منصور خالد: معطيات قد تجعل من استقرار الجنوب امرا مستعصيا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2024, 00:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-09-2010, 10:54 AM

الشامي الحبر عبدالوهاب
<aالشامي الحبر عبدالوهاب
تاريخ التسجيل: 09-24-2008
مجموع المشاركات: 17541

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
منصور خالد: معطيات قد تجعل من استقرار الجنوب امرا مستعصيا

    (ولكنها لن تحوله الي مجتمع هوبزي.. نسبة الي توماس هوبز صاحب
    نظرية الصراع في المجتمع غير المنظم)

    جزء من مقال جدير بالقراءة للدكتور منصور خالد
    هو الحلقة العشرون من سلسلة مقالاته قراءة في
    ازمة وطن مزمنة التي تنشر بصحيفة الرأي العام
                  

03-09-2010, 11:04 AM

الشامي الحبر عبدالوهاب
<aالشامي الحبر عبدالوهاب
تاريخ التسجيل: 09-24-2008
مجموع المشاركات: 17541

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منصور خالد: معطيات قد تجعل من استقرار الجنوب امرا مستعصيا (Re: الشامي الحبر عبدالوهاب)

    واليكم نص المقال:



    في المقال السابق المحنا إلى بعض الاوهام، أو الحقائق التي تخالطها وهوم بشأن قابلية الجنوب للإستقرار إن وقع إنفصال. تلك نبوءة قد لا تختلف كثيراً عن نبوءة السير هيوبرت هدلستون. في هذا المقال نستقصي امرين في هذا الشأن: أثر الصراعات العرقية على إستقرار الحكم في الجنوب، وأثر إنغلاقه الجغرافي على تماسكه الإقتصادي.
    1- الجنوب والنزاعات القبلية
    في أحيان كثيرة يردد بعض الساسة والمعلقين الشماليين أن جنوب السودان لا يملك أي مقومات للبقاء كدولة مستقلة لطبيعة تركيبته القبلية، وللتنازع البدائي بين قبائله المختلفة. وبقدر ما في هذا الزعم من صحة نقول بدءاً لو كان الهدف من ذلك الزعم هو إنكار حق الجنوب في الانفصال فإن في ذلك هدراً للزمن والطاقة، فحق اختيار الوحدة أو الانفصال أضحى أمراً مفروغاً منه. اما إن كان الهدف هو الحرص على وحدة السودان، لا تنفير الجنوبيين من الإنفصال، فالأجدى أن نتجه جميعاً إلى أمرين: الأول هو إنفاذ ما تبقى من إجراءات حتى تكون الوحدة جاذبة وفق ما أسسته اتفاقية السلام الشامل، والثاني هو الكف عن محاولات تأجيج الخلاف بين الجنوبيين وفق سياسة قديمة حمقاء هي «فرق تسد». تلك السياسة لم تُجدِ في حماية الإمبراطورية الرومانية والحيلولة بينها وبين السقوط؛ ولم تُجدِ في إستدامة النظام الإستعماري الذي أرسى قواعده ونجت باشا الحاكم العام البريطاني (1901م) أول من طبق تلك السياسة في السودان؛ ولم تُجدِ عند الذين إقتفوا أثر ونجت باشا في حكمهم للسودان منذ مطلع الإستقلال عبر المركزية القابضة؛ ولم تُجدِ في قهر الجنوب عبر حرب مقدسة شاركت فيها حتى القردة في إنتزاع الألغام، كما لن تُجدِ إن قرر اللجوء إليها من لم يعِ كل هذه الدروس.
