نص المقال المنشور بصحيفة القدس العربي حول موضوع البوست
1) قبل حوالي أسبوع تلقيت اتصالاً هاتفياً من صحافي سوداني قال إنه يعمل في صحيفة الرأي العام التي أصبح يصدق عليها تعريف الصحيفة شبه الرسمية ، وهو تعريف مازال يطلق علي صحيفة الأهرام المصرية، مع الفرق طبعاً. الصحافي أبلغني أنه يجري استطلاعاً بين أصحاب الرأي في السودان حول قضية العلاقة مع إسرائيل، وإذا كان من المصلحة أن يسعي السودان في إقامة علاقة مع إسرائيل. لم تستغرق المكالمة سوي دقيقتين أو أقل، لأنه بمجرد أن صرحت لصاحبنا بأنني لا أري أي حكمة في السير في هذا الاتجاه حتي انقطع الخط، ولم يعاود صاحبنا الاتصال حتي هذه اللحظة. (2) بمتابعة الصحيفة وما نشرته في هذا الملف اتضح أن الاتصال كان في حد ذاته تهمة، وأن الصحيفة ومن فيها ومن يقف وراءهم كانوا يظنون في الخير ، لعلي أن أكون من دعاة (والعياذ بالله علي سنة الزميل حسنين كروم) التطبيع مع إسرائيل، ولما خيبت الظن، زهدوا في سماع ما عندي. (3) الصحيفة سعت بصورة منهجية لاستنطاق من تظن فيهم الخير ، بدءاً بالدبلوماسيين المحسوبين علي الحركة الشعبية، المتهمة سلفاً بأنها تقيم علاقة مع إسرائيل ولا تنكر هي ذلك. ولكن حتي هؤلاء لم يشفوا الغليل، فاتجهت الصحيفة إلي بعض المفكرين المتهمين بالليبرالية، ولما لم يساعفوا، أرسلت محرريها إلي الشارع يستنطقون العوام ممن لا يبعد أن يوجد بينهم من يصرح بالرأي المطلوب. (4) لا يحتاج الأمر لكثير عناء لإدراك أن الصحيفة شبه الرسمية تريد نيابة عن الحكومة أن تفبرك رأياً عاماً لدعم خط مبيت قد يري في التقرب من إسرائيل (أو التلويح بذلك) مخرجاً من الورطة التي وقعت فيها بكارثة دارفور التي يصرح المسؤولون الحكوميون باستمرار أن إسرائيل تقف وراء تدويلها والضجة المثارة حولها. (5) قيام حكومة لا تحفل أصلاً بالرأي العام باستفتاء الناس حول سياستها يذكر السودانيين بالخطأ القاتل الذي ارتكبته حكومة الفريق ابراهيم عبود بفتح حوار شعبي حول قضية الجنوب في خريف عام 1964 بعد أن ورطت نفسها والبلاد في حرب طاحنة بسبب سلسلة من القرارات الخاطئة، ثم توجهت إلي الشعب تطلب منه العون لإخراجها من تلك الورطة. وهذا لعمري منتهي التناقض، لأن الحكومة الدكتاتورية هي تعريفاً تلك التي تقول للشعب إنني الأعلم بما يصلحكم وما يصلح البلاد، فلماذا تسأل الناس رأيهم في قضية بعينها، إلا إذا كانت تريد من ذلك حملة علاقات عامة، وأن يتحمل الناس عنها عبء قرارات تريد أن تحمل الغير وزرها؟ (6) مقتل حكومة عبود جاءها من ارتكاستها إلي طبيعتها الدكتاتورية التعسفية عندما لم يعجبها ما قيل في حلقات النقاش العامة من تحميل الحكومة المسؤولية في تدهور الأوضاع. فقد تفجرت انتفاضة أكتوبر الشهيرة التي أطاحت بالحكومة بعد أن استخدمت العنف لحظر الندوات، مما أدي لقتل عدد من الطلاب والتهاب غضب الشارع فذهبت غير مأسوف عليها وتركت المشكلة التي خلقتها تؤرق البلاد وتعوق نهضتها إلي اليوم. (7) لا نحتاج هنا إلي التذكير بخطل هذا النهج والتفكير الذي يقف خلفه. وكنت قد سمعت من مسؤولين كبار من قبل زعماً بأن أمريكا تقف وراء حرب الجنوب، وأن الحل في التقرب منها. وقد أتبع القوم القول بالعمل فقدموا لأمريكا من الخدمات ما يرون أنه ألان قلبها وجعلها تساعد في حل المشكلة. ولكن هذا التفسير قام علي عدد من الافتراضات والخلاصات الخاطئة، منها أن الولايات المتحدة لم تكن تدعم الحل السلمي، وأنها قد تحولت فجأة لدعم موقف الحكومة بعد الخدمات السخية التي قدمتها الأجهزة الأمنية بعد أحداث ايلول (سبتمبر). (8) في حقيقة الأمر فإن الولايات المتحدة ظلت تجتهد في تقديم المبادرات لحل القضية بدءاً من مبادرة هيرمان كوهين لسحب الجيش من الجنوب عام 1991، مروراً بمبادرات كلينتون لتعيين مبعوث خاص عام 1994، ثم مبعوث بوش الخاص عام 2001، وأخيراً المشاركة الفاعلة في تحقيق اتفاقات ماشاكوس ونيفاشا. الذي تغير هو أن الحكومة قبلت تقريباً كل مطالب الحركة الشعبية، بما فيها سحب الجيش من الجنوب، وبأكثر من مقتضي مبادرة كوهين والمطالب السابقة. أي أن استسلام الحكومة لمطالب التمرد هي التي حققت إنجاز السلام وليس تحول الدعم الأمريكي باتجاهها، فهذا لم يحدث رغم الكرم الأمني الحاتمي. (9) نعيد، لعل الذكري تنفع من بقي في قلوبهم مثقال ذرة من إيمان، أن إضافة جريمة موالاة العدو إلي جريمة قمع الشعب ليس هو طريق الخلاص، وإنما السبيل هو ما أمر به الله تعالي: أن يكون من بيدهم الأمر أذلة علي مواطنيهم أعزة علي العدو، وليس ـ والعياذ بالله مرة أخري ـ العكس من ذلك تماماً. 9
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة