاثنين الفائت لتبين من خلفها طلائع ألوان قوس قزح الرابضة خلف الغيوم .. ما فعلته الأحزاب لم يكن فعلا إبداعيّا مبتكرا تستحقّ عليه جائزة نوبل في الأدب السياسي ! ولم يكن اختراعا يجلب لها وساما علميا رفيعا ، لأنّ كلّ ما فعلته هو أن لملمت أطراف أناملها وأزاحت قماشة الحماية(تلك التي يصان بها الأثاث العتيق المخزّن) عن إطار لوحتنا القديمة : الديمقراطية .. ودخلت في إطارها ! ها ..! مجرد لوحة قديمة كانت مركونة لسنوات ، ومعروفة من قبل الجميع ، فما الذي أفزع السلطة وهي تنظر فيها ؟ ما الذي غشى بصرها وأزاغه لتلطم في غير موضع ، ولترتدّ يدها راجفةً واجفة ؟!! والإجابة في غاية البساطة : إنّه قوس قزح ! لوحتنا القديمة كانت فقيرة الألوان ، لون أو لونين ، يرسمها حزب أو حزبين ، لتعلّق في دواوين وقاعات وبرندات الحكومة .. أما اليوم ، فقد احتشدت اللوحة بالأحزاب (أقصد الألوان) المغيّبة ، والتي لم تجرّب من قبل ؛ وبعض رسّاميها هذه المرّة أتوا بخاماتهم من قعر دورهم ، من جبال النوبة وتلال البحر الأحمر ومستنقعات الجنوب .. ولتزيّن سماء الوطن كلّه . فالعواء الذي تطلقه السلطة اليوم لتفرّق به السحب المتجمّعة لن يجديها ، والرصاص الذي تهدّد به لن يسقط الغيمة . بل ، سيُسقِط عنها أوساخها التي تلطخت بها ، وأوجاعها التي صعدت معها من ساحات القهر والفقر والجوع ، فهي وحلٌ سيصعب خوضه على الجميع . فخراج غيمة اليوم صعب المنال ، فهو ليس بمال ، ليذهب إلى خزائن السلطان أو جيوب سدنته .. فخراج اليوم مستودعه القلوب والأفئدة . مصنوع ومجبول من الأمل والتوق والشوق ، من لغة ليس لها خانة في دفاتر النظام الذي لا يفقه إلا لغة الأرقام ! "السلاح" الذي تلوّح به "غيمة جوبا" ليس سوى إطار للوحة لا تأنف لونا دون آخر ، أو لغة لغير لغة ، أو دينا لعداه .. وهي الحقيقة التي تحاول سلطة البشير تمويهها وإيهام الناس بأنّ ما وراء السحب ليس قوس قزح ، وبأنّ "جوبا المرعبة" هدفها الأوحد والوحيد هو إسقاط النظام ، الذي دونه الفوضى ! وفي الحقيقة أنّ "رعب جوبا" يكمن في أنها تسعى إلى تجريد حزب البشير من أدوات وممتلكات الشعب التي يريد أن يخوض بها معركة الانتخابات : حيادية الجيش والبوليس وجهاز الأمن ، قومية اللجان ، شفافية القضاء ، الأموال العامة ، قوميّة أجهزة الإعلام التابعة للدولة وحريّة الصحافة والحريّات العامة .. إلخ ، كلّ هذه الأشياء التي لن تتم إلا بإجازة وتعديل القوانين حسب الدستور الانتقالي . وفي الحقيقة أيضا ، ولو عدّلت وأجيزت القوانين الآن ، فإنّ جلّ هذه الأمور قد فات أوانها .. وعلى سبيل المثال : فالمال العام نهب أصلا وسخّر لمصلحة الحزب الوطني ، وجيوب أعضائه ، منذ الأزل - أنشأ بها دوره ومنظماته السرية والعلنية ! إعلام الدولة هو إعلام للجزب دون سواه ..! ولو أجيزت وعدّلت ، في هذا الزمن الضائع ، فلا وقت يلزم لتطبيقها والانتفاع بها لمصلحة الجميع – لقوممة (من قومية) القضاء والإعلام وأجهزة الأمن ومناصب الدولة المدنية .. وبرغم كل ذلك فأحزاب المعارضة ، لو أجيزت القوانين ، ستخوض الانتخابات .. فمن هو المرعوب منها ، المُرتعد الفرائص ؟!! هذا هو الرعب الناعم الذي مارسته "جوبا" بموكب سلمي من أجل قوننة القوانين لتتماشى مع الدستور .. وتلك هي ممارسات حزب البشير التي يريد بها أن يُبقي قوانينه التي يريد بها خوض المعركة الانتخابية - إما خوضها بقوانينه وشروط ولعبته ، أو تخريبها / هذا هو المعنى مما فعلته بموكب جوبا السلمي . وأنا أكتب الآن وأفكّر في معنى التلكؤ : تلكأ أحزاب المعارضة في الاتفاق على فعل ما ، قبل أن أفكّر في أفعال حزب البشير .. في مماطلتهم هم في الذهاب فيما ذهبوا إليه قبل جوبا - لماذا لم يفعلوها منذ سنين وهم يعلمون علم اليقين بمماطلة البشير ؟ أتعلل للحركة الشعبية بموت حكيمها / قرنق .. ولزعامات البعض بالشيخوخة ! ويذهب بي الشجن إلى دعوة أطلقها العميد / عبد العزيز خالد عام 1992 في اجتماع لقيادة التجمع بالقاهرة حيث قال ما معناه : ( ما دامت الحركة الشعبية ، حليفنا وشريكنا في التجمع ، تملك كل هذه الأراضي المحررة في الجنوب ، فلماذا لا يكون مقرنا الرسمي هناك – بدل القاهرة ) ؟!! أتذكّر ذلك الآن وأنا أضحك بحسرة حين أرى مبلغ الهلع الذي أصاب البشير وحزبه منذ أن أُعلن عن الدعوة لإقامة لقاء جوبا التي ذهبوا إليها من مطار الخرطوم .. ما الذي كان سيصيبهم ، البشير وحزبه ، حينها لو أن "التجمع" كان قد زحف بقواعده إلى غابات الجنوب وقاتل من هناك بدل أسمرا ؟ إذا كانوا قد ذهبوا منذ حينها ، هل كان النظام سيوقع على وثيقة التحول الديمقراطي قبل العام 95 بدل 2005 ، أم ماذا ؟!! وهل كنت سأكون الآن جالسا أمام بيتنا بمدني مبحلقا في شاشة شارع الحي العامر بالفتيات الجميلات والحبوبات الأنيقات والطفولة المنفلتة .. وهل كان سيأتيني محمد مدني ونذهب إلى محمد محي الدين وعبد الله أبكر وعبد العظيم عبد القادر ، نتكئ على رمال النيل الأزرق تحت ضوء القمر نحتسي الخندريس ، نقرا الشعر ونشتم الحكومة والديمقراطية التي أتت بها ؟ مجرّد شجن ! (أصلحت خطأ في التواريخ أعلاه) (عدل بواسطة عادل عبدالرحمن on 12-09-2009, 02:22 PM) (عدل بواسطة عادل عبدالرحمن on 12-11-2009, 07:30 PM)

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]