    أياً كان الأمر، فإن النزاعات القبلية والعرقية والطائفية تعم العالم كله من جورجيا إلى كينيا، ومن الصين (الإيغور) إلى نيجيريا (الهوسا ، اليوروبا، الإيبو). هذه النزاعات تتآلب فيها طائفة دينية ضد طائفة أخرى (لبنان)، أو فريق من أنصار دين واحد ضد فريق آخر (البروتستانت والكاثوليك في شمال ايرلندا - والشيعة والسنة في العراق)، أو مجموعة عرقية ضد مجموعة أخرى حتى ولو كانا يدينان لنفس الدين (الأتراك والأكراد في تركيا). كل هذا دون إغفال للنزاعات حول الموارد الطبيعية في السودان التي لا تؤرق الجنوب وحده (الدينكا / النوير/ المورلي)، بل تؤرق أيضاً المجتمعات القبلية في الشمال (الهبانية / المعاليا / الرزيقات / المسيرية). ومع كل ما تقدم لا مجال لإنكار حقيقة هامة هي أن نزاعات القبائل الرعوية في الجنوب قد أخذت بُعداً خطيراً بعد إحلال السلام في بعض مناطق الجنوب. هذا امر يدعو للقلق، خاصة بعد أن قلت حِدته في سني الحرب. وراء تصاعد هذا العنف عوامل خمسة: تفشي الصراع حول الموارد التي توالى إنحسارها إما لعوامل طبيعية (موجات الجفاف) أو بسبب الحرب، أو الموروثات القبلية حول الحقوق «المشروعة»، وهي في الواقع حقوق مدعاة، أو إنتشار السلاح بسبب الحرب خاصة على ايدي المسرحين من جنود الجيش الشعبي والمليشيات العسكرية، أو الإستغلال الخارجي (من خارج الجنوب) لتلك الصراعات كوسيلة لتقويض سلطة النظام، أو بسبب إنتهازية النخب السياسية في إستغلال تلك الصراعات لمصالح ذاتية.
    كل هذه المعطيات قد تجعل من إستقرار الجنوب أمراً مستعصياً، ولكنها لن تحوله إلى مجتمع هوبزي ( نسبة إلى توماس هوبز) صاحب نظرية الصراع في المجتمع غير المنظم الذي تستحيل معه الحياة إلى حرب الجميع ضد الجميع، خاصة وللجنوبيين تجارب في الماضي في تجاوز تلك المشاكل. من ذلك إيلاء إهتمام أكبر لرسم السياسات التي تستشرف النزاعات الموضوعية حول الموارد وتعمل على عزل وبتر كل الأسباب غير الموضوعية للصراع. وإن كانت الحركة الشعبية قد أفلحت خلال سني الحرب، بالتعاون مع القادة التقليديين ومنظمات المجتمع المدني، في خلق إطار للإستغلال المشترك للموارد دون إستنزاف لتلك الموارد (مؤتمر ونَلْيت: بحر الغزال في مارس 1999م)، فليس من العسير إستلهام تلك التجارب والعمل على هديها في سني السلام.
    أما الموروثات التقليدية فأمرها أشد عسراً. ففي جنوب السودان وكينيا ويوغندا قبائل ذات إرث مشترك (التبوسا في السودان، الكارماجونق في يوغندا، والتُركانا في كينيا) تحسب كل واحدة منها أن مصدر إبقار العالم كله هو منطقتها، ولهذا تبيح لنفسها حق إسترداد هذه الثروة عبر نهب الأبقار cattle rustling ) من القبائل المجاورة داخل وخارج السودان. هذه الظاهرة ذات الجذور التاريخية العميقة لا سبيل للقضاء عليها إلاَّ عبر سياسات تهدف للإرتقاء الإجتماعي بتلك الجماعات، وتوفير بدائل لها لكسب العيش، وتنظيم مسارات الرعي وحمايتها في فترة الإنتقال من حالة إجتماعية إلى أخرى، ثم توفير الحماية للمجموعات الأضعف، شريطة أن تتم كل هذه الإجراءات بمشاركة فاعلة من القيادات التقليدية لهذه القبائل.
    فيما يتعلق بتفشي السلاح تبذل حكومة الجنوب اليوم جهداً مقدراً من أجل إستكشاف مواقع ذلك السلاح الا أنه جهد مُقلٍ. ذلك الجهد لن يكتمل إلا بالتعاون مع الدول المجاورة، وتوفير بدائل أفضل لكسب العيش للمسرحين، والإلتزام بتطبيق برنامج الأمم المتحدة حول نزع الأسلحة الصغيرة (برنامج العمل لمنع التجارة في الأسلحة غير المشروعة) (2001 و 2005). ومن أخطر الاشياء على السلامة العامة وجود شخص عاطل بيده بندقية. فالرعاة اليوم، داخل وخارج جنوب السودان (المناطق الحدودية بين السودان وكينيا ويوغندا) يتسلحون بالأسلحة الأوتوماتيكية وشبه الأوتوماتيكية مما أضحت معه غاراتهم على بعضهم البعض أكثر دموية. ولعل هذا هو الحال حتى في الصراعات بين القبائل الرعوية في الشمال.
