|
"ضحكت و ضحك معي ظلي" كاظم الشويلي - قصة قصيرة -
|
قصة قصيرة "ضحكت و ضحك معي ظلي"
القاص : كاظم الشويلي
المصدر موقع - النور-
كنت امشي وحدي في تلك الظهيرة القاسية , حيث الشمس تكاد تحتضن الأرض , هاربا من حرارة الشمس , متجها نحو داري , ليس لي علاقة بأي مخلوق , من البيت إلى الدائرة و من الدائرة إلى البيت .... عمر و ينتهي , لا يهمني أي شيء ..... فلتحترق الدنيا .............. يالحرارة الصيف اخذ جبيني يتصبب عرقا وفجأة ... حصل ما هو اغرب من الخيال ... من يصدقني إذا قلت : .... انفصل عني ظلي ........... نعم انفصل وصرنا اثنين , أصبت بالدهشة و الحيرة ..... وهل ينفصل ظل الإنسان عنه ؟!! نعم : ينفصل أو يتواري في حالة الظلام و يختفي و هو داخل البنايات , لكن الذي حدث في تلك الظهيرة أثار عجبي و اندهاشي , لم اسمع و لم أر أن ظل الإنسان ينفصل عن صاحبه , و الأدهى من ذلك انه يحدثك و هذا ما جرى في تلك الظهيرة اللاهبة عندما كنت اجتاز الشارع المؤدي إلى دارنا بين أزقة بغداد العتيقة ، أصدقكم القول ولن أبالغ أبدا ، اخذ ظلي يمشي أمامي بخطوات متسرعة ......... توقفت أنا ، بينما طفق ظلي المتمرد يواصل مسيره سارع في خطواته ......... هرول كجندي هارب من المعركة . ركضت خلفه , لكنه مال إلى جهة المتنزه , ناديته : - توقف يا هذا ... عد إلى مكانك ...... التفت إلي .......... مط شفتيه في ذهول .... و فكر شارد ا .... أسرعت نحوه , أسدل أجفانه كمن يمضغ حصى , نطق بصوت حزين : - ابتعد عني , اتبعتك سنوات مثل كلب أمين و ها انذا أفارقك بلا رجعة ....... صعقت ...... و هل يتكلم الظل , يتمنطق و يتفلسف ؟ صدقوني لم أشاهد أبدا ماشاهدته في ظهيرة بغداد الحارقة ...... أردف قائلا و كأنه قرأ شريط أفكاري :- - منذ ولادتي و أنا صامت , أحيا في دهاليز من الصمت . سألته مستغربا : - و ماذا حدث حتى تتركني أيها الظل العزيز دون وداع ؟ أنا لم اخدش مشاعر أي مخلوق في الدنيا, عد لرشدك ..... مد يده اليسرى و اتكأ بها على شجرة رمان فارعة الطول و طفق يحدثني بأسى , و نشيجه يرتفع كطفل بريء : - - مللتك , كرهتك ......... أنا يا سيدي ثورة , و هدير أمواج ثورتي تجرفني للتمرد عليك, , أنا لا ادعي ذلك عبثا أو غرورا فأنا أحمل هما يكبر عمري بعشرات العصور , أنت خاو يا سيدي لا أسمع منك سوى عويل الرياح و صمت الأموات ...... ثم توقف الظل عن الحركة و اطرق برأسه إلى الأرض فرأيت دموعه تتساقط لتنبت في الأرض سنابل وورودا ثم انشأ يقول بهمس و كأنه يحدثني شعرا : - - من يعزف لي على أوتار الثورة ؟ من يرتل لي موشحات الفتوحات الأولى فتطرب الدنيا من حولي و تفوح صدى الأغنيات , و كأنني أصغي لضحكة الجبل و دندنة السماء , و المح رقصة الوادي و ابتسامة الحياة ؟ والجرح الأندلسي مازال ينزف في صدري و قرطبة و غرناطة ما زالتا تغوران في الأفول , دعني أصغ لتغريد البلابل , دعني ارسم أمنياتي على بياض الثلج و استنشق عبير الورود و اسأل النرجس و السوسن عن سر خجله و نسيم الصباح عن سر عذوبته , ثم قفز ظلي الى غصن الشجرة ممسكا بيديه ويلوح بقدميه ، قائلا : - دعني انطلق و اكتشف أسرار ثورتي العارمة , ها أنا ذقت طعم الحرية , سأخلع عن رقبتي طوق الذل المكسور , و ارفع في سماء ثورتي قصورا من ياقوت و لولؤ و محار لكل فقراء الله , وسأنطلق أعدو نحو مملكة الرجال مترنما بأناشيد الحب . ترجل ظلي واقفا على ارضية المنتزة وهو يمسح عرق جبينه ، وقد اردف بصوت مبحوح : - ها أنا أودعك يا سيدي , أيها الثمل دون خمره , أيها النائم دون صحوة , هل نددت يوما بالحكومة الفاسدة ؟ هل لصقت منشورا يطالب بسقوط الأقزام من العروش البائدة ؟ هل تظاهرت يوما مع الجموع الحاشدة ؟ أنت يا سيدي غياب و عذاب و .... و سبات إلى الظهيرة ............ نفد صبري و أنا أصغي لهرطقات ظلي المتمرد , و انفجرت غضبا و حاولت أن امسك بكتفه ........... تحول فجأة إلى سطل أحمر ... و رشقني بما يحمله من ماء ... صرخت ... ابتل جسدي ... ارتعشت ... فتحت عيوني ..... وجدت نفسي مازلت أمام الشارع المؤدي إلى دارنا و في تلك الظهيرة القاسية , متمددا على الشارع الإسفلتي بعد أن ضربتني الشمس بحرارتها و قد تجمع الناس من حولي ورشقوني بسطل ماء احمر و سمعت لغطا و أحاديث متناثرة : - - اخبروا زوجته ... أمه ... - كفى ... لا ترشوا عليه الماء فهذا السطل الثالث .... - يبدو انه فاق من الإغماء ..... - إنها ضربة شمس قوية ... آب اللهاب .. يدق المسمار بالباب ... - كان يهذي ... و ياله من هذيان يكسر الرقاب .... لقد شتم الحكومة ... - لالا ... انه شتم المعارضة ....... استيقظت من الإغماء و عندما فتحت عيوني , بحثت عن ظلي ... وجدته بقربي , وانا مازلت بين ازقة بغداد الحبيبة ، ضحكت و ضحك معي ظلي ..........
الرابط :
http://www.alnoor.se/article.asp?id=52429&msg=sent#comments
ُدمتْم
|
|
|
|
|
|