|
|
 القضارف والموت عطشا.....العطش كتلنا!!
|
تحقيق: طارق عثمان
مشهد اول
يا جماعة اعملوا حسابكم للموية ما تسرفوا في الوضوء هذا توجيه تلقيناه من مضيفنا نبيل بحي كرفس بالقضارف عندما هممنا للوضوء لصلاة العصر حيث احضر هو " ابريق واحد " لنا نحن ضيوفه الخمسة وعقب هذا التوجيه الذي خرج منه بصورة عفوية دون ان يلقي له بالا احس بالحرج واراد ان يبرر لما صدر منه قائلا " معليش يا اخوانا عدم الموية خلانا نحي بعض السنن النبوية التي كنا لا ننتبه لها في حالة توفر الماء وذكرنا بالحديث الشريف الذي ينهي عن الاسراف في الوضوء .
مشهد ثاني
يارب تعجل بالمطر ........ دعوات سمعتها يرددها ائمة المساجد بالقضارف عقب كل صلاة ليس استعجالا للخريف او الزراعة وانما هي رجاء للخالق العلي عسى ولعل ان يطفئ هطول الامطار عطشهم الذي امتد طيلة فصل الصيف ، متوسلين الي الخالق الذي لا يغفل عن عباده ، ويرفع هؤلاء الائمة اكفهم الي السماء موقنين بان امر السماء اقرب من اي قرار سيصدر من الجهات المسئولة والذي يبدو انهم يأسوا من تطمينات المسوؤلين المتكررة بحل مشكلة مياه القضارف بصورة جزرية.
مشهد ثالث
"الموية بقت اغلي من اللبن " عبارة سمعتها في احدي بكاسي المواصلات من بائع اللبن الطفل علي ابراهيم الذي لم يتجاوز الثانية عشر من العمر تقريبا عندما سأله احد المشترين مازحا ما اذا كان قد اضاف للبنه ماء .
هذه المشاهد رصدتها "السوداني" وهي تتجول داخل مدينة القضارف وتعايش معهم محنة العطش من خلال هذا التحقيق ، والذي فضلنا عدم تكرار ما اورده المسؤلين بالجلوس معهم لانها تعلم قولهم مسبقا من خلال متابعتها لقضية العطش بالقضارف ، ولكنها فضلت معايشة ما يعانيه مواطني القضارف ونقل مشاهد رحلة البحث عن الماء والتي رأتها بالعين المجردة من غير تزيف او تحريف للواقع " ومن راى ليس كمن سمع " وذلك بعد الجولة والطواف علي كافة احياء المدينة .
اختفاء الخضرة
اول مايلفت انتباهك بالمدخل الرئيس لمدينة القضارف الخضرة والجمال الاخاذ الذي اضافته للمدينة حديقة امانة الحكومة باشجارها وازهارها اليانعة ، ولكن للاسف تحولت تلك الحديقة بين ليلة وضحاها الي عيدان من الحطب الجاف تشوه المبني الجميل الذي استقرت به قيادة الولاية السياسية مؤخرا بحي ود الكبير ، وزبلت الازهار التي كانت تزين الطريق واختفي منظر الجمال حتي النجيلة احترقت ولو اشعلت فيها نار ما بقي منها شي ، احد العاملين بالحديقة قال عبارة بسيطة وساخرة الا انها تحمل بين جوانحها ندءا ما اظنه يجد المجيب وذلك عندما سألته عن سبب جفاف الحديقة الجميلة قال :" نحن ذاتنا قربنا نجف " ، اجابني مشيرا الي جركانة الماء التي بالقرب منه " ياريت ياولدي لو جيت قبل قليل وصورت بكاميرتك دي نحن قاعدين نجيب الموية من وين " لم اسأله عن المصدر الذي احضر منه الماء واكتفيت بالمعاناة الواضحة علي ملامحه .
سيد الكارو
قبل حلول الصيف كان اكثر ما يزعجك وانت تتجول بسوق القضارف الحركة غير المنتظمة من اصحاب عربات الكارو ولكن تغير الحال فصاحب الكارو بعد ان كان متهضا داخل السوق أصبح من اهل المكانة المرموقة بات ينادي كما في الاغنية الشعبية بـ(سيد الكاروا تعال بي الشايلو تعال ) ، فالمدينة اعتمدت كليا في الحصول علي المياه طيلة اشهر الصيف علي عربات الكارو التي تجرها الدواب وتجوب بها شوارع المدينة لتبيع المياه التي تجلبها من مسافات ليست بالقصيرة من الابار السطحية من مناطق " دلسة ، والعزازة ، والسرف ، وودالدماك " والتي تقع حول مدينة القضارف ، ويتراوح سعر جوز المياه ما بين اثنين جنيه في بعض الاحياء الي الجنيه والنصف في البعض الاخر ، ولكن هناك مشكلة تواجه اصحاب الكارو الذين يجلبون المياه حفظا لحياة المواطنيين الذين لا يستطيعون الذهاب لموارد المياه البعيدة ، العم علي صاحب احدي عربات الكارو حكي لي ما يعانونه جراء ما تفرضه عليهم محلية القضارف من رسوم ترخيص لهذه العربات التي لولاها لهلكت انفس كثيرة نتيجة العطش ، وقال لـ(السوداني ) وحاله يغني عن سؤاله " المحلية فرضت علينا ترخيص ذي العربات " ولم يزد العم علي اكثر من ذلك وواصل في عمله لان هناك شخص من بعيد يريد جوز ماء يناديه.