    مصدر هذه الأسلحة هو اما مناطق النزاع الملتهب، أو مخازن السلاح الحكومية في الجنوب التي لم يُحسن تأمين بعضها بعد، أومن أسواق السلاح في البلدان المجاورة. وجود مثل هذه الأسلحة في يد اي شخص غير مأذون له بحمله، بصرف النظر عن مصدر السلاح، عامل كبير في بث الذعر في نفوس المواطنين، وإشاعة عدم الاستقرار في تلك المنطقة من شرق افريقيا، بما فيها جنوب السودان. ونسبة لحالة غياب الأمن إزدادت حالات نهب الماشية والإعتداء على المجتمعات الآمنة، كما توالت الهجمات الانتقامية بين القبائل، ووقع تهديد ملحوظ لتجارة الحدود المشروعة.
    لوضع حد لوجود السلاح في يد غير المأذون لهم بحمله تحتاج حكومة جنوب السودان إلى ما هو أكثر من نزع السلاح ممن لا يجوز لهم حمله، أو توفير المزيد من قوات الشرطة لحفظ الأمن. هذه المحاولات، رغم أهميتها، لابد أن تتبعها مراجعة للسياسات التي أضعفت نظام الحكم التقليدي وإعادة الهيبة للقيادات التقليدية حتى تسهم في عملية اتخاذ وإنفاذ القرار. ومن الضروري ان لا تقتصر هذه المشاركة على المسائل الأمنية والدفاع عن المجتمعات، بل ينبغي أن تشمل أيضاً التنمية وحماية البيئة مثل إدخال أساليب جديدة صديقة للبيئة لحماية وتطوير المجتمعات الرعوية. و لكي يتحقق تطوير هذه السياسات البديلة لابد أن يكون صناع القرار في المدينة على درجة عالية من الحساسية بديناميكيات الحياة الرعوية، خاصة بعد أن أثبتت السياسات الفوقية فشلها في الشمال والجنوب معاً، وسيكون الفشل مضاعفاً إن أصررنا على تلك السياسات.
    يرتبط تفشي السلاح بظاهرة التدخل الخارجي، إذ ما زالت الإتهامات تترى حول دور جهات معينة بالخرطوم في تأجيج الصراع ، ومن ذلك ما حدث في ملكال في 2006 و 2009م. وإن كان هناك ثمة حرص من طرفي الإتفاقية على سلامة المواطنين الآمنين أولاً، وإزالة الظنون والشبهات بين بعضهما البعض ثانياً، وجعل الوحدة جاذبة، ثالثاً، فلابد من جلوسهما معاً للحوار الجدي في الأمر بدلاً من التراشق عبر وسائط الإعلام. ولربما يكون من الأفضل أن يتم هذا في وجود رقيب يرتضيه الطرفان، بسبب تزايد عدم الثقة بينهما. فأمان الوطن ووحدته، وسلامة المواطنين موضوع يعلو على كل مصلحة حزبية أو كسب سياسي مؤقت. كما أن ضرورات الوحدة، إن تيسرت، والإنفصال السَلِس، إن تعذرت الوحدة، تقضي بإزالة كل عوامل سوء الظن القائمة الآن.
    نجئ من بعد إلى إستغلال بعض النخب السياسية الجنوبية للشوفينية العرقية لتحقيق أهدافها السياسية، خاصة ومن بين هؤلاء فئة إستجادت تلك الممارسات دون وازع من خلق، أو تأنيب من ضمير. الشوفينية العرقية ليست عادة متأصلة في الشخصية الجنوبية ، أو أية شخصية أخرى، وإنما هي ظاهرة تولدت من عوامل تاريخية وإقتصادية وسوسيولوجية. تلك الظاهرة، كما سلف القول، لا يزيلها إلا التحديث والترقي الإجتماعي وذوبان الولاءات الصغرى في ولاء أكبر، سواء أكان ذلك الولاء لدين، أو وطن، أو فكرة جامعة. ونُقَدَّر إن إفلاح قيادة الحركة الشعبية في دمج رجال ونساء ينحدرون من أعراق مختلفة متشاكسة، وخلق جيش فاعل منها يعمل من أجل هدف واحد، هو أنصع دليل على إمكانية تجاوز الشوفينيه العرقية.
    مع ذلك ما فتئت قلة من النخب المتعطشة للسلطة تُذكي نيران الشوفينية العرقية ولا يضيرها في شئ أن يشتد لهيبها. هذا وضع، ليس أمام مسئولي الجنوب ، والحركة الشعبية بوجه خاص، غير واجبين تجاهه: الواجب الأول هو، من ناحية، القضاء على أسباب الصراع حول الموارد الذي تستغله هذه النخب ، بالوجه الذي سبقت الإشارة إليه، ومن الناحية الأخرى، محاصرة السياسيين الذين يضرمون نيران الشوفينية القبلية دون إبطاء، طالما كان في ذلك تحقيق لرغائبهم الأنانية. ولعل قيادات الحركة الشعبية، والتي يُفترض أنها قد تحررت تحرراً كاملاً من الشوفينيات العرقية بسبب تدريبها السياسي، تُمسك بزمام القيادة في المعركة ضد الشوفينيات العرقية المبرمجة.
    تقضي أيضاً مصالح الشمال والجنوب معاً أن يكف الذين يسعون لتكريس الشقاق بين الجنوبيين عن ترداد زُعُمات يتوهمونها، ولا يبالون . من ذلك الحديث عن «هيمنة الدينكا» في جنوب السودان. تلك زُعمة ظلت تلهج بها في الشمال دون تمحيص فئة من المحللين بزعمهم، كما يشاركهم فيها بعض متعلمي الجنوب الذين ينتمون لأقليات عرقية يسيطر عليها الخوف من هيمنة من هم أكثر عدداً. ويمثل الدينكا ما يقارب نصف سكان الجنوب مما يترتب عليه ان يكون عديدهم في مواقع السلطة المختلفة: الجهاز التنفيذي، المجالس التشريعية، الخدمة العامة، الجيش، هو عديد الحصى والرمل. ولئن أسمى «المحللون» المحترمون هذا الوجود البشري الكثيف هيمنة فمن حق قرائهم عليهم أن يعودوا إلى معاجم اللغة وقواميس السياسة ليستبينوا معنى الكلمة . نحسب أن ليس من بين أولئك المحللين من كلف نفسه بالتملي في تجارب الحكم العملية في الجنوب لكي يصل إلى حكم جزمي حول تلك الهيمنة. مثلاً، رغم كل هذا الحصى والرمل لم يتولَ رئاسة الحكومة في الجنوب في عهد المجلس التنفيذي غير دينكاوي واحد ، هو أبل ألير، رغماً عن الوزن العددي لقبيلته «المهيمنة» على المجلس التشريعي. ومما لا يعرفه الكثيرون أن أبل ألير كان قد إقترح على الرئيس الراحل نميري تعيين هيلاري باولو لوقالي (من الباريا بالإستوائية) كأول رئيس للمجلس التنفيذي العالي (حكومة الجنوب) الا أن نميري أصر على رأيه. بقية الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجنوب بترشيح من المجلس التشريعي الذي «يهيمن» عليه الدينكا هم « بيتر قاتكوث من النوير بأعالي النيل، وجوزيف لاقو من المادي بالإستوائية، وقسم الله عبد الله رصاص من قبائل غرب بحر الغزال، وجوزيف طمبرة من الزاندي بالإستوائية»
    الجنوب ....قطر بلا منفذ
    رغبة منها في دحر فكرة الإنفصال تدعي جماعة أخرى أن جنوب السودان كقطر لا منفذ له على البحر سيغلق نفسه أمام الأسواق المحتملة في الشرق الاوسط لسلعه الاستوائية ومواشيه ومصنوعاته الخشبية. الذي يقول هذا لا يتجاهل حقائق الجغرافيا فحسب، وإنما يجهل تطورات السياسة في العالم. ففي العالم اليوم خمس وأربعون (45) دولة لا منفذ لها على البحر، مع ذلك بقيت هذه الدول ونمت وتطورت. من هذه الدول خمس عشرة (15) دولة في أفريقيا: بوركينا فاسو، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، مالي، النيجر في الغرب الأفريقي، وبتسوانا، ملاوي، زامبيا، في جنوبي أفريقيا، وإثيوبيا، بوروندي، رواندا ، يوغندا في شرق ووسط أفريقيا. ومن بين دول شرق افريقيا المشار إليها دولة فقدت منفذها البحري مؤخراً (إثيوبيا) بسبب انفصالها عن إرتريا، تماماً كما حدث لدولة الصرب نتيجة إنفصال جمهورية « الجبل الأسود « Montenegro ) عنها.
