الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 10:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-11-2009, 11:24 PM

Aymen Tabir
<aAymen Tabir
تاريخ التسجيل: 12-02-2003
مجموع المشاركات: 2612

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد (Re: Aymen Tabir)

    -4 -
    الإقتصاد الإسلامي

    لا يزال الهلع سيد الموقف...غلاة الرأسمالية يموهون طبيعة الأزمة وأسبابها ويراهنون على إسترداد عافية نظمهم بزراعة خلايا جزعية من بنياتها الآيلة للإضمحلال؛علماً بأن النظام الإشتراكي لم يحظ بجهد مواز في مجالي التطبيق والتنظير كبديل جاذب. وفي الوقت الذي يتواصل فيه الجهد العالمي لإيجاد حلول لدرء تداعيات الأزمة أشهرت الدوائر الحاكمة في السودان وإيران دعوة عقائدية لتبني البديل الإسلامي على غرار مسارات نظم إقتصادية ومصرفية تتحصن - حسب إدعاءآتهم - بشرع الله. ولا شك أن الشعب السوداني الذي عاش "العلاج بالكي!" طوال عشرين عاماَ في مصحة الأسلمة الإنقاذية ً سيكون أشد مناعةً من غيره في مواجهة هذه الدعوة. تسآءل خبراء وإعلاميون عن ماهية الإقتصاد الإسلامي ومفهوم الربا وقارعوا فقهاء الضرورة والعزيمة بلا خشية من مهددات السلطة. أتناول فيما يلي محاور العصف الذهني الذي أثارته أكثر التسآؤلات جرأة.ً

    نشأت المذاهب النظربة للإقتصاد الإسالامي في القرن السابع الميلادي من أحكام القرآن وتوجهات السنة وتوافق بعضها مع الموروث من مرجعيات الأعراف العربية والديانات السابقة للإسلام (الإقليمية والقارية). وتبلورت فلسفة وممارسات الإقتصاد الإسلامي المذهبية والإجتماعية والإنتاجية في أرضية مجتمع قبلي تنازعته قوى رعوية للإستحواذ على الماء والكلأ. ولا شك أن الإسلام قد فجر ثورة إقتصادية وإجتماعية حطمت سياج ملكية القبيلة وفرضت علاقات إنتاج أوسع نطاقاً شملتْ الموارد المتاحة آنذاك: الزراعة والتجارة والقوى البشرية من الأحرار والأرقاء. كما فجر الإسلام ثورة إقتصادية/إجتماعية شحذت همة القبيلة ونخوتها بفرض الزكاة ضريبة دينية على المسلم والجزية ضريبة على الذمى وهي عبارة عن المال الذي يَعْقِد الكتابي عليه الذمة، وغيرها من الزكاوات والإتاوات التي حدد الفقه الإسلامي أنصابها وأوجه إنفاقها لتوسيع نطاق الكفالة الإجتماعية. وفي البدء كانت الزكاة حصراً على الزرع والضرع الى أن أضاف الإجتهاد الفقهي زكوات النفائس والعقارات بعد الفتوحات الإسلامية. كما أثبتت نظم الإرث الإسلامية والأوقاف فعالية غير مسبوقة للحد من إكتناز الثروة وتوسيع رقعة توزيعها. ومنذ أن قلب الأميون الخلافة الى إرث ملوكي بدأ تراجع الرعيل الأول المؤسس للدولة الإسلامية أمام تنامي فئات وطبقات تكالبتْ على السلطة بعصبية قبلية ودينية (الأمويون والعباسيون). طوال الحقبة الممتدة من الحكم الأموي - (750م - 662م) مروراً بالحكم العباسي(- 1258م - 750م) حتى إنهيار الإمبراطورية العثمانية (1924م - 1299م) - لم يطرأ على بنية الإقتصاد الإسلامى تغيير نوعي و/أو كمي بخلاف ازدهار العمارة لراحة الحكام وبناء الأساطيل التجارية والحربية وفنون الترويح والشعر. وعلى الرغم من الإحتباس العقائدى السلفي إزدهرت العلوم الطبيعية (الطب والكيمياء والفيزياء والرياضيات) بفعل التلاقح فيما بين الحضارات. كما إزدهرت العلوم الإنسانية في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية. إنطلقت عولمة الحضارة الإسلامية من بوتقة إنصهرت فيها معادن جهد البشرية الإثني والديني والعلمي وتواصلت إسهاماتها حتى يومنا هذا في تقدم ونماء الإنسان. لا يمكن إنكار نشوء وتخلق الإقتصاد الإسلامى في حراكه التاريخي إيجاباَ وسلباَ (نظرية – ممارسة – نظرية) وتعرض أنماطه للنمو والإحلال ثم الإضمحلال. ورث المسلمون أنماط ونظم إقتصادية من الحضارات السابقة طوروها وأدخلوا إضافات مستحدثة على الموروث من أنماط الملكية الفردية والملكية العامة وحقوق العمل والإنتاج وآليات السوق وتبادل السلع والخدمات وإستخدام النقود ...ألخ. ولهذا إسترعى إنتباه عدد من المؤرخين المقاربة النظرية بين بعض ممارسات الإقتصاد الإسلامي وما إرتقت إليه بنية النظام الرأسمالي الراهن. منذ نشأة المجتمعات البشرية المنتحة والمستهلكة حتى يومنا هذا لم تنفرد أى حضارة إنسانية بتصميم نمط إقتصادي (economic mode) قائم بذاته أمكن تسجيله بإسمها كبرآءة الإختراع. وذلك نسبة لتسلسل نشوء وإرتقاء وتواتر حراك الأنماط الإقتصادية بنسق حلزونى غير متواز عبر الحقب التاريخية في مختلف المواقع الجغرافية. عرفت المجتمعات البشرية منذ القدم وسائط التبادل في الأسواق (النقود) وإبتدعت نظم بدائية للصيرفة (الحضارة الرومانية) وأصدرت قوانين للتجارة المحلية والخارجية وأستحدثت معايير لتقييم الخيرات الطبيعية والمنتجة. وتوالت إسهامات المعرفة الإنسانية دون إنقطاع في تاسيس وتغيير النظم الإقتصادية/الإجتماعية. وكان نتيجة كل ذلك نشوء وتطورعدة ظواهر إقتصادية وتلاشي بعضها بفعل إضمحلال العلاقات التي أنتجتها. إستناداً إلى هذا المفهوم قد يتسنى لنا تناول ظاهرتي الربا وسعرالفائدة عبر مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية.

    الملاحظ أن غالبية دعاة تبني البديل الإسلامي يتهربون من التوغل في التشخيص التاريخي لجذور الأزمات الرأسمالية وتداعياتها ويركزون نيران هجومهم على النظام المصرفي الرأسمالي (الربوي) لإيهام المتضررين بأن الأزمة المالية العالمية الراهنة غضب إلهي لم يمهل آكلى السحت والربا والمدفوعين بالجشع الرأسمالي وعدم الإيمان بالله ومخالفة شرائعه. وغالباً ما يصم هؤلاء آذانهم عن أسئلة ثاقبة: لماذا إنحدرت الحضارة الإسلامية على سفح التاريخ وعجزت عن الإستقواء بمنجزاتها من العلوم الطبيعية والإقتصادية/الإجتماعية؟ ولماذا لم يطرأ تغيير نوعى أو كمي فى البنى الإقتصادية والإجتماعية في حياة الشعوب التى دانت بالإسلام وتجاوزت بدائية المجتمعات العربية رائدة الرسالة الإسلامية. ولماذا تداعتْ مقومات نظم الدول الإسلامية وأسلمت قيادها لقوى دفعتها الى مزالق التخلف؟ لا يتسع المجال للإجابة على هذه الأسئلة علماَ بأن مهمازاً مؤلماَ قد يقربنا من حزمة إجابات وهى: تعرض المجتمعات الإسلامية لعوامل النشوء والتطور التاريخي التي أدت إلى صعود وإضمحلال حضارات سابقة. وأهم هذه العوامل الصراع على السلطة والإنكفاء على النزاعات المذهبية والإنشغال بالحروب التوسعية للإستحواذ على مغانم الشعوب الأخرى والفرز الدينى والعرقي والتمايز الطبقي وتشرزم السلطة في دويلات متصارعة.

    الربا ) USURY )

    حرَّمَتْ كل الديانات القديمة التعامل بالربا خاصة النوبية/الفرعونية والبوذية والهندوكية. منذ عهد تحتمس الثالث خلال القرن الخامس قبل الميلاد وردتْ في" Elephantine Papyrus" إدانة يهود مصر بتقاضي فوائد على القروض غير أنها لم تعتبرجرائم وإنما جنح أخلاقية. كان ساراس مؤسس الإمبراطورية الفارسية (590 -529 ق م) يعفو عن ألد الأعداء ولكنه يصر على عقوبة المرابين بنفسه ويقتلهم بسلاحه.

    وتنزلت آيات تحرم الربا في كتب الديانات الوحدانية (التوراة والتلمود والزبور والأناجيل والقرآن). جاء التعبير العبرى عن الربا في العهد القديم بكلمة نيشيخ (neshekh) بمعني "عضة" وحَرَّم التلمود الرباribbit) ) أي "غبار الفائدة". لقد كان الفيلسوف اليوناني أرسطو (384- 322 ق م) الأعلى صيتا في نبذه لفوائد الإقتراض إذ كتب " أن الربا هو إنجاب النقود من النقود لأن الجنين يشبه الأم ولذلك فهو أسوأ الوسائل لإكتناز المال." كما وردتْ في متون الأناجيل المسيحية نصوص أكثر تشدداَ في تحريم الربا تراجع الإلتزام بها بعد تغلب معاملات الإئتمان التجاري والصناعي في أروبا. وقد جاء تحريم الربا متكاملاً مع مقومات الإقتصاد الإسلامي بآيات قرآنية وأحاديث نبوية أسست للعديد من الإجتهادات الفقهية والتوصيف اللغوي: ربا النسيئة أو ربا الديون وربا الفضل أو ربا البيوع. . . ألخ. وأجمع عدد من الفقهاء على تعريف الربا بالآتي: "أن الفوائد التي يأخذها المودع من البنك ، هي ربا محرم ، فالربا (...) كل زيادة مشروطة على رأس المال . أي ما أخذ بغير تجارة ولا تعب ، زيادة على رأس المال فهو ربا. تواصل الصراع الفقهى فى صدر الإسلام حول مقاصد الربا إقتصادياً وإجتماعياُ وقانونياً. وتمترست أجيال من السلفيين في كهوف الإسناد الديني والأخلاقي لتحريم الربا طوال عشرات القرون. ولم يحسم الخلاف إلى يومنا هذا علماَ بأن المعركة الفاصلة ضد تحريم سعر الفائدة (الزيادة التي يتقاضاها الدائن) قد حسمت باللجوء إلى فقه الضرورة فى عدد من الأقطار العربية/الإسلامية خاصة في كل من إيران والسودان. وتقنن التعامل مع نظام مصرفي مزدوج رأسمالى/إسلامي.

    وقد كان الإسلامى الأستاذ محجوب عروة رئيس تحرير ألسوداني أول من تسآءل عن البديل الإسلامي" (...) ما هو الفكر الإسلامي أو النظام الإسلامي الإقتصادي الذي يمكن أن يكون بديلاً للنظام الرأسمالي الحالي الذي يترنح أو الشيوعي السابق الذي هوى؟" (السوداني 10-10- 2008 العدد رقم: 1045). أشار الأستاذ عروة في معرض سرده لصراعات الفقه الإسلامي حول الربا إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " أن آية الربا من آخر ما نزل من القرآن الكريم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قُبضَ قبل ان يبينه لنا، فدعوا الربا والريبة.(...) وأضاف:"عمر نفسه هو الذي يقول إنَّا والله ما ندري لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لكم، ولعلنا ننهاكم عن أمور تصلح لكم وانه كان من آخر القرآن الكريم نزولاً آيات الربا، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، ثم يقول: لقد خفت ان نكون قد زدنا في الربا عشرة اضعافه بمخافته"، و يقول:" تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا ": (يراجع المحلي لابن حزم الجزء التاسع صفحة 519 مسألة الربا رقم –148 (السوداني: 15-11- 2008العدد رقم 1080) إنتهى.

    الربا ظاهرة إقتصادية

    في البدء لابد من تشخيص الجزوع التاريخية لظاهرة الربا ومفهوم تحريمها. فقد أجمع مؤرخون على إختلاف أعراقهم ومذاهبهم وعقائدهم الدينية على أن الربا ظاهرة إقتصادية تجذرت من تركيبة العلاقات البشرية: علاقات التملك وإستغلال قوى العمل البشري وتبادل الخيرات والخدمات ونزعات الإستغلال وإكتناز الثروات. ولهذا حُرم الربا أخلاقياً وإجتماعياً ودينياَ. حرمته الديانات درءاً للمظالم عن الفقراء والمعوذين وردعاً لجشع مستغلي أوضاع المستضعفين. جاء في العهد القديم (إنجيل لوقا): "اذا اقرضت مالاَ لاحد أبناء شعبي؛ فلا تقف منه موقف الدائن. لا تطلب منه ربحاَ لمالك. " وجاء في كتاب العهد الجديد: "(...) اذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة؛ فأي فضل يعرف لكم؟ ولكن أفعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائداتها وإذن يكون ثوابكم جزيلاَ. " ثم جاء القرآن حاسماَ: " يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:275-279]."
    لقد كان إقتناء المال دون جهد عملي يتعارض مع العديد من الأعراف والمعتقدات والأخلاقيات الدينية والإنسانية. ولا مناص من تشخيص مرجعيات تحريم الربا التى تمحورت قواسمها المشتركة بين الديانات الوثنية والوحدانية في مبادئ أخلاقية لدرء المظالم عن الفقراء والمعوزين. وحُرم الربا، وحل البيع والقرض الحسن والصدقة محل المعاملات الربوية تحفيزاً للتكافل الإجتماعي. لم أعثر في أدبيات تحريم الربا على إسناد إقتصادي أو تفسيرً قانوني لظاهرة الربا خلاف ما تنزل في مرجعيات النصوص الدينية وما ورد في أحاديث الرسل والأنبياء والفقهاء. وليتأمل القارئ التعريف الآتي: "أن يضع الإنسان ماله ويقصد الاستثمار: إن ما يحدث بين المصرف وصاحب المال تحت أي مسمى طالما أنه بفائدة محددة سلفاً مقابل أجل محدد فهو ربا؛ وذلك لأن: علة التحريم منصبة على كونها زيادة محددة سلفاً مقابل أجل محدد سواء كان أصل المعاملة قرضا أو ديناً أو بيعاً؛ فمتى وجدت الزيادة المحددة مقابل الأجل المحدد، فذلك هو الربا بصرف النظر عن أصل هذه المعاملة ( سجالات التحريم والإباحة مناقشة أدلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي - محمد البنا إسلام أونلاين نيت ديسمبر. 20- 2002).

    إستخلص عدد من المفكرين بناءً على ما تقدم أن الربا ظاهرة أفرزتها ممارسات بشرية لتسليك العلاقات الإقتصادية مما إستدعى تمظهر إحلال و/أو تحريم معاملاتها بمفهومات إجتماعية وأخلاقية توارثتها المجتمعات والأديان عبر مختلف مراحل التطور الإقتصادي والإجتماعي للعلاقات البشرية.

    سعر الفائدة (interest rate)

    منذ نشوء الحضارات القديمة وتعايش الديانات الوثنية والوحدانية حتى مشارف القرن الثامن عشر إسترعت ظاهرة سعر الفائدة بشقيها الربوى والمستحدث (الإئتمان الإستثماري) إنتباه المتنازعين على الثروة والسلطة حكاماً ومفكريين وفقهاء. لم يكن للإئتمان آنذاك قوى جاذبة في عمليات الإنتاج الأولية المركزة حول الإعاشة (من الليد للخشم). كما لم تؤد الطفرات الإقتصادية المحدودة خلال العصور القديمة إلى تطور ملحوظ فى نظم الإئتمان، خاصة بعد فترة إنهيار الإمبراطورية الرومانية حينما إرتدت الإوضاع إلى ما كانت عليه في العهود البدائية ولجأ المجتمع لمحاربة الجشع بسن قوانين تحرم الربا. إخترقت إقتصاديات الربح التجاري في بداية القرن السادس قبل الميلاد سياج الإسواق القطرية والإقليمية وإتسع نطاق التدافع لإستعمال النقود كسلعة لتدوير وإستغلال قوة العمل البشرى. إجتاحت الثورة الصناعية بنية الإقتصاد الإقطاعى وإجتثت جزور هيمنته الطبقية والدينية والإجتماعية وأحدثت إنقلابا كميا ونوعيا لإستصلاح أرضية محفزة لتسارع نمو علاقات الإنتاج الرأسمالي القائم على الربح. بماذا وكيف؟

    أكتسبت النقود قدرات أكثر فاعلية في عمليات الإنتاج السلعي والتداول التجاري وتعددت أوجه توظيفها وإستخدامها كوسيط للتبادل وكقيمة تبادلية ووعاء لإختزان القيمة وقياس قوة العمل البشري والرصد الحسابي لقيم السلع والخدمات المتبادلة. جَسَّد كارل ماركس (1883م - 1818م ) دور النقود في تخليق العلاقات الرأسمالية في معادلة بسيطة من (سلعة – نقود – سلعة) إلي (نقود – سلعة – نقود). كان ذلك منطلق النقلة الإقتصادية/المالية من القرض الحسن والصدقة إبتغاءً لمرضاة الله إلى الإئتمان الإستثماري مقابل سعر الفائدة. وتأسس وفقاَ لتلك النقلة مفهوم الإئتمان وتداول اصول رأس المال الطبيعية والنقدية والبشرية والإجتماعية وغيرها من وسائط التداول.

    تحررت الزراعة من قيود الإحتكار الإقطاعي وإقتحمت الصناعة الحديثة سياجات الحرفية وتصاعد الطلب على تمويل الإستثمارات الزراعية والصناعية والعقارية مما أدى إلى نشوء وهيمنة قطاع المال (البنوك ومؤسسات التمويل). هل يمكننا إصدار شهادة ميلاد أو وفاة للظواهر والنظم الإقتصادية كما نفعل في حالات رصد أعمار البشر؟ هنالك إستحالة نسبية. كما ليس بمقدورنا إلصاق ديباجات دينية أو عرقية أو جغرافية على الظواهر والأنماط الإقتصادية ...مثلاً بوذي يهودي مسيحي أو إسلامي. ولهذا توافق عديد من المفكرين على فرضية تَخَلُق ظاهرة سعر الفائدة في رحم الإقتصاد قبل الرأسمالي من نضفة الربا حيث تعايشت الظاهرتان – الربا وسعر الفائدة - في علاقات تنازعية دون إنقطاع حتى يومنا هذا.

    قال شيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد سيد طنطاوي "(...) إن تحديد الأرباح على المال المودع بالبنوك هو فرض يجب على ولي الأمر إعماله لأن في ذلك حفظاً لحقوق الناس وحماية لأموالهم (...) وأكد عدم وجود أي نص ديني يحرم الفوائد الثابتة وقال: ''إن النصوص الواردة تؤيد تحديد الأرباح لأن الاتفاق مع البنك على ربح معين أمر حلال لا شيء فيه ما دام ذلك عن تراض بين الطرفين." (وسائط الإعلام المصري - 15-10-2004م) وقال في سياق آخر " أن فوائد البنوك والمصارف المالية المحددة مسبقاّ مباحة شرعاً ولا تعد من الربا المحرم (...) إن ذلك يعد ضمانا بصورة أفضل لأموال المودعين في تعاملاتهم مع البنوك المختلفة (مجلة المصارف الكويتية 1-10-2007م). هذا في الوقت الذي اتفقت فيه المجامع الفقهية المعتمدة في العالم الإسلامي منذ 1964م على تحريم فوائد البنوك التجارية العاملة في البلاد الإسلامية وغيرها.

    والملاحظ أن دعاة البديل الإسلامي يركزون على نجاح مؤسسات الصيرفة الإسلامية دون إستصحاب مفهوم نظرى أو أنموذج واضح السمات لما يسمى بنظام "الإقتصاد الإسلامي". وعلى الرغم من إسهام الفكر الإسلامى - كما أسلفنا - بقدر غير مسبوق في تأسيس وتطوير العلوم الطبيعية والإقتصادية والإجتماعية حالت عوامل ذاتية وموضوعية دون تأسيس أنموذج نظام إقتصادي في أغلب المناطق التي دانت بالإسلام. كان صدر الإسلام (أربعون عاما) مرحلة لتأسيس الدولة العربية الإسلامية إعتمد فيها المسلمون على إقتصاديات الحرب (الإستيلاء على ثروات الكفار والغنائم والجزية وموارد الزكاوات والأتاوات والصدقات والجبايات). وكان من نتائج الفتوحات العربية/ الإسلامية سقوط مملكة الفرس وإستيلاء الدولة الإسلامية على أقاليم البيزنطيين في الشام وشمال أفريقيا ومصر. وتبع ذلك إزدهار الحضارة الإسلامية وتلاقحها مع حضارات مكنتها من تخطى مستوى التخلف الإقتصادي السائد آنذاك في شبه الجزيرة العربية. ولكن نسبة للتشرزم العقائدي والطائفي والعائلي والتمزق الذي أصاب الدويلات الإسلامية لم يكتمل بناء أنموذج نظام إقتصادي إسلامي. ومن المؤكد تاريخياً أن عدة عوامل على رأسها سلبيات الإقتصاد الحربي والصدام الإسلامي/الإسلامي ومقاومة السلطة العربية/ الإسلامية قد تضافرت مع عوامل رئيسية أخرى كان مؤداها تصاعد العداء للفتوحات العربية وتفوق الغرب بعد عصر النهضة وهيمنة قوى الإمبريالية والرأسمالية المعولمة.

    إنطلق عفريت النظام الرأسمالي من قُمقُم النهضة الأوربية مستقويا بنتائج البحوث العلمية والتكنولوجيا لتطويرالتجارة والزراعة والصناعة والعمران العقاري. وأعتلى قمة النظم الإقتصادية في أواسط القرن العشرين رأس المال المالى) قطاع البنوك والمؤسسات التمويلية). لم يقنع العقل البشري بإستغلال المتاح من خيرات الطبيعة بل تمكن من تطويع قوانينها ودرء مخاطرها بمختلف الوسائل العلمية.
                  

العنوان الكاتب Date
الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:02 PM
  Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:17 PM
    Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:19 PM
      Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:20 PM
        Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:22 PM
          Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:24 PM
            Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:26 PM
              Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-11-09, 11:29 PM
                Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-12-09, 08:43 PM
                  Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-18-09, 02:21 AM
                    Re: الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد Aymen Tabir10-26-09, 04:08 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de