رسالة إلى مصطفى سعيد!!...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 11:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-04-2010, 08:44 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رسالة إلى مصطفى سعيد!!...

    ..


    رسالة إلى مصطفى سعيد!!

    جواب بريدي
    السيد/ مصطفى سعيد المحترم
    دومة ود حامد/ ص ب: 424
    المديرية الشمالية
    يجده بخير وصحة




    بسم الله الرحمن الرحيم
    التاريخ 27/2/2009م


    عزيزي مصطفى سعيد،.. المحترم،،،

    تحية طيبة، مباركة..
    البركة فيكم،..تقبل عميق حزني عليه، ودعواتي له بالفرودس الأبدي، فقد خصب الفؤاد بمسرات لا يطالها محو، ولايقصيها دهر، وجعلنا نعيش وهم الخيال، كواقع حي، نتعرق من شمس حروفه، ونتغزل ببدر يراعه العبقري..

    لا أكذب عليك، وأنا أخط هذا العزاء الصادق، تحيرت، أكثر من نصف ساعة، وأنا اقطب جبيني، واقلب طرفي، بمن أعنون الرسالة؟، بك، أم الزين، أم الحنين، أو حواء بت العريبي، أم ضو البيت، وبسرعة مسحت الزين من خاطري، فهو درويش، وأمي، ولو وصلته رسالتي هذه، عند البئر، وهو يقمز هذه، ويقرص تلك، لمزقها كقطع نتف صغير، مثل زجاج متهشم، ورماها في الهواء، فترقص كحمام أبيض مخلوع، من رشق طفل، أو حشرها في فمه "الشروم" وبلعها كحبة أسبرو، ثم يسدر في غيه!!..

    كما أني احس بالعجز، في تصور "تصوركم للموت"، واجسادكم مما خلقت؟ من مادة الحلم!!، والتذكر!!، والتخييل!!، وهل عندكم كائن اسمه "الموت!! ويهزكم هزا؟"، لا أظن، فدون كيشوت لا يزال يعيش، كماهو، خرفا، هاذي، وقد مات سرفانتيس، وشبع موتاً، عجبي، مات الخالق، وخلد المخلوق، ألهذا قتل نيتشه "ربه" ربما، ألهذا تضمر المرأة "خلق الرجل" في رحمها، وتشئ بسر خفي"، ألا تحس بذلك في نظرات النساء، رغم قهرهن الماثل؟ تلك النظرة؟!!.. فالخالق يتوارى، دوما،..

    ألا تموت الشخوص الروائية، ويظل دون كيشوت، هكذا، سالاً سيفه الخشبي، يحارب طواحين الهواء، ويركع للعاهرات بقدسية خاشعة، بل قد يعثر، في أحدى معاركة الفاضلة على قبر سرفانتس، خالقه، ويقرأ شاهد القبر، ويدعو له بالمغفرة، فما أعظم سوريالية الحياة!!..

    كما أهلمت الحنين، لأنه غريب، ويفهم كلماتنا ويتمثلها في قلبه بصورة مغايرة، فالموت عنده قد يكون مختلفا، ميلاد ثاني، وهو يرى الطيب الآن، أوضح من الأمس، بل يتسامرون، ويثملون برحيق الذكرى، وماض الحياة الدنيا، فقد أحيا الحنين، سيف الدين من الموت، أو قل أرانا ميتا، فقد قتله الزين، هناك مكر، كما مكر عيسى بعاذر، وأرآنا الموتى، "من سره أن ينظر إلى ميت"، فلينظر إلى سيف الدين)، كما اوشكت ان ارسلها لحواء بت العريبي، فهي محبوبته، وسكب في وصفها، وحال قلبها، حاله، ولكن شعرت بأنها ستكون في حزن عميق، ومشغولة في صيوان العزاء، فصرفت ذهني عنها، وشاء القدر أن ارسله لك، رغم علمي بأن مصيرك مجهول بين الهروب والانتحار والغرق، ولكن لا يهم، فأنت حي بصورة من الصورة، وقد كتب عليك الخلود، كسيزيف، ولكن صخرتك هي "الاغتراب"، الاغتراب عن كل البيئات الشرقية، والغربية، بل والذاتية، ككرة المطاط، التي لا تبتل، ولا تثبت على حال، كما وصفك الطيب، خالقك..

    أتمنى أن لا تقرأ عزائي هذا، ببرودك المعروف (لا دموع، ولا قبل ولا ضوضاء)، هكذا ودعت امك، وانت وحيدها، في سفرتك المشأومة للقاهرة، ولندن، هل سمعت "بالذكاء العاطفي"، يدرس الآن، فقد حرمت منه، وكان عقلك (مثل مدية حادة، باردة).. فالميت ليس أمك، ولكن خالقك، ونعمة الذكاء العاطفي، تعجلك تحس بنبض قلوب الضفادع في أي حفرة عكرة بماء المطر، ناهيك عن قلوب بني آدم، ومشاعرهم النبيلة...

    هل أعرف لك الموت؟ (أن لا تمتد يدك لكأس الخمر)، هكذا عرفة ابي انواس، وهو تعريف حكيم، وشاعري، ولكن من يجروء على وصفه كما هو، فمن يختفي وراءه سياجه العظيم، قد يرى الموت جميلا، وقد تمتد يده لأكثر من كأس، كل التأويلات مباحة، ومتاحة..

    وأعماركم، هل تظل ثابتة، ساكنة، كجبل البركل، (مثل السيد الخضر، وطفل الطبل والصفيح لجونتر غراس، أم مثل الطلفة "مومو"، في قصة الاطفال الشهيرة، والتي ظلت طفلة رغم أنف "السنين والعلة" أم لا تكف عن الجريان، وبتهور كالنيل الأزرق، أم تجري بهدوء، المتأمل كالنيل الابيض، أم تصيبهم نشوة الاحتضان، كنهر النيل، فعمرك لا زال، كما هو شابا، رغم ميلادك في القرن التاسع عشر، (الزينين الشايب جلبولو شبابو) فأنت من مواليد 16 أغسطس 1898م، بمدينة الخرطوم، شهدت ولادتك انحسار الترك، وبزوغ الانجليز، خصمك اللدود، يعني عمرك الآن 111 عام!!.

    البركة فيك، وفي الزين، وأخوتكم كلهم، حتى العزيزة، الفاضلة حواء بت العريبي، ومسعود، والطاهر، والعصابة، ومحجوب، ونعمة المحزونة دوما، هل أقول لك سر؟ لقد أحسست بمتعة الطيب صالح وهو يخلقكم، متعة الخلق، المرآة؟ التي يرى فيها الخالق نفسه، "هو" أنتم، أتصدقني؟. فشكر الصنعة، شكر الصانع،..
    ..
    كما احترت في الميت، بالنسبة لك أنت يامصطفى سعيد،ولكني محتار حقا، وليس مجازا،، فهو ليس ابوك، ولا أمك..أأعزيك في موت خالقك،!!؟؟

    أنا لست نيتشه، والذي ملء من ترهات العقل الغيبي، وترك للعقل (تصور)، أن يحكي معرفته، ويؤمن بها كخلاص أخير (ياله من حي بن يقظان في أول أمرة)، حيث جعل (الحس)، مصدر المعرفة، في جزيرته تلك، (الحس فقط)، تصور !! مريض ملاريا، عرضت عليه تفاحة"، سيتقيأها مثل طفل "حفنة تمر"، من مراراتها، الحس؟ فقط؟ ما أكثر العيون التي نرى بها الواقع، الواقع الذكي جدا، جدا....

    تصور، أني أعزيك، في موت إلهك، من خلقك من العدم، وحمل بك كأرحام الأمهات، وسقاك وغذاك بحبل سري من المعاناة، وتقليب الطرف، والنشوة، والثمالة، فكنت كما كنت، رجل فاقد الهدف، ريشة في مهب الريح، رياح الغير، ورياح ذاتك الغائبة، خلقك بلا حول منك، أو قوى، بل لو لا خاطره، لما كانت لك وجود على الإطلاق، أحس بمعاناتك الآن، لو قدر أن ذلك الخاطر لم يمر بذهن الطيب صالح، أحس بهوانك،وغموض إيجادك!! أحس بك، فنحن في الأحزان شرق..

    كيف أعزيك، فالميت ليس ابوك، ولا اخوك، ولا حتى أمك، ولا حتى الحنين، الحاضر الغائب، ولا الزين الدرويش، اخوانك في الرضاعة، أو الأنسانية..

    بل ربك.. أيموت الإله؟..من حفرة حفرة لأخيه وقع فيها..قتلك، أو أنتحرت، او مت، فأي مصير كان لك، اختاره هو، وانت رغم تبجحك، وقتلك للنساء، وشطارتك المنقطعة النظير، لم تكن سوى بوق ينفخك هو، بلحن شجي، أو عذب، وهاهو يموت، مثلك،..إلهك يموت يامصطفى سعيد، فماذا انت فاعل الآن..أتحس بأنك انت الثلج، وهو الماء فيها...روحان حللنا بدنا.. فتموت بموته، لأنك مجرد علم (في ذهنه)، مجرد نشوة في قلبه، مجرد وقائع في ذاكرته..

    أم لك وجود بدونه، على أي شئ تقوم قيومتك، بك؟، أم به؟(موت الإله)، ليس عنوان نتشه، ولكنه موت خالقك، يوم الأربعاء...

    أيموت الإله؟ بلى.. بلى..وإلا لما مات خالقك، ودفن كبذرة نخلة في تراب (البكري).. فالإله، يظهر في تصورات تختلف من ذهن لآخر، ويتسمى بعشرات الأسماء، إله، god، كرشنا، ولي، .. ولكن أيموت، أم يغيب عن الحواس فقط، ويتوارى عن الإحاطة، كما يغيب خيط البخور في أعالي السماء، وكما تغيب الحمامة وهي تحلق بعيدا عن العين، والحواس، الحقيقة الأزلية، ماكرة، أجمل مكر، في خفاءها، وظهورها..

    البركة فيكم، في ربك الميت "الطيب"، ألم يقتل كانط، وصحبة فكرة الغيب، وإله خالق، وعقل مقدس يرعى الكون، كما يرعى الراعي الحنون الحكيم خرافه، ويقودها من حقل لآخر، ويجز شعرها، ويتغنى بفضائلها، ويتمتع بشم صوفها، ويحن لها حين تغيب، مات ذلك الإله في بعض العقول، وهو حي، ما أعصى البرازخ في عالم اللانهاية، من حيث الفكر، ومن حيث المسافة، لاختام للمكان، ولا للزمان، فمابلك بما ورائهما، أتتعذب مثلنا في فهم نفسك، وخالقك؟ أتعرفه؟ أتعرف خالقك، الطيب صالح، واسترقيت السمع لصوته الفخيم، القوي، وجرس اللغة يخرج من لسانه ساحرا، أم تصورته، كعادة العقول، اشتر، مفارق، بين غبينة (الواقع، وتصوره)، يالها، من آفة للوعي، يالها من آفة سرمدية،...

    وأنت، أهارب، أم منتحر، أم ميت، من نسأل عن مصيرك، وقاد غاب خالقك، أتظل لغز، (كالحياة)، هي لا شى، نكته مثلها، كما يقول (الرواي/وأنت)..

    قد نسأل الرواي، (عنك، عن مصيرك الآن" ولكن من يعرفه، لا أسم له، (أي الرواي) وظل يتوارى، كما يتوارى الفناء امام البقاء، والبقاء أمام الفناء، هل نؤكل الأمر إلى نكير ومنكر، (كي يسألوا الطيب صالح عن مصيرك)، فهم لهم القدرة على سؤاله، ولكن كيف الوصول إليهم، فهم أشد غموض منه، ومن الرواي، ومنك.. هل يظل مصيرك مجهولا، أن انتحرت، فسيعد النقاد نبش "موسم الهجرة"، وسيقولون فيك ما لم يقله مالك في الخمر، وإن هربت، كعادتك، فتلك هي الحدوتة، التي سكنت قلب الطيب "خالقك"، الاغتراب النفسي "كرة المطاط" كما قال"، و"الجثة"، التي لا يهمها ما يقوله الفاضي، والمحامون..

    ولكن البركة فيكم، وأنت سوف تظل حيا، أبديا، وأعجب لموت خالق، وبقاء العبد، بقاء المخلوق، أي سوريالية هذه، يضمرها العمل الأدبي الأصيل!.

    ولكن، أهناك موت، كل الانبياء يتحدثون مع المقابر، وكأنها عالم آخر قائم بذاته، المسيح، وبوذا ومحمد، كلهم أجعين، تحدثوا مع سكاني المقابر، كما تتحدث مع أمرأة تعلوك، في شرفة، أو بلكونة..

    ولكن موت الإله، ليس كموت إحدا، لا مجازا، و صفة، ولا وجه شبه..قد يراك بعينه الآخرى، قد يتابع مصيرك من هناك، من يعلم؟ فأهل القبور يناجون الانبياء والشعراء الكبار..يتحدثون معهم من قصور القبور..وتظل القبور، هي رحم، في جسد الأرض، الأم الكبرى، يتمثل ذهني شكلك، ألسنا اصدقاء، (رجل ربعة، في نحو الخمسين، أو يزيد قليلا، شعر رأسه كثيف، مبيض، رجل وسيم)..

    ولكن هل تعرف "الزين"، وقصته، أم أنكم جزر معزولة، رغم ان خالقكم واحد، كما لا نعرف نحن الملائكة، وعوالم السموات، رغم الخالق الواحد، و"مسعود"، أتعرفه، الرجل الذي يحب "النساء"، الشاعر، الذي رأى نخله يباع، وذلك الطفل، وجده، والبقصة التي سممت النهر، حين تقيأ الطفل التمرات من حلقه المحزون، تلك البصقة التي تشبه بصقة سانتياغو، بطل العجوز والبحر، "حين خانه البحر"، ولم يجد عليه بسمكة، وهو الصياد العجوز، الماهر، من يشاق الله، يشاقه..


    هل تصدق ان الطيب حذف فصل كامل من حياتك، (قال هذا في لقاء صحفي)، ماذا لو لم يحذفه، أيتغير قدرك؟ أم رفعت الأقلام وجفت الصحف..

    ألم تقل عن نفسك، (أحس أحساسا دفئا بأني حر، بأنه ليس ثمة مخلوق، أب وأم، يربطني بالوتد إلى بقعة معينة ومحيط معين)، فأنت الآن حر، حتى من خالق، وإرادته، وقدرته، حر، وحر!!.(أتدري لم خلق الموت)، من أجل الحرية المطلقة، من قيود الحياة، وأعرافها، وعلومها..

    ألم تعترف للرواي، في جلسة إليفة بأنك (كنت مثل شي مكور، تلقيه في الماء فلا يبتل، ترميه في الارض فيقفز)، بهذا الاعتراف، صرت رمز لمعاناة واغتراب الانسان المعاصر، كانت وصحبة ابعدوه عن الحدس، فصار مريضا، بالاغتراب..
    ها أنت تخرج لضوء النهار، الخروج إلى النهار، النهار الأبدي، بشمس في لطافة ضوء القمر، وقمر في قوة ضوء الشمس، ما أسعدك، ياصحاب الموسم والعرس، ودومة وحامد، وبندرشاه..

    هل تمقت الطيب صالح، لأنه خلقك هكذا؟ متوتر، غريب، ذكي، أم تصالحت مع قدرك، أم انك لا تعرف الطيب صالحا، أصلا، وتقسم "مثلنا"، أو بعض منا، بأن خلقت عفوا، أو صدفا، أو جدلا ماديا، ذكيا، كامنة فيه قوانين تطور فطري، فكنت أنت، وكانت البنى الفوقية "من ثقافة، وفن، ... ودين"، أم تفتق ذهنك، عن إله خلقك، أعثرت على اسمائه الحسنى؟ أم تخبطت في ضلال مبين؟..

    سؤال؟ أين مقابركم، حين قتلت جي موريس، أين دفنت؟ وأي معول حسى تراب الخيال على شعرها الاشقر؟.

    هل أحدثك عن علاقتي بك، هل رأيت قارئ في حياتك، قارئ يضع عالمك، موسم الهجرة إلى الشمال، في صدره، وهو راقد في قريته، تحت الراكوبة، ويراقبك، (أريتني)، ولو على سبيل الأيمان، أن هناك من يراقبك، ولا تراه، كالملائكة "بالنسبة لنا"، أو الايقان بأن هناك حيوات خارج مدى حواسك، هل تعرف "عماد عركي، ابوبكر الصديق، سارة حسبو، راوية صالح"، أنهن يعرفونك تماما، يالها من جذر، يعرفون حزنك في المحاكمة، ويعرفون سروالك وقميصك المتسخ بحقول ود حامد، ويعرفون مصير حسنة زوجتك، والذي انت لا تعرفه، هل تعرف أن ود الريس قتلها؟ وأن الرواي، دوخته رائحتها، في مساء نبيل؟ مالكم كيف تحكمون يامستر سعيد.. هل أنت "ملحد" في وجودنا؟ أخاف أن ترسم وتخط كتاب، في أننا "أساطير الأولين"... لا عليك، للحياة مكر، وهي فعلا تستحق الإطراء،والذام، فلها أله وجه...


    صديقي ..
    هناك حديث، نبوي، ( ما أدخل رجل على مؤمن سرورا، إلا خلق الله له من ذلك السرور ملكا، يعبد الله، فإذا صار العبد في قبره، اتاه ذلك السرور، فيقول له أتعرفني؟ فيقول له من أنت؟ فيقول انا السرور الذي أدخلتني على فلان، انا اليوم أونس وحشتك، وأشفع لك، وأريك منزلك في الجنة)، ولاشك سيذكر ذلك الملاك الطيب، أنا، وعركي، وسارة، وعبدالواحد، وجاك، وفوزية الصبار، وجورج طرابيشي، ورجاء النقاش: مسرات القراءة، رجاء النقاش، الذي قال عنه (لقد أخذتني الرواية بين سطورها في دوامة السحر الفني، وأطربتني طربا حقيقيا، بما فيها من غزارة شعرية رائعة)


    أتمنى ان تصلك رسالتي هذه، ولا يكون مصيرها، مثل رسالة (فانكا جوكوف)، الطفل الذي يرمي الرسالات بدون عنوان وطابع بريد، وينتظر كل يوم جواب من عمه قسطنطين مكاريتش، في الريف الروسي البيعد، والطفل يعمل اسكافي، مع رجل قاسي،..

    كم شعرت بالموت، يامصطفى، قبل الموت، الغربة، الرحيل، تماما مثل لحيظات الموت، وذلك الألم من فراق الروح للجسد، بعد إلفة، ومسرات، وأحزان، لم تركنتني وحيدا، الجسد يتمسك بالروح، يريد أن يجري، ويحس، ويعشق، ولا يرمى ساكنا، في وحشة القبر،

    أخي مصطفى، يحزنني، أن أخبرك، أن حسنة بت محمود، قلتها ود الريس، وقتله، والبركة فيكم، في زوجتك المخلصة، هل تصدق، بغتة ينتابني وسواس، انت (الرواي)، لم، نعم هناك مكر في الكتابة، ولكن من حضر غيابك، غيرك، والفصل الاخير من الملحمة، وحتى النجدة، النجدة، من سمعها غيرك…

    لم لم ينهي الطيب قصتك بالانتحار؟، لأن الانتحار مقزز في قلوب المسلمين، بل لدى الفطرة الإنسانية أجمع، لذا ترك مصيرك مجهولا، بين الغرق، والانتحار، والهروب، أو جف خياله، ولم يستطيع ان يكتب فصل آخر، يشئ بمصيرك، وموقفك من الكون، ولكن لاشك، مقتل حسنة، على يد ود الريس، ما كان سيكون، لو لا هروبك، أو غيابك المجهول، فمكر بك، وبنا، وهو حر، وحر!!..

    عزيزي مصطفى،...
    كنت اود مناقشتك، في علاقة "اللذة بالعذاب"، مثل فض بكارة، آلام ممزوجة بشبق، كأنها البرزخ، في عوالم الانفعالات الغامضة، يكاد يصعب التميز، بين الألم واللذة، ثار خاطري هذا، وأنت تغرس الخنجر في صدر حين مورس، (تأمل معي في عرفنا الديني "ملاك الموت"، أنه فعل جمالي، يقوم به ملاك جميل)، وتدعك صدرها بصدرك، وهي تصرخ لك بوله، تعال معي، "لا تدعني وحدي"، فأحسست وأنا غارق في ثمالة القراءة الحقيقية، بأن الموت، والألم، والقتل، والرحيل، جزء من طقوس الحياة الخالدة، في الصور والجوهر، أيصدق تحليلي هذا، كقارئ، أم (القارئ، والشخوص الرواية)، بعيدة عن بعضها، بعد الثرى عن الثريا، "لاتدعني وحدي"، ألا تعني خيار الرحيل، عبر كوة الموت، لعالم أنضر أخر، تشي به المقابر، التي تزخرف الكرة الارضية، قرب الكنائيس، وقرب القرى، والبكري، وحمد النيل، ومقابر اليهود تحت كبري السجانة، ألا تحس معي بأن ذلك العالم، جديرة برؤية الأعين الحديد، وإدراك أعرفه، وتقاليده، ولذا يحن له طلائع البشرية، بلا وجل …

    ثم العزيزة، آن همند، أنت حكيت للرواي (وتقلص وجهها باللذة، ولكن ما يهمني أنا "كقارئ"، هذا الوصف الصغير المهم بالنسبة لي، وهو قولك (وتألق وجهها، ولمعت عيناها، ببريق خاطف، واستالطت نظرتها، وكأنها تنظر إلى، فتراني رمزا، ليس حقيقة)، تلك هي قمة النشوة، رؤية الناس كرموز، في منتهى اللذة الجنسية، والفكرية، (أن غيبت ذاتها، فلي بصر، يرى محاسنها في كل إنسان)، تلكم اللحيظة الصغيرة، يكون الرجل، والأنثى، (خالقين)، خرجا عن سطوة الزمان والمكان، فيدفق الرجل في الانثى ماء الحياة، ويتشكل طفل في رحم المرأة، وتتشكل جنة في خلد المرأة، وفردوس في جسم الرجل، أتصدقني؟ أم للحقيقة ألف وجه، وهي لحظة تدق، وتدق (أقصد لحظة الذورة)، حتى تصير "لازمن"، فناء في قلب الوقت القديم، براح للروح بلاقيد مكان، وسلسل زمان، ووتد خاطر، هذه اللحيظة (استغراق النشوة الجنسية)، هي هي (لحيظات الاحتضار)، واستلال الروح، من صدف الجسد، الموت/الميلاد، أيصدق كلامي هذا، مع عالم الآخر؟ عالم الأخيلة، والأمال؟ أم أنا أحمق من بعير، يامستر سعيد، ولكن وجه " آن همند، وهي تراك، لغزاء، شبحا"، يعجل الأمر مقبولا، بنسبة ما أي قصيد (هذا العذراء حبلى، بإشتداد الطلق تبلى)...

    للحق، صديقي مستر سعيد،،..
    أن صديقك (زوربا)، يكاد هو، وميرسو الغريب، يصنعانك، فالبحار، الغريق في زوربا، حين أطل عليه ملاك الموت، لم يتمنى النجاة، بل قضاة ليلة مع زوجته، تماما مثل مالك ابن الريب، حنين للوطن..
    ألا ليت شعري، هل أبيتن ليلة، بجنب الغضى أزجى القلاص النواجيا،
    هذا ما قاله مالك ابن الريب، وهو يحتضر، استسلال الروح من صدف الجسد، ورحيلها لتخوم السماء، ورجوع الجسد للأم الارض، بعد مسرات، وحدس، ولكن ثورة الفيزياء، تشئ بأن الطين هباء هو الأخر، مالكم كيف تحكمون، الواقع غامض، والحواس محدودة فلنرهف السمع لهذا الحديث الغريب، (تجملت المقابر، فليس فيها بقعة وإلا هي تتمنى أن يدفن فيها)، هكذا تتمنى مقابر الأرض المبدع الخلاق، وصديقك زوربا، كان يستخرج "ربابته"، من الجراب، بحنو عظيم، كأنه يعري أمرأة، ياه لسريالية الحياة، وشاعرية فرويد..

    وأنت قلت، بأنك سوف تحررهم ب"..."، وذات الكلام قاله صديقك زوربا، ولكن قاله في دخول الجنة، انه مفتاحها، حين بتر الناسك عضوه، حين روادته نفسه بحسناء، اني أعجب، (كقارئ)، بين تشابهك بزوربا، وميرسو، رغم تباينكم الخلاق..

    واخبرك، بأن ابنيك، بخير وصحة، فهما في حمى "الرواي"، وقد انقذهما من جرثومة الاغتراب:
    أن الغصون إذا قومتها اعتدلت *** ولن يلين إذا قومته الخشب
    فقد أدركهما، قبل أن يجفا، على ما وراثاه منك، من حنين للمغامرة، وفتك لختم اللذة، وازدراء العرف.

    عزيزي مصطفى،..
    في مقابر البكري، وكما تدفن البيوضة في الرحم، والبذرة في الحقل، دفن الطيب صالح.. (ادفنو موتاكم وسط قوم صالحين، فأن الميت يـاذى بجار السوء)، فما اسعدكم يا أهل البكري الكرام، فقد جائكم جار طيب، يضئ بحكايات الثمان، حياتكم البرزخية، الشاعرية.. إنها مقابر البكري، بام درمان، أتذكرها، أمدرمان زمان، في زمانك، صورها راحل عظيم، معاوية نور، في (مدينة السراب والحنين)، فجعلنا نحس بها، وبروحها، في قصة رائعة، صادقة، حتى بيع العبيد، والترام، وسوق السمك، والغابة الكثيفة، في مكان برلمان اليوم، والسراب، جهة "الفتيحاب"، والذي يبدو كماء تخوض فيه القوافل، أتعرف معاوية نور؟ أنه خالق، مثل خالق، وعبقري مثله….

    عزيزي، مصطفى..
    لقد مضغ الطيب صالح عشبة الخلود، وسبق الحية، وجلجامش، وخاتم المنى بين خنصره، ومات، موتا مجازيا، وهاهو، الطيب صالح، يخرج للنهار الأبدي!!..

    تقبل تحياتي، وشوقي، وأحيائي لك، كما اريد، فمجرد أن افتح الموسم، يطل وجهك الوسيم الحزين، كما تطل شخوص أليس في بلاد العجائب، من العدم.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،



    اخوك أبدا.
    عبدالغني كرم الله
    جنوب الخرطوم
    حي الأزهري/ مربع 12

    ...
                  

01-04-2010, 09:18 AM

طارق جبريل
<aطارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    رحم الله شيخ الطيب
    رحم الله رجلا أعطى هذا الوطن الكثير
    رحم الله شيخ الطيب إنسانا عرفته عن قرب
    النيل فقد إلها للكتابة






    عبد الغني كيفنك أبوي
                  

01-04-2010, 09:54 AM

مجدي عبدالرحيم فضل
<aمجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: طارق جبريل)

    رحم الله أديبنا القاص الطيب صالح

    إذ جعل لنا من عبده الفقير عبدالغني كرم الله هذة الرسالة البحر السعيد مصطفي لله درك آبا الكرم

    لقد غزلت من جريد النخل قارب نبحر معك من دومة ودحامد إلي أقاصي مواسم الهجرة .

    ،،،،أبوقصي،،،،
                  

01-05-2010, 08:47 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)

    أخي مجدي، سلامي ومحبتي

    وعام ناعم البال، ومشرق..

    لاشك قرأت "حفنة تمر"، تلكم القصة الصغيرة، مثل حبة نخلة، الكبيرة مثل شجرة نخلة، عزيزة، راقية، تعطي بصمت، وتموت واقفة، كعادة الشهداء، تدفن أجسادهم أفقيا، وتظل أرواحهم واقفة، مثل شجرة النخيل، جذورها في القلب، وهامتها في السماء..

    تلكم القصة، أسرجت بي، لدفء، وحيمية، مع "مسعود"، أكثر من الطفل الذي تقيأ التمر، عند منحنى النيل، حين يختبئ النيل عن البصر، ويشرق في البصيرة، ...


    قصة حية، تكاد تكون كتبت بلا حروف، أو كلمات، بل نخفت في الحروف الروح، فصارت الحروف أشبه بضلوع، نمى فوقها لحم القراءة، فأقعشرت النفوس للقراية..

    شكرا لمسرات القراءة، التي منحنها لنا الطيب صالح، بطيب خاطر، وتجرد..

    شكرا له.. من القلب..
                  

01-06-2010, 06:52 AM

مجدي عبدالرحيم فضل
<aمجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    حفنـة تمــر

    الطيب صالح


    لابدّ إنني كنت صغيراً جداً حينذاك. لسـت أذكـر كـم كـان عمري تماماً، ولكنني أذكر أن الناس حين كانوا يرونني مع جدي كانوا يربتون على رأسي، ويقرصونني في خدي، ولم يكونوا يفعلون ذلك مع جدي. العجيـب أننـي لم أكن أخرج أبداً مع أبي، ولكن جدي كان يأخذني معه حيثما ذهب، إلا في الصباح حين كنت أذهب إلى المسجد، لحفظ القرآن. المسجد والنهر والحقل، هذه كانت معالم حياتنا. أغلب أندادي كانوا يتبرمون بالمسجد وحفظ القرآن ولكنني كنت أحب الذهاب إلى المسجد. لابد أن السبب أنني كنت سريع الحفظ، وكان الشيخ يطلب مني دائماً أن أقف وأقرأ سورة الرحمن، كلما جاءنا زائر. وكان الزوار يربتون على خدي ورأسي، تماماً كما كانوا يفعلون حين يرونني مع جدي. نعم كنت أحب المسجد. وكنت أيضاً أحب النهر. حالما نفرغ من قراءتنا وقت الضحى، كنت أرمي لوحي الخشبي، وأجري كالجن إلى أمي، والتهم إفطاري بسرعة شديدة واجري إلى النهر وأغمس نفسي فيه. وحين أكلُّ من السباحة، كنت أجلس على الحافة وأتأمل الشاطئ الذي ينحني في الشرق ويختبئ وراء غابة كثيفة من شجر الطلع. كنت أحب ذلك. كنت أسرح بخيالي وأتصور قبيلة من العمالقة يعيشون وراء تلك الغابة … قوم طوال فحال لهم لحى بيضاء وأنوف حادة مثل أنف جدي. أنف جدي كان كبيراً حاداً. قبل أن يجيب جدي على أسئلتي الكثيرة، كان دائماً يحك طرف أنفه بسبابته. ولحية جدي كانت غزيرة ناعمة بيضاء كالقطن. لم أرَ في حياتي بياضاً أنصع ولا أجمل من بياض لحية جدي. ولابد أن جدي كان فارع الطول، إذ أنني لم أرَ أحداً في سائر البلد يكلم جدي إلا وهو يتطلع إليه من أسفل، ولم أرَ جدي يدخل بيتاً إلا وكان ينحني انحناءة كبيرة تذكرني بانحناء النهر وراء غابة الطلح. كان جدي طويلاً ونحيلاً وكنت أحبه وأتخيل نفسي، حين استوي رجلاً أذرع الأرض مثله في خطوات واسعة. وأظن جدي كان يؤثرني دون بقية أحفاده. ولست ألومه، فأولاد أعمامي كانوا أغبياء وكنت أنا طفلاً ذكياً. هكذا قالوا لي. كنت أعرف متى يريدني جدي أن أضحك ومتى يريدني أن اسكت، وكنت أتذكر مواعيد صلاته، فاحضر له ((المصلاة)) وأملأ له الإبريق قبل أن يطلب ذلك مني. كان يلذ له في ساعات راحته أن يستمع إليّ أقرأ له من القرآن بصوت منغم، وكنت أعرف من وجه جدي أنه أيضاً كان يطرب له. سألته ذات يوم عن جارنا مسعود. قلت لجدي: (أظنك لا تحب جارنا مسعود؟) فأجاب بعد أن حك طرف أنفه بسبابته: (لأنه رجل خامل وأنا لا أحب الرجل الخامل). قلت له: (وما الرجل الخامل؟) فأطرق جدي برهة ثم قال لي: (انظر إلى هذا الحقل الواسع. ألا تراه يمتد من طرف الصحراء إلى حافة النيل مائة فدان؟ هذا النخل الكثير هل تراه؟ وهذا الشجر؟ سنط وطلح وسيال. كل هذا كان حلالاً بارداً لمسعود، ورثه عن أبيه). وانتهزت الصمت الذي نزل على جدي، فحولت نظري عن لحيته وأدرته في الأرض الواسعة التي حددها لي بكلماته. (لست أبالي مَن يملك هذا النخل ولا ذلك الشجر ولا هذه الأرض السوداء المشققة. كل ما أعرفه أنها مسرح أحلامي ومرتع ساعات فراغي). بدأ جدي يواصل الحديث: (نعم يا بنيّ. كانت كلها قبل أربعين عاماً ملكاً لمسعود. ثلثاها الآن لي أنا). كانت هذه حقيقة مثيرة بالنسبة لي، فقد كنت أحسب الأرض ملكاً لجدي منذ خلق الله الأرض. (ولم أكن أملك فداناً واحداً حين وطئت قدماي هذا البلد. وكان مسعود يملك كل هذا الخير. ولكن الحال انقلب الآن، وأظنني قبل أن يتوفاني الله سأشتري الثلث الباقي أيضاً). لست أدري لماذا أحسست بخوف من كلمات جدي. وشعرت بالعطف على جارنا مسعود. ليت جدي لا يفعل! وتذكرت غناء مسعود وصوته الجميل وضحكته القوية التي تشبه صوت الماء المدلوق. جدي لم يكن يضحك أبداً. وسألت جدي لماذا باع مسعود أرضه؟ (النساء). وشعرت من نطق جدي للكلمة أن (النساء) شيء فظيع. (مسعود يا بنيَّ رجل مزواج كل مرة تزوج امرأة باع لي فدناً أو فدانين). وبسرعة حسبت في ذهني أن مسعود لابد أن تزوج تسعين امرأة، وتذكرت زوجاته الثلاث وحاله المبهدل وحمارته العرجاء وسرجه المكسور وجلبابه الممزق الأيدي. وكدت أتخلص من الذكرى التي جاشت في خاطري، لولا أنني رأيت الرجل قادماً نحونا، فنظرت إلى جدي ونظر إليّ. وقال مسعود: ((سنحصد التمر اليوم، ألا تريد أن تحضر؟)) وأحسست أنه لا يريد جدي أن يحضر بالفعل. ولكن جدي هب واقفاً، ورأيت عينه تلمع برهة ببريق شديد، وشدني من يدي وذهبنا إلى حصاد تمر مسعود. وجاء أجد لجدي بمقعد عليه فروة ثور. جلس جدي وظللت أنا واقفاً. كانوا خلقاً كثيراً. كنت أعرفهم كلهم، ولكنني لسبب ما أخذت أراقب مسعوداً. كان واقفاً بعيداً عن ذلك الحشد كأن الأمر لا يعنيه، مع أن النخيل الذي يحصد كان نخله هو، وأحياناً يلفت نظره صوت سبيطة ضخمة من التمر وهي تهوي من علٍ. ومرة صاح بالصبي الذي استوى فوق قمة النخلة، وأخذ يقطع السبيط بمنجله الطويل الحاد: ((حاذر لا تقطع قلب النخلة)). ولم ينتبه أحد لما قال، واستمر الصبي الجالس فوق قمة النخلة يعمل منجله في العرجون بسرعة ونشاط، وأخذ السبط يهوي كشيء ينزل من السماء. ولكنني أنا أخذت أفكر في قول مسعود: ((قلب النخلة)) وتصورت النخلة شيئاً يحس له قلب ينبض. وتذكرت قول مسعود لي مرة حين رآني أعبث بجريد نخلة صغيرة: ((النخل يا بنيّ كالادميين يفرح ويتألم)). وشعرت بحياء داخلي لم أجد له سبباً. ولما نظرت مرة أخرى إلى الساحة الممتدة أمامي رأيت رفاقي الأطفال يموجون كالنمل تحت جذوع النخل يجمعون التمر ويأكلون أكثره. واجتمع التمر أكواماً عالية. ثم رأيت قوماً أقبلوا وأخذوا يكيلونه بمكاييل ويصبونه في أكياس. وعددت منها ثلاثين كيساً. وانفض الجمع عدا حسين التاجر وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا من الشرق، ورجلين غريبين لم أرَهما من قبل. وسمعت صفيراً خافتاً، فالتفت فإذا جدي قد نام، ونظرت فإذا مسعود لم يغير وقفته ولكنه وضع عوداً من القصب في فمه وأخذ يمضغه مثل شخص شبع من الأكل وبقيت في فمه لقمة واحدة لا يدري ماذا يفعل بها. وفجأة استيقظ جدي وهب واقفاً ومشى نحو أكياس التمر وتبعه حسين التاجر وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا والرجلان الغريبان. وسرت أنا وراء جدي ونظرت إلى مسعود فرأيته يدلف نحونا ببطء شديد كرجل يريد أن يرجع ولكن قدميه تزيد أن تسير إلى أمام. وتحلقوا كلهم حول أكياس التمر وأخذوا يفحصونه وبعضهم أخذ منه حبة أو حبتين فأكلها. وأعطاني جدي قبضة من التمر فأخذت أمضغه. ورأيت مسعوداً يملأ راحته من التمر ويقربه من أنفه ويشمه طويلاً ثم يعيده إلى مكانه. ورأيتهم يتقاسمونه. حسين التاجر أخذ عشرة أكياس، والرجلان الغريبان كل منهما أخذ خمسة أكياس. وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا من ناحية الشرق أخذ خمسة أكياس، وجدي أخذ خمسة أكياس. ولم أفهم شيئاً. ونظرت إلى مسعود فرأيته زائغ العينين تجري عيناه شمالاً ويميناً كأنهما فأران صغيران تاها عن حجرهما. وقال جدي لمسعود: ما زلت مديناً لي بخمسين جنيها نتحدث عنها فيما بعد، ونادى حسين صبيانه فجاؤوا بالحمير، والرجلان الغريبان جاءا بخمسة جمال. ووضعت أكياس التمر على الحمير والجمال. ونهق أحد الحمير وأخذ الجمل يرغي ويصيح. وشعرت بنفسي أقترب من مسعود. وشعرت بيدي تمتد إليه كأني أردت أن ألمس طرف ثوبه. وسمعته يحدث صوتاً في حلقه مثل شخير الحمل حين يذبح. ولست أدري السبب، ولكنني أحسست بألم حاد في صدري. وعدوت مبتعداً. وشعرت أنني أكره جدي في تلك اللحظة. وأسرعت العدو كأنني أحمل في داخل صدري سراً أود أن أتخلص منه. ووصلت إلى حافة النهر قريباً من منحناه وراء غابة الطلح. ولست أعرف السبب، ولكنني أدخلت إصبعي في حلقي وتقيأت التمر الذي أكلت.

    يا أبن الكرم الغني لقد وضعت حفنة حقيقة من القراءة بين يدينا لك الشكر وعزيز الأمتنان دمت.

    ،،،،أبوقصي،،،،
                  

01-04-2010, 09:57 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: طارق جبريل)

    عبدالغني كرم الله، تحياتي لك وكل عام وأنتم بخير،

    كثيرين ينشدوا عن خبرك، وكتاباتك فلقيتك هنا تستعيد
    الطيب صالح - رحمة الله - تستعيده عبر رسالتك التي لن
    أقرأها إلا حين الصفاء الذهني لأزاوج بين إبداع الطيب
    وعبدالغني
                  

01-04-2010, 10:31 AM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    ....
                  

01-04-2010, 10:57 AM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    ولكن مصطفي قد مات وشبع موتا ؟!
                  

01-04-2010, 11:22 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: محمد حيدر المشرف)

    المشرف أخوي،

    محبتي، وشوقي الذي لا يضارع..


    Quote: وأنت، أهارب، أم منتحر، أم ميت، من نسأل عن مصيرك، وقاد غاب خالقك، أتظل لغز، (كالحياة)، هي لا شى، نكته مثلها، كما يقول (الرواي/وأنت)..

    قد نسأل الرواي، (عنك، عن مصيرك الآن" ولكن من يعرفه، لا أسم له، (أي الرواي) وظل يتوارى، كما يتوارى الفناء امام البقاء، والبقاء أمام الفناء، هل نؤكل الأمر إلى نكير ومنكر، (كي يسألوا الطيب صالح عن مصيرك)، فهم لهم القدرة على سؤاله، ولكن كيف الوصول إليهم، فهم أشد غموض منه، ومن الرواي، ومنك.. هل يظل مصيرك مجهولا، أن انتحرت، فسيعد النقاد نبش "موسم الهجرة"، وسيقولون فيك ما لم يقله مالك في الخمر، وإن هربت، كعادتك، فتلك هي الحدوتة، التي سكنت قلب الطيب "خالقك"، الاغتراب النفسي "كرة المطاط" كما قال"، و"الجثة"، التي لا يهمها ما يقوله الفاضي، والمحامون...


    ...

    برجع مرة تانية، للكائن المتخيل، وعودته للحياة، مع كل قارئ للنص، ثم مستويات التأويل، وتلك الصرخة العتيقة (النجدة، النجدة).. هل سمعها الرواي؟ كي يحكي عنها؟ ... أم سمعها ملاك، أم؟ مكر الحكي..


    سلامي، ومحبتي الكبيرة..

    ..
                  

01-05-2010, 11:48 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    اخي وصديقي
    استاذ محمد عبدالجليل

    محبة زايدة، وشوق حقيقي،...


    كيفنكم، طبعا اخوك لمن يقرأ كتاب اصيل، ما بقراهو، بل أعيش واقعه، وهمومه، واحاول فهم وتغير ما يدور في واقع "الكتاب"، مثل حياتنا دي، لا أكثر، ولا أقل..

    ومن هذه الكتب المؤثرة في تاريخ الفرد، موسم الهجرة، وعرس الزين، ومريود..
    تترك حيواتها المتخيلة، أثار في النفس، أكثر من حروب وقصص واقعية، جرت في النفس، والوطن، والبلدان...

    ولنا عودة، بإذنه تعالى، لذلك..

    عام ناعم الفرح، والجمال
    و
                  

01-04-2010, 11:45 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: طارق جبريل)

    اخوي طارق..

    عامك سعيد، وأبيض..
    من محاسن القدر، أنو أمير تاج السر صديقي، وقابلت الطيب صالح كم مرة عيان بيان، ولفت نظري انو عايش في عوالمه،، براهو، تحس بأنه معك، وما معاك، يسرح ويمرح مع أخيلته الخصبة، وقدرته التعبيرة الهائلة عن النفس البشرية، وخلجاتها الدقيقة، المغمورة في قعر الذات، وتيتشف ذلك من وصفه الاصيل للزين، لمطصفى سعيد، لضحكات ود الريس، للجروف، وللآذان الاسطوري، لعشى البايتات...


    محبتي، ولي رجعة، لو مد الله في العمر..
                  

01-04-2010, 12:31 PM

جعفر محي الدين
<aجعفر محي الدين
تاريخ التسجيل: 11-12-2008
مجموع المشاركات: 3649

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    عبد الغني كرم الله
    ما أجمل العزاء حين يكون صادقا
    لك العزاء ولنامثله
    سيظل طيبا هذا الطيب وصالحا
    سنقرأ الموسم مرات ومرات لنرى الشخوص تحتفي بخالقها
                  

01-04-2010, 07:05 PM

Omayma Alfargony
<aOmayma Alfargony
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: جعفر محي الدين)

    الطيب صالح

    مصطفي سعيد

    غياب الجسد على معراج الطيف يتسربل بين حنايانا.
    ذاك بين الواقع الخلاق وذا بين واقع الخيال .
    قشعريرة التمرد على الفيزياء ونشوة الحضور الخالد.

    ما اجملهما.


    استاذنا عبدالغني.

    لك اجل التحايا.

    ما اصدقها من رسالة.

    متعة القراءة والطعم (الحلومر) عنداستحضار الغائب الحاضر.

    رحم الله مبدعينا اجمعين.
                  

01-04-2010, 07:24 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Omayma Alfargony)

    تقبل تحياتى
    أخى عبدالغنى .
    والله ما بكيت فى حياتى مثل ذلك اليوم .
    فى مدافن البكرى .
    نعم .
    أنت البذرة تبذر فى الحقل يا سيدى .
                  

01-04-2010, 08:12 PM

خضر حسين خليل
<aخضر حسين خليل
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 15087

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Osman Musa)

    قرأت يا عزيزي عبدالغني الكثير في نعي الرجل الحبوب الاديب الطيب صالح غير انني لم ولن أقرأ علي ما اعتقد نعياً بهذا المضمون الوسيع الذي ينقل البني آدم لسماوات أخري .
    جميلة هذه الكتابة وجميلة اللغة التي استخدمتها والأجمل من بعثت اليه برسالتك (مصطفي سعيد) الغائب الحاضر تماماً كما راوي الحكاية .
    سعدت بكونك تقاسمنا طرقات هذه المدينة العاملة كيف كيف وسأكون أكثر سعادة حال وصولي لدريباتك
    شكراً لك لهذه الكتابة الراقية العميقة .
    والعزاء اصدقة لمصطفي سعيد وحسنة والزين وحواء وآمنة والمنسي والمحجوب ودومة ود حامد ولكل قراء الراحل المقيم ولك عزيزي عبدالغني يا ود ياكريم .
                  

01-09-2010, 06:12 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: خضر حسين خليل)

    الخضر الحبيب


    كيف احوالك، سلامي ومحبتي


    ان كتب الطيب صالح، صارت مثل الزير في ركن الدار، نشرب منها كل حين حنينا، وتمهلا، وصدقا فنيا عاليا، وهي مثل تبروكة الصلاة، نجلس على سجادها المضفور برقة وصدق كي نثمل بخمرها المعتق الاصيل\\


    تحياتي وحبي
                  

01-04-2010, 08:38 PM

Emad Abdulla
<aEmad Abdulla
تاريخ التسجيل: 09-18-2005
مجموع المشاركات: 6751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Osman Musa)

    من تظنك خادعاً يا عبد الغني ؟؟
    ليست هذه مرثية ..
    على نحوٍ ما فأنا أعلم انك تحتفي بالموت - أو تلك النقلة ,أو فسِمها ما شئت - و أعلم كذا بأنك لا ترثي من يدخلهم الله في تجربته , لا تسألني كيف أعلم بذلك .. هو يقينٌ وقر عندي .
    ليس أنت من يرثي .. ليس هكذا ..
    ليست هذه مرثية أيها الناس ..أعلموا ذلك ، هذه رسالة لمصطفى سعيد فقط .
    الطيب صالح مات .. !! حسناً ، أعلم ان ذلك فصد كبدك فصدا - يمكنك أن تسبني الآن و أنا القي بها في وجهك دون أن أربت على كتفك شفقة و مواساة -
    مات الإله الصانع لكل تلك الحيوات .
    منذ كم و أنا ما تلذذتُ بقراءة كهذه ؟ لا أعلم أيضا - صرت في الآونة الأخيرة لا أعلم أشياء كثيرات -
    طيب .. كيف رأيت ربوبية الطيب يا غني ؟ تعرف الطعم إذن ؟ طعم التخليق !!
    ثم أن تختط هذه " الخُليقة " صنيعتك نهجاً لا يقع في متن مشيئتك , لا و لا حتى حواشيها ..
    هي فقط " تتجنس " لنفسها كياناً نوعاً يتفلت من عنكبوت صراطك .. و " يخرج " . شاهراً عليك - كدون كيشوت - سيوفه الخشب .. يخرج على ارادتك , متمردٌ خوارجي قادر .
    أن يموت الخالق .. !! الفكرة ليست بذات جدة و لا هي محدثة .. لكنك هنا تضعها في سياق مدهش .
    ( لو فعلا مصطفى سعيد ما يزال حي ؟؟ لو فعلاُ إلهه غشانا و لبّدو في فجة قدام عيوننا , و لما قفلنا الغلاف الأخير للملحمة تلك و الذي بلله الفيضان قام براحه قال ليهو كما قال شيخي ود تكتوك : خلاص أبقى مارق .. ليك الأمان . هه !! لو فعلها الشيخ الطيب إذن فنحن حمقى و طيبون و سعيدون ..
    أي عبقرية تلك تكون حينها يا غني ؟ أفهي عبقرية سيدي الطيب أم دهاء مصطفى الذي ملازمه .. ام انه جنك الفي راسك ده ؟؟
    اللعنة يا عبد الغني .. مستثارٌ أنا بهذا الحكي حد أنني لا اعلم ماذا سأكتب لك .. منتشيٍ تماماً يا رجل بهذا الذي تكتبه ..
    أقول لك .. إنبسطتُ كثيرا حين قرأتك للمرة الثالثة خلال هذا اليوم ، وجدتك إلهاً جميلاً آخر " أضرط " من سيدي الطيب .. العارف منو ؟؟
    من وين بتجيب البلاوي السمحة دي ؟ تتشنقل في حوش و النجم فوق ، و راسك حايمة - مفتكة عن القيد - تودي و تجيب !!
    اتذكر جملة ساحرة ليُمه الزلال و هي تحجينا : فوت يا زمان تعال يا زمان فوت يا زمان تعال يا زمان .. !! تصدق يا غني بيفوت الزمان على روحي و يجيْ بأمرها , و يتعاقب ليله و النهار .
    الزلال بت ود حامد - مثلك .. مثل سيدي الطيب - كانت تمسك برسن الأزمنة .. و طظ في قرينتش و آينشتاين , يُمه هي الأخرى إلهة كانت . !!
    و تتعدد صيغ ألوهيتها القادرة حين تستدعي أيضاً و أيضاً لازمة في الحكي تحرك بها الأمكنة كبيادق الشطرنج و حجار السيجة , فتحجينا تقول : يقوووول كدي تشيلو بلد و تختو بلد تشيلو بلد و تختو بلد .. بذات الغزل الخلاق الحنين تنصاع الأمكنة لتترى البلاد تُطوى تحت وابل حنينها القصاص .
    ماذا تظنون أنكم فاعلون بي أيتها الآلهة ؟؟
    أنا لم أمت بعد .. ليس كذلك الموت الذي يغيّب وجودا ، يخرق ناموساً و " يبتّق " منه وجوداً آخر موازيٍ بأكثر ما يتسع ، أرفع ديمومة ربما للروح ( قل الروح .. قل الروح من أمر ربي ) !! لا إله إلا الله ..
    الموت يا غني !!!
    تعرف .. شخوص الرسوم الكرتونية ( لا يموتون ) .. هه !!
    تسحلهم الآلات و القنابل و السيوف و الخناجر .. و و و .. لا يموتون !! هؤلاء الكرتونيون .
    ما دخل هذا بما نقول ؟ .. لا عليك .
    لو كنت قريبا الآن لعزمتك عشا .. و جلسنا , أطربق انا بما فعلته كتابتك هذه فيّ .. و تمارس أنت التأمل الجميل و التخليق - كعادتك -

    من تظنك خادعاً يا غني ؟
    البكري و ترابها هي البكري و ترابها .. الطيب صالح هو الطيب صالح ..
    أترى !! ..
    لم يبق إلا هاته الحيوات و الكيانات السحرية و الوجود ذي المليون بُعد الذين اطلقتم - او أطلقهم هو - من عقابيل الزمكان .. فسرحوا يصنعون المتعة و السعادة .. و لا أحلى ..
    أنت يا عبد الغني .. أنت و أكياسك الطائرات و أحذية و براطيش و مقاشيش رقراق و مويه و بحور و زمان يشيل و يخت و دراويش و قبب .. و جن اليجننكم كلكم بركة الله .


    .......
    الآن أنا أحب الله و أحبك و أحب هذا الذي يحدث عندي ..
    أرأيت ؟؟ شفت كيف تتخلق السعادة ؟؟

    (عدل بواسطة Emad Abdulla on 01-05-2010, 07:13 AM)

                  

01-05-2010, 00:42 AM

Magdi Algorashi

تاريخ التسجيل: 02-29-2008
مجموع المشاركات: 481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Emad Abdulla)

    الاخ عبدالغني كرم الله
    الخرطوم جنوب
    السودان


    تحياتي

    وحملني القطار من محطة فكتوريا والي عالم جبن مورس

    اخوك

    مصطفي سعيد

    قاهر الدميرة
                  

01-05-2010, 01:10 AM

فضل الصادق
<aفضل الصادق
تاريخ التسجيل: 09-26-2009
مجموع المشاركات: 883

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Magdi Algorashi)

    ألا رحم الله الطيب صالح عبقرى الرواية العربية
    ورافع لواء الإجادة ، مدهش فى أخيلته ومترع بالصور
    العجيبة ، كلماته تسعى بيننا حيه ، باذخة ، أثيرة للنفس .
    شكراً لك عبدالغنى كلماتك بطعم الشهد
    .
                  

01-05-2010, 03:31 AM

عمر سعد
<aعمر سعد
تاريخ التسجيل: 05-31-2007
مجموع المشاركات: 2468

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: فضل الصادق)

    عبد الغنى المدهش

    عفوت لك تلك الصوره .نقطه سطر جديد ..

    اتستطيع ان تخلق من تلك الصوره حياه اتستطيع ان تجعل من فى الصوره يجرون ويمرحون ويغنون

    ويرقصون ...........................................................................


    ذلك شرطى الاخر كى لا اسالك عنها مره اخرى .نقطه سطر جديد.

    من امتع ما قرات .....واقول لك سرا ...هذه الروايه اعادتنى الى الحياه مره حين كنت فى بغداد

    وكنت اقراء فى الروايه بانهماك شديد واصوات القصف فوق روؤسنا والصواريخ والطائرات

    وكان مفترض ان اكون فى مكان معين فى ساعه معينه .ولكن ملكتنى هذه الروايه وكانت تلك المره

    الخمسه والثلاثون لى فى قرائتها تصدق .........اخرتنى اخرتنى عن الذهاب الى مختبر المايكرو

    وبعد ان انتهيت ذهبت الى المكان فلم اجده كان قد تلاشى بفعل صاروخ كروز ..................

    والان اقراء ما اقراء واظن انى قد دبت فينى الحياه حياه الاحساس بالجمال والخيال

    حين تجتمع بالالهه فى جبل الالب تذكرنى ..........

    واذكرنى عندها ...............................

    كن بخير ،

    انا بخير،
                  

01-05-2010, 06:27 AM

عوض أبوجديرى
<aعوض أبوجديرى
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 248

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عمر سعد)

    شكرا أستاذ عبد الغني على جمال الكتابة وعمقها....

    وبعد

    رحل مصطفى سعيد إلى عالم الموت ‘ هروبا من ضجيج الإ نتماء !! قافز بعيدا‘ لإ كتشاف معادلة الخط الميتافيزيقي وفكرة الاله ‘ فرحل حاملا

    حنين الحنين ‘ والزين ‘ وضلالة دومة ودحامد لإ كتشاف شفرة ما بعد الموت ....!

    .................................................................................................................................
    شكرا للإ بداع

    عوض أبوجديري
                  

01-05-2010, 07:47 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عوض أبوجديرى)



    ...

    الأحبة، ...
    عشاق مسرات القراءة،
    مسرات أن تخرج من قيود الطبع (وأوتاد الخواطر)، وأن تكون نفسك، في دفء خاص، وفريد، تحسه النفس، ويجبر خوفها، ويكسر وحدتها، ويمد عنقها، كي تشاهد هالتها المترامية، اللانهائية، المجيدة، في عقول أخرى، وقلوب أخرى، في قلب واحد، هو قلبك، أنت..

    وكل من عزى الجد، (مصطفى سعيد)، .. في موت خالقه الكبير، سيدي الطيب صالح، وأن جاءت كلمة "الموت"، مجازا، فمسرات الرحيل، لأراض بكر، تعقب آلام الطلق، آلام الاحتضار..


