|
Re: شباب السودان من (الفتوة) الى (الفتوى) - دراسة لتغير أنماط التفكير (Re: حاتم علي)
|
1. خلفية تاريخية : أولاً (الفتوات) =====================
لا أجد أفضل من كتب ووثق (للفتوات) هو الأستاذ شوقي بدري ، و سأقوم بإقتباس مقال توثيقي له هنا :
Quote:
الفتوات في امدرمان اغلبهم لم يكونوا اشرارا ، يستفيدون من قوتهم لتحقيق مكاسب ماديه او لممارسة الجريمه . لقد كانوا افرادا لهم قوه جسديه ، او بعض الذين كانت عندهم قوه بدنيه عاديه اكملوها بالشجاعه و الثبات و عرفوا بي ( زول سالط ) . و لقد كان بينهم نساء فلنبدأ بهم .
بت الحناوي كانت قوية الجسم يميل لونها الي البياض ( حلبيه) . و كانت المرأه الوحيده التي كسرت احتكار الرجال علي سوق الخضار و صارت بائعة خضار في سوق امدرمان . فبعد بناء الجذر و سوق الخضار و سوق الدجاج و الحمام وسوق الكسره ( الانجيره ) حيث تجلس الخالات هجوه و كلتوم و رابحه . سوق الطواقي و الهبابات . جمع المفتش برمبل كل اصحاب مهنه مثل جزارين الكرشه و العفشه و الطايوق و وزع لهم الاماكن . و عندما اراد تقسيم الاماكن للخضرجيه لاحظ وجود بت الحناوي بجسمها الضخم وسط الرجال فقال لها ( دا هنا مهل بتا رجال ، انتا امشي مهل نسوان ) فادخلت بت الحناوي سبابتها في فمها و نفضت السفه قائله ( رجال !! رجال شنو ؟ انا ارجل من ديل كلهم ) و تقدمت خطوات الي الامام و تراجع بعض الرجال و ضحك الاخرون . فقال برمبل ( انتا في مهل خضار ) .
الاخ الفنان ابراهيم عوض عبدالمجيد ، كان يمر امام طبليه بت الحناوي في صغره و هو في طريقه الي فنان الحقيبه ميرغني المأمون الذي كان يبيع الخضار و كانت بت الحناوي تقول له ( تعال هنا يا .... ماشي وين ، الخضار ما يا هو قدامك ) و يضطر للشراء منها . او ان يلتف من خلف الزنك لكي يذهب الي جاره ميرغني المامون .
اولاد الحناوي التيمان حسن و حسين كانا من فتوات امدرمان و يمتازان بالقوه كعمتهم بت الحناوي التي ربتهم و لقد بدأت حياتهم كفتوات مع موسي راس حربه الذي كان مخنجي فارع الطول منزله في زقاق خلف الله و هو الزقاق المحصور بين شارع البوسطه و شارع زريبة القش و يتجه شمالا و جنوبا . و منزله خلف منزل مبارك زروق و زير الخارجيه و قطب الوطني الاتحادي .
عندما داهم البوليس منزل موسي راس حربه. وضع موسي جسمه خلف الباب و لم يستطع البوليس ان يقتحم المنزل الي ان سمح لهم موسي بعد ان تاكد ان البضاعه قد اختفت . لان احد اولاد الحناوي قد طوح بها في منزل الوزير . عند احضار البضاعه قالوا لموسي ( يلا علي المركز ) فقال موسي ( لقيتوا عندي حاجه ؟ سوقوا الناس اللقيتوا عندهم البضاعه ) و عندما قالوا له انه لا يمكن ان يتهموا الوزير قال موسي ( اسه انا يادوب عرفته ، الناس ديل العربات تطاقش و الناس ليل و نهار داخله و مارقه ، اتاريهو ديل بقرطسوا .) .
سمعت ان موسي اخذ اسمه راس حربه لانه اصيب بحربه في ساقه و كنت احسبها مزاح و في سنه 1963 عندما كان يجلس معي في قهوة مهدي حامد بالقرب من عربة بيين مكوار اشهر بائع باسطه في امدرمان ، لاحظت اثر جرح بليغ في ساق موسي عندما خلف رجله .
اخر مره اقابل ود الحناوي كان في منزله جنوب سينما الوطنيه لانه كان جارا لصديقي احمد الميكانيكي و كان ود الحناوي يعاني من قطع مخيف في يده اليمني لم يشف بعد . و قال انه قد غضب من زوجته اسماء الحلبيه فضرب صحن الباشري بيده فانكسر الصحن و انغرز في يده . اسماء الحلبيه كانت من نساء امدرمان المشهورات .
اخونا محمود اسماعيل ابراهيم رحمة الله عليه ، دخل في كثير من المعارك في براغ . فاطلق عليه مامون يوسف المامون لقب ودالحناوي لان لونه كان فاتحا فلازمه هذا الاسم طيلة حياته . محمود الفُخ كان قويا و اشتهر كبائع بنقو بالجمله و صاحب تربيزة قمار في منزله بحي العرب . و كان كريما يرتاد منزله كثير من الناس، و لا يخلو من ميل للسخريه . فعندما اتاه الشاويش و طلب منه ان يوزع الكمنقه لان هنالك كشه ، اعطاه ما فيها النصيب ثم اتي اومباشا و ردد نفس الشئ و اخيرا اتي رجل بوليس تعبان قائلا ( وزعوا الدخانه ) فقال الفخ ( هي اصلو كمنقه و لا منشورات شيوعيين ، وزعناها زمان ياخ ) .
و عندما جائت الكشه فتح الفخ للشاويش و قال هازئا ما صار مثلا يردد في امدرمان ( جيت تقبض الكمنقه ؟ جدع ولدي ) و صفق الفخ بيديه ثم اضاف ( وزعناها زمان ) و كنا و لا نزال نقول عندما يحاول الانسان شيئا و يفشل ( جيت تقبض الكمنقه ؟ جدع ولدي ) .
النفراوي كان قويا و يمت بالصله للفخ و بينهما صداقه و كان من المؤكد اشهر مخنجي في امدرمان . و منزله غرب سوق الحداحيد و بالقرب من زقاق المنفله .و الي ان تركت امدرمان لم يلق البوليس القبض عليه . و كان يبيع من شباك عالي في منزله . و لا يبيع اقل من وزنه او تعريفه و تساوي 25 قرش و الاخرون يبيعون ورقه و تاوي 10 قروش و هي كميه صغيره و نوعيه رديئه .
في احدي المرات تعلق بيد النفراوي اثنين من رجال البوليس السري عندما باع لهم الوزنه . و لم يتمكن الرجلان من القبض علي يده . فانتزع يده . و فتح الباب فهرب الرجلان .
من العاده ان لا يذهب الناس الي النفراوي بعد الساعه العاشره ليلا . في احدي المرات طرق شباكه شخص ملهوف في نصف الليل فاتاه صوت النفراوي الجهوري ( جاييني نص الليل ، بائعات الهوي و ناموا ، انا ما انوم ؟ ..انتظر ....) و قبل ان يفتح النفراوي الباب هرب الشخص الذي كان صديقا لابن عمتي عثمان عبدالمجيد علي طه المشهور بكوارع .
اول مره اشاهد النفراوي خارج منزله . كان في منزل عبدالقادر حسن عباس المشهور ب(تورو ) في بانت . و لقد اتي لانها كانت( قاطه) كما قال هو و اللواري ما جات من الجنوب . و قام بلف سجاره لم يشاركه فيها اي انسان . ثم اخذ ربع رطل و ذهب .
تورو كان مخنجي يغطي منطقة بانت و جزء كبير من المورده . لان الِوش كان يغطي منطقة سوق المورده و فريق ريد . محمد عثمان كان الفتوه الذي يدير العمل مع تورو و لهجته كانت غريبه . و بالرغم من انه لم يكن دنقلاويا الا انه كان يؤنث المذكر و قد يكون من شرق السودان او اثيوبيا.و في يوم من الايام صرع رجل بوليس سري امام منزل تورو بلكمه واحده . فعندما كان محمد عثمان يحاول ادخال دراجته حاول رجل البوليس الدخول معه . و لم يعرف محمد عثمان ان رجل البوليس احد معارف تورو .
