|
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله (Re: نجوان)
|
الأعزاء. د. بشرى الفاضل، والسرب الجميل..
محبة وشوق،،،
لزم التنوية، هذه ليست قصة قصيرة، ولكنها فصل من رواية طويله، (الفصل الثامن)، وعلى اعتاب الميلاد، وتأخرت بسبب (حروب لنبان، حيث دار النشر)...
وهذا الفصل باسم (النيل الازرق يرقص ويسافر ويبطش معا)...
وهي كما يلي:
(الفصل الثامن)
النيل الازرق يرقص ويسافر ويبطش معاً!!
صبيحة الغد، امتحان الجغرافيا...
أمرت أمي، أخواتي الصغار بالخروج من الأوضة، والغناء في حوش الدار، لعرس وهمي، وعلى طبل من جالون شل، والعروس سارة، والعريس هبة، بمقدور أخواتي ان تتزوج البنت بنتا، وتلد بعد دقائق من العرس فارسا، لا يشق له غبار...
غرفتي بعيدة عن سعال حبوبتي، وقريبة من أوضة اختي الكبرى (حديثة الولادة)، والتي اختزل وليدها كل اللغات في البكاء فقط، سوى كان جائعا، ام عطش، أو يريد الغطاء، أو حتى فرحاً وعلى أمومة أختي ترجمتها كما ينبغي، وبسرعة البرق، فهو لم يتعلم الصبر بعد، كأمي، وكالإله في السماء!!
خرست الدار بأوامر أمي، أمي تحلم بدكتور بهي الطلعة، ولكن لم يخرس نباح الكلاب ونهيق الحمير، وطيف آمنة، وهو أخطرهم جميعا، ونقاط الزير، والذي يثير كنه الوقت، بإيقاعه الموزون، مستغلا عتمة الليل، وسكونه..
وضعت امي فانوس الزيت وسط الغرفة، ألسنة اللهب تتراقص مع النسيم الواهن، والذي يدخل من النافذة، وكأنه يتكاسل من الذهاب لباب الحوش البعيد، مثلي، رغم جبروتها، وقدرتها على إلتهام حقل قمح كامل، كما فعلت في عام تعيس لمخزن خالي دفع الله، تستلم للنسيم رغم حرارتها القبيحة، ومع هذا لم ينفر منها النسيم، كم تنفر أناملي حين تحرقني على غرة، ويظل مهيمنا عليها، لا يريد أن يقتلها، يتلاعب بها كغزال ولبوة، وهي راضية، ويظهر هذا في رقصها المستسلم، ومعهما يرقص ظلي على الحائط الطيني الخشن، تمتد أنفي حتى الركن، بل تنحني مع الركن، وكأنها تريد أن تشم أي تمرة مخفية، أو طحنية، ومع هذا لم أحس بألم، من تمطط أنفي على حائطنا الطنيني، ولم تفارقني أرنبة أنفي، ولكن فانوسنا الزيتي مهجساً بهذه الرسومات السريالية...
تتموج الظلال على صفحة كتاب الجغرافيا، كنت راقداً في السرير، هذه عادتي في القراءة، أمواج من ضوء تتموج على صفحة الكتاب،وبين السطور، نار ونور، كما يلد عصب الحيوانات الموسيقى، ضوء شاحب، يحاكي ضوء القمر، جعل غرفتي كمعابد الهنود، مناخ ديني عميق، خلقه نور الفانوس الزيتي، خوف لذيذ، أشبه بخوف الراهب من غرائزه النائمة والظلال التى تختبئ من لهب الفانوس، تتراقص الظلال، في لعبة الاختباء، بسرعة وذكاء، كي لا يراها اللهب، وللحق لم ير اللهب الظلال على الإطلاق، كما لم نر العدم في حياتنا، رغم جري خيالي خلفه طوال الليالي، كل الاشياء تلعب لعبة الاختباء، في ظلالها على حائط الاوضة، وعلى ارضيتها الترابية، ظلال علبة السكر، وبرطمانية الدلكة، والراديو، وترسم اشكالاً غريبة، لم تحلم مخيلة بيكاسو العذبة..وعيون اللهب لم تر الظلال الذكية، الماكرة، حتي الآن..!!
الصفحة 63 من كتاب الجغرافيا، بلا غلاف، متآكل الأطراف، مزخرفة صفحاته ببقايا طعام، وزيت وطحنية، وشعيرية جافة، علقت كالدودة، الصفحة الأخرى مطوية، وممسك الكتاب بيدي اليسرى، واليمنى تحت رأسي، يبدأ الكتاب من الصفحة (17)، وينتهي في الصفحة (113)، الصفحة 17 تتخذ شكل المثلث، كل سطورها ناقصة، ماعدا الأخير، أما الأول فيبدأ بحرف واحد، (ك)، والسطر قبل الأخير ينقصه حرف واحد، أطراف الكتاب منفوشة، حين اضعه على المخدة يبدو كهرم مقلوب، ولكني دائما ما اضعه تحت المخدة، خوف ان تلتهم معزتنا الجائعة، القلوب والاسهم التي تخترقها، تملأ اغلب صفحاته، واسماء ثلث فتيات الحلة مدونة عليه، لست انا المجرم، وإن اضفت اسم (آمنة)، في وسط القلب، والسهم يخترقه، وثلاث دمعات حارة، ورب الكعبة،خفت أن تثقب صفحات الكتاب كلها، ولكني خير خلف لخير سلف، بل هناك اسماء فتيات مكتوبة بصورة طفولية، وفيهن من تزوجن، وانجبن، وتطلقن..
(خريطة نهر النيل، المنبع إلى المصب)، نهر النيل، قريتي تنام وتصحو وتلعب وتبكي وتفرح على ضفافه، يبدو كخيط رهيف، يتعرج من أسفل الصحفة حتى أعلاها، حسب حبه للوهاد، وخوفة من الجبال والتلال، ليس بمقدوره أن يتسلق الجبال كالقرود، ولا أن يطير كالصقور، ولكنه يحبو مثل (سعد ابن اختي الصغير، المزعج)، والمدن الكبيرة تبدو عبارة نقاط سوداء (جوبا.. ملكال.. كوستي... الخرطوم.. عطبرة ...دنقلا ، مدني)، لا أثر لقريتي، أحسست بإضهاد ما، وبغرور يحتضر، وبخوف من السماء، أهي أيضاً.
حين خرج النيل من يوغندا، هل كان يعرف جهته، قاصدا أهله مثلاً؟، أما كان يتسكع كمتشرد، جاعلاً من المشي وسيلة وغاية، كالشعراء، هل كان يعلم؟ أو يحس بحدسه المرهف، بأنه سوف يلتقي بشقيقه النيل الأزرق في مقرن الخرطوم، أم كانت مفاجأة سعيدة، جعلتهما يلتحمان في حضن سرمدي، يجري يسارا، ثم يعود، يمنا ثم يعود، يبحث عن شئ نفيس ضائع، ذهب أم قبر ولي أم شجرة سماوية، كي يقيل فيها، ويروي جذورها السعيدة، هل كان يدرك بأن الخرطوم ومروي ستشيد على ضفافه، وحقل خالي دفع الله يروى منه، وعباس أبن خالي، سوف يغرق فيه، وأدريس يتوضأ منه، نعمة ونقمة، حين يثور، يبدو كثور، لم يقتل، كملاك الموت، عاقلا، بل مبشر بالجنة، بل يعيش فيها، من الذي قتل عباس، النهر أم ملاك الموت، أم هما شيئاً واحد، هل خرج ملاك الموت، الساكن في الجنة إلى الأرض كي يغرق عباس، وجاء للارض، فارق جنته، أم الجنة بداخله، تبدو لي، أن الجنة بداخله، لأنه خالد فيها أبدا، نعم ملاك الموت عاقل، وحكيم، ورحيم، ولهذا يسكن الجنة...حتى تلك التي بداخله، إنه رحيم، رغم تلوثه بالدماء، وإلا لما سكن الجنة، خالدا فيها أبدا..
*****
النيل يخرجني عن مذاكرتي، ويجعلني احب الشعر، أكثر من كل الاشياء، أمي حريصة علي، وأنا حريص على غريزتي، أود أن أطير، وأحلق، وأدخل المقابر، وأتلكم مع العصافير، وأنام مع جذور الاشجار، وأمي تريدني مجرد دكتور، محاط بمرضى، وتملأ أذنيّ العطاس والانين والسعال.
صوت الجالون، بل الطبل يخرجني من عالمي الداخلي، كعادته كل مساء، يعلو صوت الجالون، الطبل الحديدي، فقد خرج الفارس، من خيال أخواتي، كي يلعب معهن، ولهذا خلقنه، الخيال مغرض، يتصارعن في الزواج به، سارة وهبة ورشا، يخرج صوت الفارس من فم رشا:
اريد الزواج من سارة!!
تغضب هبه، وتضرب وجه الفارس، وجه رشا، فيبدأ العراك والصراخ، حقيقة لا مجاز، فتصرخ أمي، من وراء الحجرات:
اسكتوا يابنات، مدثر بذاكر!!!
ويبدأ العرس الوهمي مرة أخرى، ويعلو صوت الجالون الحديدي، وهذه المرة الغناء من اجل الغناء، أنهن اعضاء بارزات في مدرسة (الفن للفن)..
تصرخ امي، وتعصي اخواتي، بل لايسمعن صراخها مع ضجة وهرج العرس اليومي، وللحق، لا أحد يخاف من أمي، وخاصة أخواتي، وأنا.
اسكتو يابنات...
