|
|
 حديس التلاتاء (58) ..حوارات مع شلوبة
|
..حوارات مع شلوبة..(1)
في الركن الشمالي الشرقي من مدينة الأبيض..يقبع جبل كرباج متمددا برااحتو..شمال جنوب.. متفرجا على المدينة..ويحتضن في سفوحه الغربية بعض الاحياء الجديدة بوداعة..وإلى يسراك تشرأب ماذنة مدرسة خور طقت..تحييك..باسمك..فتنظر خجلا إلى قدميك..وإلى يمينك دخان عديل يرتفع إلى أعلى دلالة على عدم وجود "نقطة" هواء واحدة في الجو..بلون ابيض..أو أزرق..او اسود تبعا لتحالفه مع لون السماء والموسم..ودلالة أيضا على ان الأشياء تذهب إلى هناااك..دون ان تعطر محيطها بخيرها المزعوم..إنها المصفاة الحزينة..بالقرب من "قبة بريمة الرغوم"..جلسنا أنا وشلوبة في صخرة ذكرتني بصخرة سيزييف..والذي عاقبته الآلهة الإغريقية..بحمل الصخرة من اسفل الوادي..وتثبيتها في قمة الجبل..وما ان يصل القمة حتى تنزلق الصخرة متدحرجة لتسكن الوادي مرة اخرى..وهكذا يجاهد برفعها وتثبيتها إلى الأبد..كمشاكل السودان يحملها ساستنا المساكين..
ونستمتع بمنظر الخريف من علٍ..فترى نملة تتبع اغنامها..ويراك هو زرزور يعتصم بالصخر..وتبدو العربات كعربات السلوك التي خربنا غابة الحكومة لصناعتها..شوف بالله الفهم..غابة الحكومة قال..وهي غابتنا..يا حسرتنا على جهلنا..ما أن نرى الغفير..إلا كنا به مستهزئون..هل تدربنا على سرقة الوطن بهذه الافعال الطائشة؟..
شلوبة "لا منتمي"..فهو تربى في الضهاري..وتزوج من المدن..فاضحى "خاتف لونين" على حد زعمه..تخرج من جميع مراحل مدرسة الحياة..
بعد قليل من استقرارنا على الصخرة..بلغتنا بعد جهد زوجته البدينة..وبعد أن طلع نفسها..كانها جاموسة هولندية بتوبها الأرقط..أبيض/اسود..استقريت أنا ايضا على استفزازه..كما يفعل هو بتذكيري الدائم بجرح بت عمك ابراهيم..ذلك الجرح الذي كلما يقرّب يطيب..يجدده شلوبة سنتان كانه جواز سفر سوداني..مالو لو كان خمسة متل بنغلاديش..ولأني أنوي ان أطيح بالبرنامج الذي اعداه خلسة كليهما..حين لمحتها تأمره غمزا بان يشتري الحطب عند عودتنا من الجبل..فتصرفا بدافع الوعد "الجميل" وباستخفاف واضح على مقدرتي بالملاحظة..فجعلت تعكير مزاجهما سويا هدفي..
- زمان أكيد كنت راعي غنم عكليت يا شلوبة؟..وهي مهنة الانبياء على كل حال..وهب انك كنت كذلك يا اخي..
- (متفاجئا) لا..انا على طول اترقيت لشاويش راعي عجيلات..يعني "نطيت" فصل..راعي غنم دي لأولاد المساكين زيكم.. وبعدين راعي بقر على مستوى من القوة..والأمانة..وان تعثرت بقرتي في وادي البان جديد..أنا مسئول عنها..اداويها كان مرضت..مش ارسلها تتعالج في "حلة كوكو"..أو عند ناس "كلية البيطرة".. أوعشان تموت قبل ما تصل كوستي في الإسعاف..وكان ولدت ادرجها هي والعجيل الصغير..ولن يقربها مرفعين ضبلان..أو هازل..
- نحنا نتحاور عشان نعرف منك كيف كنتو عايشين في كردفان دي؟
- كلامك زي بتاع ناس التلفزيون..وكلكم كلامكم..زي لحاء الشدر..عشنا كيف يعني ما في الواطة الانت شايفها دي..وقبور جدونا تراها ديك..لكن يا زول كان عندنا غابات كتيرة خالس..الواطة دي كلها شدر..كمل كلو "زُت" من الحطب وكوش "الفحم الحجري"..وانتو ناس المدينة مسئولين من التصحر..وناس المريسة ايضا..لانكم الشارين للحطب والفحم..المهم كنت امشي بالبقيرات..حتى تخوم مدينتكم غرب الجبل..جبل دروة "الديش"..جبل كرباج دا زاتو..
