|
Re: كونفوشيوس : السلوك الاجتماعي والأخلاق (Re: محمد طه الحبر)
|
عدل فلسفته
كثيراً ما وصف كونفوشيوس بأنه أحد مؤسسي الديانات
و هذا تعبير غير دقيق إن لم يكن خاطئاً فمذهبه ليس ديناً
فهو لا يتحدث عن إله أو السماوات . و إنما مذهبه هو طريقة في الحياة الخاصة و السلوك الإجتماعي و السلوك السياسي
و مذهبه يقوم على الحب - حب الناس و حسن معاملتهم و الرقة في الحديث و الأدب في الخطاب . و نظافة اليد و اللسان
و أيضاً يقوم مذهبه على احترام الأكبر سناً و الأكبر مقاماً ، و على تقديس الأسرة و على طاعة الصغير للكبير و طاعة المرأة لزوجها
و لكنه في نفس الوقت يكره الطغيان و الإستبداد . و هو يؤمن بأن الحكومة إنما أنشئت لخدمة الشعب و ليس العكس
و أن الحاكم يجب أن يكون عتد قيم أخلاقية و مثل عليا . و من الحكم التي اتخذها كونفوشيوس قاعدة لسلوكه تلك الحكمة
القديمة التي تقول : " أحب لغيرك ما تحبه لنفسك " .
يعتبر كنفوشيوس الفضيلتين الهامتين هما ( جن ) و ( لي ) و الرجل المثالي يسير حياته طبقا لهما . و قد ترجمت (جن ) بالحب
أو الاهتمام الحميم باخواننا البشر ، أما ( لي ) فهي تصف مجموعة من الأخلاق و الطقوس و التقاليد و الاتكيت و اللياقة و الحشمة .
و وكان كونفوشيوس محافظاً في نظرته إلى الحياة فهو يرى بأن العصر الذهبي للإنسانية كان وراءها - أي كان في الماضي
و هو لذلك كان يحن إلى الماضي و يدعو الناس إلى الحياة فيه .. و لكن الحكام على زمانه لم يكونوا من رأيه و لذلك لقي بعض المعارضة
و قد اشتدت هذه المعارضة بعد وفاته ببضع مئات من السنين ، عندما ولي الصين ملوك أحرقوا كتبه و حرموا تعاليمه .. و رأوا فيها نكسة مستمرة
لأن الشعوب يجب أن تنظر أمامها . بينما هو يدعو الناس إلى النظر إلى الوراء .. و لكن ما لبثت تعاليم كونفوشيوس أن عادت أقوى مما
كانت و انتشر تلاميذه و كهنته في كل مكان .. و استمرت فلسفة كونفوشيوس تتحكم في الحياة الصينية قرابة عشرين قرناً - أي من القرن
الأول قبل الميلاد حتى نهاية القرن التاسع عشر بعد الميلاد . أما إيمان أهل الصين بفلسفة كونفوشيوس فيعود إلى سببين : أولا أنه كان
صادقاً مخلصاً . لا شك في ذلك . ثانياً أنه شخص معقول و معتدل و عملي . و هذا يتفق تماماً مع المزاج الصيني . بل هذا هو السبب
الأكبر في انتشار فلسفته في الصين . و هو بذلك كان قريباً منهم . فلم يطلب إليهم أن يغيروا حياتهم أو يثوروا عليها . و إنما هو أكد لهم
كل ما يؤمنون به فوجدوا أنفسهم في تعاليمه . و لذلك ظلت فلسفة كونفوشيوس صينية . و لم تتجاوزها إلا إلى اليابان و كوريا.
و لكن هذه الفلسفة قد انحسرت تماماً عن الصين . بعد أن تحولت إلى الشيوعية و اتجهت الصين إلى المستقبل و انتزعت نفسها من هذه الديانة
و ذلك بالبعد عن الماضي و مسالمة الناس في الداخل و الخارج . و لكن تظل فلسفة كونفوشيوس هي التي حققت سلاماً و أمناً داخلياً أكثر من
عشرين قرناً للصين . و قد فشلت الكونفوشية أن تترك أثراً يذكر خارج الصين. و في زمن أسرة هان المالكة درج الأباطرة الصينيون على
اختيار موظفي الدولة بطرح امتحان يعتمد إلى حد كبير على معرفة تعاليم و آداب كنفوشيوس . و لكن انحدرت قيمة كنفوشيوس في الوقت الحاضر
و ذلك لأن الصين الشيوعية هاجمت كنفوشيوس و تعاليمه.
|
|
![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|
|
|
|