عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-31-2024, 01:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-19-2010, 06:30 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!...


    إلى أمي العظيمة..
    وإلى أي أم عظيمة...





    أم وطفل!!..


    (1)

    مجرد طفل صغير، لا أزال طفل في نظرها، حتى وهي في قصر قبرها، ترقد في تلك السكينة الأبدية، وهي تجني ثمار تعب فطري، أصيل، زرعته في قلوبنا، وأجسادنا، ومصيرنا، وملامحنا...


    وكما كانت، أو قبيل رحليها.. بل نحن نصغر كل يوم، في عينيها وقلبها، أخي الأكبر عبدالواحد، وأطفاله، وأحفادة، كلهم صغار في نظرها، الابن والابنة والحفيدة، كلهم أطفال في روضة عينيها، كلهم أجمعين، تمر على أسرتهم بالليل، وتغطي العاري، وفي خلوة الثلث تأوي لركن مظلم، تدعو لهم، زهرة فزهرة،...نسمع اسمائنا كلها، لاتنسى اسم، بل تتذوق الاسم والمسمى كعسل طبيعي، فنحس بأنس جميل، وبراعي عظيم، ونحن نرقد على عنقاريب بسيطة، في صحن الحوش..

    راع فطري، يكنس الصبح لنا، ويطبخ لنا، وفي الليل تسرب اسمائنا لتخوم السماء، ماهذا؟، فيتضوع رسم اسمائنا كعطر لتخوم السماء، فيلامس هناك حرير الملائكة، فتؤمن عليه (آمين)، فنحس بورود روح لطيف من السماء في مراقدنا، من أين أتى؟ ما منبعه؟.. حنان الأم بلا ضفاف!!... فترقص أقفاصنا الأرضية مع تلك الدعوات التي حملت ارواحنا لعدن والفردوس ببراق الأمومة العظيم، الأم بلا ساحل، هيهات للغة، بكل ثروتها، من الجناس، والكناية، والرمز، أن تلامس طرف من هالة الأم، هيهات!..

    كنت طفل محوب..معها!!,...أحس "بالأنا"... بشاعرية "الذات"..(الذات، ذلك اللغز الجميل)، ذلك الكيان الخلاق في الحنايا.. أسمع الآن بكائي الأول، حين كنت طفل، كنت أبكي وأضحك فقط، لكي أعبر عن نفسي، وحاجاتي، وكانت تفهم، وكنت لا أعطي أعتبار سوى نفسي، نفسي، نفسي فقط (وهي مجرد خادم لي)، مكورا حول نفسي، أصحو كما يحلو لي، فتصحو، أبكي وهي نائمة، فتصحو، خادم عجيبة، خادم تحب وتهيم بمخدومها الصغير، المشاكس، وحين يسرح طرفي للسنوات الأولى، لا أذكر من شقاوتي شيئ، كم تزخرف النسيان بداخلي بمحبة أم عظيمة، لا أكاد أذكر من السنة الأولى والثانية شئ حتى النسيان تزخرف بمحبة أمي، حتى النسيان..


    وكبرنا، أخوتي، وأنا، بنحت يديها، اخوتي الكبار في الثانوي، بالخرطوم، والوسط في ودبيخت، ونحن معها، شقيقتي، محاسن، وانا طريدها، كنت أحس بدفء عجيب، وبركة، وهدوء قربها، يجعل حواسي تسترق السمع لتغريد البيئة المحيطة، وكأنها خلقت للتو، ونبض قلبها الساكن، أحس بالحضور، والحاضر، وأرى الشباك ورقص الستائر البسيطة، كغصن يلعب به النسيم، أشياء حية، فتنتشي الجذور، جذوري، وروحي وروحها.. في معيتها يتوقف جولان خواطري، كأن خواطري تلحظ "حبل سري يغذيها، رغم انقطاعه المجازي"، فتستكين ويرتع قلبي، وعقلي في حقول الماثل، ويقطف لذة النظر والسمع والشم، والذوق، والتأمل، لأشياء بسيطة، لأشياء نفيسة، تحيط بي.. هي نملية، وعناقريب، وأية كرسي على حائط طيني، وكرتونة بها ملابس متسخة، وبرطمانية مليئة بخبيز قديم...

    تجلس قربي في العنقريب، فرحة ببطل عظيم (في نظرها)، كنز، تشم رائحة عرقي، تلفني بهالة من محبة، تحفظني من أعتى الأعداء، ماذا ترى فيني؟ (وأي بطولة هذه التي تصدقها عينيها)، .. حين ترى طفلها الصغير، العادي، النحيف..( قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لايراه الناظرون)، بلى، وربي، هكذا عيون أمي، عيون الأمهات، مطلق أم، الأم من كبار العشاق، للحياة بكل صروفها، بلى، من كبار العشاق، وإلا لم تسنمت مسئؤلية الولادة، والتربية والراعية، لأطفال صغار، ونبات، وحقول،!!...

    قليلة الكلام.. ترنو بحنية مفرطة.. لنا، للأزيار، للسماء، للقبلة، لضيف عند باب الزنكي..تكنس بمحبة، وتطبخ بمحبة، وتحس بمذاق الطعام في فم ابنائها وبناتها، قبل لسانها، أراقبها حين تطبخ، كانت تصلي في الطبيخ، تقطع الطماطم، بفن المحبة البسيطة، رزاز الزيت يشوي يديها البسيطة، ومكر البصل، يزرف دموعها العظام، والمسافات في القرية، تحلب عرقها، وهي تسعلى للدكان، للطاحونة، للحقل، لله، ..

    ترملت مبكرا..وحين نزور ضريح ابي على ضفاف النيل الازرق، أسمع اعظم غزل بين عروس هنا، وعريس هناك..وتذكر أبي، رغم رحيله المبكر، بمحبة وهيام وتقدير عصي الوصف. فأحس بكلمة "الوفاء"، كما يحس الإنسان بكوب شاي دافئ بين يديه...

    في كتابتي المتواضعة، استمد الأمومة الكبيرة منها، تلك الأمومة التي تلف الكون، وتحتضنه عبر جماليات الفيزياء والكمياء، والأحياء... الأمومة الخلاقة، التي جعلت رجل فقير ينظر لرجل خرج من الغابة لأول مرة، اسمه بوذا، قال عنه (يمشي بسلام، جسمه مرتخي، لا يستعجل الخطو، غارق في متعة التأمل، وحين نظر لي (كانت نظرة أم رؤوم)، أمي وبوذا واليسع، ومحمد، برك من حنان!!..


    وذات النظرة التي وجدها الرجل الفقير، وغمرته بلذة الأنا، الأنا الفطرية، أحسستها من استاذ سعيد، هي هي، احترام (الذات الإنسانية)، حيث تكون، وتتضوع منه بركة القبس ا لعرفانيية (إن غيبت ذاتها، فلي بصر يرى محاسنها في كل انسان)... فصرت أطلب (لا شعوريا)، فكر يجعل الأمومة في كل وجه وكل منحى، وكل وقت، وكل حركة، وكل سكون،..ما أعظم أمهاتي من النساء و"الرجال". والأفكار، تذكرت الحديث القدسي، رحمة الأم، من رحمة الله، أمي، ما أرسلت إلى رحمة لنا.

    الغائية التي ابحث عنها، اجدها في تعامل أمي، تمنيت ان أرى الامومة في تعامل المناخ معي، وقطيع المجتع، وسائر وقائع الحياة، في الغروب، في العشب الأخضر، ياله من إله أم، أحس بطلاوة، وإطلاق رحمته، من تجسده في قلب أمي، أروع ما يكون، أرق ما يكون..

    الكلمات في لسانها لها روح ومذاق، وحنان، تغوص في جسدي قبل أذني، وتشعرني بعظمة الكلمة، وبإن المسيح كلمة، وبأن الكلمات كائن حي، يختفي برشاقته، ورقة ذبذبته كما يختفي الله، والملائكة، والموتى والعطر..." كيف اصبحت"، "سمح"، " اعمل ليك شاي" "عبدالغني نايم في الصالون"، يابت ودي الفطور دي ليهو"، "محمووووووم الليلة"، أي بركة هذا؟ أي دفق شاعري، يتعصى على التجاني، والعباسي، وريلكة، ..

    وللحق كنا نجلس عشرات الساعات في غرفة واحدة دون كلام، ما بيننا فوق الكلمات، هي تحس بكل شئ اريده، وتغمرني بمحبة تضيق بها الكلمات، ولم الكلام، لإله علمه بحالي يغنيه عن سؤالي، تقرأ أدق اساريري، وتلبيها قبل ان اتفوه بكلمه، بل هي السابقة، دوما...وحين أكون مريضا، وأنا نائم في الغرفة اسمعها في البرندة تتكلم مع خالتي "زينب،" أو أي ضيف (عبدالغني عياااااااان)، وفي كلمة "عيااااااااااااان"، تضمر احساس بمرضي والحمى، أكثر من احساس جسدي به، ملكة أكثر من الملك، فتفديني، ..أم وأب..(الحميمية)، والدفء، الحنو العظيم، هذه الكلمات الثلاث، تغرقني في فطرتها حين أكون قربها.. اتذوق كلمة (الحميمية)، بل تتضوع في داخلي، فأحس بأمن عظيم، حبل أمي السري لم ينقطع بل لا زال، بل تذكرني بالحبل القديم، بالرحم القديم، الذي يلفنا، ويرعانا، مع كل حركة وبركة وسكون، وذكاء، وخفاء..

    كنا فقراء، وغرست في أخوتي كبرياء داخلي بالفقر، بالأنا، دون حنق، أو غرور أو تصنع، أو أدعاء، كنا نحس معها بأن الفقر والصبر والنبي كيان واحد....

    تحترم مطلق إنسان.. وتحتفي به.. أمومتها بركة بلا شاطئ، تغمر كل من يراها، أو يسلم عليها، أو يدخل عليها.. تهش في وجه كما لو أنه عبدالعظيم، أو عبدالعزيز، أو محاسن، أو علوية، ابنائها!!..

    هناك مسحة حزن على وجهها، حزن نبيل، تبتسم بحزن محبب، وفي خلوة الليل تغازل المحبوب القديم..

    وربي، رغم شقاوة طفولتي، واسئلتي المتكرر، لم تضربني، على الإطلاق، وحين كسرت الزير، وحين كسرت فضيتها ونمليتها المحببة، وحين صرخت اختي الكبرى محاسن، طريدها، شامته (كسر القزاز كسر القزاز)، صاحت:
    بعافيته.. وهذه هي الكلمة التي تقولها حين ارتكب الاخطاء، وما أكثرها..

    رغم صمتها، كانت تعبر بجسدها، كله وبكلامها القليل الموزون، الجميل، وبقريحة عجيبة، تجعلني افكر (كيف يخرج الكلام من لسان هكذا، وبسرعة، وذكاء، وموسيقى)!!...

    وددت رؤيتها نائمة.. هي لا تنام، لا تأخذه سنة أو نوم في خدمة اطفالها، هي...؟...

    أنام بلا ملاءة، في الصالون، بعيدا عن غرفتها الطينية، وفي الصبح أجد نفسي مغطى بالبطانية، وجنبي كوز مليان موية...

    كنت كثير المرض.. ولا مركز صحي بالقرية، تركبني الحمار، وحين اشكو من تسوس الضرس كانت تجري وراء الحمار، ولمسافة ثلاثة كيلو ونصف، كي ندرك الشفخانة بأسرع ما يكون، وهي تلهث خلفي، مغبرة الأقدام، يعرقلها ثوبها، فتقع وتقوم، وكأن الضرس في فمها، وليس فمي، لست أدري عن الأمومة، سوى إنها أعظم جائشة بشرية...

    البيض والرغيف كانت من الكماليات، وحين لا توجد في القرية، تركض نصف النهار، كي تجلب لأبنها (المدلع)، مالذ وطاب، من تلك "الكماليات"..
    كانت عظيمة (بالنسبة لي)، بطلة حقيقية، أم اسطورية.. بلا منازع (بالنسبة لي)، فالذاتية عظيمة.. ولله مكر عجيب، في جعل الكل ذوات، وغايات، وقدرته أكبر من ذلك، وأعظم من ذلك..

    حين أحس بضراوة الحياة، أتذكر نظرتها لي، تلك النظرة الحنونة، الحانية، فأحس بأمن، وبأني بطل، و"غاية"، فتقر عيني،.. وأحس بثراء الحياة، ويمتلئ قلبي بعاطفة جياشة، للنمل، والفراشات، والسحب، والكلاب، أحس بعظمة الأزيار، وبأنزلاق نقاط الزير من قعرها، وهو يسعى للارض، متكورا، خائفا، وسعيدا بعودته للأم، (لبنت المنى)، حقتو..
    أحسست بجمال الله، وعظمته حين صاغ أمي.. ونفخ فيها حنانه، وحنوه، في اللحم والعظم..

    حين أكتب ... احاول تمثل أمومتها العظيمة للاشياء والاحياء..

    أصحابي يقولون (أمك حنينة شديد)... (ألهذا لم اتبنى الفكر الماركسي، حيث يجهل الغائية من الخلق، أيكون حنان امي هو السبب، وبأنها طاقة إلهية عجيبة، وعاطفة صادقة، تنفر من فكرة القطيع، وتبرهن، بنصاعة عن الغائية العظمى)، بلى ورب أمي...

    أي كلمة قالته أمي كانت بها روح.. كانت حية..


    كائن لا مرئي كان يزين محياها اسمه (اليقين)، ..
    اليقين بعقل قديم يرعى خراف اطفالها الصغار، بمحبة، ورحمة، رغم الكرب والجور الذي تتعرض له الاسر البسيطة، فهي تتقبل الكروب بذلك اليقين، ببال واسع، واااااااااااااااسع، يحيريني، ويطربني معا..وظل يتكاثر بداخلي، حتى استال يقين بأن هناك ذات خفية، أرحم ما يكون..

    الحاجة بنت المنى بت العوض عدلان، من قرية العسيلات، شرق النيل..
    كم أحبك، وأنت تزخرفين روض القبر..

    وتسافرين لعريسك الابدي الحاج كرم الله.. سلامي له..سلامي لك..أي كنز هي الأم، أي كنز؟..!!...

    (2)

    في اليوم السابع، ذهبنا لزيارة ضريحها، معي الحبيبة رحاب و اخي عبدالواحد وعبدالعظيم وعلوية، وأختي محاسن لم تذهب معنا، واعترضت، قالت لها علوية (العربية ما بتشيل)، زيارة الأم في القبر عالم ثان، وأي أم، كانت هي الأب والأم والأخت، ولأني الأصغر، فقد مصصت كلها طيبتها، وأستغليت كل طيبتها، ومارست ما يحلو لي على ظهرها، وصدرها، ورأسها، ..

    كانت حماري..
    كنت امتطي ظهرها، واقمز برجلي بطنها كي احثها على السير في الحوش الملي بروث الخراف واثار الدجاج ووضوء خالي، وأمسك رسن شعرها الشايب، وهي جذلى بطفل سعيد على ظهرها، وأي ظهر، حمل غباش المعاناة، ولذة الأيمان بالمقدور، والاستسلام للقضاء، بحزن نبيل، ليس إلا..

    أحس بها تجيب، كالنبي، حين امتطاه الحسين، وقال الاعرابي:
    نعم المركوب..
    وقال النبي، نعم الراكب...

    الاحساس بأنك (غاية)، هو أعظم احساس تجسده الأم، بفطره وسذاجة، هو الإحساس الأم الذي يغيب بعد حين في حمى المجتمع، ولكنه يظل حيا في الأغوار ويطفو هذا الشعور الأمير، الشعور الحقيقي حين تكون في حضرة الأم، حتى أحسست بأن الأمومة هي الكائن الغائب في التعامل اليومي، هي أس الفرح بين الأسرة الإنسانية، هي دفء احترام الذات من اجل الذات فقط، بلا قشور لغرض أو خوف أو تملك، بل هي المحبة الصافية، من أجل لذة المحبة، ذات المحبة.. بل للحق، لم أؤمن بالكثير من الافكار للعبقري نسبيا ماركس، إلا لأنه لم يجعل من (الغائية)، هدفا له..

    الغائية هي هدف الحياة، وارسلت الأم كمدرسة لذلك..

    طعلنا الترعة، فبدأ مشروع العسيلات مزورعا بالقمح، لا يزال اخضر، في طريقه للصفار واللون الذهبي، كان هناك حزن نبيل، الحزن كائن جميل، أحسست به الآن وأنا في طريقي لأمي، سوف نزور البرزخ بعد حين، سوف نزور مقابر ابسرورة، حيث يدفع البسطاء والفقراء والفلاحين من أهلي، (تذكرت مقولة الاستاذ بزيارة مقابر عطبرة فهم : شهداء الرزق الكفاف)، وربي كلهم "عطبرة"، لم تشبع امي قط، أختي علوية تذكر محاسن أمي، ولحيظات فراقها، أتابع كلامها، كأنني أرى شريط يمرر أمامي، شريط حي، حبل سري يربطني بها، للغد، والآن، والأمس، حيوات لا تحصى معها، منه ما اذكره، ومنها ما توارى، يزخرف النسيان،..عبدالعظيم يذكر محاسن أمي..عبدالواحد يغرق في أسى جميل، فهو الأكبر الآن..

    عجيبة، امي التي كانت تنتظرني في إجازتي على أحر من الجمر، سافرت اليوم، وإلى أين، إليه، هناك وراء الكلمات وراء الخيال وراء الذاكرة..

    مر بخاطري شريط حبل الغسيل، كم مرت غسلت ملابسنا، أكوام من الغسيل، كم وكم... طشت وبنبر، وصبر، ومحبة، والسنوات الأولى، التي لا اتذكرها، حيث اتبول واتبرز فيها، كم وكم...

    والحنية حين اسافر للخرطوم القديمة للدراسة.. وانتظاري يوم الخميس بالقرب من البيارة، كم وكم..

    علوية تواصل سرد مرضها الاخير، قالت بأنها تماثلت للشفاء، واشرق وجهها، حتى ظننا بأنها ستخرج من المستشفى، لانها عانت اليومين الاخرين، ... ثم صفا الوجه، وغابت في تخوم السماء، حين الحياة الأبدية، ...

    اخي عبدالعظيم اقترح شاهد من الاسمنت..
    قلنا سوف يتأخر، نعمل هسي شاهد من الحديد، يكتبه اخي عبدالوحد، فخطه جميل، تذكرنا اخي عبدالعزيز، وهو فنان مطبوع كتب شاهد أبي..

    ماهذا المكر الجميل الذي تنسجه الحياة، تخلق الحياة، ثم تخلق الموت، ثم تخلق الحزن، ثم تخلق الحزن النبيل..

    وصلني الخبر، وكنت في قهوة كوستا، في الطابق الثاني، لوحدي، حشرجة اخي أحسستني بفراقها، بكيت لوحدي، توكأت على عمود وبكيت، وبكيت، وبكيت، تطهرت بالبكاء وربي، احتشد محياها وأنا أبكي، البكاء تجسيد للذكريات، وإحضار هالة الأم في الفؤاد، أن يصلك الخبر في الغربة احساس موحش، أن مراسم الوفاة في بلدي، والفراش، ولمه الاهل عبقرية سودانية اصيلة، فالحزن كائن حي، له ثقله، ويحمله معك الاهل والاحبة..

    فوجئنا بأسر تأتي من الشرق والغرب، كانوا طلاب معنا، يسكنون معنا، حيث بالقرية مدرسة، والقرى المجاورة بعيدة، كل فرد يذكر من محاسن أمي، أي بطله هذه، عاست الكسرة للكثيرين، وغسلت ملابسهم، ودعت لهم، بنكران جميل، بل كواجب، يحتمه الضمير الحي..

    وصلنا المقابر (مقابر ابسرورة)، مقابر أهلي حين يودعون الزائلة،.. واوشكت الشمس على المغيب، أحسست بأن الكون حزين مثلي، هنا تنام أمي، قبر بسيط، كوم من تراب يغطي قلبها وجسدها وشعرها الشايب، وشلوخها، وكفيها، التي مسحت، وعصرت، وطبخت، وتوضأت، وحملت ما يشاء من الاشياء..

    وقفنا حول القبر، وقفت عند رجليها، انشدت في خاطري:
    سلام سلام أهيل المقام،..
    خذونا إليكم فأنتم كرام..

    لا أدري ما يجول بخواطر أخوتي وأخواتي، ولكني دعوت لي، دعوتها بأن تدعو لي، وهي تزف بعد حياة بسيطة، عميقة، ساذجة له.. هي الحية، وأنا الميت...
    وربي أحسست بجمال الحزن، بأن الحزن ماء يطهر كالوضوء، بل أعمق، إنه ماء روحي، يبلل الجوارح، ويغذي العاطفة...

    تذكرت "الوالدة الشباك"، هي أول من انشدها لي حين زرتهم في الثورة، الحارة الرابعة، ، بل تذكرت الزيارات المتكررة لاستاذ امين صديق لأمه، أحسست بأنه بار، بأنه نور، كان يأتي منها، وكأنها ساكنة الحارة الخامسة جواره، حية، مباركة.. نظرت حوالي، مقابر أخوالي العظام البسطاء، بخيت التربال، ودفع الله، أولياء في فخاء الملائكة، ومعهم الفتى عباس، لا أدري كيف يقطف ملاك الموت الجميل ثماره، هو ذكي، منقطع الذكاء..

    أمي سلامي لك، سلامي لمن معك في برزخ القبور، برزخ القصور، ..

    أم هناك، وأسرة هنا، وقفنا حولها ... المقابر لصق النهر، تكاد تسمع صوت الموج، أحسست بأن الموت جميل، بأنه غياب في تخوم الغيب البهي، وبأنها فراشة لعقت عطر الحياة، ومضت راضية، بعد إكمال رسالتها على أكمل وجه، على أبهى وجهل، على أروع وجه..

    قبر ابي، وقبر أمي معا، يقع قبر أبي في الجنوب الشرقي منها، هي أقرب للنهر.. للنيل الازرق الجميل..

    أصرت علوية على زيارة قبر حبوبتي خادم الله، لم أرها، ألا في الحكايات التي تروى عن طيبتها، وحنانها..

    أم وأب وحبوبة، وخيلان وأهل، الشواهد تحمل هويتهم، كأن المقابر هي المصير الأبدي لمن يسوح ويجري ويرقص في الأرض، هي المصير، الآن، أو غد، أو بعد غد.. هي المصير..

    من جماليات المعاناة، التي تقهرها الأمهات في العمل اليومي المكرر، هي ان تنفخ المحبة في العمل، أحس بأن أمي كانت تعمل الاشياء بشغف، بمحبة، هي تحس بطعم الكسرة في فم، وطرب الشاي في القلب، ومكوة القميص الجميل في الحفل، هي تحس وتتذوق، وتشم، أي عمل تعمله، واي خاطر يخطر ببالها، وأي دعوة تلهج بلسانها...

    (3)

    كنت أخدعها، ولا أبالي، أغشها عشرات المرات، وأنا أحضر معي من الخرطوم الألغاز، والمغامرين الخمس، وحين يصل بص العسيلات الاصفر القرية، أسرع في القراءة، وحين تنزلق الشمس للمغيب، أمارس الكضب، فاللغز وصل مقام لا صبر معه لفجر الغد:


    يمه بكرة عندنا امتحان...

    وهي تعرف الإشارة، يعني جلب الجاز من الدكان آخر الحلة، أو من القرى المجاورة...
    وتحضره، مغبرة الاقدام، محننة بطين وتراب بلدي المحبوب، ثم تغسل الزجاجة، وتملأ الفانوس، وتحضر الفانون بهالته المحببة لي في الصالون..
    وأخرج كتابي امامها، بنوسة ولوزة وتختخ في ظهر الكتاب، وأقول لها
    ده كتاب جغرافيا..

    فتصدق، ما أعظم الأمية، ما أعظم امي، الامومة كائن عجيب، يحكي عظمة الحياة ببراحها العجيب، ، يحكي عبقرية الحياة، يحكي زبدة المشاعر حين تتسامى لرقة وعطف وحنان وامتنان، وسرب لا يوصف من الانفعالات..

    الامومة هي الاحتفاء بالطفل، بالابن بعيدا عن رعونات الانا، والاختلاف الساذج في الشكل واللون والفقر، بل تحتفي الام بالأبن كبطل حقيقي، كغاية حقيقية، ثم تتدهور هذه الخاصية في حمى قيطع المجتمع، ولكنها تعود فينة بعد أخرى في بعض التعاملات الكبرى!!.

    سمح يالمبروك تم قرايتك..
    وواصلت مغامرتي مع المغامرين، وأمي تدعو لي بالنجاح في الجغرافيا..

    هي تعلم، وربي تعلم بأني اغشها، ولكنها كالإله، ترمي الحبل في القارب، لأنها تحس بأن الجغرافيا أكبر من خطوط الطول والعرض، أكبر من كروية الارض.. كالإله، نتخيل اننا نعصاه بإرادة منا، وهم خيال، وهم لا أكثر، ولا أقل...

    هي تعرف اني اكذب عليها، هي تعرف بأن كل الطرق تقود للجغرافيا، له، هي تعرف تنزله في الحروف في القرآن، في المغامرين الخمس، في الطيب صالح، في ماركس، هو وحده المعلم.. تعرف ذلك بغريزتها..

    حبلها السري يغذيني، بطرق خفية، بل الابن امتداد للام والاب، بل لآدم وحواء الأول، تتداعى الذكرى في قوانين الجينات لأفاق بعيدة لحواء وأدم، بل وآدم يسرق جيناته من الإطلاق، من الله... (على صورته)...

    ذلك الدفء الذي احسه مع أمي، يغريني بالكتابة، يغريني بتقليب طرفي في مفهوم الأمومة..
    مفهوم الميلاد..
    مفهوم الرضاعة، واللبن، والهدهدة..

    تلف الارض، وتهدد الجميع..الارض رحم، وأم..

    الحاجة بنت المنى تترك هالة عجيبة في البيت حين تحوم حوله، فترفع كباية، وتعدل ملاءة، وتدفن ماء الوضوء، تلقي نظرات حنونة هنا وهناك، فيتعطر المكان بتلك الإلفه، كأنها بخور أزلي، يبث الروح في النسيم والمكان والاركان..حين تنظر لي، أحس بأني وردة، وعصفور، وملاك، وبطل، وملك، وإنسان، وكائن معتبر، ...

    لم غابت الامومة في الفكر.. لم؟...
    حين تحمل بيديها الخالية من الغويشات الصينة البسيطة لي، اتذوق حنانها وألعقه كعسل، قبيل الكسرة والملاح والبامية..
    كنت (حريدا)، انحشر داخل السرير، إذا لم يعجني الاكل..
    وبعد حين تحشر امي الصينية تحت السرير، ولا توقظني، لأنني اكون قد بكيت، وتعبت، ونمت..وحين اصحو التهم البيض والمربة ومن أين؟ أتت لست ادري، إنها مائدة بين إسرائيل، مائدة من السماء..

    حركتها بطيئة، تتحرك أمي ببطء عجيب، في كل وقائع الحياة، تمشي ببطء، تكنس ببطء، ماهل، حنون، لا عجلة، أو استعجال، كأنها تمشي مع حركة داخلية، مع قانون كامن في الحياة، كما يجري الزمن، بخطوات دقيقة، رجل في الماضي، ورجل في الغد، هي هكذا... حين تورق الخضرة، أراقبها ببط، بلذة، بمحبة، هي تفعل الاشياء العادية والمتكررة بإتقان فريد، فنانة ماهرة، بالسليقة، كاي أم، خلقتها الحياة، وصقلتها التجارب، فتضوعت بهاء "الأمومة" العظيم، وها هي تزهر في ابنائها واحفادها، د. لبنى، وندى، وإشراقة، وكرم الله، ولؤى، وسرب جميل، يحيا بذكرها، ولكم تعبت د. لبنى معها، في لحيظاتها الاخيرة، وهي تسافر لأبيها، وابنها "عبدالعزيز"...
    أمي هي القلب، هي الفؤاد، هي المحبة الخالصة..


    ابنك عبدالغني كرم الله

    10/2/2009م


    ....
                  

01-19-2010, 06:37 AM

مجدي عبدالرحيم فضل
<aمجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الرحمة والمغفرة لوالدتنا أم عبدالغني
    اللهم يا ذا الجلال و الإكرام يا حي يا قيوم ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت! ! ! ، أن تبسط على والدتي من بركاتك ورحمتك ورزقك
    اللهم ألبسها العافية حتى تهنأ بالمعيشة ، واختم لها بالمغفرة حتى لا تضرها الذنوب ، اللهم اكفها كل هول دون الجنة حتى تُبَلِّغْها إياها .. برحمتك يا ارحم الراحمين
    اللهم لا تجعل لها ذنبا إلا غفرته ، ولا هما إلا فرجته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولها فيها صلاح إلا قضيتها, اللهم ولا تجعل لها حاجة عند أحد غيرك
    اللهم و أقر أعينها بما تتمناه لنا في الدنيا
    اللهم أجعل أوقاتها بذكرك معمورة
    اللهم أسعدها بتقواك
    اللهم اجعلها في ضمانك وأمانك وإحسانك
    اللهم ارزقها عيشا قارا ، ورزقا دارا ، وعملا بارا
    اللهم ارزقها الجنة وما يقربها إليها من قول اوعمل ، وباعد بينها وبين النار وبين ما يقربها إليها من قول أو عمل
    اللهم اجعلها من الذاكرين لك ، الشاكرين لك ، الطائعين لك ، المنيبين لك
    اللهم واجعل أوسع رزقها عند كبرسنها
    اللهم واغفر لها جميع ما مضى من ذنوبها ، واعصمها فيما بقي من عمرها، و ارزقها عملا ذاكيا ترضى به عنها
    اللهم تقبل توبتها ، وأجب دعوتها
    اللهم إنا نعوذ بك أن تردها إلى أرذل العمر
    اللهم واختم بالحسنات أعمالها..... اللهم آمين
    اللهم وأعنا على برها حتى ترضى عنا فترضى ، اللهم أعنا على الإحسان إليها في كبرها
    اللهم ورضها علينا ، اللهم ولا تتوفاها إلا وهي راضية عنا تمام الرضي ، اللهم و اعنا على خدمتها كما ينبغي لها علينا، اللهم اجعلنا بارين طائعين لها
    اللهم ارزقنا رضاها ونعوذ بك من عقوقها
    اللهم ارزقنا رضاها ونعوذ بك من عقوقها
    اللهم ارزقنا رضاها ونعوذ بك من عقوقها
    اللهم آمين
    اللهم آمين
    اللهم آمين
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه ومن تبعهم
    بإحسان إلى يوم الدين

    ،،،،أبوقصي،،،،
                  

01-19-2010, 06:45 AM

ايمن التاج
<aايمن التاج
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 429

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)

    لها الرحمه والمغفره عبد الغني
    والخلف ما مات .. ستبقى ذكراها مضيئه دوما وخالده بكتابتك الحميمه عنها
                  

01-19-2010, 07:04 AM

مجدي عبدالرحيم فضل
<aمجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: ايمن التاج)






    أمي الجنة تحت أقدامها
                  

01-19-2010, 07:53 AM

عبد الحي علي موسى
<aعبد الحي علي موسى
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2929

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)

    أخي عبد الغني
    كنت مترددا لقراءة هذا الموضوع، ولكن توكلت على الله وفتحت البوست فكان ما كان (تطهرت بدموعي) وهذا ما كنت أخاف منه.
    وددت أن أقتبس من خيطك بعض الكلمات، لكن وجدت نفسي سأقتبس كل الخيط.
    نسأل الله أن تكون مرافقة لمحمد وآله وعيسى والنابلسي ومحمود وليت حالها، حالنا.
    شكرا ايها المبكي الفاني الباقي
    عبد الحي
                  

01-19-2010, 10:42 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: عبد الحي علي موسى)

    الحبيب مجدي..

    أعمق تقديري لدعواتكم الصالحة للوالدة العزيزة..

    وللحق مرت بذاكرتي، اطياف من حياتها الآن، وحياتها الأولى، شريط طوييييييييييييييييييييييييييييل، ادرك منه جزء ويغيب الجزء
    الاكبر والاهم..

    السنوات الأولى من الطفولة، والتي لا اذكر منها شئ، سوى اني كنت معتمد عليها مائة المائة،...


    الام؟ ماهي؟ مثل الشعر، مثل الغبطة، مثل الحب، مثل الله..


    هي أكثر..
    فعلا، الجنة تحتها، وفيها، وهي الجنة..
                  

01-19-2010, 11:04 AM

وصال عالم
<aوصال عالم
تاريخ التسجيل: 01-31-2007
مجموع المشاركات: 1940

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: وصلنا المقابر (مقابر ابسرورة)، مقابر أهلي حين يودعون الزائلة،.. واوشكت الشمس على المغيب، أحسست بأن الكون حزين مثلي، هنا تنام أمي، قبر بسيط، كوم من تراب يغطي قلبها وجسدها وشعرها الشايب، وشلوخها، وكفيها، التي مسحت، وعصرت، وطبخت، وتوضأت، وحملت ما يشاء من الاشياء..


    عبدالغني
    سلام ،،، وأتمنى من الله العلي القدير أن يلهمك الصبر وإيانا في فقدكم العزيز

    كُثُر من فقدوا أُمهاتهم ولكن ... ( أصبتني في مقتل )!

    أبكيك لونقع الغليل بكائى ..
    وأقول لوذهب المقال بدائى

    وأعوذ بالصبر الجميل تعزيا ..
    لوكان بالصبر جميل عزائى

    طورا تكاثرنى الدموع وتارة
    أوى الى اكرومتى وحيائى

    كم عبرة نهنهتها باناملى
    وسترتها متجملا بردائى

    أبدى التجلد للعدو ولو درى
    بتململى لقد اشتفى أعدائى

    ماكنت اذخر فى فداك رغيبة
    لوكان يرجع ميت بفداءِ

    لوكان يدفع ذا الحمام بقوة
    لتكدست عُصب وراء لوائى

    فارقت فيك تماسكى وتجملى
    ونسيت فيك تعززى وابائى

    كم زفرة ضعفت فصارت ..
    آنة تممتها بتنفس الصعداءْ

    لهفان أنزو فى حبائل كربة
    ملكت على جلادتى وغنائى

    وجرى الزمان على عوائد كيدة
    فى قلب أمالى وعكس رجائى

    قد كنت آمل أن أكون لك الفداء
    مما ألم فكنت أنتِ فدائى


    رَحِم الله أمهاتنا وأمهات المؤمنين


    محبتي ....
    وصال عالم
                  

01-20-2010, 06:18 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: وصال عالم)

    ....

    الحبيب
    أيمن التاج..


    صباح مبارك، وحنون، وناعم البال..


    هل تصدق، لم أحس بموتها، وربي، أحس الآن بأنها أقرب مني، ملاك خيالها يحرسني، ورحمها الطيب، يمدني بألق وحنان، وصفو عظيم، الأم خاطر رباني، فرح عظيم، سكبته الإرادة القديمة في جوارح الأم، وعينيها، وقلبها، وطيبتها، وغريزة الامومة، هذه الغريزية الشاعرية، الماجدة.

    هل ازور ضريحها احس بأنس، وبفداء، وبلغة تخرج عن تلوي الحروف، ومعاني الجناس، بل لغة الحياة، كما خلقتني في رحمها بصمت، وهدوء، وكما رعت طفولتنا الغريرة بصمت، وفرح، وتحمل، وصبر طاعم، على بذرتها..

    هاهي الآن، في ضريح القبر تنعم بالقصيد الأجمل، وبالسكينة الأبدية، وبغيم الخمر الإلهي، وبديوان الصفاء..
    صارت القبور بالنسبة لي، قصور للبسطاء، والطيبين، الذين تعرقوا، ومضوا، بلا زاد، سوى محبة، وطيبة، وقضاء حوائج الناس..

    ففي مقابر قريتي، يرقد الفلاح، والتربال، والنجار، وسائق الكارو، وذوات اخرى، على شواهد القبور، بسيطة، متأكلة، وفوقهم ينام حصى ناعم رخو، ورمل ناعم، يدثرهم كي يحسوا بدفء الابدية، وتأمل الدهش المطلق "الله"..

    هل تصدق، لا أحس بموتها، وما الموت؟ سوى ميلاد آخر، بقابلة (داية ملاك الموت)، كي نبتسم هناك ببدء الدخول، ولا نصرخ، كما نصرخ لدخولنا عوالم الحياة الدنيا..


    عميق محبتي
    صباح الاربعا
    20/1/2010م

    ...
                  

01-20-2010, 07:09 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    الحبيب عبدالحي على موسى..


    السلام عليكم، ورحمة الله وبركاته..

    المحاسن، التي تتضوع من الام، من الاستحالة حصرها، والاحاطة بها، كل يوم حين يسرح الطرف في رسالتها اليومية، في روحها الكائنة... تبرز للنفس اسرار الام، فهي الرحمة المرسلة، هي الحنان الالهي مجسدا، كل امومة هي سر غريب، حتى الحمام وصغار الزغب، حتى القمر ودفء حضنه للبيض، تلكم الغريزة الغريبة، القديمة، الأحلى..

    القلوب الكبيرة فيها رقة، وحنو عظيم للانسان، مطلق انسان..
    شاعرية الحياة، تؤكد بأن الغد هو زمن السلام الحقيقي، فالأرض أم، والسماء أب..


    هل تصدق، حين ازور ضريحها، أحس بهدوء داخلي، هدوء شاعري، وأحس بسكينة القبر، ودفء الارض، وجنى الثمار، التي زرعتها في كل الحقول، المنسي والظاهر، وهاهي تتوج بطلة بسيطة، أكثر من كل الادعياء الظاهرين، من أهل السياسة والنفاق..

    في قرية بسيطة، وفي حقول الزرع، وفي طاحونة بعيدة، وفي مراعي للاغنام والخراف، وفي بيت وسيع من الطيب، به زريبة، وبه قفص دجاج، وفيه برميل موية في الركن، وبه صالون طيني، به ثلاث مروق في السقف، كانت ملكة هذه الدار، تنفخ فيها الروح والحنان..

    وفي العصرية، نشرب الشاي من يديها، وهي تجلس على بنبر خشبي بسيط، ولغط خالاتي، والجيران يفوح في النسيم، أحلى ما يكون..

    ...

    تحياتي، اخبي وحبيبي، عبدالحي..
    وأسعدك الله، واسعدنا بك..



    اخوك كرم الله
                  

01-20-2010, 07:43 AM

عبدالله ود البوش
<aعبدالله ود البوش
تاريخ التسجيل: 08-12-2009
مجموع المشاركات: 6700

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: كنت كثير المرض.. ولا مركز صحي بالقرية، تركبني الحمار، وحين اشكو من تسوس الضرس كانت تجري وراء الحمار، ولمسافة ثلاثة كيلو ونصف، كي ندرك الشفخانة بأسرع ما يكون، وهي تلهث خلفي، مغبرة الأقدام، يعرقلها ثوبها، فتقع وتقوم، وكأن الضرس في فمها، وليس فمي، لست أدري عن الأمومة، سوى إنها أعظم جائشة بشرية...


    هنا بكيت يا عبدالغني ورحمت نفسي وتوقفت

    لها الرحمة والمغفرة وهي في جنان الله مع الشهداء والصديقين باذن الله

    زي ما بكيتني ابكيك يا عبدالغني

    لو ماتت الزوجة فان الزوج يموت مائة مرة في اليوم الواحد
                  

01-20-2010, 08:48 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: عبدالله ود البوش)

    ....

    العزيزة وصال عالم..

    يسرح طرفي، كأنني مخمور، حين ترعى خراف ذكرياتي في حقول أمي، أي عشب أخضر يزين جلدها، أي زهور هذه، تمد بتلاتها من عينيها، وجبهتها، وهالتها، أي ألق هذا..

    من أنا؟..
    وكيف شدتني إلي رحمها من نطفة أبي..
    كيف رعت خلوتي، وأسرار تكويني الأولى في عتمة رحمها، كيف حفظت أسرار مشاعري، ووجداني، ووهبتني قلب، وأسنان، وكف غض، ثم أخرجت الوديعة لضوء الشمس، بعد آلام عظام، تعرق جسدها، وذاق مرارة الموت، ثم حلاوة الحياة، وصرختي الأولى، تلك الوديعة التي وهبتها لضوء الشمس، ثم رعتها بألق ومسئولية، تكاد تكون 25 ساعة في اليوم...

    ثم ذلك الصبر الاسطوري، في تنامي جسدي، وروحي، ووجداني ثانية، فثانية، بلا كلل، أو مل، رسول أمام رسالته، أمام كتابه الحي، الصارخ، المزج، كتاب صغير، يريد قوتا، ودفئ وهدهدة..

    ثم أسرار التكوين؟ ثم تلكم الجينات التي خبأتها فيني، شبهة، ومزاجا، وغرابة، تسليم، وتسلم ماكر، مكر إلهي، وخفي، كيف تم، وكيف تسربت رقتها، للغد، في اولادها، وبناتها، وأحفادها، أي قصة يحكيها الميلاد والحمل، والخلود الخفي، للجد في الابن، وللابن في الحفيد..

    الحبل السري لا يقطع، إلا مجازا، ولكنه يترقى من حبل عصبي، لحبال من المودة، والفهم، والرعاية، والسهر، والمحبة..

    الأمومة هبة مرسلة من السماء للشعراء..
    للعشب..
    للطيور..

    القلوب التي تخفق بالأمومة، هي الرسولة، هي الجمال المطلق..

    الشعور بالأمومة هو الإطلاق..

    قرأت لكاتبة ايرانية، قالت، بكلمات مختصرة..

    لم اغبط الشعراء
    اصحاب مملكة الحرف
    ولم اغبط الفلاسفة
    ملوك دولة الحكمة


    والرسل
    ملوك العرفان..

    كنت اغبطهم،
    قبل أن أصير أما..


    تلك هي قصيدها.. فقبل أن تكون ام، كانت لا ترعوي للشعراء، والحكماء ولكن مع بسمة الوليد، نصبت أما.. توجت بالأمومة..

    والأمومة هي شعور، دافئ، أصيل لمطلق إنسان..

    تحياتي النواضر..



    صباح الاربع..
                  

01-20-2010, 09:08 AM

بابكر عثمان مكي
<aبابكر عثمان مكي
تاريخ التسجيل: 06-11-2006
مجموع المشاركات: 879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عام على زرع بذرتها العطرة، في رحم الأرض الطيبة!!... (Re: عبدالغني كرم الله)


    الاخ الكريم عبد الغني ..

    يشهد الله ان امهاتنا سيدخلن الجنة ولو بسبب المناولة فقط ..المناولة ليس الا

    ماهذا العطاء الغريب المدهش

    هذه التفاصيل الدقيقة التي ذكرت نحتت مني النبض ونفخت فيه بكاء عميق من الداخل

    حتي انني خشيت علي نفسي سؤال العابرين (بتبكي مالك يازول ان شاء الله خير..)

    هي امي بكل التفاصيل التي ذكرتها .


    غير اني لم اشأ ان اتهمك او اقول (البكاني ده زول اسمو عبدالغني لانو حكي عن نفسي المشردة فطابق الحكي ما انا عليه).

    رحم الله والدتك بقدر ما اعطت .. وبقدر حبها لك




    بابكر

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de