    فقدان المنافذ للبحر كان فيما مضى عائقاً للدول التي لا منفذ لها إليه، ومصدراً للنزاع مع دول الترانزيت المجاورة، إلا أن الأمر تبدل كثيراً بعد إقرار معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار في 1982 ، تلك المعاهدة ضَمِنت للدول التي لا منفذ لها على البحر الحق في حرية الوصول من، وإلى البحر، دون ضرائب على الحركة مثل تلك التي كانت تفرضها دول الترانزيت. كما أرست الأمم المتحدة برنامج عمل يعين الدول النامية المعزولة عن المنافذ البحرية على تجاوز المشاكل التي قد تطرأ نتيجة لتلك العزلة.
    وبغض الطرف عن ما نصت عليه معاهدة قانون البحار، وما أقرته الأمم المتحدة من مساعدة فنية للدول المغلقة، فلجنوب السودان تاريخ حافل في الإستفادة من المنافذ البحرية في الدول المجاورة، خاصة في سني الحرب وفي فترة المجلس التنفيذي العالي. مع ذلك رسم رئيس الحركة الراحل برنامجاً طموحاً لتمكين الجنوب من إستخدام المنافذ البحرية في شمال السودان (بورت سودان) كما في الدول المجاورة (البرنامج الإنتقالي من الحرب للسلام الذي صدر في أغسطس 2004). لتحقيق تلك الغاية أولى البرنامج إهتماماً خاصاً للطرق الآتية: جوبا - بور - ملكال - كوستي - بورتسودان (طريق بري ونهري وحديدي للبحر الأحمر)؛ ياي - مريدي - واو - أويل - بورتسودان (طريق بري وحديدي للبحر الأحمر)؛ ياي - لاسو - كيسنغاني جمهورية الكونغو الديمقراطية لتوفير منفذ للمحيط الأطلسي عندما يحل السلام في الكونغو؛ ثم طريق جوبا - توريت - لوكيشوكيو - مومباسا الذي يتيح منفذاً للمحيط الهندي؛ وأخيراً الطريق إلى الحدود الإثيوبية ومنها إلى جيبوتي. ويجدر بالذكر أن ذلك الطريق، عندما يكتمل، سيجعل من جيبوتي المنفذ الأقرب على البحر من المنفذ الشمالي (بورت سودان) أو الجنوبي (مومباسا). ومن الواضح أن الزعيم الراحل عندما أشرف على وضع ذلك المخطط كان يفكر في شبكة من المنافذ للبحر والوحدة في باله، رغم ذلك سيظل المنفذ للبحر الأحمر متاحاً حتى في حالة الانفصال عبر دولة شمال السودان.
    قلنا إن ذلك البرنامج يعود إلى عام 2004م ، ولهذا يدفع للعجب تناول بعض الصحف أمر طريق واحد من هذه الطرق (الطريق إلى مومباسا) للتدليل على أن الجنوب يسعى حقاً للإنفصال، وكأن المكتوب عليه هو أن لا ينفذ من أقطار السموات والأرض إلاّ عبر بورت سودان. أدهى وأمر، أن أصحاب تلك الإكتشافات والتي كثيراً ما يسبقها: «وقعت في يدنا وثيقة خطيرة» لم يبذلوا أدنى جهد للإطلاع على وثائق الحركة، بل أدهى من ذلك، يجهلون أن الدولة السودانية ظلت منذ سبعينيات القرن الماضي تتحاور في إطار منظمة الوحدة الأفريقية حول ربط أفريقيا عبر طرق قارية منها طريق مومباسا - دوالا (الكاميرون)، وطريق رأس الرجاء الصالح - القاهرة، وكلاهما يعبر جنوب السودان على سطح الأرض لا عبر أنفاق تحته أو فوق طرق طيارة. كما يتدارس السودان اليوم مع البنك الإسلامي في جدة ومع دول أفريقيا الغربية إنشاء طريق يربط بورتسودان بداكار. فإنتماء السودان الأفريقي الذي تجهله جماعات «وقعت في يدنا وثيقة خطيرة» تعبر عنه مثل هذه المشروعات» وليس فقط أغنية السر قدور / إبراهيم الكاشف الرائعة : «أنا سوداني ، أنا إفريقي».
    وحول التجارة مع دول الشرق الأوسط وشرق أفريقيا فإن التجارة في الحالة الأولى ستخضع لمتطلبات السوق دون حاجة لوساطة طرف ثالث، أما في الحالة الثانية فإن تلك التجارة تحكمها اليوم ترتيبات شبه إقليمية كالسوق المشتركة لشرق وجنوبي أفريقيا (الكوميسا). فالكوميسا بأعضائها التسعة عشر، ومنهم السودان، هي اتحاد للتجارة يخدم رقعة من الأرض يبلغ عدد سكانها (290) مليون نسمة وتهدف، أساساً، إلى تعزيز الوحدة والتكامل الإقتصادي بين الدول الأعضاء بإزالة كل العقبات والعوائق التي تحول دون ذلك التكامل، ومن تلك العوائق الطرق. الفلسفة التي تهدي دول الكوميسا هي، على المستوى السياسي، التضامن الإفريقي وعلى المستوى الاقتصادي، الاعتماد الجماعي على الذات. ولن يتحقق ذلك إلا بإزالة تلك العوائق. ويخطئ في حق نفسه، في الشمال أو الجنوب، من يتجاهل الفلسفة التي تستهدي بها الكوميسا.
    إلى جانب جماعة « وقعت في يدنا وثيقة خطيرة» هناك أيضاً جيل من الخلق في جنوب السودان لما َيفِقْ بعد للحقائق الجديدة في أفريقيا، رغم دعاواه الأفريقانية. هؤلاء الإنفصاليون المُعتَّقون يغفلون، أو يتغافلون، عن حقيقة هامة هي أن الوحدة الأفريقية لم تعد فكرة قائمة على الإنتماء العرقي كما كان ينادي دعاة الزنوجة، وإنما هي مشروع كبير مؤسس على الجغرافيا، والمصالح الاقتصادية المشتركة، والاعتماد على الذات، والأمن الجماعي. لذلك، مهما حاول هؤلاء الإنعزاليون فلن يستطيعوا تحاشي حقائق الجغرافيا. الجغرافيا في قول مُلهَم للجنرال ديقول: «هي التاريخ»، فشمال السودان، مثلاً، جزء من أفريقيا، وجنوب السودان هو الجار الجنوبي الأوحد لدولة الشمال. وتضمن الكوميسا لدول الشمال الأفريقي ذات الحقوق التي تضمنها لكل دول الشرق والجنوب الأفريقي. لهذا فإن أية محاولة لوضع عقبات غير موضوعية للتكامل الإقتصادي بين شمال السودان وجنوبه، والذي هو جزء من التكامل الإقتصادي شبه الإقليمي (كوميسا)، تصرف لا يخلو من غباء، خاصة أن كان مصدر ذلك التصرف هو حالة نفسية خلقتها موروثات تاريخية مريرة ينبغي إطراحها وراء الظهور. فمن الواجب، إذن، أن تصطلح تلك المجموعة مع حقائق الجغرافيا والسياسة، فجنوب السودان سيجني فوائد من التكامل الاقتصادي مع شمال السودان، وأيضاً مع دول الشرق والجنوب الأفريقي. من هذه الفوائد توسيع قاعدة السوق، وتوفير خدمات أفضل للمستهلكين، وخلق نافذة أوسع للاستثمار الإقليمي، ومجال أكبر للإستثمار العالمي في مشروعات يعم نفعها أكثر من قطر.
    إلى هؤلاء وجه سلفا كير رسالة هامة في خطابه أمام مؤتمر عموم الأحزاب قال فيها: «على الجنوبيين والشماليين أن يدركوا أنه في حالة الإنفصال سيبقى الشمال الجار الشمالي الأوحد للجنوب، كما سيبقى الجنوب الجار الجنوبي الأوحد للشمال. كما أن العلاقات التاريخية والأسرية والإجتماعية والإقتصادية والدينية لا يمكن أن تلغى بقرار سياسي». لهذا، مضى سلفا كير يقول: «ينبغي على الطرفين، وعلى كل الوطنيين المستنيرين، العمل على إيجاد كل الوسائل للحفاظ على هذه العلائق التاريخية. عليهم، مثلاً، العمل على إزالة المخاوف المشتركة، وضمان حقوق مواطني كل بلد في العمل، والتجارة، وإنتقال السلع والخدمات، وصيانة حقوق المسلم في الجنوب وغير المسلم في الشمال. وفوق هذا وذاك، عليهم الإطمئنان على ان الدولة السودانية في الشمال والجنوب قد أقيمت على أساس الديموقراطية وسيادة حكم القانون».
                  

03-09-2010, 03:33 PM

الشامي الحبر عبدالوهاب
<aالشامي الحبر عبدالوهاب
تاريخ التسجيل: 09-24-2008
مجموع المشاركات: 17541

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منصور خالد: معطيات قد تجعل من استقرار الجنوب امرا مستعصيا (Re: الشامي الحبر عبدالوهاب)

    Quote: . فمن الواجب، إذن، أن تصطلح تلك المجموعة مع حقائق الجغرافيا والسياسة، فجنوب السودان سيجني فوائد من التكامل الاقتصادي مع شمال السودان، وأيضاً مع دول الشرق والجنوب الأفريقي. من هذه الفوائد توسيع قاعدة السوق، وتوفير خدمات أفضل للمستهلكين، وخلق نافذة أوسع للاستثمار الإقليمي، ومجال أكبر للإستثمار العالمي في مشروعات يعم نفعها أكثر من قطر.
                  

03-09-2010, 04:16 PM

Mustafa Shogar
<aMustafa Shogar
تاريخ التسجيل: 02-17-2007
مجموع المشاركات: 446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منصور خالد: معطيات قد تجعل من استقرار الجنوب امرا مستعصيا (Re: الشامي الحبر عبدالوهاب)

    Quote: كل هذه المعطيات قد تجعل من إستقرار الجنوب أمراً مستعصياً


    امرا مستعصيا بالفعل ولكن ليس مستحيلا طبعا خاصة اذا اخذنا في الاعتبار الاهمال والتهميش التاريخي لشعب جنوب السودان الذين ظلوا تحت سلطان الاستعمار والحروب انتهاءا بغزوات الدبابين الذين جعلوا من ارض الجنوب وقتل شعبه بابا لدخول الجنة او الغنائم تحت إمرة نظام الانقلاب. فمن الطبيعي ان يبقي الجنوب في العصر الحجري ويركن الي نظام القبيلة, بل كان من المفترض ان ينقرضوا وفق اهداف المستعمرين القدامى والجدد بدبابينهم.
    ولكن كل هذا ممكن تجاوزه تدريجيا بتذوق طعم الاستقرار والسلام عبر التعليم لنشر الوعي و التنمية البشرية وفرض القانون عبر مؤسسة دولة مسئولة وعادلة .
    اما في الشمال السياسي عموما فلا ادري لماذا التناحر القبلي؟ وهل هناك استقرارا حقيقيا يعتد بها وفق عناصر مكونات الشمال السياسي التي هي الان علي وشك الانهيار ؟ وهي ايضا السبب في كل ما حدث ويحدث في الجنوب وما نواجهه الان من تحدي في القطر عموما يجعل الوحدة حتي بين اقاليم الشمال السياسي بعد انفصال الجنوب امرا مستحيلا
    فعلي الذين يتباكون علي مصير الجنوب بعد السلام والخروج من حروب الغزوات, اين كانوا عندما كان الناس في الجنوب تحت نيران الحروب العبثية؟ وماذا هم فاعلون لدارفور التي تحت وطاة الحرب الان؟
    ثم عليهم ان يطرحوا علي انفسهم هذا السؤال وبجدية قبل فوات الاوان هل هناك مؤسسة دولة في السودان القبلي الجهوي الذي بين ايدينا الان ؟

    شكرا د منصور علي هذا التحليل الدقيق
                  

03-09-2010, 05:16 PM

الشامي الحبر عبدالوهاب
<aالشامي الحبر عبدالوهاب
تاريخ التسجيل: 09-24-2008
مجموع المشاركات: 17541

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منصور خالد: معطيات قد تجعل من استقرار الجنوب امرا مستعصيا (Re: Mustafa Shogar)

    Quote: شكرا د منصور علي هذا التحليل الدقيق



    فعلا يا اخ شوقار تحليلات ومقالات دكتور منصور خالد
    دائما دقيقة وعميقة وكافية للارتقاء بالفهم الانساني
    من خلال جودة عباراته وعلمه الثر وفكره المستنير
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de