    مثل شخصيات جلفر في بلاد الأقزام، يرى خيالي عوالم مصطفى سعيد كلها، أمامه، وكأن الكرة الارضية بحجم كرة قدم، كرة طينية صغيرة، خضراء في واد، وصفراء ذهبية في وادي، وبها نتواءت جبال، وسهول، ووديان في جانب أخر، هذه الأرض التي نمشي حفاة (كي نمس روح الحصى، وعراة، كي نلبس روح النسيم)، أو كما قال محمود دوريش.

    فهاهي الخرطوم عام 1916، وهاهي القاهرة، وهاهي لندن 1926م، في قمة جبروتها، حتى الشمس لاتقدر الاختباء من مستعمراتها، وهاهي ودومة ود حامد، القرية الطينة، سوى غرفة طوب واحدة، محدودبة مثل ظهر الثور، وبداخلها مكتبة لا يفك أسرارها، سوى الرواي، ومصطفى سعيد، وهاهي بعض المدن التي حج لها، وزارها، كلها تشئ بحج متوتر، لنفس تجوب الاصقاع، ليس كأبن بطوطة، من أجل الفضول ومسرات الرحيل، ولكن بدافع البحث عن سكينة، عن هدوء، عن فناء، وغياب عن ترهات العقل، الذي لازمه، طوال حياته، من طفولته، وإلى غيابه، أو انتحاره، ذلك العقل، الذي حرم من نعمة القلب الحانئ، الحنون...

    لا أدري، لم أحنو على شخصية روائية، كما حنوت على مصطفى سعيد، أحس بأنه في حاجة لرعاية، مني، أنا "القارئ"، وكأنه طفل في الخمسين، ساذج، وصادق، وذكي، تابعت مأساته سطر، فسطر، من لسان الراوي، غريمه، أو من لسانه هو، أو من لسان القارئ، أي "قارئ"، وما يخطر بذهنه من تمثل لهذه المأساة، الشاعرية، وكأنها عذاب مسيحي، مرجل يلقى الكاهن قلبه فيه، كي يطهره، عمدا، ويتلذذ بالعذاب، بقتل جين موريس، وغيرها، من نساء بيض، تشفى منهن، بدخيله تراجيدية، تمسك قبضتها بعنف رقيق، تلكم (السادية) العذبة، بين برزخ (العذاب، والعذوبية)، التي أنهكت العباد، في الفصل، بين نارها، ونورها،..

    كانت شخصيته أشبه بقرني استشعار، ألتفت للصراع، والتفرقة، بين الشرق شرق، والغرب غرب، قبل إدوار سعيد وصحبة، وكانت تلك جزء من مأساته، وليست كلها، فهو بطبعه غريب، قبل أن يرحل لعوالم الغرب، والصقيع، والعجرفة، فمنذ طفولته، كانت علاقته بأمه، ومحيطه، أقرب لرفاق في طريق، جمعتهم المسافة، والطريق، ليس إلا، وليس الامومة العادية، والمتعارف عليها...

    وللحق كل رجل مفارق يحس بهذا الإحساس، أن تحس بانك والقافلة في إخاء شكلي، وفي عزلة حقيقية، (ما أوسع هذه المدينة، وما أكثر الناس فيها، وما أعمق وحدتي)، وهي قضية الذهن الذكي أمام المتوارث من العرف، والعادة، بل وبراثن الكون من غموض، وتكرار، وعذابات، فيظل الذهن متوقدا بنار المحاولات الفاشلة للفهم، والتذوق، بل (والعثور على الذات الغائبة، أبدا)...

    تحس بحنو داخلي عميق، وأنت تتابع فصول المأساة، لرجل يعيش في قرية مجهولة، عند منحنى النهر، مع أناس بسطاء، لا يعرفون هل خلق الله شكسبير أم لا، وهل هناك فلاسفة يلحدون بالله، ذي الاسماء الحسنى، في قلوبهم، وفي تقلبهم بين البيت والحقل، وجلسات السمر البسيطة، أمام الدكاكين، وبركة الرتاين والفوانيس..

    هكذا عاش معهم، ماض بسيط، وغد معقد، جمعا معا، في شخص مصطفى سعيد، وأهل ود حامد، أشبه بأفلام الخيال العلمي، وزيارة الماضي، وأشبه بحج السياح الغربين لأعمدة ابوسمبل، والاهرامات والبجرواية، ذلك الألق الداخلي، لاكتشاف الدفء المفقود في صراخ الحضارة، والبحث عن جذور ضمرت مع الط بيعة، والضوء والهدوء، والعفاف، والرقة، والخجل، والزهد الموزون، (أي للروح وقت، وللجسد وقت)، تحريفا لآي الأنجيل..

    مشهد الرواي، وهو يدخل دار مصطفى سعيد، بعد (رحيله، انتحاره، هروبه، يدمي القلب، وهو يشم عطر حسنة بت محمود، ويتلفت في مصطفى سعيد (غرفته)، وكأنها أراد، "غرس الحاضر، في قلب الماضي)، "دنيا تتغير، ودنيا أدمنت عشق الثوابت)، أو كما رمز لها في (جده)، الذي لم يتغير رغم السنين والعلة..

    وللحكي عن الموسم عودة..
    فيما يخص، أين العبقرية فيه، هل هي استشعاره لصراع الغرب والشرق، أم تلكم الشاعرية الساحرة، والوصف الحي، الحقيقي لخلجات النفس الداخلية، وذلك الشاعرية الفذة، (أقرأ الفصل السابع)، مجرد وصف لرحلة باللوري؟ من الشمال للجنوب..

    وعرس الزين؟ تدور رحاها في قرية، بسيطة، فقيرة، صابرة، وكلها ابطال الحكاية امين، ومع هذا، رسم الطيب صالح كرنفال من الحياة، وزف الزين عريسا، لكل قارئة، وقارئ، في بلدان المعموة، من عرب وعجم، .. وشمال وجنوب، وسود وسمر، وصفر..

    لو مد الله في العمر، نعود لمسرات القراءة، مسرات الحياة الحقيقية، الساحرة.

    ...



    ....
                  

01-05-2010, 09:00 AM

فادية اليمني
<aفادية اليمني
تاريخ التسجيل: 02-06-2009
مجموع المشاركات: 850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: لو مد الله في العمر، نعود لمسرات القراءة، مسرات الحياة الحقيقية، الساحرة.


    ربنا يمد فى ايامك ايها الساحر عبد الغنى

    لكى تمتعنا حد الدهشة

    عميق شكرى لهذه المتعة التى اعيشها منذ ان قرأت هذه الرسالة (بالفيس بوك)

    وما اجمله رثاء وإطراء فى آن واحد
                  

01-05-2010, 12:21 PM

محمد يوسف الزين
<aمحمد يوسف الزين
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: فادية اليمني)

    يا سلام يا استاذنا ياخ
                  

01-05-2010, 03:17 PM

حامد محمد حامد
<aحامد محمد حامد
تاريخ التسجيل: 11-19-2008
مجموع المشاركات: 3085

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: محمد يوسف الزين)

    عبد الغنى لك التحية والدهشة لى
    كن بخير وما اروعك
                  

01-05-2010, 08:18 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: حامد محمد حامد)




    إلى خدن الكتابة الحالمة والقلب الكبير :
    عبد الغني كرم الله

    نراك من قلمك ، وهو يُناجي الشخوص وقد تمددت في غيمة الزمن .
    منْ يفتقد منْ ؟
    هذا سيفك الناعم يأخذنا لتخوم المحبة ، يرسم و لا يقْتُل .
    أرحل سيدي " الطيب " كما رحل من قبل " أبو الطيب " ؟
    هذا الذي أحب صديقه القديم : ذاك .
    كنت سيدي كرم الله بذرة محبة نطقت كل هذا الحنين ،
    وكل عذابات الرحيل المهيب .
    كان الطيب مشروعاً انطلق من غرفته ،
    يجلس لعبادته اللغوية القاسية ، ويتعذب الجسد وهو يُصانع شخوصه في حيواتها ،
    ويتودد إليها ، وهي منطلقة لا تلوي على شيء .
    خرجت الشخوص من قُمقم محدود المكان لفسحة الزمان والمكان .
    ومن صدفة اكتشاف ( قارئ وناشر) : جاءتنا تلك السحائب وأمطرت شُهبا .
    شكراً لنثيرك البهي ...
    وللمحبة أكثر من درب تترقق وهي تصد العُلا من هذا الحزن الكثيف .

    ولنا لقاء إن تيسر

    **

    عبد الله الشقليني



    *
                  

01-05-2010, 11:58 PM

منعمشوف
<aمنعمشوف
تاريخ التسجيل: 12-08-2002
مجموع المشاركات: 1423

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالله الشقليني)

    up
                  

01-06-2010, 06:46 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: منعمشوف)

    ...


    الحبيب، القريب،
    عمر عبدالله فضل المولى..

    عام أخضر، وذكي، وصاف..


    لا أدري، ولكني كما قلت لأخي محمد عبدالجليل، أن كتب الطيب صالح، كلها، لا تحس بأنك تقرأها، بل تحس بأنك في قلب عالمه، بل عوالمه، تصل أذن صرخات الزين "الهبيل"، ومسحة الحزن على وجه نعمة، وإرتباك "الرواي"، وجمال وجه مصطفى سعيد، وخلف أساريره، ذلك الحزن القديم، والاغتراب،

    وكأن الطيب صالح، يضرب بعصاه الحروف، والكلمات، والكنايات، والإشارات، وتصير تسعى، وترتعش، وتقشعر، هكذا كان الطيب صالح، يملك وظيفة الواصف الحقيقي، لأدق الأشياء، واغمضها، في النفس البشرية، مطلق نفس بشرية، وإلا لما جعل من الزين البسيط، الدوريش، شخصية عالمية تحتفي بها كل العقول الغربية والمسيحية واليهودية، بل مطلق عقل، وجد في شخص الزين، شخصية مفارقة، تشئ بفطرة انطمست، في قلوبهم منذ حين، في حيوات قديمة، أو الحياة المعاصرة للرجل الأروبي، والتي جعلت من العقل سيدا، والاستهلاك، فضيلة.. ولا شك، ستجد في أغنية العرس، مسرات وحنين للقلب الواهن، الذي ينبض بين ضلوعهم المكلومة، في حضارة انسانية، كادت، تقضي على القلب، بالجوع، والإفراط، والأهمال، فيجد الجميع في صرخته، وعشق للجمال الفطري، وهو كل يموت في حوش (ياناس الحلة، أنا مقتول)، هكذا يصرخ ديدبان العشق، ورسول المحلبة، حين يباغت بفتاة حلوة، الطعم والمذاق، فيصرخ صرخته تلك، مثل جدة فرح ودتكتوك، والذي كان يرى جمال المطلق سائلا في وجوه الحسان، والاشجار، بل والنار، حين قبل لهيبها الوهاج، وهي ترقص أسى، وفرحا، وغموضا، بخلق لا حول له فيها، وإحراق عجيب، سن في بدنها الوهمي، هكذا النار، حتى قدسها المجوس، لسرها، ولهيبها وتعاليها للأعالى، بألسن لهب، ومع هذا لا تقبضها اليد خوفا، ولا المقص والكماشة، رقة في جسدها اللاهب..

    كان الطيب صالح يتمتع بالكتابة، ويعاني في الكتابة، مثل ناسك أصيل، ومتبتل، عبر سبحة الحروف، في نسج أنجيل يخصه، وحده، فلذا يتمضخ، عنه قلمه، عالم حقيقي، بل أكثر من الواقع الماثل، الذي يحرم، في طقوسه، وأعرافه، الكثير من المشاعر، والأفكار الأنسانية، ويتركها سجينة الخاطر، (ومن باح، تباح دمائهم، وكذا دماء البائحين، تباح)، فقد باح مصطفى سعيد، بما في قلبه، من رتابة الحياة، ورتابة الغرب والشرق معا (فلا لندن أحتوته قلبه المكلوم، ولا دومة ود حامد غذت عقله الطامح)، فذهب ضحية واقع مرير، معيدا، في تناص بهي، قضية جده، ابي العلاء، الذي لم يخرج من أرض له، وسماء، وظل رهين المحبسين، بل محابس الدنيا كلها، حتى صار الموت، هو الخلاص، وتأتي آلام الاحتضار، مثل حالات الطلق، كي تولد النفس، هناك، وراء سياج الموت الرهيب، المقدس..

    نفسي اتمرغ في قصة "حفنة تمر"، وأحدث نفسي عنها، كم أحبها، ومعها المجموعة الصغيرة، من رسالة إلى ايلين، ودومة ود حامد، ونخلة على الجدول، والتي قال أنها كتبتها، بإملاء "الحنين للسودان،"، كتبها عام 1953، حين كان السودان يحلم بدولة مستقلة، حرة، طاعمة المذاق، سمراء، تجمع بين التصوف العريق، والافريقية الساحرة، والعروبة المباركة، ويقدس قلبها، وعقلها، الثراء الطبيعي للبلاد، في النبات، والحيوان، والإنسان، ولكن؟....(نخبة أدمنت الفشل)، كما قال شيخ السياسة العريق، والذي انحاز، لقرن، كي لا يتفتت السودان، متحملا (أقصد منصور خالد)، لذعات الأقلام، والبنادق في الشمال، بأنحيازه لبطل افريقي كبير، هو جون قرن، وللحق جون قرنك، هو من أعطى البلاد حاليا هامش الحرية، والضوء الواهن، الذي على سراجه صارت المعارضة والناس تعيد ترتيب هندام فكرها، وصوتها، وأملها.

    نفسي أكتب عن الزين، والله نفسي....

    تسلمي يالحبيب عمر، وبيض الله أيامك، كلها، ما فات، وما هو جاي، وهسي..

    اخوك كرم الله
    صباح الاربعاء
    6/1/2010م



    ...
                  

