أحسنت الظن بوطنها فآثرت البقاء فيه ... ولم تلحق ببنيها وزوجها في "أرض الأحلام" ... مؤثرةً رعاية والديها المسنين العليلين برا بهما وطاعة لأمره تعالى ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهماأو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما * وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيرا) "الإسراء الأيتين 23 و24 " وهذا لعمري منتهي الإيثار والتضحية ... برغم أن قلبها كان يهفو من على البعد لصغيريها عبدالله وزهيرة وشريك حياتها وهم بعيدون عنها في أقاصي الأرض ... هكذا أراد الله الشتات بين إيثار وتضحية وبين الكد من أجل غد أفضل لفلذتي كبديهما ... فكان استشهاد انسان في أندر وأجمل وأكمل صور التضحية والإيثار ... إنسان يتمتع بصفات هي أقرب الى صور الكمال الانساني في أجلى معانيه وأقربها الى ما أحبه الله أن يكون في أصفيائه من عباده الصالحين .... كانت "أم عبدالله" تتمتع بصفات أقرب الى صفات الأولياء والصالحين الذين يتخفون في أجساد بشر عاديين .... كانت تحب الناس "كل الناس" وتتمنى الخير لمن تعرفه ومن لا تعرفه .... ونحن الذين عرفناها عن قرب كنا نعرف أنها ليست من طينة البشر الذين عرفناهم ... كانت إنسانا متجسدا بشرا بأخلاق أقرب الى الملائكة منها الى ما عرفناه في طبائع سائر خلق الله .... ولئن أمعنا النظر في مرايا حياتنا المتكسرة بفقد كثير ممن أحببناهم فلن نجد لفقد إمرأة صالحة مثلها نظيراً قط .... فقد كانت أختاً عزيزة وزوجة صالحة لأخ هو لي بمثابة توأم الروح وحشاشة القلب .... آهٍ يا حمدي يا شقيقي الذي لم تلده أمي ... تعجز كل مفردات لغات الأرض جميعها أن تعبر عن مواساتك وعن حزني وحزن "آسيا" ووفاء وأحمد وأمجد ومنتصر أبنائك قبل أن يكونوا أبنائي ..... لا أعرف ـ إن امتد بي العمر ـ والتقيتكم كيف أعزيك وأعزي إبنيّ عبدالله وزهيرة ... فبالحق لا أظنني قادراً على ذلك ... فالفجيعة أكبر من كل كلمات المواساة والعزاء ... توأم الروح "حمدي" .... لأول مرة أعرف أن للموت طعما ولونا ورائحة ... طعما أمر من العلقم ... ولون أقسى حلكةً وسوادا من ليل غريب فقد وطنه وحلمه وأحبابه ... ورائحة تماما كرائحة الحسرة والوجع وجرح الدهر الذي يستعصي إندماله ... لهفي على زين الشباب "عبدالله" ... ولهفي على صغيرتي وحبيبتي "زهيرة" .. ولهفي عليك يا توأم الروح "أبا عبدالله" ..... وكما قال سميح القاسم :
" ونحن عذاب الدروب .. وسخط الجهات !!!!!! ونحن غبار الشعوب !! وعجز اللغات !! وبعض الصلاة !!!! على ما يتاح من الأضرحة !!! ولا يستقيم السؤال !!!! لكي يستقيم الجواب !!! وها نحن نمكث في حسرةٍ !!! بعد حسرة !!!!! وكل غريبٍ يعيش على ... ألف حسرة !!! ويُحمل كل قتيل على ألف حيرة !! ويحمل كل قتيل على الظهر قبره !! ويسبر غور المجرة !!! يسبر غور المجرة !!!!!!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة