|
Re: وأخيراً... الجوع والموت... الأستاذ جبرالله عمر الأمين (إلى شرقنا الحزين) (Re: مريم بنت الحسين)
|
نواصل
" معسكر تهاميم كان معسكر إيواء النازحين في تهاميم الذي وصلناه في الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة28/12/1984 أكبر مخيمات الإيواء التي أقيمت لإستقبال القادمين من وراء الجبال هربا من الجوع والموت باتجاه المدن وقريبا من المناطق المكشوفة ليراهم الناس فيقدمون لهم ما يستطيعون. يبعد المعسكر بحوالي مائتي كيلو متر تقريبا عن مدينة بورتسودان. وأقيم على بعد عدة أمتار من طريق بورت سودان الخرطوم السريع. وعلى مقربة من محطة السكة الحديد بمحاذة الشارع. كان يوم زيارتنا له يأوي حوالي ستة الاف شخص (ألف ومائتي أسرة. متوسط الأسرة خمسة أشخاص تقريبا) حسب تقدير القائمين على المعسكر.وصلوا قبل أربعة أشهر من زيارتنا المعسكر. جميعهم من المواطنين السودانيين الذين لجأوا إليه من الجبال والوديان المجاورة أو تم نقلهم بطريقة او اخرى اليه. المعسكر في معظمه عبارة عن ما يشبه الخيام الصغيرة. ملتصقة بالأرض. مفتوحة من جميع الجوانب.لا تقي من حر ولا برد.إرتفاع الخيمة من سطح الأرض حوالي متر ونصف المتر.على مساحة ثلاثة أمتار تقريبا أو أقل . مصنوعة من قطع البروش القديمة. ومزق البطاطين المهترئة وبقايا الخيش القديم .أو مسنودة الى شجيرة صحراوية جافة تشكل عمود إرتكاز الخيمة. داخل هذه الخيام إن جازت التسمية، رأينا ما لم تصدقه أعيننا ولا نعتقد أننا نستطيع وصفه. حتى الكاميرا خذلتنا في أن تنقل ما أردنا توصيله إلى قرائنا. فهي وإن نقلت الهياكل والأشباح التي ترونها في الصور. فقد فشلت في نقل المعاناة النفسية والفقد والحرمان والألم الذي رأيته على الوجوه.وشبح الموت الذي تحس وجوده قريبا. يقف ويجلس ويرقد ويحوم حول كل من تنظر إليه أو تتحدث معه.
لم نستطع نحن ولا الكاميرا تصوير تلك المأساة التي رأيت فيها إنسانا عرفناه عاش كل عمره أبيا عزيز النفس.. قنوعا لا يسأل الناس. ولا ينحني حتى لمجرد التحية. جموحا هزم أجداده جيش أقوى الإمبراطوريات في الحرب العالمية الثانية. إعِتَقَد أنه أقوى من الجوع فطواه بين ضلوعه.ولاذ بشعاب الجبال ومفارق الخيران.وعندما رأى الكل يموت غلبته الحيلة فجاء مثل قائد هزمته أدواته في حرب لا يملك أسلحتها.ولم يكن أمامه غير أن يستسلم."
|
|
|
|
|
|
|
|
|