|
Re: رقصة الوَجْد المؤنَّث في الكتابة الصوفيَّة .... للكاتبة الصحافية مــروة كـريـديـة (Re: emad altaib)
|
ـــ مــروة كـريـديـة
إنَّـا إنَــاثٌ لِمـا فِيـنَا يُولِّـدُه * فلنحمدِ الله مَا فِي الكونِ من رَجُلِ إنَّ الرجَـالَ الَّذِين العرفُ عَيَّـنَهُم * هُمُ الإنَاثُ وَهُم سُؤلِي وَهُم أمَلي[2] – محيي الدين بـن عربـي
ارتبطتِ الخبرةُ الصوفيةُ في السياق الإنساني بانفتاح متفرِّد على آفاق معرفية شاسعة. وقد تمثَّلت علاقتُها مع الدين–المؤسَّسة في آنٍ معًا بعلاقة اتصال وانفصال، علاقة امتداد وانقطاع: ففي الوقت الذي تتقاطع فيه الفلسفةُ الصوفيةُ مع التراث الديني كبُعدٍ أساسٍ في التأسيس لهذه الخبرة، يحاول التصوف الفلسفي أن يقدِّم تصورَه الخاص المبنيَّ على قراءة للعمق الباطن المستتر للدين، الذي لا يعود مهمًّا فقط كأوامر ونواهٍ وعبادات ومعاملات إلخ.
والخبرة الصوفية تجربة مسلكية تمثِّل رغبةً محرقةً في الاتصال مع "الله"، في الذهاب من الظاهر إلى الباطن، من المألوف إلى الميتافيزيقا – وذلك لا يتم إلا باستيفاء شروط واختبارات روحية عميقة. من هنا شكَّلت هذه الخبرة طرحًا مختلفًا وفريدًا ورؤيةً إلى الوجود تحمل الكثير من الغموض والغرابة في نظر مَن يحيا البُعد المادي للوجود بعيدًا عن عالم الروح، لأنها تُبقي للجوانب المدهشة في الكون وفي الكائن سحرَها ودهشتَها.
من جهة أخرى، تتأسَّس الخبرة الصوفية على علاقة ثلاثية الأبعاد: فهي تتجسَّد في علاقة الإنسان مع الله (أو "الحَرام" le Sacré)، في علاقة الإنسان مع الوجود وكائناته، وفي علاقة المكوِّن مع الكائنات. فهي خبرة معرفية أساسًا، تجربة في النظر والسلوك، تطرح نظامَها الخاص وتتيح أدواتِها التي تختبر بها المجهول.
وقد تميَّز تأويل ابن عربي للنصوص الدينية بالتوغل في مناطق "محرَّمة" توغلاً جلب عليه تأليب الفقهاء وانتقاداتهم الحادَّة وأدَّى بهم إلى رميه بالزندقة. لكننا، عندما نتأمل عميقًا في نظريته الفلسفية، نكتشف عنده قدرةً مدهشةً على استكناه النصِّ الديني والتوغل في عتماته. ولا شكَّ أن الخبرة الصوفية الشخصية التي عاشها الشيخ الأكبر في ظرف تاريخي بعينه أتاحت له هذه "الفتوحات": فهو قد عاش في الأندلس في لحظة حضارية عرفتْ أوج التبادل الحضاري والمعرفي والانفتاح على الثقافات الأخرى والأديان المختلفة؛ وهو قد تأثر بالتيارات التي كانت موجودة في عصره كلِّها وبكلِّ ما وصله من علوم متباينة – وإن موسوعته الصوفية الفتوحات المكية خير شاهد على هذه التأثيرات. ومن أطرف تصورات ابن عربي نظرتُه البكر إلى المفاهيم وإعطاؤها توصيفاتٍ جديدةً أخرجتْها عن مضامينها السائدة. كما أن نظرته إلى الأديان الأخرى تميزت بانفتاح حقيقي تميَّز بروح تسامح قلَّ نظيرها، وذلك في إطار نظريته في التأويل الرمزي. فهو
لم يهتم بأسُس الاختلاف والتنوع بقدر ما حاول اكتشاف البنية التي توحِّد تلك الأديان والشرائع. فما يهمه ليس توزعها الإيديولوجي والجغرافي، ولكن بنيتها الأساسية الجوهرية التي تجد كامل تفسيرها في فكرة التجلِّي. وفعلاً فالاعتقادات والأديان تشكِّل مظاهر وتجلِّياتٍ لمعاني الألوهية.[3]
لذلك نجد أن الإبداع الفلسفي في الخطاب الأكبري ينفتح على أنساق فكرية إنسانية كونية: هذا البُعد الذي يتخذ في فكره بُعدًا وجوديًّا، يطرح عبره العلاقة بين الوحدة والكثرة، بين الثبوت والحركة، بين التنزيه والتشبيه، من خلال رؤية تنبني على قطبية الوجود: الأنوثة والذكورة.
كما فرَّق ابن عربي بين التجلِّيات الوجودية والتجلِّيات الاعتقادية: فالكون والمخلوقات كلُّها مظاهر التجلِّي الإلهي – هذا التجلِّي المستمر والمتبدل بلا انقطاع:
فلو لم يظهر التبدل في العالم لم يكمل العالم، فلم تبقَ حقيقة إلهية إلا وللعالم استناد إليها. على أن تحقيق الأمر عند أهل الكشف أن عين تبدُّل العالم عين التحول الإلهي في الصور.[4]
فالكون والوجود يتحولان بتحول التجلِّيات الإلهية؛ كما أن التجلِّيات تكون بحسب استعداد البشر واختلافاتهم. والإنسان الكامل هو الذي يدرك ثبات الحقيقة على الرغم من اختلاف تجلِّياتها في الصور المختلفة. ومن هنا فمعرفة الصوفية لهذا "الثبات" تميِّزهم عن غيرهم:
فالعارف الكامل يعرفه في أيِّ صورة يتجلَّى فيها وفي كلِّ صورة ينزل فيها؛ وغير العارف لا يعرفه إلا في صورة معتقده، وينكره إذا تجلَّى له في غيرها.[5]
|
|
|
|
|
|
|
|
|