داخل المستشفي
لم يكن مستشفي القضارف التعليمي احسن حالا من خارجه بل اسوأ حيث تضاعفت معاناة المرضي والمرافقين ، بالاضافة لعناء المرض بات المرضي لا يطيقون المكوث بالمستشفي جراء العطش الذي اشد من المرض ، الامر الي جعل بعض الخيرين من المدينة يسارعون للمساهمة والتخفيف من وطأته عليهم باستجلاب المياه بواسطة التناكر والجرارات ،الي داخل المستشفي .
جفاف المصادر
حكومة القضارف ظلت تكرر ذات العبارات منذ بداية فصل الصيف وتفاقم حدة العطش بان السبب الرئيسي وراء ذلك يرجع الي جفاف نهر سيتيت وتأخر هطول الامطار بالهضبة الاثيوبية مما ادي الي توقف محطة مياه الشواك ، وقالت الحكومة انها ملتزمة بضرورة ايجاد المعالجات اللازمة لمشكلة مياه مدينة القضارف مؤكدة حرصها علي انفاذ برامج الخطة الاسعافية لتوفير المياه الي حين قيام مشروع الحل الجزري للمياه من خزان خشم القربة ، وورد علي لسان والي القضارف الضوء عثمان حسن الفكي انهم ظلوا علي اتصال مع السلطات في دولة اثيوبيا لمتابعة هطول الامطار هناك حتي تنعم المدينة بالماء ،ووجه الوالي خلال اجتماعه باللجنة العليا للطوارئ بتجميع التناكر والتراكتورات لتوفير المياه لمواطني القضارف ، الي جانب توجيهه للاجهزة المختصة بعدم التعرض للاليات والمركبات التي العاملة في نقل المياه ، وطالب اللجنة الخاصة بمتابعة موقف الامداد المائي بالقضارف بان تعقد اجتماعا يوميا ورفع تقرير بذلك له ، وأكد مدير عام هيئة مياه ولاية القضارف المهندس محمد الحسن احمد لـ( السوداني ) ان ظاهرة جفاف نهر ستيت غير عادية مشيرا الي انها حدثت قبل عشرة اعوام ، ولكن يبقي السؤال هل يعقل ان تعتمد مدينة بحجم القضارف علي مصدر واحد للمياه ؟ ، والاجابة حتما بلا لان هناك تجارب كثيرة اثبتت نجاحها بانتاج كمية ليست بالقليلة من مياه الشرب بلغت اكثر من (4600) متر مكعب يوميا ، حيث يمكن ان تسهم مثل هذه المصادر بصورة اكبر اذا ما اعيد تأهيلها وسارت الحكومة في برامج حصاد المياه ، وحسب مدير مياه القضارف فان المدينة في حوجة لما يقارب (50) الف متر مكعب يوميا ، مشيرا الي ان هذا هو الاساس الذي اعتمد عليه مشروع مياه القربة الذي تؤمل الهيئة فيه ان يحل مشكلة المياه بصورة نهائية ، وقال " بعد اكتمال تأهيل محطة الشواك التي تضيف (7) الف متر يوميا سوف تقلل من الفرق والاثار .
حلول جادة
كل الذين استطلعتهم "السوداني" من مواطني القضارف طالبوا بضرورة ايجاد الحل الجزري لمشكلة المياه والتي اصبحت هاجس يؤرقهم كلما حل فصل الصيف ، مشيرين الي عدم جدوي الحلول الوقتية ، واتهموا حكومة الولاية بعدم الجدية في السعي نحو الحل الجزري للمياه ، واصفين مايصدر من تصريحات للمسؤولين بالولاية عن قرب الحل النهائي بالسراب .
شارف فصل الصيف علي الانتهاء بعد ان قضي فيه مواطنو القضارف امر الايام واكثرها معاناة وارتفعت اعينهم الي السماء التي حتما لن تخيب ظنهم رافعين اكفهم بالدعاء الله بان ينزل عليهم الامطار لخريف هذا العام ليذهب عنهم العطش وتبتل عروقهم بمياه الامطار النقية العذبة وتغسل عنهم ترسبات المياه المالحة التي ظلوا يتجرعونها لاكثر من اربعة اشهر
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
Abdulrahman Eldaw
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست