|
كان يا ما كان.. بلد اسمه السودان "قناة الشروق وترويج البضاعة السيئة"
|
كان يا ما كان.. بلد اسمه السودان
منذ عام 1999 وأنا أعيش خارج بلدي، يسمونني مغتربا. وأسمي نفسي باحث عن حقيقة. حقيقة وجودي في هذا العالم وفي أرض اسمها السودان. أرض مدهشة بتنوعها وغرائبها وجنونها الذي سيحكمون عليه عما قريب بالموت. في عام 2001 كنت قد أنشأت موقعا إلكترونيا عبارة عن مجلة ثقافية سودانية باسم الزراف، توقف بعد عدة سنوات. لكن القصة ليست عن هذا الموقع أو عن اهتمامي بالأدب رغم أنني درست الهندسة وعنفت كثيرا من قبل الأهل والأصدقاء على كوني أجري وراء الكتابة التي لا تؤكل عيشا. القصة باختصار أن رسالة وصلتني من أمريكي شاب في الثانية والعشرين من عمره وقتذاك قال لي أنه اطلع على موقعي وأنه في بداية الطريق لتعلم اللغة العربية، وقال لي: رغم أنني لم أستوعب محتوى الموقع، إلا أنني سررت جدا أنه عن الثقافة السودانية. وبرر لي السبب: منذ طفولتي ويأسرني شيء اسمه السودان، لأمر غريب لا أقدر أن أفهمه. "ليس في القصة أي زيادات خيالية". في ديسمبر 2005 كان زميلنا الأمريكي "في بداية الثلاثينيات"، والذي رافقنا في رحلة سياحية مع الخطوط الجوية القطرية وهي تدشن خطها الجديد إلى جوهانسبرج، قد أعلمني أنه يعمل في مجال صناعة السينما الوثائقية، ولكن بشكل حر. وأنه أنتج فيلما عن السودانيين. تحديدا عن هجرة السودانيين إلى أمريكا عن طريق القاهرة. وفي فندق شيراتون في بريتوريا العاصمة جلسنا في الغرفة وشاهدنا الفيلم، هو وأنا ومجموعة أخرى من الزملاء هنود، فلسطينيين وسوداني آخر. زميلي السوداني لم يعجبه الفيلم الذي صوّر ما بين مطار الخرطوم وجوبا في الجنوب والقاهرة والولايات المتحدة والذي يحمل اسم "الطيران" Flight وهو تعبير مجازي عن ذلك "الهروب" من أرض الأجداد إلى بلاد أخرى، بأي شكل كان وبأية تكلفة مادية كانت أم معنوية. لم يعجب زميلي الصحفي السوداني بالفيلم لأنه في تقدير يسئ رواية الواقع، وقد فهمته مبرراته كان يريد صورة مبهجة عن السودانيين وأحلامهم أمام زملائنا العرب، حتى لا يقولوا: هذا وطنكم الطارد. ونسي أن الفلسطيني أيضا يعيش في دبي وأمريكا. ولم أنبهه لذلك. السودان الذي يتشكل بصور ذهنية مختلفة، سلبية كانت أم إيجابية، الآن يدخل غرفة الإعدام. بفعل "مافيا" لا تعتقد بغير المال، سواء كانت مافيا الأحزاب الشمالية أم الحزب الجنوبي اليتيم، الذي وصفه سيد أحمد حسين ليلة أمس على قناة الشروق بأنه لا يؤمن بغير البندقية. لم يعجبني مقال حسين كثيرا، ولكنني عشت ألما لساعات وأنا أتابع قناة الشروق "الموجهة"، وقد كان سبب ألمي أكثر من موقف. عرضت النشرة الخبر الرئيسي عن طائرة "المؤتمر الوطني" التي أعادها "زمرة سلفاكير" إلى الخرطوم وقالوا أنها "محملة بمعدات تصنت"، وعرضت لخبر يتحدث عن أن كبري الحلفاية سيتم افتتاحه في أعياد "الاستقلال" القادمة. وعرضت سيد أحمد الحسين وهو يوصف رجال سلفاكير على أنهم "خونة"، ثم كان خبر آخر عن أن دارفور سوف تنتخب بشكل "مذهل" وعرض لمعسكر بائس الحال في دارفور، كان من يسمون أنفسهم المسؤولون يتجولون فيه ببدل راقية، ولك أن تقارن بين صورهم وابتساماتهم أمام عدسة الشروق وبين حال النساء اللائي جئن للتسجيل للانتخابات واللائي أكدن أمام الكاميرا حسنهن الوطني. والذي لا أشك فيه، لكنه تعرض للمؤامرة بفعل هذه الكاميرا "الإنسان رخيصة" وأفاعيل "شراء الذمم". تحاول الشروق أن تبدو قناة موضوعية وهي أبعد عن ذلك الشيء. وتحاول بمذيعاتها "اللائي لا يجدن نطق أسماء المدن السودانية" أن تبدو "نسخة سخيفة مجترة" عن "الجزيرة الإرهابية". وتروج لفكر "ممجوج". ففي حين تأتي إعلانات صغيرة في القناة مؤكدة على أن شعار "الشروق" هو الوحدة، منها إعلان قديم لسلفاكير وهو يؤكد خيار الوحدة. وآخر لجون قرنق. في الوقت نفسه فإن نشراتها "المطبوخة بسوء" تنذر بالانفصال. والأمر ببساطة أنه يصعب على من كان بعقل "أحادي" أن يرى الأشياء بغير عينه الواحدة في منتصف جبينه المبرقع بـ "قرة الصلاة". ومن أسوأ ما شاهدت في القناة ذلك الإعلان لشركة "سوداني" الذي تخرج فيه أسرة سودانية من ذلك الفندق "برج الفاتح" والذي ليس لدى "الشروق" معلم غيره لتفتخر به أمام العرب. الأسرة تخرج إلى الشارع المعالج بـ "دبلجة صورية" لترى أمامها الثلج يتساقط.. وعامل النظافة يرفع الثلج عن الشارع.. ليكتب على الشاشة "سوداني.. أكثر مما تتوقع".. ببساطة يريدون أن يرسموا صورة زاهية عن "سودان جديد" لا وجود له إلا في خيالاتهم. ولو رجعنا للصورة التي في أذهانهم لرأيناه صورة السودان المرسمل الذي يأكل القوي فيه الضعيف، ويموت فيه الجائعون في المجاعات غير المعلنة وفي معسكرات النزوح. صورة سيئة لا تكشف عن قذارة الحكومات التي حكمت السودان من لدن "الاستقلال" إلى الآن..
|
|
|
|
|
|
|
|
|