|
فى (الوطن) السعودية .. محمّد السحيمى يكتب عن السودان والشعر ومحى الدين الفاتح
|
جاء "الفاتح": كُلُّه العالم جاء!
مقالات سابقة للكاتب
محمد السحيمي
ما أشدُّ عقوبة يمكن أن يوقعها مجلس الأمن على السودان: قطع البترول؟ وماذا لو تعطلت الـ"رِكْشا" ولدى "الزول" من الدَّوابِّ ما هو أسرع منها وأكبر، وأصبر! منع الشركات من استثمار غابات "الصمغ العربي"؟ وهل سيؤدي ذلك إلى مزيدٍ من التصاق الفقراء بالأرض؟ تحويل مجرى "النيل" ليمرَّ من حدوده الجنوبية إلى الغربية فالشمالية؟ وهل استفاد منه السودان في حل أزمة المياه؟ الحجر على المطارات والملاحة الجوية؟ فليطبِّقوا هذا على "البعوض" أيضاً! كل هذه العقوبات لن تخضع السودان لأية إرادةٍ خارجية! ماسيدمِّر السودان تماماً هو منع الشعر، وسحبه من دم السودانيين والسودانيات! عندها فقط سيصابون بأنيميا حادَّة، وتظلم الدنيا في أعينهم بعد "إشراقات التجاني بشير"، ويهلكهم الجوع حين يفتحونها فلا "الهادي آدم"، ولا "غداً ألقاك"! ويقتلهم العطش حين يغدو "محمد الفيتوري" سراباً تعبِّئُه "اليونسيف" في قوارير تصدِّرُها لأوروبا! وسيضل "محمد عبدالحي" طريق "العودة إلى سنَّار"، ولن يقوى المطرب "عتيق" ولا الشاعر/"سيد عبدالعزيز" على فتح "الحقيبة"! من أين للأطفال حليبٌ إذا منع الشعر في السودان؟ ومن أين "للجدَّات" ملاحم يملأن بها الليل؟ ومن أين للصبايا سمرتهن التي تعرف من سحرها: لماذا أقسم الله ـ جلَّت حكمتُه ـ بالتين والزيتون؟ لابد ـ تحسباً لأي قرار بمنع الشعر من مجلس الأمن ـ أن تنقش "روضة الحاج" كفوفهن "حنَّاءً" بألوان "الطيف" الأسمر! ولابد ـ لصمود السودان إلى الأبد ـ أن تنتصب نخلة الشعر/ "محيي الدين الفاتح محيي الدين"، ويتمايل سعفها الموغل في السماء بـ"جرس البداية": (نسير في أرضٍ ليست لها سماءْ.. إلى الوراءِ دائماً.. نمشي إلى الوراء.. مصلوبةٌ حياتُنا كأنها قائمة الأسماء.. مظلمةٌ كأنها سبُّورةٌ سوداء.. مسحوقةٌ كممسحة .. فارغةٌ مجرورة مسطَّحة.. يلفُّها الهواءْ)! جاء "الفاتح" و"كلُّه العالـَمُ جاءَ" ـ عنوان ديوانه ـ "من بلدةٍ تزيُّنُها قِبابُها/ طيِّبةٌ وأخضرٌ ترابُها"، منحدراً من سلالة "صلاح عبدالصبور"، التي جعلت الشعر شيئاً مشاعاً: يتعاطاه البسطاء مع "الترمس" في الشوارع، ومع "البخشيش" في الأسواق، ومع "النرد" على الطاولة في المقاهي الشعبية! ويتمتم به كل الشعب وهو يمارس رياضته الوحيدة: "الجري"..وراء لقمة العيش! يكتب "الفاتح" القصيدة على الورق، ويكتبها مرةً أخرى في ذاكرته الأمينة، ثم يكتبها ثالثةً على حباله الصوتية بإلقاء ملحمي آسر، وفي كل كتابة :يتخلَّق الشعرُ في قلبه نبضاً جديداً، وينطلق مع أنفاسه حنيناً دافئاً، فإذا رأيته يدخِّنُ بشراهة؛ فإنما يفعل ذلك لكي يمكِّنَك من قراءة الأبيات قبل أن تذوب وجداً في الأثير؛ ليتنفسها كل السودانيين! ولكن يجب أن يكتب عبارة: "يحفظ بعيداً عن متناول الصغار" على ديوانه؛ فالفاتح غويٌّ مبينٌ ،يوهم الناس أن الشعر هو أسهل شئٍ في الدنيا!
نقلا عن "الوطن" السعودية
http://www.alarabiya.net/views/2009/10/28/89462.html
|
|
|
|
|
|
|
|
|