- آها..
- ناس الديش عندهم دروة للتدريب..على إطلاق النار.. ومن دغش الرحمن تسمع صوت الرصاص يلعلع..مرة كرررر..ومرة دل دل دل..
- دي اصوات انواع السلاح يا شلوبة..
- آها ناس الهجانة ديل..كانوا يودوهم اول حاجة ام جلباق..في بارا يدربوهم هناك..وبعدين يجيبوهم في جبل كرباج حقنا..(يتلوى لرد الصاع)..لكن ذكرتني يا عبضرحيم مرة قريت كلامك دا شبعت من الضحك..يا اخي انتو اولاد ضهاري "كاتلكم" الجوع..والفجوات الغذائية..شوف كلامك دا هسع.. "وكنت اصيده بنفسي..فانفرجت عيناه الزرقاوان كأنهما عيون كديس..طلبا للتفسير..فقلت له ان بحر الهشاب يجعل من قريتي جزيرة..في كردفان..والجزر أسهل أعمالها الصيد دائما..
اخرج أنا واصدقاء طفولتي.. حاملين "السفروقات" والعصي على قدر حال عمرنا..ثم نذهب لإصطياد الجراد..فرائسنا المفضلة.. لان مدانا اوسع من مداها..الجراد..موديلات كالعربات.. نوع ساري الليل.. أو نوع قعيد السوق.. أو نوع قبورة ..أو أم جركم جراكم مرة الحاكم ذلك لان لونها يميل للصفرة.. يمكن من كترة الدخان.. فزوجناها للحاكم..كنوع من البلبصة الأنيقة أيضا..
ارايت كيف أن الحاكم ياخذ الأفضل..حتى في النساء..خليك من لحم الكتف..قلت له ثم نضع ما نصيد رصا في straws عيدان صغيرة..ثم نوقد نارا افريقية تلهلب.. القش راقد.. والعويش.. والخمج..اوقف الخواجة المضغ ليتصنت الحكايات..كانه بهيمة توقف دق "الجرة" لتسترق السمع والانتباه..ونشوي في "الكترابة"..ونضحك ونأكل صيدنا..اولاد حلة كأننا جراء مرافعين مروج كردفان القديمة..as if we were Kordofan meadows Haynes' Puppies ..
فتبسم ضاحكا من قولي..ومنتشيا..الخواجة في رأسه الـ shrimps الربيان، وأنا في ذاكرتي الجراد المشوي وذلك لقرب قوس الشبه بينهما..".. يا زول تغش الخواجة..يجازي محنك..!!
- نحنا والله الهجانة ديل روحنا..ما بنرضى ليهم الحقارة تب ..يا شلوبة!!
- وهم ما بخلوك تحقر بيهم..يمين يغطسو حجرك..وكان داير تشوفنا جرب وانت شوفنا..
- شلوبة..قول لينا واحدة من حكاويك مع البنات السمحات...!
- (فزعا من زوجته كانه جرادة عُشر) عارفك..بس مستعجل..ومشغوووول واللهى..بس بجيك..مسكل لي..يعني ما شايف "ام ديشينة"..الجنبك دي..وخليها مستورة دي حقتي..مش مستورة حقت صاحبكم المجنون القالها في ام روابة..
- مستورة إذن يا شلوبة!!
كانت زوجته قد بدأت تمور من لخبتته تلك..وبدت كأنها قد البسته توب من التهم..لن ينزل من اكتافه كما تنزل هي توبها الارقط..على عجل وغضب لفحت توبها باليسار..بدلا على اليمين كما تفعل ستات العاصمة الخرتوم..بس عشان يخالفونا..المروتانيات بيلفحو على اليسار..وسمحات سماحة..ونسي شلوبة ان يشتري الحطب..ولم تهدأ حرمه إلى أن مر الليل الطويل "ملوص"..ونجحت مهمة الحسادة..!!
ديباجة الحديس:الحفاظ على الحياة..لا يستبدل بغبن زهقها ابدا..الغبن بذرة يخشاها اللبيب..الحياة أعلى من القانون الذي يغشاه الفيل كل يوم..والناس عارفة..!!
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست