|
بعد منتصف الموت....
|
(تذّكّر اليوم الّذي إلتقي فيه بليلي, إعتلي مٌضغةِ ذلك الحلم لبرهةٍ ثُمّ دار حول نفسهِ لدقائقَ جديرة بالتدقيق في ثناياها الحُلم, مطّ شفتيه, ثُمّ نادي نفسه كأنه خارجاً إطارها). عصام عبدالكريم اَدم.... العمر خمسة وعشرين عاماً مملّحة بالتعب ووالد ميت, وأُم أرضعته حتّي الثالثه من عمره. ساعدته علي إرتداء ملابسه, غنّتْ له أغاني الأطفال, وعندما بلغ الحُلمَ أ وصّته علي نفسه وأن يتجنّب (بنات الحرام). فقد كان يتمتّع بعينين واسعتين وجسد قوي, بفعل عمله في المزارع, وإبتسامه وضّاءة ينعكس ضوء الشّمس علي بياض أسنانه, فيبرق بها الفتيات والنِّساء والرِّجال علي حدٍّ سواء. وكثيراً ما يكون زائراً ليّناً للفتيات المراهقات أثناء نومهن, فيكتشفن شيئاً من أُنوثتهن, يجعل خدودهن محمرّةً فيضربن من الحياء خمارات مُشرقةً تجعل وجه الشّمس خدِراً حتّي مغيبها. الرتبه جندي لا ينتظر من العالم إلاّ موت قد يأتي في أي لحظة. ولولا تلك (الكشّه) التي باغتت القريه والقري المجاوره لكان الاَن في أحضان ليلي ذات النسيم الصباحي. فقد أتي جنود الحكومه الرّسميين, صنعوا منهم صفّاً واحداً, ثُمّ تقدّم الضابط المسئول, أخذ في فحص الجميع حتّي الشّيوخ والنِّساء والأطفال والأبقار والدجاج والأغنام, لم يسلم مخلوق من عينيه الفاحصتان, كان ذلك في تمام السّابعه صباحاً وقبل حلب البقر بقليلٍ. أخرجوا القريه كٌلّها, وضعوهم في لوارٍ ضخمه, كان عددها خمس, ووضعوا الحيوانات في مركبة أخري وقالوا لهم إنّها الحرب التي لا ينجوا منها أحد حتّي الحيوانات, إذ أنّها ستكون طعامهم أثناء فترة التدريب, والتي إمتدت لثلاثة عشر أسبوعٍ كاملات. بعدها كانوا جنوداً جاهزين للموت. عضّ علي المُتبقي من الإفطار الصّباحي, المكوّن من الخبز الجّاف الذّي تفوح منه رائحة الحريق والأتربه والعفن. وبقايا الفطريات, التي نبتت علي صفحة الخبز وتتمدد حتّي الأطراف الدُّنيا من وجهه, فأصبح وجهه كأنّه إنعكاس مائي للخبز, ولبرهةٍ إمتدّت لسبعِ دقائق كاملاتٍ قضاها في مضغ الخبز الذي يكاد يٌدمي فمه, ثُمّ إبتلعه بصوتٍ عالٍ كدواءٍ من الحنظل, غسل كٌل محتويات فمه بماءٍ ساخن, ثُّمّ أسلم ذاته لنومٍ مُتَقطّع بهزّاتٍ خفيفة متواترة تنتابه كأحلام مرتجفه تاتي بوجه ليلي مُبتسماً كأنشوده سرّيه مُتخللاً فتحات الخيمه الّتي تٌشكّل منزلاً مؤقتا وملجاً لأقسي لحظات حياته وأكثرها نخراً في ذاكرته, لم يستطع إغلاق بوابة الأحلام تلك إلاّ بنسمةٍ خفيفه من نسمات ليلي التي تداعب وجهه, فيتململ داخل جلدته التي غرز عليها شوك الأرض أسنانه, فيتذّكره بأن ذلك الجلد ينتمي إليه وأنّه حي ويحسّ بأنين خلايا جسده خليةً خلية. أدرك أنّه لا يستطع إغلاق البوابه تلكم, فتركها مفتوحه علي مصرعيها وهبوب ليلي يتلاعب بأغشية قلبه. تقلّب في مرقده حتي العاشرة صباحاً, مٌلتحِفاً حصيرة من القش الجاف, متوسّداً حذائه الضخم وبندقية ذات علامات تنتمي للحرب العالميه, فارشاً علي مرقده ذاك بطّانيه خشنه, مؤلمه كأنّها مصنوعه من دبابيس صدئه, وعندما غالبه النوم تمطّي كبحرٍ من الزّبد ثُمّ نفض من جسده غبار التعب الذّي لم يغادره أصلاً, وتوجّه ناحية باب الخيمه, بعد أن وضع بندقيته القديمه علي كتفه, ودون أيّ مقدمات, تعالي صوت صفارة الإنذار كوَلولة إمراءة مكلومة, فٌجِعت بقفدٍ جلل, تداخلت أصوات الجنود مع البلبه التي تصدر من أحذيتهم ومعداتهم وبنادقهم, فقامت كٌلِّ الخيمه بفعل الضوضاء من مكانها وتحولت لبنايةٍ ضخمه من الفوضي والموت والدّم وأشلاء بشريه وحيوانات وحجاره مُتناثره في كل مكان. وقبل أن يبتلع ريقه الثّاني, المضمّخ بعبير ليلي حدث بجانبه إنفجارٍ عظيم ألصقه بسقف الخيمه لمدة دقيقتين قبل أن يسقط علي الأرض وأحشاء صدره مُندلقة أمامه قطعاً مُتناثرةً, وقلبه أمامه ينبض بِدقّاتٍ متقطعةً ويتقافذ في كل إتجاه, ولوهلةٍ مدّ يده لأخذه ولكنه تواهن, ثُمّ دبّ في جسده هدوء وبردٍ لم يألفه من قبل, سمع الجنادب والحشرات في الأرض تتحدّث في رُعبٍ ووجلٍ ظاهر عن وحشية البشر عرف كلامهم وفهمه جيداً, فابتسم في صمته, سمع الطيور تغازل بعضها, ففاجأه خيال ليلي مُتهادياً أمامه بيدين ممدودتان كأنّها تدعوه لعناقٍ أبدي, رأي أطفال بثيابٍ بيضاء وإبتساماتٍ لامعة. غشته نسمةً خفيفةً فسرت علي جسده رعشةً باردةً مدّ يده لإحتواء أحشائه المرتجفه, فقفذ قلبه مُبتعداً عنه. وبأصابعه المبتلّة بالدم, كتب علي ورقةً كانت تتطاير أمامه: شكراً ليلي..... علي (وعد),... وقبل أن يبتلع ريقه الثالث والأخير, ألقي نظرةً أخيرةً علي قلبه, الذّي باتت ضرباته مُتباعدة وواهية, وتابع ضرباته بهدوء حتّي توقّف, فأظلمت الدنيا في عينيه. أخرج زفرةً طويلةً إمتدّت لنصف دقيقه... وحينها فقط عرف أنّه قد ذهب في نومٍ أبدي ......
(عدل بواسطة ibrahim kojan on 08-24-2009, 08:31 PM)
|
|
![URL](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-24-09, 08:25 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | محمد المرتضى حامد | 08-24-09, 08:50 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | salah ismail | 08-24-09, 09:43 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | salah ismail | 08-24-09, 09:52 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ASHRAF MUSTAFA | 08-24-09, 10:28 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | خضر حسين خليل | 08-25-09, 00:13 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-25-09, 07:38 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | الوليد محمد الامين | 08-25-09, 00:20 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Tagelsir Elmelik | 08-25-09, 00:40 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Osman Musa | 08-25-09, 00:48 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 08:05 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-25-09, 09:39 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-25-09, 07:35 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-25-09, 11:40 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-25-09, 09:06 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | إيمان أحمد | 08-25-09, 03:46 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | حافظ حسن ابراهيم | 08-25-09, 03:58 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Amir Omer | 08-25-09, 04:50 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | محمد الطيب يوسف | 08-25-09, 05:02 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 09:12 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 08:17 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Osman Musa | 08-25-09, 05:03 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | عبدالوهاب علي الحاج | 08-25-09, 09:34 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 09:43 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 08:10 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 08:07 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | أبوذر بابكر | 08-25-09, 10:33 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | rosemen osman | 08-25-09, 11:13 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | محمد المرتضى حامد | 08-25-09, 11:41 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | خدر | 08-25-09, 11:52 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | انعام عبد الحفيظ | 08-26-09, 00:10 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 08:55 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | أيزابيلا | 08-26-09, 05:50 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | داليا الكباشى | 08-26-09, 06:53 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-27-09, 03:51 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-27-09, 03:45 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Yassir Tayfour | 08-26-09, 08:16 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Yassir Tayfour | 08-26-09, 08:29 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-28-09, 09:20 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Emad Abdulla | 08-26-09, 08:31 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-28-09, 11:36 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-27-09, 08:04 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 04:43 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 12:37 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 11:54 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-26-09, 09:58 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | محمد المرتضى حامد | 08-26-09, 12:13 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | Siham Elmugammar | 08-26-09, 07:08 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | salah ismail | 08-27-09, 03:45 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | تبارك شيخ الدين جبريل | 08-27-09, 07:12 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-29-09, 10:06 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | عبدالله ود البوش | 08-27-09, 11:22 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-29-09, 03:14 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-29-09, 03:16 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-28-09, 06:29 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | عبدالأله زمراوي | 08-29-09, 03:28 PM |
Re: بعد منتصف الموت.... | ibrahim kojan | 08-30-09, 08:02 AM |
Re: بعد منتصف الموت.... | الوليد محمد الامين | 09-21-09, 01:45 PM |
|
|
|