|
إن كان يجمعنا حب لغرته : فليت أنا بقدر الحب نقتسم
|
بيت لاشك يتسم بالحكمة والمنطق والتسامح والترفع عن الخلاف والبيت لصاعقة الشعر العربي أبي الطيب المتبني ، يعود ضمير المخاطب فيه بالتمني علي خصومه من الشعراء أما ضمير الغائب المتنافس عليه فليس سوى سيف الدولة :ـ وكما هو واضح أن الشاعر اعتنى بالمعنى خصماً علي حقيقة مشاعره و ضغطا عليها و واضح أن أسلوب الخطاب في البيت قد تم تشذيبه وتهذيبه وإخلاؤه من إشارات الغيظ وتجميله برقة المفردات حتي يليق بأن يلقى أمام الخليفة و وراء الأكمة ما وراءها كما تشهد روايات أخرى لمواقف مختلفة ـ بعيدا عن الخليفة ـ برزت فيها بين أولئك المختصمين المخالب والأنياب .. مثل الرواية التى حكت تعليق أبي فراس حينما سأله أحدهم في مجلس شعر عن ابي الطيب ( هل مر أبو الطيب من هنا ؟ ) وكان المتنبي قد مر عليهم فعلاً ثم انصرف بعد أن قرأ قصيدة له فما كان من أبي فراس إلا أن أجاب علي الرجل ساخراً ( نعم مر من هنا وقرأ علينا قصيدة عينية فما زال يقول آعا أعا حتي كدنا نتهوع ) . وتجاوزاً لمناخ الملابسات والأسباب التي اخرجت هذا البيت الي التراث الأدبي العربي ـ بكل ما فيه من شحنات نفسية ـ نظن أنه قد وضع تربة صالحة لأن يحتفر كل صاحب قصد مايريد من عمق للمعنى الذي يقصده في ذلك البيت وتلك هي النظرية التي تقول ( يغني المغني وكل احد على هواه ) . فإذا ما جربناه على هوانا الذي نتغنى عليه هنا ـ أعني هوى هذا الوطن الذي يزعم كل منا أنه يحبه و أنه يريد له المصلحة والخير في حين أننا نظل مختلفين حد الاقتتال حول وسائل تحقيق ذلك بل ربما يتقلص في وجداننا معنى الوطن أحياناً إلى حدود نظرية ( أنا واخوي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب ) وهي النظرية التي تؤسس لمشروعية ( بروز الأنيات والمخالب ) والتي يقود الإيمان بها إلى ( إقصاء ) فكرة الحق ـ و هي وحدها التي الطريق المؤدية إلى اختزال الوطن و اختصاره في مساحة الجهة أو الاقليم بل إلى رقعة المدينة أو القرية و هذا ما شهدناه مؤخرا ـ في الخصومات الرياضية حيث صارت تخرج عندنا التظاهرات الشامتة من مشجعي فريق رياضي إلى الشوارع إثر هزيمة خصمه الوطني من الأجنبي و هذا أكبر الشواهد على أن الحس الوطني في تقهقر رجعي عن فكرة الوطن الحضارية المتقدمة الواعية . انظر كيف حينما حاولنا الاستشهاد بهذا البيت ـ تطابق مناخ الأسباب التي أنتجته مع الحال التي نستشهد به فيها ! و كأنما هو مقدر له أن لا يليق إلا في مماثلة الظروف النفسية ذاتها . و في شأن بروز الأنياب والمخالب هذا ـ يقع من المفارقات ما تعجز اللغة عن وصفه حينما تخلو إلى بعضها في مجلس ـ جماعة من قبيلة واحدة أو حزب واحد أو جهة .. ولكل قبيلة في الدنيا سرها وجهرها ولها أدبيات ذات خصوصية و آراء وقناعات في صفات وخصائص غيرهم وهذه من متلازمات حياة مجتمع البشر ـ الذين كان قدرهم أن يعيشوا هذه الحياة في جماعات ـ تتخذ مواضع عيشها أوطانا فما أجدرهم باقتسام حبه فيما بينهم .
|
|
|
|
|
|