|
إلى صديقي في ميلاده الثاني (يوجد حزن)
|
أنقضى شهران على بداية عام جديد. كنت أقول في سري وربما في جهري أنني فقدت عاماً كاملاً دون أن أشعر. الأيام تتسرب من أيدينا ونحن نركض وراء مجهول لا تستبين ملامحه... عام تلاشى ونحن ندرى أو لا ندري .. ربما لأن ذاكرتنا صارت مشروخة فلا تميز بين ما مضى وما هو آت... هل تذكر آخر كلامنا ... كنت تحدثني عن الموت .. الموت الذي أخذ أباك ... ثم أمك ... أخذ أخاك ثم أختك... لم يبق ولم يذر ... هل تذكر حينما كنت أنا أمعن النظر في ذلك المنزل المجاور ... أعجبني تصميم المنزل، وخيال صاحبه. كان كريماً حد الترف ... خصص مساحة كبيرة من منزله ربما لممارسة التأمل.. يقال أن المساحات الفارغة تحرض على التأمل. كلا !!... قلت لي: إن صاحب المنزل أفنى نصف حياته! بل حياته كلها في بنائه حتى شب وأصبح كما ترى... وحينما حلّ به ساكنا وهو يحلم بحياة جديدة، وربما لممارسة التأمل كما ظننت ... كانت أول مناسبة تقام في البيت هي مراسم عزائه... قلت لي: مساكين أنتم: تفنون عمركم في السفر والترحال ، وحينما تعودون تموتون بلا مراسم للعزاء. كنت تحكي لي وأنت تتبسم ضاحكاً. لم تدر أنك ستتبع خطاه دون أن تكترث بشبابك وبأحلامك الكبيرة التي كنت تحدثني عنها.. كنت تقول لي وبفرح عارم: الشهر القادم سأرحل لمنزلي الجديد ... يا الله ... بعد أسبوع واحد في منزلك الجديد رحلت ... مضيت ... بل! عبرت كما عبرت كل الأشياء الجميلة ... هل كنت تذكر ما قلته لي آخر مرة: نفني العمر في السفر والترحال، وحينما نعود نموت بلا مراسم للعزاء. يا للمفارقة: حينما طرق الموت بابك كنت وحدك .. نعم كنت وحدك.. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأبي ذر الغفاري: (رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده)... وأنت حملت نفس اسم الصحابي الجليل، وحينما مضيت كنت وحدك...
يا الله ... يا للمفارقة... أنت ترحل الآن ... وتتركنا في محطة الانتظار... بالأمس تذكرناك يا صديقي ... كانوا يقولون: فقدناه الليلة .. كل الأصحاب كانوا حاضرين فقدناك تلك الليلة وسط الصخب الحميم كانت كل الأماكن مكتظة .. إلا مقعداً خالياً حسبته لك.. كل الأشياء كانت ناقصة في تلك الليلة .. يا صاحبي: هناك أصدقاء يعبرون .. ثم يمضون ولا يعودون... لكن ذاكرتي لم تألف التنكر للأوفياء والأنقياء ... وأنت أنقاءهم سريرة، وأوفاهم إخاء.... بالأمس أنقضى عام على رحيلك يا صاحبي ... وها أنا أذكرك بهذه الكلمات ... أرجو لك الرحمة.
|
|
|
|
|
|