|
ضد اليأس -- فيصل محمد صالح
|
اليأس هو آخر حدود الحياة، هو الحد الفاصل بين الحياة والموت، حياة الأفراد أو الدول والأمم والشعوب. كل ضحايا الانتحار من الأفراد وصل بهم اليأس من حل المشاكل التي تواجههم حد انعدام الأمل وضفة اللاعودة، فقرروا إنهاء حياتهم بأيديهم. ومثل ذلك الحد قد تصل الأمم والشعوب عندما تفقد الأمل في كل إصلاح فتسلم نفسها ضحية لغازي أجنبي، أو للفوضى والتحلل. أحس، مع الأسف الشديد، بأن هناك أيدي تدفع ببلادنا لحافة اليأس، وترسم في خاطر الشعب بألا أمل في الإصلاح والديمقراطية والحكم الراشد، ولا منجاة من مثلث الفقر والمرض والجوع ومتلازمة الفساد واستغلال المناصب والنفوذ، وما من نتيجة بعد ذلك إلا الاستسلام للمصير المجهول الذي يعني، فيما يعني، الانتحار. وقد كانت حوادث الأسبوع الماضي كلها تسير في هذا الاتجاه، من قتل الأبرياء بدم بارد في كجبار، إلى بيع الناقل الوطني سودانير بدم أكثر برودة، وردود وزير العدالة على استجواب المجلس الوطني الذي يفترض فيه أن يمثل الشعب، فقد قال، إن ما جاء في بيان لجنة التشريع والعدل أمام البرلمان «لا يعتد به». فما هي الرسالة التي يراد إرسالها للشعب من كل هذا؟ أليست هي ألا فائدة من كل شئ، وأن من أراد أن ينطح رأسه في «الحيط» فليفعل! حدث مسلسل كجبار بنفس سيناريو مسلسل سد مروي مع المناصير، بنفس البطل والمؤلف وكاتب السيناريو والمخرج المنفذ، مع اختلاف الضحايا...، ولكن عفوا ليس من كبير خلاف، بل هناك وجه شبه في كونهم في الحالتين مواطنين سودانيين كانوا يطالبون بحقهم في حياة كريمة في وطنهم، فكان مصيرهم القتل بالرصاص. تمثل الحادثة أعلى مراتب استبداد الدولة حين تنقلب الأمور وتتحول من خادمة للشعب مطيعة لأوامره ورغباته إلى سيدة له تعطيه الأوامر فينفذ دون نقاش ، وتعلن على لسان أكبر مسؤول، وبعد يومين من الحادث أن هذه السياسة مستمرة. وهذا نوع من الحكومات لا تتنازل لشعبها مهما ثبت خطأ السياسات التي تتبعها، لأن هيبة الدولة، في فهمها، أهم من تدارك الأخطاء، وخطأ مميت يحفظ للدولة هيبتها أفضل عندها من فعل صواب يشير إلى أنها كانت مخطئة...، ولا يهم بعد ذلك إن كان الشعب يشاهد تنازلاتها لغيره، هجينا كانت التنازلات أو عجينا، فهذا أمر آخر... ولايهم أن تذكرها كيف أن الخليفة العادل عمر بن الخطاب قال «لقد أصابت امرأة واخطأ عمر»، فهذا القول يحفظونه أفضل منك، ويعظون به الناس حتى تترقرق أعينهم بالدموع والورع، ثم يلقون به خلف ظهرهم عند أول مناسبة تستدعي الاقتداء به. وعندما تستدعي حوادث المناصير في العرقوب وأمري، ومتضرري سكر النيل الأبيض الذين كويت أجسادهم وحرقت على أيدي بعض الأجهزة، ثم الشكاوى الضعيفة، حتى الآن، لسكان المنطقة التي يستخرج منها الذهب في أرياب، وأهالي المنطقة التي ستتضرر من سد كجبار، وفي الطريق متضرري سد الشريك كما بشرنا السيد صلاح كرار سيتضح لك خطل وخطورة المنهج الذي تعمل به الحكومة والذي يتناقض مع الاتفاقات التي وقعتها والمبدأ العام لتقسيم السلطة والثروة الذي أقرته. في صفقة بيع سودانير، التي تحمل اسم الوطن وذكره إلى معظم أرجاء العالم، وضح أن الشعار المرفوع هو أن كل شئ مطروح للبيع بغير حساب أو محاسبة، وأن كل الكلام عن الشفافية والرقابة في ظل حكومة الوحدة الوطنية والبرلمان الانتقالي مجرد كلام للاستهلاك. في عمليات خصخصة شركات الطيران الوطنية تبحث الدول الصغيرة عن شريك استراتيجي من شركات الطيران الكبرى ذات الاسم والسمعة حتى تستفيد من خبراتها. لكن في حالتنا تم بيع الشركة لاسم مغمور لا علاقة ولا خبرة سابقة له في عالم الطيران، ودون أن نعرف الأسس التي تمت على اساسها عملية البيع، ودون أن نعرف الجهة التي من حقها أن تجادل مجلس الإدارة وتسأله عن أموال الشعب السوداني..أين ستذهب ولماذا؟ المسألة الثانية هي الخدعة التي تمت للرأي العام بالقول إن هناك شريكاً وطنياً يملك 21% من الأسهم، فقد اتضح، وبعد يوم واحد من «توضيحات» رئيس مجلس إدارة سودانير للزميلة «السوداني»، أن الشركة المزعومة هي شركة كويتية 100% وأن كل حاملي أسهمها من الكويتيين رغم تسجيلها في السودان. لكن المخجل والمخزي أن نعرف أن أعضاء مجلس إدارة الشركة المذكورة من كبار وزرائنا ومسؤولينا، ومن بينهم وزير الدولة بوزراة المالية، ووزير التخطيط العمراني بولاية الخرطوم، ورئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، ولم يتحرك أحد ليسأل هل يجوز للوزراء والمسؤولين أن يكونوا أعضاء مجالس إدارات لشركات خاصة لها تعاملات مع الدولة أثناء توليهم لمناصبهم؟ وكيف يستطيع هؤلاء أن يفرقوا بين «شمعة» الدولة وشمعتهم الخاصة إذا ارادوا الاقتداء بالخليفة العادل عمر بن عبد العزيز..؟ ولنمضي أكثر لنعرف أن مسؤولي الشركة الجديدة أعجبوا بالوزير رئيس مجلس الإدارة واللواء المدير العام لسودانير «الحكومية سابقا» فقرروا الابقاء عليهما في الشركة الجديدة «كويت إير» كما أسماها الزميل الطاهر ساتي. هل هناك حالة تضارب مصالح أكبر من هذه ؟ هل هناك حالة تحمل شبهة استغلال النفوذ أكثر من هذي؟ ممثلا حكومة السودان في صفقة البيع، وبعد اتمام الصفقة سيعملان موظفين عند الشاري الجديد!! والمدهش أن أحدهما لا يزال يعمل وزيرا بحكومتنا السنية! لو مرت هذه الصفقة بكل شبهاتها كما هي دون محاسبة ومساءلة من أجهزتنا التشريعية والتنفيذية، وبعد كل ما كتبته وكشفته الصحافة السودانية، فإنها ستكون أكبر دعوة للانتحار الجماعي في هذه البلاد، وأخطر رسالة من نوع «ما فيش فايدة ..غطيني يا صفية» والتي يتندر بها المصريون ويقولون إنها كانت آخر كلمات الزعيم الوطني سعد زغلول. هذا الصمت المريب عن هذا النوع من الصفقات هدفه ترسيخ فكرة «ما فيش فايدة» لتصبح مبررا لصفقات وجرائم أكبر ترتكب في حق هذا البلد والشعب دون رد فعل من الرأي العام والأجهزة الرقابية المختلفة. وهو نفس الاتجاه الذي يرسخه رد وزير العدل والنائب العام على تقرير لجنة الشؤون التشريعية في البرلمان والذي قال فيه إن هذا التقرير «لا يعتد به»، وفي هذا تجريح للدور الرقابي والتشريعي للبرلمان واستهانة به ما بعدها استهانة، خاصة لانها تجئ من موقع وزارة العدل. الاستسلام لهذا النهج، رغم كثرة وخطورة المصائب والكوارث التي تحيط بنا، هو أخطر النتائج المترتبة عليه. ومن واجب كل من تهمه مصلحة الوطن أن يكون في مقدمة الصفوف المقاومة للاستسلام والتي تحاول إيقاد شمعة للأمل. المساحات المتاحة في الصحف لا حد لها، وهي ترسم في كل يوم ملامح الخروج من هذا النفق عبر الكشف المستمر لوقائع الفساد واستغلال النفوذ ومناصحة القيادة السياسية بخطل وخطر الطريق الذي تسير فيه الحكومة وسياساتها بقيادة بعض المسؤولين ضدرغبات الشعب وضد مصلحته. والقوى الشعبية التي تتجمع في كل يوم وترسم لوحات زاهية للمقاومة التي تستشرف ضمير المجتمع ووجدانه كما حدث في منطقة المناصير وفي مناطق النيل الأبيض وكجبار وغيرها من القرى والمواقع القاصية والنائية التي يتخيل بعض حكامنا أن أهلها عاجزون ومعزولون عن مناطق الوعي والتنوير، فإذا بهم يكتشفونها بؤرا متوهجة من الوعي والاستنارة الحقيقية والقدرة على التصدي والمقاومة والتضحية. من هؤلاء البسطاء نستمد قدرتنا على الصمود والأمل، و نقول بل إن هناك فائدة، وأكثر من فائدة، وأن عود هذا الشعب تعجمه المصائب والكوارث والأزمات. ولن نفقد الأمل في الضمائر الحية في كل القطاعات والأحزاب، بما فيها المؤتمر الوطني، والأجهزة التنفيذية والتشريعية والعدلية، ففي كل موقع منها هناك من تؤرقهم ضمائرهم للتفريط في أموال الشعب وممتلكاته، ومن هم قادرون على المساءلة والبحث والتقصي واحياء دور هذه المؤسسات حتى يصح الصحيح. ومثلما انتصر نهج الحوار والاستجابة لرغبة الجماهير في منطقة المناصير بعد معركة صمود طويلة، فإن أهل مناطق المحس والسكوت وحلفا والنيل الأبيض قادرون على انتزاع حقوقهم رغم عظم التضحيات.
الإثنين 25 يونيو 2007م، 10 جمادي الآخرة 1428هـ العدد 5039
http://alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=36631
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-25-07, 11:51 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | ست البنات | 06-26-07, 00:36 AM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-26-07, 06:11 AM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-26-07, 08:04 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | خدر | 06-26-07, 08:24 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | خدر | 06-26-07, 08:25 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Salah Abdulla | 06-26-07, 09:02 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-26-07, 10:36 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Khalid Kodi | 06-26-07, 08:48 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Emad Abdulla | 06-26-07, 09:12 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-26-07, 11:36 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-26-07, 10:42 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Elawad | 06-26-07, 09:03 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-26-07, 11:46 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | dabeep | 06-27-07, 00:39 AM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-27-07, 07:58 AM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | arkamani | 06-27-07, 02:51 AM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-27-07, 06:09 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | abubakr | 06-27-07, 04:52 AM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abomihyar | 06-27-07, 11:53 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | محمد ابراهيم قرض | 06-27-07, 05:12 AM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | Abdel Aati | 07-01-07, 11:28 PM |
Re: ضد اليأس -- فيصل محمد صالح | الكيك | 07-02-07, 04:13 AM |
|
|
|