|
Re: مسارب الضي ........الحاج وراق ( الشيخ أزرق طيبة شيوعيآ!!!) (Re: طلعت الطيب)
|
رواد هذا البوست .... سلام
أواصل ما إنقطع من مناولتي حول إلحاد الماركسية وما يتصل ... أقدر صبركم ومتابعتكم .
ترقت الماركسية فى مدرج الصرامة الفكرية والتشبب العلمي , إلى درجة أنها صارت جزء من مناهج التدريس الجامعي , فكان الاقتصاد السياسي الماركسي مثلا من الكورسات التي تدرس فى كلية الاقتصاد , وقد تلقيت هذا الكورس ولما كنت طالبا جامعيا , وأظن الحال كذلك فيما يخص المادية الجدلية وعلاقتها بالفلسفة كتخصص أكاديمي , ولا أسبعد تماهي الماركسية فى نظرية داروين للخلق والنشوء , كتأسيس نظري لمادية الخلق وإنبثاقه من عالم المحسوس كما تقول بذلك الماركسية , وحيث الدارونية هي النظرية الاكثر جلاء فى تأزير الزعم الماركسي فى هذا الشأن .
فمما تقدم تستبين الملامح الاكاديمية للماركسية , وغض النظر عن أهليتها لمثل هذا الاستصاب , وعن رأي الناس فيها , فقد كانت وما تزال كذلك , وإن أرى أن ما حاق بالماركسية سوف يخض مقاديرها العلمية , لكن الماركسية تظل هي الماركسية من الزاوية التاريخية , وكما تاريخ الاديان والثورات والمنجزات العلمية والظواهر الطبيعية وما يتصل . والماركسية فى معرض إحتفائها بذاتها لم تنتظر حتى مجالس الانتقاء الاكاديمي لترشحها كمادة دراسية , بل إنتحلت هذه الصفة وسمت نفسها بالاشراكية العلمية .
فالشاهد أن الترفيع العلمي للماركسية قد أضاف إليها بعدا ثالثا , حتى تبدت وكأنها تستكمل رسالتها التاريخية والاجتماعية والفلسفية بالتمذهب الاكاديمي , وبالطبع لا أنسى حرارة أنفاسنا وأحاسيس النصر والفخر , ونحن نتلقى الدرس الماركسي , ليس فى حلقة حزبية هذه المرة , وإنما فى قاعة محاضرات يؤمها من الطلاب كل ألوان الطيف السياسي , ويتقاضى المحاضر أجره ( حلالا ) نظير عرضه للماركسية .
ولعلي لا أنسى فى خضم هذا التدافع الاكاديمي للماركسية , شريط ( كاسيت ) كان يحمل تسجيلا لندوة سياسية , أقامها الراحل عبد الخالق محجوب فى جامعة الخرطوم , وغير براعته فى الخطابة , فما حببنا فى هذا الشريط هو الهجوم المركز والعنيف الذي شنه عبد الخالق على نظرية إقتصاد السوق وعلى إقتصاديات العرض والطلب , بل وأصاب رشاق حتى مدرسى هذه المادة , وعلى نحو يقدح فى أمانتهم العلمية . لا أود من خلال هذه الرواية أن أصرف إهتمام الاقتصاديين والباحثين عن نقد نظرية العرض والطلب , فلولا النقد ولولا الفكرة المناهضة لما عاشت هذه النظرية وإلى الآن , فهى وفى الاساس تمثل أحد مكونات الحزمة الرأسمالية الحديثة , وهي متصالحة مع الديمقراطية ومع الآخر بشكل طبيعي , لكن ما يتكثف فى خيالي هذه اللحظة , هو مصير هذه المادة المدرسية إن إعتلى عبد الخالق وحزبه السلطة , كان من الممكن إسقاطها عمدا ومع التجريم , كحيلة رأسمالية لتقويض أركان الصراع الطبقي , صدقوني كان هكذا يفكر الشيوعيون , ولم لا والمنهج الذي يتبعونه يحتم فرضياته , ويفرض أحاديته , لم أقرأ فى الماركسية إستثناء للأدب الاكاديمي , ومن يزعم فليعلمني .
فى الاتحاد السوفيتي سابقا , وربما سائر الدول الاشتراكية آنها , كانت الماركسية وبكل مكوناتها , من مناهج التعليم الجامعي الاجبارية , وتجربة الطلاب السودانيين الذين درسوا هناك تفي شاهدا , هذا إلى غير مدارس التعليم الحزبي , والتي كان يوفرها الحزب ( الدولة ) للوافدين من طرف الاحزاب الشيوعية فى بقية العالم , وللراغبين فى دراسة الماركسية على نحو عام , هذا إلى غير ما يوفره كل حزب شيوعي فى نطاقه , من مدارس مرشحين وتأهيل الكادر وما يتصل .
فما تقدم يشير إلى ضلوع الماركسية فى المجال التعليمي على أساس مكوناتها التاريخية , كما يشير إلى إهتمام الاحزاب الشيوعية بمسألة التعليم الحزبي بشكل عام , وإلى هنا فلا غضاضة فى الامر , فقط يهمني كتاريخ , وكشواهد على الماركسية علما وفكرا , لأن هذا وللأسف ما يحاول بعض الشيوعيين التنكر له الآن , وفى محاولة غير أمينة لتبرئة الماركسية من نفسها , وفيما أراه هرولة سياسية فاجعة تهين الفكر , وتزدري تاريخه ورواده ومبتهليه .
من الممكن أن تخضع الماركسية , وكأي جهد إنساني آخر , للفحص والنقد والانتخاب , لكن هذه العملية لا تستوي فى ذهن شيوعي إلا بتوفر عاملين أراهما هامين , أولهماالاعتراف بالماركسية وكما هي , أو كما إعتنقوها , بكل مكوناتها وجامع مقاصدها وشامل آلياتها , وغض النظر عن مستوى تنزيلهم لها على الارض , وثانيهما الاعتراف بأن مثل هذه المناولة النقدية أمر مستحدث , لم يكن من قبل ممكنا , بحكم الماركسية نفسها , وبموجب التسليم لها . تراني أركز على هذه الاعترافات , لكن ليس لفتح باب التجريم ومحاكمة الشيوعيين بأثر رجعي , ولا لإهانة ضمير أستجفاه الزمن مقاصده , وأهدر كبرياءه الفكري , فقط لسلامة العملية النقدية فى حد ذاتها الفنية والفكرية , ولإستيفاء الامانة الفكرية , كلازمة أخلاقية رفيعة فى وجدان كل من يحمل رسالة , ولاجل الوضوح والشفافية , كترياق للإزدواجية والإستبطان , وللتاريخ ليسجل الموقف ناصعا , مشهودا ومبرما . وأواصل ...
|
|
|
|
|
|