و لقد كنت اشاهد كثير من رجال البوليس حتي بملابسهم الرسميه في منزل تورو . احدهم شخص خفيف الدم بشنب ضخم اسود اللون عرف ب( جاور السعيد) لانه يصرخ عند الباب عندما يحضر ( جاور السعيد تسعد). عندما رجعت في نهاية الستينات كان محمد عثمان قد انفصل عن تورو و صار مخنجي في منزل جنوب منزل العم عبدالله حسن عقباوي و بالقرب من منزل العم محمود صالح المغربي والد المذيعه ليلي رحمة الله عليها . محمد عثمان قد انفصل بعد سجن تورو المتكرر . ففي بدية الستينات انسجن تورو بتهمة الاساءه للمحكمه . فلقد فتح بلاغ ضد عبدالعزيز الذي كان مسئولا من الحصاله و اختفي بسبعين جنيه . فتدخل ابن عمه نور الهدي واحضر عبدالعزيز من عشش فلاته . و عند الذهاب الي القاضي لشطب البلاغ قال القاضي لعبدالعزيز ( انته ولد صغير و ابن ناس ، ايه البقعدك مع المجرمين ديل ؟) فقال تورو ( مافي لزوم للاساءه ) فرد القاضي ( تتكلم بديك شهر سجن ) فواصل تورو ( .......امك لو ما عملتها سته شهور ) و لقد كان .
بهذه المناسبه ، احد القضاة من خارج امدرمان قال لصديقي المعلم قدوره الذي كان اكثر الناس شياكة في امدرمان ( انته زول وسخ ) فرد المعلم ( وسخ انا !! انا بستحمه مرتين في اليوم . انتو حلتكم ادبخانات ما فيها بـ..... زي الغنم في الشارع ) و كان الحكم بالسجن .
لان اهل امدرمان كانوا يعرفون بعض و يتداخلون . فلم يكن من السهل عمل كشات . فاستعان البوليس بشاويش صغير السن من عطبره . اوقع بكثير من المخنجيه .
كان هنالك كيس يحوي البنقو و في وسطه حجر ثقيل ، و في حالة اي كشه يسلم هذا الكيس للمرحاض . و فجأه يظهر بعض الكهربجيه و يضعون سلما و يبدأون العمل في عامود الكهرباء بالقرب من منزل تورو . و بعد ان يطمئن لهم ابراهيم ابودقن سائق التاكسي و الذي يعمل مع تورو ، و تبادل التحيات و القفشات . يقفز رجال الشرطه من ذلك السلم و يقبض علي تورو. ابراهيم ابودقن كان اصفر اللون وسيما ربع البنيه انيق الثياب ، يرتدي في بعض الاوقات بدله كامله . و دائما نظاره سوداء . كان يسوق سيارة والدي في بداية الخمسينات و كان مرحا يحب النكته . و نحن صغار كان يقود السياره بقدمه . و كان بمثابة الاخ لنا . ثم صار سائق سيارة التاكسي التي يمتلكها تورو . و فهمت وقتها لماذا كان يقود السياره بقدمه . و كيف كان يذهب الي اختي نضيفه في المطبخ و يقول ( ادونا اي حاجه حلوه ) و بالعدم يسف سكر . الراجل كان ( بحبس ) .
من النساء القويات في امدرمان و يهابهم الرجال قبل النساء . الخاله كيكونه والدة لاعب الكره و نجم فريق الشاطئ صديقي بنضر الذي اشتهر بجملة ( و لولا براعة الشبل بنضر) التي صارت يضرب بها المثل في امدرمان . فبعد هزيمة الشاطئ بخمسه اهداف كتب صحفي ( ولولا براعة الشبل بنضر لكانت الهزيمة اسوأ) .
كيكونه كانت تبيع الخضار في سوق المورده . و تكون مستلقيه علي جنبها في الطبليه بالقرب من الخضار . و لا تتكلم كثيرا و لا تزيد عن الابتسام و لا تفاصل . كنت اشتري منها الطماطم باستمرار. اسأل عن السعر و اضع الفلوس تحت الشوال و اخذ الباقي كالاخرين . و قلت مداعبا احد اصدقائي ( اها لو الزول شال زياده ؟) فكان الرد ( منو البقدر ، شوفها قدر شنو ) .
علي عكس كيكونه كانت صديقتها زمبيري الحلبيه . اميل الي البياض نحيفه نخناخه كثيرة الكلام و هي كذلك تبيع الخضار . و هي ام اثنين من فتوات امدرمان ، عرفه زمبيري بشعره المنكوش و هو عربجي و سيد صربندي او اطرش قديس كان قويا يقوم بتقطيع لساتك السيارات في الصباح و يبيع التذاكر امام سينما قديس في الليل . انتهي به الامر الي سجن كوبر ثم سجن بورتسودان .كل حياة سيد كانت مرتبطه بالسينما . و عندما سمع في سجن كوبر ان الممثل جري كوبر قد مات ، بكي و حزن و امتنع عن الاكل . و بالرغم من انه اطرش فيتحدث بصعوبه . و عندما قالوا له ( زعلان مالك ، جري كوبر ده قريبك ) قال ( ده اخوي ،كده ) و وضع سبابته ملتصقه بالاخري .
الخاله كيكونه انقذت المفتش الانجيزي عندما اراد فتوات المورده الاعتداء عليه . فهرب جاريا ، فادخلته الخاله كيكونه منزلها و خرجت لمقابلة الفتوات بمرق العنقريب فهرب الفتوات . و اعطاها المفتش الانجليزي رخصة بيع الخضار في سوق المورده بدون رسوم طيلة حياتها .
حوه كرنقو كانت من فتوات امدرمان . عندما كانت صغيره كانت( محمد ولد) و لعبت الدافوري مع صديق منزول و هي صغيره . و كانت تجيد العراك و تضرب راس يصرع اقوي الصبيه . كما كانت تربط للصبيه و تقلع قروش فطورهم . صديقي (ع) الذي صار ظابطا في الجيش تعرض لعملية نهب بواسطة حوه كرنقو فصار يتفادي شارعها . و كنت امزح معه و هو ضابط مهاب و اقول له انني سافشي سر حوه كرنقو لزوجته .
كرنقو كان شابا قويا شكله يقرب الي شكل اشقائنا من النوبه بعضلات بارزه و جسم طويل . كان بشوشا مع معارفه و اولاد الحي . و عندما كان الرماي يشبك في النيل ( يكرد) يساعدني في اخراجه حتي بدون ان اساله لان منطقة النمر امام الصهريج القديم بالقرب من الطابيه كانت عميقه و خطره . و كنت اصغره بعدة سنوات . كرنقو كان من فتوات امدرمان الكبار .
و بينما نحن جالسون في قهوة السماني المقابله لمطعم صبير في الملجه و التي صار يديرها صديقي علي شلوفه و سيد ودابونا بعد مرض السماني النفسي . سمعت محجوب عجيب علي ما اظن يقول( كرنقو و ود ام شطور كتلوا البوليس ) . و لم يعلق احد وقتها و ربما لان البوليس السري عربي كان موجودا بعمته القلووظ . و كان هذا في 1964 ثم عرفت من الدكتور محمد محجوب عثمان بانه شاهد صديقي كرنقو في سجن كوبر قبل شنقه و انه كان متماسكا و مشي الي المشنقه بثبات و شجاعه .
حتي انا عندما اجتر هذه الزكريات استعجب . ما الذي يدفع شاب صغير لمعاشرة هؤلاء الناس . و لكني عاشرت المثقفين و المتعلمين و المترفين و وجدت الغير متعلمين اصدق و اكثر حفظا للود . و والدي ابراهيم بدري الذي قضي اغلب حياته وسط الدينكا و في جنوب السودان ، و والدتي التي ولدت و ترعرعت في جبال النوبه كانوا يؤمنون بان يعطوا الاطفال فرصه مشاهدة الحياة عن قرب خارج الحمايه المبالغ فيها .
قبل ان ابلغ الثالثه عشر قضيت اجازه مدرسيه علي ظهر قندراني يخص محمد عبدالله عبدالسلام زوج خالتي . و تعلمت الكثير من الرجل الرائع سائق القندراني محمد يس الدنقلاوي واخيه عوض الذي صار سائقا للبص السريع . و كنت اشاركه النوم في كابينة القندران او علي شوالات الاسمنت و هو يحكي لي عن الدنيا و تجاربه ، لقد كان من خيرة اساتذتي في هذه الدنيا . و كنا ننقل مواد البناء الي اكوبو و الناصر و البيبور و فشلا و جبل بوما و هذا في الخمسينات. اطلقوا ابنائكم لكي يعيشوا . و نواصل فما اكثر فتوات امدرمان مثل كبس الجبه و قدوم زعلان و دغماس و راس الميت و كاتوحه و عبدالفتاح و عُبد و رزيق و الفي و ....الخ .
شوقي
|
المصدر مكتبة القاص شوقي بدري بسودانيز اونلاين
العالم السفلي ....فتوات امدرمان
| |
|
|
|
|