أمي لا تعرف، أن طيف آمنة بداخلي، أعلى وأغلى وأحلى، من أصوات اخواتي، العاريات، الجائعات أغلب الاوقات، النائحات، في فرحهن، حياة متمسكة بقشة القوت، كي لا تنقرض كالديناصورات، كثقافة شفوية عظمى، ابتلعها فم الزمن، ذلك الماحي العظيم...
فجأة، يخرس المكان، تنتهي اليقظة ويبدأ النوم عند أخواتي، بلا نزاع، كحائط كبير، ابيض واسود، وخط مستقيم يفصل بينها، بين اليقظة والنوم، وكأن اليقظة احذت حقها كاملاً، وآن للجسد أن ينام، كما يطفئ النور، هكذا تتلاشى اليقظة، كالنور، ويعم ظلام النوم، بل ضياء النوم، فتغرق اخواتي في نوم هنئ، في فسحة الحوش، على اديم الارض، وظل الجالون واقفا، بعد ان فقد روحه، كان طبلا، يوزع وينفخ الموسيقى في جسد الدار الفاترة، تصل ايقاعاته إلى الفئران والدجاج والماعز، فتحس بأنس، ويقشعر جلدها له..
لم يعد سوى جالون، مطفق، مهترئ، بردت اطرافه، من فراق ايدي اخواتي الغضة، والتي تنفخ فيه الروح كالمسيح، بل أنضر، وأخضر..
بيوتنا، نبتت كالنيم من الأرض!!
النهر يجري من أسفل الصحفة إلى اعلاها، حفر مجرى طويل، بلا طورية أو كوريك، كم قوية رقة الماء، ألم تقتل رقة عبلة، عضلات عنتر، لا أثر للتراب على ضفافه، هل ألتهم التراب؟ أم جرى به في بطنه، كحامل، وألقى به في البحر القصي، هل زحف نحو الخرطوم كي يطوقها، الخرطوم لم تكن، حين كان، (اين كانت)، اقشعر جلدي، حين محى الخرطوم وقريتي من الذاكرة، وتخيل مكانها غابات كثيفة، وكان النيل يجري لوحده بينها، ياله من زمن، يمحو ويثبت، منذ بدء الزمان، كالارقام، لا نهاية له، ولا بداية، وبينهم يمد نهر الزمن قامته..
****
توقظنا الشمس، بعد ان ايقظ الديك، أمي في عتمة الليل، أن كانت حقا قد نامت، وللحق، لم أرى امي نائمة، كنت انام وهي صاحية، واصحو وهي صاحية، بل كثيرا ما كنت اصحو، في منتصف الليل، كي اتبول، فاسمع صوتها (أولع ليك الفانوس)، فأرفض، لأني أعرف طريقي بضوء بالذاكرة، وخلال عتمة الليل، تبدأ وردية البول، فتصحو اختاي، رشا، ثم سارة، حتى صياح الديك، كنت اتمنى أن اسبق امي في اليقظة، أصحو قبلها، ولكن هل (يسبق الغزال قرنيه)؟
***
تخرج اختي رشا من الدولاب، وأخرج انا من تحت العنقريب، ، والنسيم المحمل برائحة الجرجير من النافذة، حين نسمع صوت أمي:
(الفطور جاهز)...
ويخرج صوت مونتي كارلو من باب البرندة، حيث خالي، خالفا كرعيه، وتهتز سبحته، كما أرها كل يوم، وأنا ألعب تحت العنقريب، ذو السقف ، المنسوج من الحبال المتداخلة كشبك جميل.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | Bushra Elfadil | 01-06-07, 02:33 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | Hussein Mallasi | 01-06-07, 02:40 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | motaz | 01-06-07, 02:48 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | Ali Alhalawi | 01-06-07, 03:19 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | عبدالغني كرم الله بشير | 01-10-07, 07:27 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | عبدالغني كرم الله بشير | 01-08-07, 07:50 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | Abu Eltayeb | 01-08-07, 08:24 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | Yaho_Zato | 01-08-07, 06:40 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | kabashi | 01-10-07, 03:43 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | ست البنات | 01-08-07, 08:35 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | محسن خالد | 01-09-07, 02:44 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | عبدالغني كرم الله بشير | 01-15-07, 06:40 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | عبدالغني كرم الله بشير | 01-11-07, 06:29 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | ست البنات | 01-09-07, 07:13 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | nourelhadi awad | 01-10-07, 10:13 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | عبدالغفار محمد سعيد | 01-10-07, 04:18 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | ست البنات | 01-11-07, 09:28 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | نجوان | 01-11-07, 10:24 AM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | عبدالغني كرم الله بشير | 01-11-07, 12:00 PM |
Re: اهدى لقراء المنبر في مطلع العام الجديد قصة لعبدالغني كرم الله | عبدالغني كرم الله بشير | 02-08-07, 09:54 AM |
|
|
|