|
كيف خسر نابليون السودان معركته .. ضد بنطلون ؟
|
بقلم: علي الصراف :
الكثير من الظلم والتعسف في عالمنا العربي، تكفيه شجاعة إمرأة .
Quote:
لم تسبب حكومة، في التاريخ البشري كله، لنفسها إحراجا بشأن موضوع صغير، مثل فعلت الحكومة السودانية.
بنطلون لبنى حسين تحول الى أشهر بنطلون في العالم، ليس لأنه من تصميم خاص، بل لأن العقلية التي وقفت وراء محاكمتها على ارتدائه، هي نفسها من "تصميم خاص"؛ نموذجي في عماه وغبائه وتخلفه العقلي.
في كل مرة استدعيت فيها السيدة حسين الى المحكمة، فإنها كانت تذهب مرتدية البنطلون الذي حوكمت بسببه، باعتباره "غير محتشم".
لو كان للبند 152 في قانون العقوبات السوداني الذي صدر في العام 1991 أي قيمة، لكان يفترض بالمحكمة أن تعتبر تمسك السيدة حسين بارتداء البنطلون أمامها إهانة لها، وليس للقانون وحده.
بشجاعة امرأة، وقفت السيدة لبنى لتسخر من القانون ومن واضعيه ومن المحكمة. وكان من الواضح إنها كلما زادت تمسكا بارتداء البنطلون، كلما كانت الفضيحة التي تواجهها الحكومة السودانية أكبر.
وبدلا من أن يتم تنفيذ القانون، فقد وجد القضاة، والشرطة والحكومة إنهم سيكونون في وضع أفضل لو أنهم تهربوا من الالتزام به. فأرجئوا القضية، وحاولوا العثور على أعذار تسمح لهم بتخفيف الحكم بالجلد، حتى انتهوا الى فرض غرامة. ومع ذلك، رفضت لبنى دفعها، وقبلت الذهاب الى السجن، وهي تأمل أن تظل الفضيحة تطارد السجانين. لم تمض 24 ساعة حتى قام اتحاد الصحافيين السودانيين بدفع الغرامة. وعادت لبنى الى مقر عملها لتستقبلها الزغاريد.
صحيح أن "رجال القانون" جلدوا عدة نساء أخريات، بتهمة مماثلة، إلا أنهم كانوا أعجز من تطبيقه ضد لبنى، وأجبن من مواجهة الفضيحة والتراجع عنها.
وبدلا من أن يجلدوا لبنى، فقد كانوا هم الذين يُجلدون بالبنطلون. والسبب هو أن هذه المرأة لم تقبل الظلم بصمت: حولته الى فضيحة، وبدلا من أن تحاول الهرب من الحكم، فإنها هي التي ذهبت إليه، وهي التي لاحقتهم به، وذهبت الى المحكمة بالبنطلون نفسه، حتى لكأنها كانت تقول لرجال ذلك القانون، لو كنتم رجالا تعالوا لتجلدوني، أمام خلق الله أجمعين لتزيدوا فوق عاركم عارا.
فأثبتوا ماذا؟
أثبتوا إن قانونهم سخيف. وانه لا يمكن أن يصمد أمام شجاعة امرأة. وإن معاييرهم للحشمة لا تتناسب حتى مع عقلية العصر الحجري.
كان يمكن للسلطات السودانية أن تتريث، لتعيد النظر في القانون. وبدلا من تحويل الأمر الى فضيحة خالصة، فقد كان يمكن لكبار المسؤولين، لكي لا نقول الرئيس عمر حسن البشير نفسه، أن يتدخلوا من اجل إعادة النظر في القانون، أو في الأقل، تقديم إيضاحات تسمح باعتبار ذلك البنطلون الفضفاض والمستور، شيئا لا يتجاوز متطلبات الحشمة المألوفة.
حدود الحشمة، كما يعرف الجميع، ليست ثابتة. وعدا عن إنها تتغير من زمان الى آخر، فإنها تتغير من مكان الى آخر أيضا.
الكثير من القبائل الأفريقية، لا تنظر الى نسائها أنصاف العرايا الى أنهن غير محتشمات. مفهوم "الحشمة" نفسه ربما كان غير موجودا. وما هو محتشم في الهند، ليس بالضرورة محتشما في السودان. فالنسوة هناك يكشفن خصورهن من دون أن يعني ذلك شيئا له علاقة بالحشمة أو عدمها.
المسألة هناك، تتعلق بكيفية تدوير قماشة "الساري" حول الجسم. وظهور جانب من الخصر أو الظهر عاريا، أمر لا بد منه. وله علاقة بالطقس. وهو بالتأكيد محتشم.
أكثر من ذلك، فالمسافة بين الحشمة وعدمها واسعة في السودان نفسه. مما كان يتطلب قانونا يتسم بمقدار أكبر من رحابة الصدر. على الأقل، لكي يبدو قانونا يتوسط المسافة بين سودانية في الجنوب وأخرى في الشمال.
بطريقة ما، كان يمكن للسلطات السودانية، وهي ترى إنها تتزحلق على بلاط الفضيحة، أن توقف الإجراءات لتفتح نقاشا عاما حول ما هو محتشم أو غير محتشم.
كان يمكن لهذه السلطات أن تحول الفضيحة الى مكسب، بأن تبدو متفتحة العقل، وقادرة على الاحتكام الى الرأي العام، لترى إن كان هناك شيء ما تغيّر في مفهوم الحشمة وتطبيقاته.
ولكنها، بين شلل ذهني وجبن سياسي، لم تجد سبيلا لتكتشف أنها تتعامل مع الموضوع بغباء العاجز عن التفكير.
لقد كان يمكن لهذه السلطات أن تعتذر للسيدة حسين. وبدلا من أن تغرق في الفضيحة الى أذنيها، كان يمكن لها أن تسأل نفسها عن السبب الذي يجعل هذه المرأة تتمسك بمحاكمتها وتطلب أن يتم جلدها علنا.
إلا أنها لم تفعل. فالأغبياء لا يعتذرون، وهم لا يستدركون، وأنفسهم لا يسألون.
لقد أثبت القائمون على النظام في السودان أنهم لا يستطيعون أن يعيدوا النظر في مواقفهم، ولا يستطيعون مناظرتها مع مواقف أخرى، ولا تحليلها بتجرد وموضوعية.
وأثبتوا أنهم ينظرون الى العالم من حولهم، فقط من زاويتهم الخاصة، فيرونها صحيحة دائما ولا شيء فيها يستوجب إعادة النظر.
ذهبت لبنى الى المحكمة بالبنطلون نفسه، فلم يجد القاضي إنها تصفعه به، وتكشف حماقته وتُعرّي نقص حيلته. وهي عادت لترتديه من دون أن يكون قادرا على محاكمتها.
ماذا تسمى قانونا تعجز الحكومة عن تطبيقه؟ وماذا ستفعل الحكومة لو أن بنطلون لبنى تحول الى زي لعدد متزايد من النسوة في السودان؟ وكيف تنظر الى الزغاريد التي استقبلت بها لبنى من جانب زميلاتها؟
وماذا سيقول نابليون النظام لنفسه وهو يرى انه خسر "معركة ووتر لو" حيال بنطلون؟
الكثير من الظلم والتعسف في عالمنا العربي، تكفيه شجاعة امرأة.
أما الغباء، فهو داء لا دواء له. والوقوع في فضيحة، لا يستوجب من نابليون قبول الهزيمة إزاء بنطلون. وإلا ما صارت "ووتر لو"، ولا صار نابليون.
أراغون، شاعر فرنسا العظيم، كتب ذات يوم "من اجل إلزا، وعيون إلزا".
السودانيات يزغردن اليوم "من اجل لبنى، وبنطلون لبنى". |
المصدر : http://www.middle-east-online.com/?id=83004
|
|
|
|
|
|