01-06-2010, 07:06 AM

مجدي عبدالرحيم فضل
<aمجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: فمصطفى سعيد بطل الرواية ينتقل من قلب أفريقيا السوداء إلى لندن . والحوادث الرئيسية في الرواية تجري في أوائل هذا القرن حيث كانت أفريقيا تغوص في ظلم وظلام لا حد لهما . وبالرغم من ذلك فإن " موسم الهجرة إلى الشمال " لا تركز تركيزاً حاداً على مشكلة اللون بل على العكس نجد أن الكاتب يمس المشكلة من بعيد جداً لا نلتقي به إلا بين السطور ، ولكنه يفسر عنف الرواية حيث أن الجرح الإنساني الذي ينزف هو أعمق من أي جرح آخر فهو جرح الإنسان الأفريقي الأسود .
    ويحدد الكاتب في هذه الرواية موقفه الحضاري المحدد والواضح فبطل الرواية سافر إلى لندن وهناك وصل إلى أعلى درجات العلم – دكتوراه في الاقتصاد – وثقافته شملت ألوانا من الأدب والفن والفلسفة وأصبح محاضراً في إحدى جامعات إنكلترا ومؤلفاً مرموقاً . ولكنه في حياته الخاصة ارتبط بعلاقات قوية مع أربعة فتيات إنجليزيات وانتهت جميع هذه العلاقات نهاية عنيفة وحادة مثل شخصية مصطفى سعيد نفسه وحدة مزاجه . فهذا الوافد من أفريقيا يتعثر في أزمات حادة ولا حل له في آخر الأمر إلا أن يعود إلى قرية في قلب السودان ثم يتزوج بنتاً من بنات القرية ويواصل حياته الجديدة بطريقة منتجة وهادئة ليست كالحياة التي عاشها في إنكلترا .
    فالحل هنا بالنسبة للطيب صالح هو أن يعود بطله إلى أصله ومنبعه ليبدأ من جديد لتكون البداية صحيحة وسليمة . فهو لن يجد في لندن الطمأنينة مهما بلغ فيها من علم ومهما كون من علاقات نسائية أساسها تعلقاً جسدياً شهوانيا عنيفا . ولكنه حين يلقى وراء ظهره بقشور الثقافة الغربية وأبقي على جوهرها ثم مزجه بواقع بلاده ، هنا فقط سوف يصبح إنسانا فعالاً له دور حقيقي في الحياة . فالذين يتعالون على واقعهم الأصلي أو ينفصلون عنه لا يمكن لهم أبدا أن يؤثروا على هذا الواقع أو يغيروا فيه شيء، لان هذا الواقع سوف يرفض أي جسم غريب وشاذ .
    فعلاقات مصطفى سعيد بالفتيات الأربع هي علاقة حسية قائمة على الاستقلال وليست علاقة حب حقيقية. فهو بالنسبة لهم مظهراً للقوة البدائية الوافدة من أفريقيا وليس إنسانا يستحق علاقة عاطفية كاملة بجوانبها الروحية والمادية ، فهو كائن غريب يحمل غموض الشرق وحيوان أفريقي تلهو وتستمتع به الفتيات .
    وهذه العلاقات والقائمة على الاستغلال هي مثل العلاقات بين الاستعمار والبلاد المحتلة . فالاستعمار يستغل هذه البلدان ويستنزف بقسوة ثرواتها وإمكانياتها . فالمستعمر يتمسك بالأرض كما يتمسك العاشق بمعشوقته ولكنه في الحقيقة ليس عشقاً بل استغلال واستثمار للأرض والناس .
    إن فتيات لندن كان يجدن في مصطفى سعيد صحة وقوة وغموض وإثارة لخيالهن حول أفريقيا ولذلك اقبلن عليه. ومصطفى سعيد نفسه كان مشحوناً من الداخل ضد أوروبا وضد التشويه التي تسببت فيه أوروبا لأفريقيا والأفريقيين ولذلك كانت نظرته لهن غير إنسانية واعتمدت فقط على الجانب الجسدي . ثم جاءت علاقته بجين موريس التي تزوجها . فقد ظل في البداية يطاردها وهي ترفضه رفضاً تاماً وأخيراً طلبت منه أن يتزوجها . وتعودت أن تثيره بشتى الأساليب العنيفة دون أن تسمح له بالاقتراب منها . فهي تشتهيه وتحتقره في نفس الوقت، تريده وتنكر أنها تريده، وظلت تعذبه بلا رحمة حتى هددها بالقتل، ولم تعبأ إلى أن جاء اليوم الذي قرر فيه بالفعل قتلها. وعندها استسلمت للقتل كما تستسلم لأي علاقة جسدية تريدها في جنون . وكانت هي تشتهي وتتمنى هذا القتل بصورته العنيفة لأنها كانت تجد في مصطفى سعيد مثالاً مجسداً للعنف الأفريقي فكانت هي أيضا مثل الأخريات نموذجاً للحب المريض الشاذ . وهكذا فشلت جميع علاقات مصطفى سعيد النسائية في أوروبا فشلاً إنسانيا وانتهت بالجريمة والسجن لان جميع هذه العلاقات كانت مجردة من أي معنى إنساني وتقوم فقط على الرغبة الجسدية .
    وبالرغم من هذا الفشل في علاقاته النسائية بقي في حياة مصطفى سعيد حبان ناجحان : الحب الأول هو حب " إليزابيث "، وهو حب الأمومة، فقد كانت هذه السيدة الإنجليزية تعيش في القاهرة، مع زوجها المستشرق الذي تعلم اللغة العربية واعتنق الإسلام ومات ودفن في القاهرة التي أحبها وقضى أعظم سنوات عمره . فقد كانت إليزابيث بمثابة الأم الروحية لبطلنا . أحبته كجزء من حبها للشرق وفهمها له، وأحبته لأنها أحست بامتيازه وذكائه وصفاته الإنسانية الأخرى، ولم تفكر فيه أبدا على انه " لعبة أفريقية " مثيرة . ولذلك كان حباً ناجحاً بقي مشتعلاً حتى النهاية بالرغم من جوانب الأمومة فيه وذلك بسبب السن .
    إن إليزابيث بعد أن عاشت في القاهرة مدة طويلة مع زوجها وتعلمت العربية وعاشرت الناس في الشرق وأحبتهم اكتشفت الجانب الإنساني في الشرق وليس الجانب الجسدي والمادي، ولذلك أحبت مصطفى سعيد دون مقابل وساعدته كلما احتاج للمساعدة، فكانت لذتها الكبرى في هذا الحب الصافي، ونظرت إلى مصطفى سعيد في ضوء رؤيتها للشرق كله .
    أما الحب الثاني، وهو الحب الحقيقي والناجح، فكان بعد عودته إلى السودان وزواجه من " حسنة بنت محمود " والذي أنجب خلاله ولدين . وهنا نعود لموضوع الجنس عند الطيب صالح فهو ليس كما في علاقاته السابقة في لندن – الجنس للجنس – بل له دور في بناء الحياة ومبني على الاقتناع والمساواة والرغبة الصادقة في إقامة علاقة .
    إنسانية صحيحة . وهنا هو محبوب ليس لما يمثله من رغبات جسدية شاذة بل لذكائه وعمق شخصيته وحبه للقرية وقدرته على العمل والإنتاج .
    وفكرة إنجابه من زوجته السودانية ليس تعبيراً عن تعصب قومي بل لأنه يمثل معنى إنساني بالدرجة الأولى فهي الحب الوحيد الحقيقي . وبعد موت مصطفى سعيد رفضت حسنة بنت محمود أن تتزوج من ود الريس وهو عجوز سوداني من أبناء القرية وكانت تفضل الموت على هذا الزواج وذلك ناتج عن تذوقها عذوبة الحياة مع مصطفى سعيد – الأفريقي الذي صقلته الحضارة والتجربة . فقد وجدت فيه شيئاً جديداً فهو منها ولكنه غريب عنها وجديد عليها ولذلك أحبته بعد أن فتح عينيها إلى عالم أوسع وأعمق من عالمها البسيط . وفي هذا تشبه حسنة بنت محمود السودان في تطلعها إلى الجديد وان تخطو إلى الأمام دون أن تنتزع جذورها من الأرض.
    كانت حسنة في الواقع تريد الزواج من شخصاً آخر وهو الروائي حيث انه كان الامتداد الوحيد المقبول لمصطفى سعيد فقد سافر إلى أوروبا وعاد إلى وطنه يحمل مشعلاً هادئاً وصادقاً ولهذا السبب جعله مصطفى سعيد وصياً على أولاده وثروته وزوجته وجميع أسراره .
    وبعد أن فرض الزواج على حسنة من ود الريس العجوز، قتلته وقتلت نفسها. وبذلك تكون قد قتلت العادات القديمة التي تجعل من المرآة متاعاً عادياً وليست انسانة ذات عاطفة مستقلة. أنها قتلت رمزاً من رموز الماضي بتقاليده ونظرته الخاطئة إلى الحياة وسقطت هي شهيدة حرصها على ألا تتراجع عن العالم الجديد الجميل الذي خلقه لها مصطفى سعيد .
    وهناك شبه بين جريمة مصطفى سعيد في لندن والتي قتل هو فيها الوجدان الأوربي المعقد والذي يعلن كراهيته واحتقاره لأفريقيا ثم يتمسك بها حتى لا تضيع. فقد قتل الوجدان الأوروبي باستبداده وعنفه ورغبته في السيطرة بحثا عن وجدان أوروبي جديد خال من التعقيد والمرض.
    أما حسنة فقد قتلت الوجدان الأفريقي بتقاليده القديمة بحثا عن وجدان أفريقي جديد.
    وأخيرا نلاحظ كيف مات بطل الرواية. لقد غرق في النهر دون أن تظهر جثته نهائيا. لقد اختار البطل أن يذوب في النيل وهو رمز الأرض والأصل وأفريقيا - رمز المنبع والبداية الصحيحة. لقد أراد مصطفى سعيد أن يتطهر من آثامه الفكرية والجسدية في هذا النهر لأنه مصدر الحياة.
    القيم الفنية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال.
    1- العبارات الجميلة - فهي تعتمد على لغة عربية وأناقة شاعرية غنية بالأضواء والظلال مليئة بالشحنات العاطفية. هناك استعانة بروح اللهجة العامية مع المحافظة على الصياغة الفصيحة البسيطة - حديث محجوب للراوي لحزنه على موت حسنة بنت محمود :
    " يا للعجب، يا بنى أدم اصح لنفسك، عد لصوابك، أصبحت عاشقا أخر الزمن. جننت مثل ود الرايس. المدارس والتعليم رهفت قلبك، تبكى كالنساء، وأما والله عجايب. حب ومرض وبكاء، إنها لم تكن تساوى مليما، لولا الحياء ما كانت تستاهل الدفن، كنا نرميها في البحر، ونترك جثتها للصقور".
    2- قدرة على الوصف - وصف القرية الأفريقية بما فيها من بشر وحيوانات ونباتات وليال مقمرة وليال مظلمة. يقول مثلا :-
    " تحت هذه السماء الرحيمة الجميلة أحس أننا جميعا أخوة. الذي يسكر والذي يصلى والذي يسرق والذي يزنى والذي يقاتل والذي يقتل. الينبوع نفسه. ولا أحد يدرى ماذا يدور في خلد الإله. لعله لا يبالي. لعله ليس غاضبا. في ليلة مثل هذه تحس انك تستطيع أن ترقى إلى السماء على سلم من الحبال. هذه ارض الشعر والممكن وابنتي اسمها آمال. سنهدم وسنبني وسنخضع الشمس ذاتها لإرادتنا وسنهزم الفقر بأي وسيلة. السواق الذي كان صامتا طوال اليوم قد ارتفعت عقيرته بالغناء.
    إعداد /مها محمد فوزي

    المصدر
    منتديات ود مدني
                  

01-06-2010, 07:55 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)



    .....

    العمدة،
    أخوي..

    الله، الله،.. طوفت بنا، في حناياك، فيك..
    دوما أحس، كأنني مهماز (وهذا يشرفني، ويثملني)، كي أقمز بطن خيولك الماهرة، كي تركض في سماء البوح، والبكاء (علينا، ومننا، وفينا)، كي تسبق ضوء البصيرة، والبصر، وتصهل في الروح بغناء السكينة الأبدية..

    ما بال قلم، لا يغادر حزن، أو ومض مباغت، وإلا أحصاه..
    فيسبح طرفي، وكأن كتابتي المتواضعه، هي مجرد لك، مقدمة، لك، كي تسر لنا، بنا، ونحن نتخبئ في غيم جلدك العظيم، الذي يغطي (جسد الفكرة، وفكرة الجسد)، من البرد، والجوع، والمرض، وشر العين، وسحر العين، هل تدري، بأن شر العين، هو الافتتان الخلاق، بكل شئ، وكل شئ نضير، هكذا تبوح سراير قلوبنا، ويبهت العقل المسكين، وهو يتوكأ بعصى التحليل، والتبرير، مثل أطفال غرر، يبررون اتساخ ايديهم بالطين، أمام عبوس أباء جهله، حمقى....

    تصيبني حشرجة، وأنا اتفرج على "شاشة الورقة"، وهي تعرض لي حياة مصطفى سعيد، أو الزين، بكيت، ووضعت الكتاب على صدري، حين تفجر نشاط الزين، وصار معولة كريشة فنان يهوي على حقل العمدة، حين وعده (العمدة كاذبا)، بالزواج من أبنته، بكيت، وبكيت، للوعود الكثيرة الكاذبة في وطني، وفي جسدي، وفي عقلي، نحلم ونحلم، ويأتي الغد بمعول هو الآخر، ويهدم أحلام وطن بسيط، وطن يوفر القوت والحرية فقط، لا أكثر، ولا أقل، (ما أكثر الاشياء التي لا نحتاجها)، نحن لسنا أسرى ثقافة الاستهلاك، والشراء، والاكتناز، نحن مطلوبنا بداخلنا، مجرد قلب راضي، زي قلب الزلال بت ود حامد، تلكم المرأة، التي يشبه قلبها قلب ابوزيد البسطامي، (لو أن العرش، وعشرة أمثاله، في ركن من أركان قلب العارف، لما أحس به)، وقلبها أوسع، وأنضر من ذلك، بل الموسيقى، في جبروت رقتها، تحاكي خجولة، صدى صوتها المشرب بالحنان، بالحنان، والرحمة، أهناك أثرى من الرحمة، حتى تتغلل في نسيم الحياة، وتسبح فيها القلوب الملونة.. أهناك؟..

    ما بال حرفك، يتوهج في بطن حوت يونس، ويريه جماليات (الخلوة) مع الذات،.. ما باله، يمسد جروح الخاطر الغائرة، حتى عن الخيال، والتصور..

    لا موت، بلى، وربي، ولكنه غياب موقت عن حواسنا المحدودة، ولكن في سماء البصيرة، كل النجوم تشرق، وكل القلوب تخفق، الميت والحي، الغائب والحاضر، قال متى، أو بطرس، لا أذكر، ولكن الحالة أذكرها، وهل تنسى ذاكرة الروائح، ذاكرة الكلمات، عن الميسح (يأتي بعدي، لأنه كان قبلي، ويكون أمامي، وأنا لست أهلا لكي احل سيور حذائه)، هكذا قال، أنا أعمدكم بماء نهر الأردن، وهو يعمدك بالروح القدس، بالشعر، بخمر القراءة الحقيقية، لكتاب الحياة، كتاب مسطور في شفاة الماعز، وندوب الشجر، وعواء الذئاب، وموت النمل، كتاب مسطور ياعماد، في وشم امك، وأمي، وقبور النساء النوبيات، وفي الأواني الفخارية التي دفنت مع الموتى، كى يلتهموا فيها خمور الفكر، والذكر، تحت الارض، في لحاف طيني، ناعم، بارد، رطب، معتم، سوى من "الأنا"، وقد واجهت "الأنا"، بعد دوامة، فكرية، وسحرية، وفيزيايئة، واجتماعية.. دوامة ياعمدة، أنستنا نفوسنا، ذلك النداء الداخلي، والذي يطرق (عبر نبض القلب الدائم)، جلودنا، وقفصنا الصدري، كي نفتح له، (أطرق، يفتح لكم)، ولم نفتح له، كنا نؤم، كنا سكارى، ومانحن بسكاري..


    أشكو إليك جهلي، أيها العمدة،
    بغتة، شعرت بأنني أجهل كل شئ، هززت رأسي، وكأني أهز فتيل دواء قديم، كأني اوقظ نورا، أو فجرا بداخلي، عسى أن أفهم، وأداوي هذا الاحساس المباغت، والذي سرى في كل جسدي، مثل ضوء يخترق زجاج، حتى صارت،، كل الصور الذهنية التي تلف ذهني، وكل الظنون والعاطفة المسكينة التي ترقد على ظهر قلبي، بدت هباء، وتحرك بحدسي، في سويداء قلبي، برق ما، أسود صريح، جعلني أبدو أصم، وأبكم، وأحمق، وصار اليقين، والذي تنطوري عليه نفسي، بالعلم والحياة والناس، مجرد أوهام، وأشباح، وبدت حقيقة ما، قوية، صارمة تهمز روحي، بالبدء بالتعلم، ومحاربة الأمية المطلقة، والتعرف على وقائع حياتي، ونفسي، وبلدي، بل، نفسي، ومراجعة هضمي لما شعرت به، وتذوقته، وأدركته، من فجر تاريخي البعيد، قبل ملايين الولاداتي، التي تقلب فيها ظهري، فبدأ الأمر جليا، بأني جاهل، جاهل عظيم...
    أحس بجهل عظيم، وأمامي مفترق طرق، مليون طريق، كلها تغريني بالسير، وأنا جاهل عظيم، فقدت بوصلتي، وحدسي، وحاسة شمي، وتأملي، فبربكم، كرامة لله، كرامة لله، ولو بصيص نور، أتحسس به حوافي المتعبة، وأرتب دواخلي، وانظف سريري، وأتغطى بملاءة الشعر، حتى مطلع الفجر..

    كرامة لله..

    أيها العمدة، فأنت تعرف مطصفى سعيد، والزين، ومصطفى سند، والبحتري، أكثر مني، وأبو القدح، بعرف يعضي أخو وين..

    كرامة لله يامحسنين..




    ....
                  

01-06-2010, 08:52 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    الحبيب، جعفر محي الدين..
    سلامي ومحبتي


    من الذكريات الشخصية، أقولها شخصية، وكأنها مرت بي، مثل الطهارة، ولبس ملابس الابتدائي لأول مرة، أو السفر بالقطار لبورسودان لأول مرة أيضا، وصوت عجلاته، وهي تحك القضيب، أو منظره وهو يشق هيبة الجبال على تخوم هيا، وسنكات، ومنظر الأطفال وهم يركضون حوله، من أجل لقمة خبز، أو كيكة، أو جريدة يومية، أو مشهد المحطة وأنت من نافذته ترى تحتك صخب الباعة، وخلفهم مباني المحطة الحجرية، أو من الطوب الذي يشبه مباني جامعة الخرطوم، وخلفها جبال رابضة قبل أن يتدفق النهر في في المجاري، والدم في شراين آدم وحواء، تلك الذكريات التي تزداد نضارة مع الزمن، وكأنها تغتسل بنور الجفرة، فيزيد حلاوة اجترارها، والحنين إلى كنفها.. كما ان أشجار الأراك، والدوم، تخلل الجبال، مثل نجوم خضراء، في سماء رمادية، وبنية، وتهز هاماتها، فتعطى المنظر الصامت، الساكن، المهيب، ألق الحياة، وسرها، وسحرها..

    أقول، من تلك الذكريات الشخصية، تلكم الجلسة، للعصابة أمام دكان سعيد، في عرس الزين، وهم يخضون في امور الحياة، ومشاكل القرية، وصراعتها بين القديم والجد، وصراع الاجيال، وتعليقهم لكل فرد يمر بهم في تلك الفسحة البسيطة، والتي اتخذت شكلها من خيارات عشوائية في البناء البسيط، فكانت بصورة يمكن تخيلها، او وجود كلمة عربية، او غيرها تصفها، فهي فسحة، والسلام..

    وضوء الرتنية يستلقي على الارض، بتواضع المسيح، ينير، ولا يدعي، أو يجلجل.. فقط ينام كبساط فارسي، توطأه كل الاقدام، ولا يضج ولا يثور، ويتعلق بالأرجل، مثل قطة فضولية، ويتركها عند حده باتقان غريب، كعادة النور، والأنوار..

    تلك الجلسة، كنت معهم، أحسس بقشعريرة الحصى الصغيرة والرمل على اصلابهم، وبنض قلوبهم في تلك العتمة، ودفء الشاي في حلوقهم المجعدة، وعيونهم المتعبة، البسيطة، ..

    تلك الجلسة، هي هي، كأنها واقع، لا أكثر، ولا أقل، وليست سطور، سطرت، وهي تكون الحياة في الكتاب، ليس ظل، للواقع، بل وجه من وجوه الواقع، مصبوبة في أدوات التعبير الذهني، لعواطف القلب، وهي السطور الأوفى، المكتوبة في حواشي القلب، وسويدائه..

    فأي خيال في هذه الجلسة، لا خيال، ولا يحزنون، ولكنها جلسة تحس بها، كما تحس بحضن الأم بعد غيبة طويلة، وتعيد لك روح حياة مررت بها، أو شاهدتها، والسلام..لرجال يناقشون مشاكل القرية، والزراعة، والمؤذن، وتمرد الجيل الجديد، ولو بأدب جم، ..

    المحبة الكبيرة..


    ,,,
                  

01-06-2010, 09:09 AM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    لا اقول انني تلذذت وتسليت واستمتعت بروعة الابداع الذي فاض ويفيض به قلمك وحسب بل يزداد
    احساسي بالفال والامل في هذه الحياة
                  

01-06-2010, 10:47 AM

عماد الشبلي
<aعماد الشبلي
تاريخ التسجيل: 06-08-2008
مجموع المشاركات: 8645

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    عبد الغني سلام

    وحمد الله علي السلامة ...
                  

01-06-2010, 11:38 AM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عماد الشبلي)

    عبد الغني خليك من البوست كله كوم وتعال
    Quote: عبدالغني كرم الله
    جنوب الخرطوم
    حي الأزهري/ مربع 12
    عشرون عاما منذ ان افترقنا وانت علي هذا العنوان وانا امر يوميا قربه ولا ادري!!!!قايلك في الدوحة تحياتي يادفعه
                  

01-06-2010, 11:43 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: مطر قادم)

    مجدي الحبيب..


    الشكر اضعاف، لموسيقى حفنة تمر، التي زخرفت بها البوست، كقلادة..
    وللحق، قصص الطيب صالح القصيرة، تحتاج لتذوق، وصبر تأني، لأنه ...؟ ادخل المارد في زجاجة صغيرة..

    يااااااااه..
                  

01-06-2010, 12:07 PM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    عبدالغني قريبنا
    السلام والمحبة
    شغلني مقتل الحسين وسرحت ومرحت مع الشريف الرضي فكنت أعقد العزم الولوج لعالمك حيث سحر الكلمة وبراعة الوصف وغزارة الخيال فأجد علاقة قرابة بينكم والأديب الشفيف الطيب صالح والذي شهد الداني والقاصي بتلك المزية وقد أعطي جوامع النحت والرسم مات منطرحاً وبقي أدبه خالداً يحفظه من النسيان والغمر .
    تقبل وقوفي عند هذه الرسالة الأدبية الثرة ...تحتاج نفسها لتفكيك ولنترك ذلك للقاري ليستمتع بالنص بعيداً عن قوالب البلاغة والنقد والتصريف ...تحياتي لكم ومن بطرفكم وأخص أبوأفكار
    .
                  

01-06-2010, 02:10 PM

رأفت ميلاد
<aرأفت ميلاد
تاريخ التسجيل: 04-03-2006
مجموع المشاركات: 7655

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    يا ود كرم الله عبد الغنى .. الغنى بالغنا ولو كان حزين

    نزل دى عندك وشوف كيف الكبار بدعبو الموت ويناجوه


    الرجل القبرصى/الطيب صالح

    تحياتى
                  

01-06-2010, 02:18 PM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    عزيزي عبد الغني ..سلام،
    يقول سيدي الطيب صالح:
    (حين تدلهم الخطوب، أتعزى بعد كتاب الله الكريم، وسيرة الرسول الأمين، أعظم من أظلته السماء، وأقلته الغبراء أتعزى بشعر العرب، ولو شئت لسقت شعراً كثيراً يصلح لهذه الأيام، ولكن حسبي ذلك البيت من شعر (الأستاذ) الذي لا أمل من ترديده:
    مَن رَآها بِعَينِها شاقَهُ القُطانُ فيها كَما تَشوقُ الحُمولُ
    قال العكبري، قال أبو الفتح:
    "أي من عرف الدنيا حق معرفتها تيقن أن أهلها راحلون لا محالة، فلم يجد بين القاطن والراحل فرقاً، فهذا يشوقه وهذا يشوقه، لأن من رأى الدنيا بعينها وتوسمها بحقيقتها، شاقه القاطن فيها لقلة مقامه، كما يشوقه الظاعن عنها لسرعة زوالها"
    وأضيف - الطيب صالح - غفر الله لي، أن أبا الطيب، أراد أن يضع حياة الإنسان القصيرة في سياق الأبد، لعل الإنسان يدرك لو يستطيع، كم هي عابرة حياته، وكم هي تافهة مساعيه وطموحاته. والإنسان لأنه ظلوم جهول، قد يزين له غروره أن عمره القصير هو الأبد، وأنه مخلداً في الأرض، وألا أحد قبله ولا أحد بعده، ليس أن أناساً إثر أناس جاءوا قبلنا وأحسنوا وأساءوا، ثم رحلوا. وسوف يجيء بعدنا أناس قد يرون ما نحسبه نحن صواباً، أنه عين الخطل وغاية الحمق).

    عندما قرأت رسالتك الفريدة تلك التي عنوتها إلى (مصطفى سعيد).. لا أدري كيف أصف الشعور الذي خامرني وقتها.. فقد نكأت جرحاً غائراً لا زال ينزو.. (الطيب) .. مات؟ يا للفاجعة .. مات الطيب صالح .. يا لفداحة مصابنا فيه..
    Quote: صديقي ..
    هناك حديث، نبوي، ( ما أدخل رجل على مؤمن سرورا، إلا خلق الله له من ذلك السرور ملكا، يعبد الله، فإذا صار العبد في قبره، اتاه ذلك السرور، فيقول له أتعرفني؟ فيقول له من أنت؟ فيقول انا السرور الذي أدخلتني على فلان، انا اليوم أونس وحشتك، وأشفع لك، وأريك منزلك في الجنة)، ولاشك سيذكر ذلك الملاك الطيب، أنا، وعركي، وسارة، وعبدالواحد، وجاك، وفوزية الصبار، وجورج طرابيشي، ورجاء النقاش: مسرات القراءة، رجاء النقاش، الذي قال عنه (لقد أخذتني الرواية بين سطورها في دوامة السحر الفني، وأطربتني طربا حقيقيا، بما فيها من غزارة شعرية رائعة)

    اللهم إنا نشهد بأن عبدك (الطيب) قد أسعدنا وأدخل السرور على قلوبنا وما يزال .. اللهم هو الآن بين يديك فأغفر له وأنزل على قبره شآبيب رحمتك وأسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
    قرأت (موسم الهجرة إلى الشمال) أول مرة باكراً وأنا لم أتجاوز المرحلة الابتدائية .. فقد أتانا بها أحد الزملاء ليرينا خلسة وعلى استحياء -بعد أن انتحى بنا مكاناً قصياً بعيداً عن العيون- بعض العبارات الواردة في الكتاب .. حوارات (بت مجذوب) "حريم النصارى لا يعرفن لهذا الشيء كما تعرف له نساء البلد. نساء غلف، الحكاية عندهن كشرب الماء. بنت البلد تعمل الدلكة والدخان والريحة وتلبس الفركة والقرمصيص. وحين تفتح فخذيها، يشعر الرجل كأنه أبو زيد الهلالي. الرجل الما عندو همة يصبح له همة".. الأمر الذي دفعني إلى قراءة الرواية كاملة ..على هدي تلك الإشارات المبهمة والمثيرة..متسلحاً بأدوات قاصرة..مكتسبة من قراءة الألغاز بخاصة "المغامرون الخمسة" وبدرجة أقل "الشياطين الـ 13" .. لغز الكوخ المحترق .. البيت الخفي .. العقد المفقود ...... والتي كنا نلتهمها التهاماً وبرغم أن بعض الأساتذة كانوا ينصحونا بالإقلاع عن قراءاتها بحجة أنها غير مفيدة .. إلا أننا لم نفعل فكنا نتبادلها سراً بعد أن ندسها وسط الدفاتر والكتب في الفسح وأثناء حصص المذاكرة .. وأنا أدين لها بالكثير من المعرفة والخبرات - وأظن أن هناك كثيرون يتفقون معي في ذلك - فهي التي غرست فينا حب القراءة حد الاستغراق وتعلمنا منها عدم إهمال أي جزيئيات في الأحداث حتى لو بدا أنها ثانوية وغير مهمة وتعلمنا منها الربط بين تلك الجزئيات في اتساق وتعلمنا منها القدرة على التحليل والاستنتاج والتفكير "بالطبع عرفنا تلك الخبرة فيما بعد" إلى درجة أننا كنا نصدق أن أبطالها أشخاص حقيقيون من لحم ودم .. "تختخ" وكلبه "زنجر" و"محب" وأخته "نوسة" و"عاطف" وأخته "لوزة" و"المفتش سامي" و"الشاويش فرقع" وابن أخيه "جلجل" .. الأمر الذي جعل واحد من بلدياتنا كان يدرس في جامعة الأزهر يستغل تلك البراءة مدعياً - بمكر- بأنه قابلهم أكثر من مرة في المعادي .. "فتأمل!" كما يقول الأستاذ "حسن أبشر" وهي سانحة لتوجيه تحية إلى مؤلفها البارع (محمود سالم) - معذرة على هذا الاستطراد الطويل - أعود لأقول بأنني قرأت "موسم الهجرة" في هذه الفترة الباكرة.. فخرجت منها بزاد قليل هو كل حصيلة هذا الإدراك الساذج.. ثم توالت بعدها قراءاتي لهذه الرواية الساحرة .. وفي كل مرة كنت أحس بأنني أقرأها للمرة الأولى واستعير هنا عبارات (مصطفى سعيد) إذا صحت في هذا السياق: (يزداد وتر القوس توتراً، قربي مملوءة هواء، وقوافلي ظمأى، والسراب يلمع أمامي في متاهة الشوق) .. (أمسكها فكأني أمسك شهاباً) ولا أخرج من تلك القراءة الجديدة إلا بمزيج من الدهشة والإبهار...
    رحم الله (الطيب).. فقد قدم لهذا الوطن الكثير .. بل أن ما قدمه يفوق كل ما قدمته وزارات الثقافة والإعلام في السودان على مر التاريخ كما قال ذلك - بحق - الرائع الآخر الراحل/ صلاح أحمد إبراهيم .. فقد وجد (الطيب) من الآخرين أينما حل كل تكريم وكل احتفاء وهو بذلك جدير.. ولم نقدم له -للأسف- أي شيء ...

    (عدل بواسطة نصر الدين عثمان on 01-06-2010, 02:21 PM)
    (عدل بواسطة نصر الدين عثمان on 01-06-2010, 02:38 PM)

                  

01-07-2010, 00:14 AM

ثروت همت
<aثروت همت
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 397

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: نصر الدين عثمان)

    عزيزي كرم الله

    تشابكت خيوطي، وما حَمِلَت من أفكار، فترددت كثيراً، من أين أبدأ، من فكرة الموت، أم من ثِقل الأغتراب الذاتي، واللاإنتماء النفسي( والذي يتمثل هنا في شخص مصطفي سعيد)، أم من العلاقة بين الخالق ومخلوقاته، أما سبب ترددي فهو أن محاور الأفكار المذكورة أعلاه، صاغت أحرفي في الآونة الأخيرة، وتمسكت بنات أفكاري بتلابيب عباءاتها، وغزلت منها نول الخيال.
    أذن سأبدأ من حيث أنتهى الغائبون، وكم تمنيتُ عودتهم لتنويرنا بميتافزيقيا صدأ من عمقها البشر، الموت يا صديقي يعتلي هرم الحياة، شأنه شأن الإنجاب والنمو، يتهيأ في صمت حولنا، نهيل عليه السواد، ونسدل عليه حجباً سماوية، حرية شُوشت بدوافع الفقد، شأنه شأن النٌبل، والأنسانية السامية، حاول أن تتذكر، كل المعاني الصادقة والنبيلة من حولك، هالة الحزن التي تتلبسها، والصدق أو النبل دائماً مناط بالحزن.
    كتبت لك من قبل، عن مدي يقيني بالموت، حينها قلتُ لك:
    Quote: (بعد أن تجرعت كُؤُوس غربتي لم أجد انتمائي إلا للموت، كفكرة عظيمة، كفناء طبيعي للجسد، كشيء غامض لم يُدرَك كنهه، الموت يا عبد الغني كفكرة، تؤرق كل كاتب، التجربة التي يتمنى الكثير خوضها والعودة من جديد للكتابة عنها، درويش كاد أن يفعلها، جدارية محمود درويش هي رحلة الموت والعودة للكتابة عنه من جديد، محمود درويش تناول الموت في أكثر من قصيدة، تحدى الموت بكلماته، وغير مفهومه داخلي لطالما كنت أوصد بابي في وجهه ، كضيف ثقيل الظل غير مرحب به، عكس الآن، عندما مات درويش، وخرج الملايين لوداعه، كاد الدمع أن يثقب عيني وأنا أمنعه من التسرب، في نهاية المطاف نثرت حزني علي شجني، وأشعلت الجسد برغبات الرقص وثرثرته خلف إيقاع موسيقي صاخب، لطالما رحب محمود درويش بالموت، لطالما سَخِر من الحزن. فِلَم خذلانه بالبكاء والنحيب؟)

    سَديم واقعٍ متكثف، سَطَمَ أرواحنا، وسَدَمَ عقولنا، يا كرم الله، فذبلت بها الأنسانية، وتجردت من أسمى معانيها، رنين الحياة الصاخب حولنا، وأن دلّ فأنه يدل على أنها جوفاء، قرِعة، تَقَيَّأَتِ ما ببطنها فتناسلت منها طينة البشرية، فقاعات هواءٍ، تخرج من تجاعيد الأرض، أجيال تصعد من تراب، ثم تهوي كالشهب عليه، بعد أن أحرقتها أشعة شمسٍ، كشفت ظلمات الحياة.
    ديمومة متبلدة، تعيد صيرورتها، الحالك فينا، يشرئب فارهاً ضد نقيضه، ونحن نكتب، ونهرب خلف سراب واقع بعيد عن ما كتبناه.
    لاشيء حقيقي حقاً يخرج حياً من أفكارنا، بل هي مداد أحرف صُيغت بأيدي خفية، لا شيء جديد، موميات أفكارهم التي تكفي لتحنيط أفكارنا، وينتج عنها نفط يدير محركات أفكار نشء قادم.
    تساءلت عن علاقة الخالق بالمخلوق، عرجتَ بأفكارك لنيتشه، والذي دعى الذات الفردية للإرتقاء، والوصول لفكرة الإنسان الأعلى، ومنها يصل لمنزلة الإله، والمعبود، وهكذا يكون الفرد إله أناه الخاصة، وهيأ نفسه ليكون الرسول المبشر لهذا الإله، فُصلب على ألواح كتاباته ذاتها، بعد أن فتك به الأنسان اللامنتمي داخله، نيتشه فطن للوجود من حوله، إنسانية مجردة من معناها، زيف، خلل أخلاقي، سياسي، ديني، من حوله، كل ذلك على أيدي مخلوقات الخالق، تساءل ذات ألم، وأحباط مبكر، وهو مايزال في الثامنة عشر من عمره، كيف لا تحمل المخلوقات روحاً، ونوراً من خالقها.
    قلتَ لمصطفي سعيد، (مات إلهك)، ولم يكن الطيب صالح الهاً له، بل كان مصطفي سعيد، فالكاتب يكتب، ليصنع واقع أفتقده في عالمه، والقاص يصنع أبطاله ليشخص فيهم معتقداته، وينطق ما لم يفصح عنه بنفسه.
    مصطفي سعيد، روح!! جسداً شُيّدَ من خيالات وأحلام ورؤى، فهل قُبرت روح مصطفى سعيد؟؟ لا بل هل قُبرت روح خالقه، بعد قَبّار جسده؟
    بالرغم من أن نظرتي لشخص مصطفي سعيد، تختلف كثيراً عن نظرتك له، والتي تجلت عبر هذه الرسالة، إلا أني أشفق عليه من عذابات الوحدة، أو الوحدانية المضللة، وأنا هنا لا أتحدث عن وحدانية الجسد، بل وحدانية الروح الرتيبة، وهي أشد وطأة من وحدانية الجسد الذي يمكننا أسكات صراخه وهزيعه، ولكن كيف لنا قَبّار وحدانية الروح، ظني أنها تظل طليقة حتى بعد قبر الجسد، فهل تُقبر الأرواح؟؟
    أو تعلم يا عبد الغني، لو سألتني من قبل، لمن تبعث برسالتك هذه، لما رجّحت خيار مصطفي سعيد، بغض النظر عن تفسيري للتجاوزات التي في شخصه، هل تظن أنه تأثر لموت خالقه حقاً، هو الذي وئد الإحساس قديماً، وجرد حزنه من فقد الاخرين، على كل حال، كان خياري لك سيتجه نحو الزين، فهو بالرغم من أميته صادق جداً، وإنساني جداً، لم تزيفه معالم التمدن، والإتيكيت، وبرود الإنجليز اللاذع، هو حقيقي لأقصي مدي في الحقيقة، حزنه حقيقي، سعادته حقيقية، مشاعره حقيقية، يمكنني تخيل نظرة الاستغراب في عينيه، عند أستلامه لرسالتك، سيتساءل عن المرسل، ولكن قلبه سينشرح بالفكرة، والتي ستهدم إحساسه بالنفي والرفض، والذي يواجهه من المجتمع بسبب إنسانيته تلك، ينادي أحد الفتية، لقراءتها له، بعد أن يعده بشراء زجاجة (بارد) من أجله، ينفذ صبرالصبي من محاولاته لشرح الرسالة للزين، يرمي الصبي الرسالة في وجه الزين، وينعته بالغباء، يختطف زجاجة (البارد) ويركض بعيداً، يبتسم الزين، غريب هذا الزين في كرم أخلاقه، يبتسم في وجه من تعمدوا أذيته، هم يظنون إبتسامته دليل أضافي على غباء الزين، وما دركوا أن تحت الإبتسامة جرح غائر، تسببوا في تخليده، أو كما قال العم محجوب يوماً: كل الجوح بتروح: إلا التي في الروح.
    تقديري وإحترامي

    (عدل بواسطة ثروت همت on 01-07-2010, 00:32 AM)

                  

01-07-2010, 06:12 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: ثروت همت)

    عمر سعد، أخوي..


    غريبة، أني ما شفتك في معرض الدوحة للكتاب، ولا حتى نادوس، وهو أكثر الناس شوفا في المعارض السابقة، المانع خير، وكيف اخبارك، وقصة "الصورة" الخايف عليها، ههههههه، والله هسي معاي في المكتب، وبعاين ليها، ونحن واقفين وراء الوان الطيف، من اليمين انت، ثم عبدالحميد، ثم اخوك، وألوان الطيف، أولهم هيام عمر ثم سماح، واخت نضال، ثم سمر، ثم أخت نجوم، ثم ريان، ثم سمر، وهي تتكئ على رجلها اليمين، وانت لابس قيمص مخطط، خطوط راسية، وبتاعين للكاميرا (يعني بتاعين لأي زول بتفرج على الصورة)، ووراك شتلة، أظنها شتلة.. ..

    يوم لا ينسى، في حضرة الاسكلة وحلا، وود الرضي، والنيل، والنجيلة الخضراء، فعلا لا ينسى، ليتنا نستطنق الصورة في يوم ما، ونعرف مصائر من فيها، وهل أحلامهم كانت كما "وقع القدر"، أما على نفسها جنت براقش..


    فعلا، اخوي عمر، ان لمسرات الحقيقية، التي تعتري القارئي، أي قاري لموسم الهجرة إلى الشمال لا تنفد، فهو كتاب محكم، صادق، جرئ، شاعري، فذ، لا يقضى وطره، وأن طال الوصال..


    جد مشتاق ليك، وربي،.. أظهر ياخي..


    المحبة الزايدة، وعام جميل وخلاق وسمح، وشاعري،...


    كن بخير..
                  

01-07-2010, 08:40 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    العزيزة ثروت همت،
    والعزيزة رواية صالح..

    السلام، والتقدير، الوافر،..

    لثروت، شدني، بل شدتني، همومك الصادقة، وقدرتك الاستثنائية، على تشخيص الخبئ فيك، من مرارة الاغتراب، وقدرة أناملك الخفية، على تحسس الجرح الإنساني الكبير، والشعور الحقيقي، (بالعزلة)، ومفارقة الأرحام الثلاث، رحم الغيب، رحم الأم، ورحم "الأنا"، كما قال الحلاج، (ولدت أمي أباها، إن ذا من عجبات، وبناتي بعد أن كنت بناتي، أخواتي،)، وهو يعني، فيما يعني، أن الولادة، بل الولادات، تتم بكلمة "كن"، وليس الوصال الجنسي، المغروز في الكائنات الحية، أجمعين، بل تلك الولادة، هي التي ولدت هذه الكائنات، بلا رحم حواء، أو مضغة آدم، و"كن"، تلك ليست كلمة، ولكنها صيرورة، وتقلب صور، وتناسل تداعي، وخراف عجيبة، غريبة، ترعى في بيداء الأزل، ولا تزال كن، تسفر، وتلد المستقبل في مهد اللحظة الحاضرة، ولا تزل "كن"، تدفن جثة الحاضر، في قبور الماضي (ولكن القبور تحس، وتشعر، وتحكي)، أذن الماضي حي، كما الغد حي، ولكنه عماء حواس مرحي (لو تجلى عن ناظريك الغبار، لرأيت الكئوس كيف تدار)، والكئوس هي الاجساد البشرية، والخمر هي الدم النقي، السلسل، الذي يجري في عروقها، برقيق الشعور، ونقي الفكر، والحياة.

    يقول عصام البوشي (بالنور من عقلي، جدد ثرى بدني)، وهذا ما قصدته بالخبئ فيك، وكم اغبطك على ثمالة الحزن على الأنا، الأناء المغمورة في الدخيلة، والتي نكاد لا نعرفها، ونحن لها، قالها المعصوم، (الحزن رفيقي)، وهو يقصد نار المعاناة، والوجود، ويسعى أن يكون (نورا)، بلا نار ورحمة (للعالمين)، تلك هي قصة الخلاص من المعاناة، وأسها (الموت، والمرض)، وهو التحدي الانسان الكامن، والأصيل..


    قالها البوشي، بالنور من عقلي، جدد ثرى بدني، فالجسد هو القبر، هو القبر الحي، الذي نجره على أعناقنا، وأكتافنا، (يحمل جثته، ويهرول حيث يموت)، كما يقول الفيتوري..

    والجسد، هو الجنة... حين يتنشق عبير الفرح الأصيل، ويشف أكثر من النور، وتنفذ حواسه، (أي اجنحته، التي من غير ريش)، لرقة الغد، وأصالة الماضي كله... وهكذا يحلق الطائر الخفاف، التي ضاقت به الآفاق... وفي ذات المعنى تغني النابلسي..

    (وأنتشق عطر رياضي فبطيبي الكون عاطر)..

    كما شدني، فهمك لمعضلة الوجود، او قولي صيرورة الوجود، فلا ثابت، سوى الثابت الكبير، ولكنها محو، وإثبات مرحلي، لوجودنا، المصطرب حينا، كالقاش، والجاري حينا، كنهر النيل، في رحلة أبدية، من؟ لا أدري، وإلى، حتما لا أدري، ولكنها محاولات، ونحن نركب نوق الترحال القسري، والاختياري، نحو طوالع الغد، وفضول الحواس، تركب السنام، وتحدق هنا، وهناك، حينا للخلف، وحين لتخوم الغد البعيد، والأبعد..

    ولرواية صالح، تعجبت، من التناص، بينك، وبين ثروت؟ لم لم تختار الزين، الأمي، الحنون، فقد يحس برحيل "خالقه"، أكثر من الانطوائي العظيم، مصطفى سعيد، فلكن، أعز التقدير، والإعجاب..

    لم أخترت مصطفى سعيد، ولم أختار الزين؟...

    الاغتراب ظاهرة عامة في هذا العصر، تقدمت فكرة المادة، على فكرة الروح، في الفكر، والمناهج، والسياسة، ولم تعد الشاعرية الفطرية، هي أس التربية، ولا نظام أخلاقي، بل ترك الحبل للعقل، كي يجر عربة الحياة، إلى ضجيج المادة، وصراخ الاستهلاكين العظام، في كل اصقاع الكوكب، ففقد الانسان جزء عزيز عليه، (سبق القلب العقل)، بملايين السنوات، أي (العقل خادم للشعور)، العقل تاجر، شاطر، والقلب (شجرة خضراء)، بلا شوك، بل شوكها هو (العقل)، خادم، وحارس أيضا، كي (تعيش، كي تحيا، كي تستلذ بنبض الحياة، بالحياة)، فمنذ تلك الرسالة الطويلة، نسبيا، والتي نشرت لجدنا العظيم "أمانويل كانط"، عن طبيعة، ما الأنورا؟، وحثه للأنسان، بالخروج من قصوره، واستعمال "عقله"، بدلا، من الاستسلام، لرؤى الغيب، والماضي، والأعراف، خطت البشرية خطوة في التعرف على الطبيعة، كماهي، وليس كما ورثت من معرفة، ولكن المعضلة هي: الطبيعة، كما هي، أو كما يتراءى للعقل؟ وتلك هي المعضلة الأبدية، بين الوعي البشري، والواقع الحقيقي، والمتخيل، الغامض، وما يسفره الغيب "المستقبل"، من علوم، وفهوم، ومشاعر، تمحو القديم، وتثبت حاضر واهن هو الأخر، تمحوه أشعه فجر جديد!!..


    مسكين، بني آدم، الآن ففي دخيلته، وفي الكثير من الأحيان، يحس بأعراض المرض، ولا يشخص مرضه، ولا يملك أدوات التشخيص، لغياب نور الحدس، وضياء الفطرة، وهو ما يسمى اليوم، مرض الحضارة الغربية، بل معرض الحضارة الإنسانية، والغرب، تسنم قيادة الكوكب لأكثر من قرن ونصف، ماذا فعل؟ هاهي الحروب، والنزاعات، والامراض النفسية، والفوارق الطبقية، والتي تجاوزت حتى مفهوم ماركس للطبقات، فصارت الجيوش ترشى، في عوالمنا الثالثة، وترفع لأعلى مقامات المجتمع، وهي تستهلك الطلقة، وقوت الشعب، كما يحدث في بلدي (مجمع سارية السكني الفاخر، وقال المسئول عنه: حوالي 80% من الفلل اشتراها ضباط سودانين)، فلك أن تتصوري أحزان الفقر، على وجوه البسطاء من الفلاحين، ومسرات الغنى الكاذب، على وجوه حماه الشعب، في مفارقة، لاصله لها، بأبسط عرف، أو خلق.. ..


    غول الجماعة، التي لا تتركك، وشأنك، غول البيئة، وهو يكشر ناب المرض، وشوكة الموت، وسيف القهر المتكاثر، كالجراثيم، كشهب مميته، تترك الفرد، يحدق حوله، بذهول، وخوف وترقب، حيث كان، تلكم الحال هي التي جعلت بعض النفوس، لميراث فيها، ولحقيقة جبلت فيها، تحن للرحيل، تحن للخلوة، كما فعل بشر الحافي، في أحد أسواق بغداد، انتابه شعور بغته، بأن هؤلاء البشر حيوانات سائمة، فوضع نعله تحت ابطيه، وهرب لخرائب بغداد، وأنس في وحدته، نفسه، وربه، بل "نفسه"، فكان ما كان، من ثمرات الدفق الذاتي، والتصالح العريق مع الذات، والنفس والروح، بعيدا عن دوامات قوية، تحملنا قسرا، للبلادة، والتبلد، والضياع، وتربطنا، بمئات الأودتاد، والأعراف، والمعتقدات، كي نروض نفوسنا، معها، في قوالب جاهزة، ولدت في الماضي، وتحن للعيش أبدا، في كل فجر آت.
    ..

    لم أخترت مصطفى سعيد، دون الزين، في هذه الرسالة، وأنا اسطرها جرى خاطري لهم، ولكن برق في دخلي ذلك البرق الذي يضئ لك الرسالة، من أولها، ولي أخرها، ثم ما عليك سوى تذكرها، سطر فسطر، وحرف فحرف، فكان مصطفى هو الأولى، بهذه الرسالة ...

    في حياتي الشخصية، كنت، ولا أزال، أحن لبنت من بنات أهلي، فهي مسكينة، ورقيقة، وقبيحة، وأنا أعرف ثمن هذا الثالوث الغالي، في البدء، وأعرف ثمنه في المنتهى، فالنور، يعقب النار، ولكن مقام "النار"، هو ما كنت أخافه عليها، ولاشك، أي نار، تخفف، وتلطف الجسد، والروح (الجسد/روح)، كما أتصور...

    ومن الشخصيات التي كنت احس بحنو مبالغ فيه، في حياتي، شخصية مطصفى سعيد، أحس بأنه يمتطي (حمار النوم)، في يقظته ونومه، حمار الاغتراب العميق، (كرة المطاط، كما وصفها خالقه"، فتجده بعيدا عن الناس، وبعيدا عن نفسه (لا جدوى من خداع النفس، فذلك النداء البعيد لا يزال يتردد في أذني)، حتى في الصلاة، مع أهل دومة ود حامد، كان قلبه مشغول بالانطواء، حتى حسنة، أصابها جزء من ذلك الاغتراب، فصارت غريبة في الحي، مثل (فردوس، البساطي)، المرأة الحزينة، المرأة الحزينة، والتي تعيش مأساتها بداخلها، ولا أحد يعرف مدى جرحها، كي (يواسيها)، لا أحد، فتميل للواحدة، بل والتصالح مع هذا الجرح، فما أوسع الحياة (من اسماء الله المعز، ومن اسمائه المذل)، وكلاهما، أسم عظيم، وكبير، .. والذل عند الله، (أي العقل القديم)، ليس ما يتوراد في الذهن من تصور هذا المصطلح العظيم، فالمعاني، تتكئ على الأواني (أقصد اللغة)، ولكن المعنى، كالضوء، كالروح، لا يأسر في قيود الحروف، واللغة، بل ولا حتى الكنايات، والتشبيهات، والاستعارات، والإشارات، هي الحياة، المعاني الرقيقة، هي الحياة، وقد غمرت كل الجوارح، أن لم تكن هي الجوارح، ذاتها، وقد صحت، وصفت، وتسامت،...

    وللحكي بقية، ولكنه الوقت، والعمل، ...
    وسأعود، لو مد الله في العمر، والفهم، والرؤية..


    تقديري العظيم.. فقد تمتعت بقراءة نصك، كثييرا، كثيرا..

    ...
                  

01-07-2010, 05:11 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    لا تبتعد يا عبدالغنى
    أخوى . والله الكتابة مسخت بعد رحيل الطيب .
    ادينا يا عبدالغنى من كلامو .
    لا تترك الحديث عنه .
    قال : ونحن أيضا بلغ بنا التأثر غايته لكلام عمى محمود فى شرح حالنا وأحوالنا
    كأنه يقلاأ من كتاب فى صفحة الغيب . بعد داك قلنا نعطيه اسم . بالرجل بلا اسم وتركنا
    الخيرة لعمى محمود . وكأن الاسم كان حاضر ينتظر صاحبه .قال عمى محمود فولاا :
    ( ضو البيت . اسم مبارك .
    تحياتى
                  

01-09-2010, 07:07 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Osman Musa)

    وأقول مع الأخ عثمان موسى:

    لا تبتعد يا عبدالغنى


    ذهب الطيب قبل أن نفهم الموضوع كويس .. فأكتب
    لبت مجذوب والزين لتضيء لنا عوالم الطيب صالح
    وثقافته وقلبه الخفاق
                  

01-09-2010, 11:27 AM

Emad Abdulla
<aEmad Abdulla
تاريخ التسجيل: 09-18-2005
مجموع المشاركات: 6751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

                  

01-09-2010, 02:17 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Emad Abdulla)

    عزيزي عروة...

    وسلامي لحديثك الطيب، الجميل..

    ونحن في حضرة شخوص الطيب الصالح، والتي صارت شخوص واقعية، لأنه استلتها من الواقع، وصورها أحسن تصوير، برقة، وقوة وصدق، وجراءة محمودة، فالادب يخصب حياة الفرد والجماعة، بما يضمره من حياة فكر وشعور، معا، في نسج ماهل، ونظرة الاديب "الشخصية"، لشخوص الواقع، (فما أكثر التصورات من ذهن لآخر)، عن الواقع الواحد، الأحد....

    لا شك احسن الطيب صالح، تصوير الصراع بين الشرق والغرب، في شخص مصطفى سعيد، وكفرد، بل احتاجه، وامتعاضه، وليس كحل لذلك الصراع التقليدي، وأقول تقليدي، كي أقلل من شأنه، فجمل الشيل ما بشيلو الويكة، فصراع الانسان الحقيقي، هو مع ذاته، مع كيانه، مع الاطلاق، وليس مع اخوته في الانسانية، رغم التباين القصير في الانماط، والافكار، ولكن مجرد تقارب بسيط، ينهي هذا القشرة الخفيفة، ولكن تحدي الوجود، والخوف والموت، هو أس الهوية الحقيقية للانسان..

    وللحق لم تشدني إشكالية الصراع في ادب الطيب صالح، بقدر تلك الشاعرية الفذة، وذلك الوصف الخلاق للحياة، كانه حياة، بل يعيد لك، وانت راقد تقرأ حياة حقيقية، آسرة، عبقرية، وإلا لم صارت عرس الزين، كنز مسرات، وكل شخوص الرواية اميين، وبسطاء، وبطلها اهبل ودوريش، وعاشق كبير..

    وهنا تظهر "هوية الأدب"، والتي تتجاوز انماط الهويات الضيقة، فنحن نرشف مسرات سرفانتس، وهوميروس، ودانتي، وروث، وتولستوي، واتشيبي، ومناجاة اخناتون، ومزامير دواود، بطرب عظيم، رغم انماط السلوك، والمعتقدات المتباينة، لأن شجرة الأدب، فوق تلكم الهويات الصغيرة، للهوية الأم، الوجود الانساني، أي "الانسان"، الذي صاغته ايدي قديمة، ماهلة، وتركته يقلب طرفه بحثا عن ذاته، منذ الأزل، القديم، وكل يوم هو ينحت إله جديد، مادي، أو مثالي، فالإرادة البشرية، هي تخلق الوعي بها، وبالمطلق، أي، كل إلهام ماهو سوى، شكل من أ شكال الوعي المتناسل، اليومي، والذي يسفر عنه الغد، في ثوب اللحظة الحاضرة، ا لمتغيرة، في صيرورات، لا تنتهي..



    سلامي ومحبتي، ولي رجعة، لو مد الله في العمر..

    سلامي



    ......
                  

01-09-2010, 03:03 PM

كمال علي الزين
<aكمال علي الزين
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 13386

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    (*)
                  

01-10-2010, 08:38 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: كمال علي الزين)

    العزيزة، اميمة الفرجوني..

    صباح طيب..

    الشمس في بلادي، تشد رحلها ساعة، كي ترحل من شرقه، لغربه، ساعة؟ ولو قيض لها أن تشرق من نمولي، وتغرب في حلفا، ستقضي سويعات، وهي ترسل أشعتها لسفوح الجبال، ونوافذ ا لفصول، والحقول، وسقوف القش هنا، وهناك، والأزيار، والاشجار..


    بلد، مليون ميل، مليون لون، وزهرة، ومليون حكاية، وقصة..
    نسأل الله، أن يحفظه سالما، غانما، حرا، مباركا، فقد ولد هذا الوطن الطيب صالح، ونقد، ومعاوية نور، وفرانيس دينق، واستيلا، وابراهيم اسحق، والحلنقي، وأبو أمنة، ... كلهم، زهور من اصقاع شتى، يجمعها اديم واسع، تجري فيه شمس الله ساعة كاملة..


    تسلمي، لمسرات القراءة، وسرها وسحرها العجيب..
    وعام جميل..

    ..
                  

01-10-2010, 11:06 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: في حياتي الشخصية، كنت، ولا أزال، أحن لبنت من بنات أهلي، فهي مسكينة، ورقيقة، وقبيحة، وأنا أعرف ثمن هذا الثالوث الغالي، في البدء، وأعرف ثمنه في المنتهى، فالنور، يعقب النار، ولكن مقام "النار"، هو ما كنت أخافه عليها، ولاشك، أي نار، تخفف، وتلطف الجسد، والروح (الجسد/روح)، كما أتصور...
                  

01-10-2010, 11:26 AM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    ( الحقوق محفوظة للبرنس ) على سبيل المتابعة والتحية
    ( الحقوق محفوظة للبرنس )
                  

01-12-2010, 07:19 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عماد الشبلي)

    العمدة الشبلي..


    تحياتي، والله يسلمك، وصلت من الوطن، وكالعادة، ان جسمي هنا، وقلبي هناك، وان الصب بين هذا وذاك



    مريت على داركم المعمورة ووجدت حاجة نفسية وابتسام، وكرم ضيافة وطيبة معشر نادرة، وساحرة..


    سلامي سلامي
                  

01-12-2010, 07:16 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: محمد يوسف الزين)

    محمد يوسف كيفنكم


    تحياتي، واشواقي


    الشكر ليك، وكيف اخباركم..


    محبتي الزايدة
                  

01-12-2010, 08:26 AM

ندى عثمان حسن
<aندى عثمان حسن
تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 875

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    والأقمار ترحل منك تباعاً ياوطن القمارى
    كأن الله قد كتب فى عليائه أن تلك الأرض لم تعد تتسع لجمال/هم/هن
    وكل يوم فجيعة برحيل ضو ينير ديارنا البقت موعودة بالليل الطويل
    تسلمنا إلى ليل الحزن البلا آخر , نكفكف دمعنا,ونحتسب ونقتات الذكرى
    يستعصى ود صالح على الدموع والرثاء, يمنح الأمل كلما قرأته وزاملت الشخوص الحنينة فى الكتابات الفارهة
    مازلنا نكابر , ونرفض أن ننعيه, نستعين بما خط من أسفار نفاخر بها جيل بعد جيل.

    شكراً على الكتابة الباذخة ياأستاذ
                  

01-12-2010, 08:50 AM

صديق الموج
<aصديق الموج
تاريخ التسجيل: 03-17-2004
مجموع المشاركات: 19433

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    عبد الغنى كرم الله سلام
    الله يشهد قاعد تحرق روح حروفى
    و على مثل الطيب فلتبكى البواكى،،،،
                  

01-13-2010, 06:55 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: صديق الموج)

    العزيزة فادية اليمني..



    التحيات النواضر،
    بخصوص السحرية، والواقعية السحرية، أعمل في بحث الآن، عن أصلها، وفصلها، وهل استوردت من امريكا اللاتنية، أم هي من قلب تراثنا الشفهي، والمحكي، والمدون، والذي يجري مجرى الدم في العروق...


    عوالم الطيب صالح، ومختار عجوبة، وابراهيم اسحق، وحتى عوالم بركة ساكن، ورانية مامون، تجوس كلها، في ذاك الافق، الغرائبي، ..

    وقصة "ضو البيت"، الضوء الذي خرج من النهر، وزرع، وعرس، ومضى، كما جاء..
    وبندر شاة؟؟؟ ...


    تسلمي، ولي عودة، بإذنه تعالى..
                  

01-13-2010, 07:19 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)



    جزء، من ذلك البحث:


    بل...!!
    الواقعية السودانية!!


    مدخل:

    (كان سيلمان الزغرات، فاسقا، بابكولا للمراسة، وموطنة جبل الابياتور، ضهر رفاعة ابي سن، مسافة يوم، وأن الشيخ محمد الهميم، ومعه الشيخ بانقا، خرجا من رفاعة طالبين المندرة، فلاقاهم سلمان، قربته ملانة بالماء متوجها للمراسة ليرقق لهم بها المريسة، قالا له: أسق الفقرا فإنهم عطاشة، فسقاهم، فقال له الشيخ الهميم (الله يملاك دين)، فأغمى عليه يوم كامل، من طلوع الشمس بأمر الله، و حتى غروبها بقضائه، وهو مرمي سكران، بخمر الروح، وكما ترف العين، لحق بالشيخ الهميم، في المندرة، فسلكه طرق القوم، وارشده، وانحذب وسكر وغرق، ولبس الجبة، وفوقها الرحط، وجرسين، احدهما يمينا، والآخر شمالا، ويزغرت ناس رفاعة المراسة يسمعوه صوته، قالوا سلمان جن، قال قولوا ليهم (ماني مجنون، لاقوني ناس المكنون سقوني عسلا مشنون)، وكانت له خادم تضرب الدلوكة، بجميع ادوات الضرب، ويقول لها (يامنانة دقي الدلوكة، خادم الله الماك مملوكة)..

    حكاية (من طبقات ود ضيف الله)..


    لن أحكي لكم ما قاله الشيخ الطيب السماني، عن الطفل المهدي، (أن شيخك حين ولادته عرفوه اهل الباطن والحقيقة، أنو المهدي، فلما تم اربعين يوما، عرفته النباتات، والجمادات بأنه المهدي)، ما أذكى اشجار النيم والسعدة، في بلدي تحلل جيدا الامور، حتى ترجف اوراقها وأشواكها!!

    هذه الحكاوي، كانت تزخرف طفولتنا، ونحن نتحلق حول حبوبة عشة، وفمها مثل طفل ذو ثلاث شهور، بلا سن أو ضرس، سوى لثة ناعمة، كبدية اللون، تخرج الريالة مع الحكايات، وطيبة بسمتها،، ويرشنا لعابها المبارك، كما يرش لعاب النبي الجروج، فتندمل في رمشة عين، وهي تحكى في قصص واقعية، وليس وليدة أخيلة، ومكر ذاكرة، ونسج موهبة،، بل تحكيها تبركا، لايشقى جليسهم، حتى على مستوى السرد، فحبوتي، لا تزال تسمع زغاريد سلمان، في عرسه الأبدي، خرف محبب، لاسطورة الحياة، ومع هذا يصر، بعض الكتاب، وسرب من النقاد، في بلدي، في تقليد، يخدش، بل يهين ذاكرة الحكي العظيم، في بلدي، وسماته، وضميره، و(نيته)، ويردد بغبغاء الكسل البحثي، ووهن إمعان التدبر، ثم خفوت بريق الحدس، في رصد جينات الحكي، المخبأة بعقر الذات السودانية الماثلة، (والعرق دساس، يعني ما حصل لجدي القسيس في سوبا شرق، ورثه جدي ود الارباب، وهو كامن في عقل الباطن، "هسي"، شئت أم أبيت)، بأن الواقعية السحرية، مستلفة من فنتازيا، امريكا اللاتنية، وكتاب كولمبيا والبرازيل، والارغواي، (حتى هؤلاء، تعلموا اللاواقع من الغجر، والافارقة، مع بعض نبت ذاتي)، ليتهم، سمعوا حبوبتي عشة في الفجر، وهي تودع ابنها في غبشة ذلك الوقت الباكر، للبص الاصفر للعسيلات، وهي تدعو له بأعظم "بودي قارد" في القرية، والقرى المجاورة، غرب النيل، وشرقه، (راجل المسيد لحاق بعيد)، كي يركب مع ابنها، ويوصله لمدرسة الخرطوم القديمة، ويجلس مع الملائكة، في كتفه الايمن، حتى يرجع ببص عبدالله ود كبير، بالمساء، ولا يتركه، إلا عند باب الخشب الازرق، تسليم وتسلم بين حاجة عشة، وراجل المسيد لحاق بعيد!!..

    .....




    أسمى تقدير، ولبحث بقية،...
                  

01-13-2010, 07:41 AM

أميرة فاروق عبد العال
<aأميرة فاروق عبد العال
تاريخ التسجيل: 08-29-2007
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    التحية ليك استاذ عبد الغني..

    ولـ مصطفى سعيد..

    والحب المقيم فينالـ (الطيب صالح)..
                  

01-13-2010, 07:59 AM

عبد المنعم ابراهيم الحاج
<aعبد المنعم ابراهيم الحاج
تاريخ التسجيل: 03-22-2005
مجموع المشاركات: 5691

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    سلامات ياغني
    أها المعادلة دي يحلوها كيف؟

    بعد تخلص من الناس ديل
    بجيك بي مهله
                  

01-14-2010, 07:07 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عوض أبوجديرى)

    الصديق، عوض ابوجديري

    شكري لإشاراتك الذكية، المختصرة،

    فعلا، رحل لتلك العوالم، فالموت هو غريزة، مثل غريزة الجنس، والجوع، والمعرفة..



    انضر التحايا..
                  

01-14-2010, 07:11 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Magdi Algorashi)

    الحبيب مجدي القرشي...


    سلامي وتقديري


    فعلا، أي رحلة، في المكان، تعني مقام في الروح، مقام حزن، او مقام فرح، فالحركة بركة، في المنتهى.. وشق البلد تفتيحة، لذا حج الناس في الزمان والمكان، وفي دواخل النفس، وهذه هو الحج الأكبر..


    الحج الأكبر، داخل النفس البشرية القصية... والدانية..

    محبتي..
                  

01-14-2010, 07:34 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    العزيز، حامد محمد حامد..


    ياله من اسم، وجرس (حامد)، هل تصدق، أن مقام الحمد، عصى الفهم، والتذوق، أفنى ابن العربي، أعوام، وعرج مقامات، كي يحس (بالحمد)،
    وكيف يحمد،؟ ووكيف يحس (بشعور الحامد)، وكيف ينضر حواسه، ويصفى عقله، كي يثمل، بمسارح الحمد...

    مثل شيخ المعرة الضرير، ما أكثر المحابس، التي قيدنا بها نفوسنا، فنسينا الحمد، الحمد الخلاق، فمن جهل العزيز لا يعزه، ونحن نجهل نعمة الفيزياء، ونعمة الكمياء، وسحر الغروب، وسر الجزر النائية، وهي تسنج بنسغ خاف، أعشاب، ويعاسيب، وديدان ملونة..


    مقام الحمد، مقام المعرفة، وبركة المعرفة، وشكر المعرفة..

    أللهم، أجعلنا من الحامدين، لك نعمة الإيجاد، والإمداد..


    تسلم، ومحبتي..
                  

01-14-2010, 07:46 AM

عزالدين عباس الفحل
<aعزالدين عباس الفحل
تاريخ التسجيل: 09-26-2009
مجموع المشاركات: 9029

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    مطار الدوحة الدولي


    كثيرا ما تطا قدمي مطار الدوحة الدولي بحكم الاغتراب
    كانت ساعات الانتظار تطول في صالات الترانزيت
    ويوما من خلال هاتف مطار الدوحة وعن طريق البدالة
    وجدت هاتف الاستاذ الطيب صالح
    اتصلت به وعرفته بنفسي
    ودار حوارا عذبا وطويلا عن شخصية مصطفي سعيد
    وعن شخصيته النرجسية وشخصيته الحسية
    وعن عقده النفسية
    كان الحوار تحليلا عن تلك الشخصية الفذة
    حتي قلت للاستاذ الطيب صالح
    هل شخصية مصطفي سعيد هي نفس شخصية الطيب صالح
    وضحك الرجل طويلا تلك الجراءة
    وفجاءة علم الاستاذ الطيب صالح من خلال سماعة المطار
    انني نازل في مطار الدوحة
    ودعاني بك ادب وحسن خلق
    ان ادخل الي مدينة الدوحة وسوف يتولي هو اجراءات الدخول
    مازلت اذكر ذلك الحوار الممتع مع قامة عالية من الادب الجم
    واعتذرت عن دخول الدوحة لشوقي الي الاهل في السودان
    الا رحم الله الاديب الاستاذ الطيب صالح
    والتحية للعملاق الاستاذ مصطفي سعيد
    لان شخصية مصطفي سعيد مازالت موجودة
    العبقري الطموح



    عزالدين عباس الفحل
    ابوظبي
                  

01-15-2010, 08:31 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عزالدين عباس الفحل)

    عزيزي عزالدين الفحل


    السلام والمحبة



    الشكر ليك وشخصية مطصفى سعيد صارت مثال ومضرب مثل وحالة اغتراب كبيرة وهكذا الشخوص الروائية الكبيرة
                  

01-16-2010, 04:19 AM

عوض أبوجديرى
<aعوض أبوجديرى
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 248

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    الصديق عبد الغني

    Quote: الصديق، عوض ابوجديري

    شكري لإشاراتك الذكية، المختصرة،

    فعلا، رحل لتلك العوالم، فالموت هو غريزة، مثل غريزة الجنس، والجوع، والمعرفة..



    شكرا لك أنت أيها المبدع ..........................................

    كتاباتك رصينة جدا‘ فهي تحمل قدر عالي من الرؤية ‘ والنقد الإ بداعي الساحر‘ المكتسي بحرفنة المعرفة ‘ والتفكيك..

    خالص إحترامي

    أخوك عوض أبوجديري



                  

01-16-2010, 06:04 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عوض أبوجديرى)

    عزيزي فضل الصادق

    عام مبارك، وسعيد


    اسعدك الله واسعدنا بك

    طقوس القراءة، مثل طقوس العبادة، مثل طقوس التأمل، يسبقها وضوء داخلي وخشوع وتقدير لعقول كبيرة تدلف عليك في وحدتك، عقول مسطورة في الحروف والسطور والمقالات والقصص، عقول مشعة رغم ان صاحبها مقبور و مسافر، أو في قرن بعيد عنا..

    القراءة هي احياء للموتى، وأنس معهم... والموت مجازا لا شك...



    تحياتي النواضر

    ...

    (عدل بواسطة عبدالغني كرم الله on 01-16-2010, 06:06 AM)

                  

01-16-2010, 06:21 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    اخوي عثمان موسى...

    صباح طيب ومبارك...

    كلنا، في مسرات القراءة، شرق

    هناك ذاكرة للقراءة، لليوم تشدني القراءة الاولى، رائحة الكتاب، صورة الغلاف، لليوم احب كتب نجيب محفوظ في دار جودة السحار ورسومات جمال قطب اكثر من الطبعات الاخيرة وكذا كتب الطيب صالح طبعات دار العودة ورسومات الصلحي


    املك نسخة من عرس الزين وصدفة وجدت النسخة التي ألفتها، وبلا تردد اشتريتها بفرح غامر وهي تذكرني مسرات قديمة وعوالم دهش سكنت قلب الفرد وساهمت في خلق وجدانه بتجرد وبساطة

    كتبت مقال باسم (زغرودة عشمانة الطرشاء تحت مخدتي)، ليتني انشره بعد نشره في جريدة الاحداث، كما يطلب مامون التلب، ياخي ما تنشر قبل نشره في الجريدة...

    تحياتي وتقديري


    ...

    (عدل بواسطة عبدالغني كرم الله on 01-16-2010, 06:23 AM)

                  

01-16-2010, 08:40 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    عزيزي صديق الموج


    التحية والاعزاز


    مساء سعيد وعام سعيد ومبارك



    قلنا نجتر ونتذكر افراح القراءة للكاتب الكبير الطيب صالح\
                  

01-17-2010, 03:22 AM

Omayma Alfargony
<aOmayma Alfargony
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    صح فى الرُبى والوهاد واسترقص البيدا
    وأسكب على كل نـاد ما يسحر الغيدا
    وفـجر الاعـواد رجعـاً وترديدا
    حتى ترى فى البلاد من فرحةٍ عيدا
    وامسح على زرياب واطمس على معبد
    وأمش ِ على الاحقاب وطُف على المربد
    وأغشى كنار الغاب فى هدأة المرقد
    وحدث الأعراب عن روعة المشهد
    صور على الأعصاب وأرسم على حسي
    جمـالك الهياب من روعة الجرس ِ
    واستدنِ ِ باباً باب وأقعـد على نفسي
    حتى يجف الشراب فى حافةِ الكأس
                  

01-22-2010, 09:45 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: Omayma Alfargony)

    العزيزة اميمة الفرجوني...

    لم، تثيري الهواجس الغائرة..
    لم ترمي في بركة القلب حصى التذكر والحنين... لأحياءعظام في ثياب أموات مجاز..
    لرجلين، هما موسى وهارون الفكر، والأدب..

    هما،... معاوية نور، والتجاني يوسف بشير..

    لم أحس بالأسى في حياتي، كما أحسست بمعاوية نور والتجاني يوسف بشير، إلى يوم الناس أعجب، كيف عاشا في تلك البيئة، التي لم تعرف عبقريتهما، وكيف عاشا، بذلك الذكاء الوقاد، في مجتمع بسيط، وكيف تسابقا، لأفق بعيد، جعلهما أيتام، من أم التقدير، وأب الرعاية، بل والأهمال، فقتلاهما الإهمال، واللامبالاة، وهما، لو عاشا في بلد آخر، لكان لهما شأن، وتماثيل، وعرفان، ومجد..
    كانا، نموذج للأديب الأصيل، للأديب الحاذق، للأديب القادر على الفهم والتجاوز،وللأديب الذي يعيش لنفسه، وفكره، وموهبته، مثل ناسك، بل كانا في خلوة خاصة، رغم حمى الدوامة التي تحيط بهما، ..

    كل منهما، كان أسير موهبته، أسير معرفته الغزيرة، ودفق خواطره الساحر، الخلاق، معاوية عبقرية مذهلة، عاش للفكر، والأدب، والفن، عاش بصدق، وكأنه فيلسوف يوناني، وكأنه شاعر جاهلي، وكأنه ولي من أوليا الله، صدق توكله على الفن، ومات بسببه حبه لتلك اللذة الآسرة في النفسي..

    اقرئي، معي، وتلذذي بحكايته عن الراقصة الروسية..
    بنقده للادب الاوربي والروسي..
    بقصته الأسرة (في القطار)، والفتى المتسخ، المسكين، والذي يركض كجور معذور بين قمرات القطار، ويحمل براد شاي "بااارد"، كي يبيعه للمسافرين اصحاب القبعات والعيون الخضراء والنبفجسية، والزرقاء، فقد كان ذلك عام 1932، أو قريب من ذلك، أليس هذا الفتى هو السودان؟ وأمه التي ترتجيه، على عتبه السكة حديد، أليست هي الشعب، المسكين...

    ثم قصته،أم درمان مدينة السراب والحنين، ووصفه للكائن السوداني الاصيل، كما وصفه د. النور حمد في دراسة رائعة له..

    ثم ذلك الاعتداد بالنفس..
    ثم ذلك العيش الكريم من أجل الفكر والفن، وكأن المسيح عناه، حين قال (ليس بالخبز وحده يحى معاوية نور)..

    والتجاني؟؟؟
    العبقري الاسود، الاسمر، الذي ضاق بأطر الدين، فنعى المعهد، والفقة، وسعى يلتمس النور الإلهي في الذرة، والضوء، والحسان..

    اقرئي معي، حد الثمالة، حد الانتشاء هذا البيت العريق..

    واضطرابُ النور في خفْقتِهِ أسمعُ جرسَهْ
    واضطرابُ النور في خفْقتِهِ أسمعُ جرسَهْ
    واضطرابُ النور في خفْقتِهِ أسمعُ جرسَهْ

    ثلاث... هذا رجل، أسمر، يسترق السمع لجرس الضوء، لأوهن موسيقى، تهز الحجر، والتاكا، والبركل، ولكنها لم تهز، أقزام حكموا البلاد والعباد..

    ليتنا نحكي عنهما، ولا ينقضي الوطر..
    معاوية، والتجاني، هم اليتم نفسه،.. من كل قرين، وشبيه..



    ولكن، هل يدفن الضوء...
    سيعود لهما التقدير، وهم في قصور قبورهم..


    أنني أجلس، بأحترام وأرتل آية في الصفاء، ويثمل قلبي، وذهني، وأنا أرتل:

    قف لديها وامتزج في ذاتها عمقاً وغورا

    وانطلق في جوِّها المملوءِ إيمانا وبرّا

    هذه الذرةُ كم تحملُ في العالم سراً
    !


    تحياتي، ولي عودة للتجاني، ومعاوية.. لو مد الله في العمر، والإلهام..


    أصدق تحياتي..

    صباح الجمعة..

    اخوك كرم الله..
                  

01-22-2010, 05:53 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    الحبيب، عبدالله الشقليني..

    سأحكي لك، لو صفا الذهن، لم تكون الكتابة بالمحبة، هي التي تأسرني

    ولم أحس بأن هناك أواصر بيني، وبينك الكون، المنظور واللامنظور، وبأني نغم صغير، في سمفونية كبرى، وبأن الحياة، تتداخل، وبأن نور المحبة، هو من الشفافية، (أكثر من فوتونات الضوء)، بحيث ينفذ لقلب الاشياء.. ويلمس رقتها، أو خشونتها، وان كانت انامل الضوء لا تجرحها السكين، ولا الموسى، بل تلعب على شفرة السكين الحادة، هكذا هي..

    اذن المحبة، هي أس الوجود، وهي الاصل والفصل، والبغض مرحلي، والثنايئة، موقته، وأرجل الزمن تركض لهذا المعنى الخلاق..

    سأحكي، لو مد في صفاء الذهن..


    نعود للصديق المعذب مصطفى سعيد..
    وللحق، قصته من عدت ياسادتي، ولحدي النجدة النجدة، سبكت، سبك اصيل من فنان ماهر، استطاع يصور الاغتراب، والنفور، وصراع الافكار والرؤى، كما استطاع تصوير القرية السودانية، كما هي... تصوير حاذق، مؤثر، وشاعري بحيث يؤثر في القارئي ايا كان، سوى مصري، كرجاء النقاش، او فوزية لصفار، أو جورج طرابيشي، أو أي زول خارج حدود مملكتنا، وهي تظهر عبقرية الطيب، والموهبة المصقولة بالتجارب والثقافة الغربية، في البوح بادق مافي الروح السودانية، البسااااااااااااااااطة... وشخصية الزين، تجسد عبقرية البساطة السودانية، وضحكات الناس منه، لا تزال، من كل قارئي..


    سأعود، انها المشاغل..


    ...
                  

01-24-2010, 06:12 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة إلى مصطفى سعيد!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    العزيزة ندى عثمان حسن..


    صبح سعيد، ومبارك..

    ذكر الطيب صالح، بأنه كتب قصته الاولى "نخلة على الجدول" بدافع الحنين، وكان هذا عام 1953، في لندن، لمن كانت لندن كلها لا يوجد قلة من السودانين، بل عرب، وأفارقة، وحيث الغربة وهو لا يزال شاب صغير، وان كانت كل كتاباته اللاحقة، برضو تعبير عن الحنين، والرجوع للوطن عبر براق الكتابة..

    واجترار، مااااااهل لوقائع لا تحصى... والعلم الحديث، وخاصة مجال علم النفس، أكد بأن لا يوجد شي اسمه النسيان، كل الاحاسيس والمشاعر والوقائع، بل كل الخبرات والتجارب والعواطف تسكن القلب... والحنين يثير هذا الوقائع الغابرة، ويذكيها، وونارها، ونورها..

    لذا تأتي الكتابة حنونة، ماهلة، مستأنية، مثل فنان وريشة، ورسم بالكلمات..


    عميق تحياتي...
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de