الحالة السودانية.. تراجع الولاء القومي وتصاعد الولاء القبلي (الرأي العام)

Quote: (لماذا لا يكون والي شمال كردفان من الشمال، ووالي نهر النيل من دارفور، ووالي الخرطوم من الجنوب؟) تساؤل طرحه أمير عموم قبيلة الحمر الناظر عبدالقادر منعم منصور لتحقيق البناء الاجتماعى القومي وتذويب العصبية القبلية، لكن الواقع على الأرض يكشف أن القبيلة هي الآن أعلى مرجعية وأعلى سقفاً من الانتماء الحزبي والتنظيمي بل والانتماء القومي. كشفت حادثة أسر اللواء ابراهيم البشرى قائد المفرزة الجوية بالفاشر في يوم الجمعة 25 ابريل 2004 في هجوم حركة تحرير السودان على المدينة عن مدى تمتع القبيلة بتأثير قوي على الأحداث، حيث أفلحت جهود قيادات قبيلة المسيرية التي ينتمي اليها الرجل في اطلاق سراحه بعد مفاوضات مع قيادات الحركة بجبل مرة في ذلك الوقت. وبالمقابل برزت بعض الكيانات الجهوية بعد فشل الأحزاب في تحقيق تطلعات المناطق الريفية وظهر على الساحة كيان الشمال، وأبرز ما ميز هذا الكيان أنه ضم قيادات نافذة في الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من هؤلاء القيادي بالحزب الاتحادي على السيد، والقيادي بالحزب الشيوعي د. فاروق كدودة ، ورأس الكيان، القيادي بالاتحادي محمد سر الختم، ودشن الكيان عمله في ندوة بقاعة الشارقة يوم الثلاثاء 25 مايو 2005. وكانت هذه المرة الاولى في تاريخ السودان أن يقتصر تنظيم سياسي في عضويته على القبائل السودانية التي تعيش شمال الخرطوم وأبرزها قبائل (الجعليين، الشايقية، الرباطاب، الدناقلة، المحس والحلفاويين)، لكن هذا التنظيم لم ينجح في خلق ارضية تأييد واسعة في مناطق الشمال، مما دفع القبائل في أقصى الشمال إلى تكوين التجمع النوبي من ذات منطلق كيان الشمال، ولعبت القبيلة دوراً كبيراً في افشال برامج هذا التجمع بعد الصراع ما بين الشمال والجنوب النوبي. وخير شاهد على تصاعد دور القبيلة ما يحدث في معسكر كلمة للنازحين الخارج عن سيطرة الدولة، وتمثل قبيلة الفور أكبر مكون له، ويؤيد قاطنو المعسكر رئيس حركة تحرير السودان الرافضة لأبوجا عبدالواحد محمد نور الذى تصاعدت أسهم مؤيديه بعد رفضه للاتفاق، كما ينتظر النازحون الوعود التى أطلقها رئيس الحركة بدفع تعويضات دولارية للمتأثرين. وشهدت الخوي في الأيام الماضية أحداثاً غير متوقعة عقب قرار سلطات الولاية بتحويل المدينة إلى محلية ابوزبد، بعد التفاف قيادات المؤتمر الوطني بالمنطقة حول قبيلة (الحَمَر) التي ينتمون اليها وتشكل نسبة (99%) من سكان المنطقة -طبقاً لناظر عموم القبيلة- ضاربين بانتمائهم الحزبي عرض الحائط مما عرَّضهم للاعتقال. هذا الواقع دفع ناشطين فى منظمات المجتمع المدني وأساتذة للعلوم السياسية إلى القول إن تصاعد سطوة القبيلة يوازيه تراجع لدور الدولة، لجهة أن القبيلة أصبحت تؤدي وظائف من المفترض أن تؤديها الدولة كالأمن والخدمات. ويعتبر المراقبون أن المشهد السوداني الحالي إن لم يتم تداركه سريعا ستكون هذه أولى خطوات انهيار الدولة وانتقال النموذج الصومالي الى البلاد. وترى قيادات قبلية ومثقفون أن الحكومة مسؤولة عن هذا التوجه العام نحو القبيلة، مما دفع الكثيرين إلى الاحتماء بقبائلهم لتحقيق المطالب بالضغط على الحكومة، التي لجأت إلى القبيلة لتستقوي بها لتحقيق أجندات سياسية عبر خدمات تقدمها في حدود الولاءات. وينتقد أمير عموم قبائل الحمر بالسودان الناظر عبد القادر منعم منصور في حديث لـ (السوداني) عدم لجوء الحكومة إلى القيادات القبلية بالخوي لحل الأزمة سلمياً، ويقول إن حكومات الوحدة الوطنية الحالية بالولايات لا تسهم في إنهاء القبلية والعنصرية بل تزيدها، وتابع (لماذا لا يكون والي شمال كردفان من الشمال، ووالي نهر النيل من دارفور، ووالي الخرطوم من الجنوب؟). وأشار منصور إلى أن تلك السياسة في تعيين الولاة لن تساعد في ترابط النسيج الاجتماعي. أبرز زعيم قبيلة الحمر نقطة غاية في الأهمية وهي أن مكونات حكومات الوحدة الوطنية بالولايات والتي شكلت على أساس توازنات إثنية وقبيلة قد لا تسهم في البناء القومي السوداني وتحقيق الوحدة الطوعية. ويعزو الناشط في منظمات المجتمع المدني د. عبد الرحيم بلال عودة الناس الى القبلية، إلى الشمولية وغياب القانون والديمقراطية، إضافة إلى أن قوى المجتمع المدني ليست نافذة، ولا تجد المساحة التي تستطيع من خلالها اإنهاء ظاهرة التقوقع في القبيلة. وقال بلال إن التنمية المستدامة وتبادل المنافع بين القبائل هما المخرج من القبيلة والجهوية. وأشار إلى أن عدم وجود أحزاب تمثل هذه المصالح يجعل الفئات الدنيا لا مصلحة لها في اي تحالفات تقيمها الأحزاب (تنعكس كبرامج خدمية بمناطقهم)، وقال بلال إن الحكومة تستقوي بالقبائل ليس عبر البرامج، ولكن بتقديم خدمات في حدود الولاءات للبقاء بالسلطة. ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. صفوت فانوس إن العودة إلى القبيلة باعتبارها أعلى سقف للانتماء أملاه أنها أصبحت تؤدي وظائف من المفترض أن تؤديها الدولة كالأمن والوظيفة الاجتماعية بتوفير الخدمات من صحة وتعليم، ويقول فانوس إن انهيار الدولة في الصومال كان سببه المباشر تقسيم البلاد على أساس قبلي، على الرغم من التجانس الثقافي والديني للمجتمع الصومالي، ويعرب عن تخوفه من تكرار هذا النموذج في السودان، ويحدد فانوس فى حديث لـ (السودانى) المخرج في أن تؤدي الدولة وظائفها وتفرض نفوذها في المناطق كافة مما سيؤدي إلى تحويل الانتماء القبلي إلى اسمي وليس انتماءً فعلياً، وتذويب العصبيات القبلية لتشكيل الانتماء القومي وضرورة اعطاء المواطنين الإحساس بأن الدولة للكل وليس لفئة دون الأخرى.