دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-24-2024, 06:15 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-26-2009, 02:07 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية (Re: خالد عويس)

    وكنت كتبت هذه الورقة في هذا الاتجاه وتم تسليمها إلى قيادة الحزب وإلى مجموعة مقدرة من الكوادر قبل انعقاد المؤتمر السابع بأشهر
    (ملحوظة): بعض الفقرات منزوعة لطبيعتها السياسية الحساسة

    على أعتاب المؤتمر العام..
    نحو مبادرة للإصلاح الحزبي الشامل في حزب الأمة القومي

    خالد عويس

    (1) مقدمة:

    تواجه عملية التحديث الشاملة في المجتمع السوداني بمؤسساته الاجتماعية والمدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، مصاعب جمّة تنذر ليس فقط بتقهقره وانكفائه (أو) سلوكه طريقا غير واضحة المعالم وعُرضة لإحداث اختلالات أكثر مما هي حادثة بالفعل، وإنما أيضا تؤشر إلى مخاطر محتملة للانهيار والفوضى.
    وبات واضحا أن الفشل الذي رافق العمليات الإدارية في مفهومها الواسع الذي يشمل أيضا السياسي والاقتصادي، خلق تضاربا واسعا في الاتجاهات، في ضوء مساعٍ محدودة نحو التحديث والإصلاح، أعقبتها ارتدادات هائلة، خلّفت خرابا هائلا على مستوى البنى والمفاهيم والمؤسسات، كما دفعت إلى توترات اجتماعية مستمرة داعية إلى إعادة نظر معمّقة ومراجعات تشمل جوهر الأزمة الشاملة، وتمظهراتها وتداعياتها المحتملة، إضافة إلى الحاجة الماسة للتفكير مليا في استشراف مستقبل ضامن لإجراء تحولات باتجاه التحديث.
    وهنا لابد أن يضطلع حزب الأمة بمهام كبيرة تتسق مع وزنه الجماهيري والسياسي من خلال مبادرات (تحديثية) شاملة.ولا فكاك أبدا بين التحديث الحزبي، وبين مشروع تحديث الدولة والمجتمع، فالأول، ربما يكون وسيلة باتجاه الآخر.ولربما كانت فرصة عقد مؤتمر عام لحزب الأمة، مناسبة لطرح (أو) اعادة طرح أسئلة داخل حزب الأمة، وحتى خارجه من أجل أن نتلمس طريقا جمعيا نحو الأمام.
    ولعل ثمة أسئلة مفترضة ينبغي طرحها، في ظل حقائق ماثلة، هي:
    أولا: مشروع التحديث يلزم نظرة فاحصة للتاريخ والمكونات، خاصة في ما يتعلق بالثقافي والحضاري التاريخي، وصلا بالحاضر، واستشرافا للمستقبل.فهل بالمستطاع وضع خطط مستقبلية أيا كانت من دون الإجابة على أسئلة التاريخ، خاصة في مفاهيمه الثقافية ؟
    ثانيا: المرحلة الجنينية في الدولة السودانية، بعد الاستقلال، صاحبتها رؤى غير مكتملة وناقصة، أدت تاليا لتأسيس غير شامل، واتجاهات متشاكلة بشكل حاد، قادت إلى خلل خطير في البنى الديمقراطية وبنى الدولة، والمفاهيم، وهذا كله يلزم نقدا شفافا يفضي إلى إعادة تأسيس جديدة.
    ثالثا: التوترات السياسية والمسلحة في الأطراف تطرح أسئلة جدية حول المستقبل في ظل تنمية غير متوازنة، وتهميش سياسي وثقافي وديني ينبغي الاعتراف به، كما ينبغي وضع أطر للحلول تتأسس على نحو علمي شامل لا يغفل عن جانب من جوانب أسباب الاشتعال، بل وإحتواء آثاره، وفقا لمرجعية وطنية، تعمل بالتواصل مع إدارة للأزمات.
    رابعا: الفشل الكبير في إدارة الاقتصاد، ومناخات الديكتاتورية قادا إلى:
    1/ إضعاف الدولة على مستوى بنياتها المؤسساتية، وإخراج الطبقة الوسطى من معادلة البناء والاستقرار.
    2/ الحروب الأهلية المستمرة، ومعالجة مسألة الإدارات الأهلية على نحو خاطئ، إضافة إلى إضعاف المؤسسات المدنية، والتهميش المتواصل، عوامل مزقّت النسيج الاجتماعي، وأفرزت واقع الاستقطاب الإثني الحاد.
    3/ تحوّل الفساد من ممارسة شائعة في أوساط بعض المسؤولين الكبار والمتوسطين في السلطة، إضافة إلى طائفة من التكنوقراط في مؤسسات الدولة في السبعينيات والثمانينيات، إلى ثقافة سائدة في غالبية الأوساط السودانية في التسعينيات والألفية الجديدة.وثمة حاجة متزايدة إلى وضع خطط جدية لمكافحة الفساد.
    4/ سيطرة الإسلامويين منذ 1989 على مقاليد السلطة والاقتصاد واستخدامهم أساليب مشوّهة في إدارة الدولة، أضعف سلطة (دولة القانون)، وجعل العودة إلى دولة يحكمها القانون، وتتعدد فيها السلطات أمرا يحتاج إلى نضال كبير.
    5/ انهيار الاقتصاد قاد إلى نتائج خطيرة لعل أبرزها التداعي على مستوى الأخلاق، وهجرة العقول السودانية ما أفرغ البلاد من الطاقات، وتعزيز ممارسات الفساد التي أدت بدورها إلى تراجع الإنتاج على المستويات كلّها، وبروز اقتصاد مؤسس على إنتاج هامشي، في مقابل انهيار الزراعة والصناعات الصغيرة والرعي.ألا يستدعي ذلك كلّه إلى إعادة نظر شاملة وتنظير جديد ؟
    6/ أنظمة الحكم الديكتاتورية، ومطلوبات النضال ضدها من قبل القوى السياسية، إضافة إلى البنى العشائرية والبطريركية في المجتمع، حدّت من تطور الأحزاب السياسية وتحديثها، وكرّست الكاريزما، وأبقت على برامجها السياسية دون تطوير، كما جففت مواردها المالية التقليدية، وعرّضتها لتشققات وانقسامات خطيرة، وأفرزت ذهنية مقاومة للتغيير والنقد الذاتي.كلّ ذلك ينبغي وضع حلول عملية له من خلال ضخ أفكار جديدة، ووضع تصورات شاملة لكيفية النهوض والحراك، وتحويل الكم الجماهيري إلى (كيف) مفعّل.
    7/ غياب الخطط، والتثقيف المستمر حول آليات الديمقراطية، وحلّ المسألة الثقافية في أطرها النظرية والعملية، والتجاذبات الحادة حول علاقة الدين بالدولة، وطبيعة السلطات، وسقوف حرية التعبير، ولّد استقطابات يمكن دمغها بالشناعة، ومشاريع تنذر بتفتت الدولة والمجتمع على حد سواء على أسس دينية وإثنية وثقافية، كما دلّ إلى الحاجة الماسة إلى تخطيط استراتيجي بشأن العمليات التعليمية والتربوية والإعلامية، بمعنى التثقيف المستمر المستند أولا إلى حاجات سوق العمل، وثانيا إلى أولوية بناء عقل سوداني يؤمن بالتعدد والاختلاف، وثالثا إلى اعتراف بالقيم المدنية والعلمية، والحد من الدور الهائل للسلطة الدينية الكهنوتية التي يمكن أن تُختطف في أية لحظة بواسطة الجماعات المنغلقة طالما أن البنى الذهنية قائمة على العاطفة، ويسهل أن تنقاد لتأثيرات متباينة لا عقلانية على الأرجح.
    8/ طبيعة المشروعات السياسية القائمة تستند – غالبا – إلى تخطيط مرحلي وغير شامل، ما يستدعي تنظيرا جديدا، تقوم به جماعات متخصصة داخل المؤسسات الحزبية، يكون موكولا إليها أيضا النهوض بدور النخب في الأحزاب السياسية بما يؤهلها لقيادة مسيرة تغيير شاقة وصعبة.
    9/ في ظلّ مناخ العولمة (الاقتصادية) واقتصاد السوق، والشركات العابرة للقارات، مترافقة مع هيمنة قطب واحد على السياسة العالمية، وتحوّلات الاقتصاد السوداني، خاصة بعد دخول النفط في المعادلة، وما خلفته (أزمة الغذاء) العالمية من حاجة في المنطقة (العربية والإفريقية) للاستثمار في السودان، تبقى أسئلة كبرى مطروحة بقوة حول مسار الاقتصاد السوداني مستقبلا، وكيفية توظيف قدراته وموارده، ودراسة الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية، وسبل خلق علاقات متوازنة بين الدولة والشركات والمجتمع في ضوء الشفافية، وفي ضوء حاجة البلاد إلى ضمانات قصوى في شأن تطبيق السياسات الاقتصادية بحيث لا تخلق اضطرابات اجتماعية مستقبلية.
    10/ ثقافة العنف بدورها تحتاج إلى إجابات معمقة، إذ دلّت تمظهراتها إلى نزعة عنفية آخذة في التغلغل في نسيج المجتمع، ما يلزم اضطلاع قوى المجتمع المدني بدور كبير في إعادة تأسيس المفاهيم، ومراجعة الرؤى الثقافية، وطرح ميثاق للحقوق المدنية، وتغيير في القوانين، لتكافح بصرامة أوجه العنف اللفظي والجسدي والفكري كلّها.




    (2) الحاجة إلى النقد:

    النقد الذاتي الصارم، الشفاف، والموضوعي لبنة رئيسة في أيّ مشروع إصلاحي يهدف إلى مأسسة المنظومة السياسية، وتفعيلها، وتفجير قدرات الأفراد، وإحداث تغيير جذري، ليس في صلب المؤسسة فحسب، وإنما أيضا في الذهنية وصولا إلى اتجاهات حرة في التفكير والمفاهيم.
    وتغيير الذهنية - أو بالأحرى حثها على الانسلاخ عن التفكير السائد داخل المؤسسة – هو الهدف النهائي لهذه المبادرة، بحيث يفرز الحراك الفكري والثقافي - والتثقيفي – الإصلاح المرجو.
    لطالما وُصف حزب الأمة القومي بأنه حزب "تقليدي".ولعل الناقدين – خارج المؤسسة وداخلها – لا يجانبهم الصواب كثيرا في طرح هذه العلة. فعلى مستويات عدة، فكرية وتنظيمية، وأخرى تتعلق بالحراك السياسي، وغياب "الرؤية الإستراتيجية"، وخفوت صوت النقد الذاتي، إضافة إلى المفاهيم غير العلمية السائدة إلى غاية الآن، تؤشر كلها بوضوح إلى حاجة ماسة لإعادة تقييم شاملة، تستحق جهدا وافرا من النخب الحزبية.
    وفي شأن النخب الحزبية، لابد من الإشارة – أيضا – إلى أن المفهوم بدلالاته العميقة يطرح أسئلة عدة حول صحة وجود "نخب حزبية" في حزب الأمة، وأدوارها في ما إذا كانت موجودة، و(فاعلة) !!
    الواضح أن الأزمات الأخيرة التي عصفت بالحزب، خلال السنوات الأخيرة، طرحت مؤشرات على إعادة إنتاج ذهنية معنية غاية العناية بتكريس واقع رافض وبقوة لأي صوت ناقد أو ساع للإصلاح، هذا داخليا، أما الخطاب الموجه إلى الخارج، فهو خطاب يمكن دمغه بالإنكفائية، والرغبة العارمة في الدفاع عن الحزب بأي شكل، وبأي صورة !!
    وهذا بحد ذاته "هاجس" يدل على شعور بـ"الضعف" في مواجهة الخصوم السياسيين، أو بإحساس طاغ بـ"قداسة" المؤسسة، ورفض مسّها بأيّ قدر من التصويب أو النقد إلى درجة أنه باتت ملاحظةً، حساسية كوادر الحزب ومجاميعه الفاعلة حيال أيّ نقد يوجه إليه.
    إن الحزب في حاجة إلى مراجعات كبيرة حول مرئياته الفكرية، وطروحاته الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما أنه في حاجة لمراجعات مماثلة في ما يتعلق بمنعطفات تاريخية مهمة، منها على سبيل المثال، أسلوبه في معالجة مسألة جنوب السودان، نظريا وعمليا، وتحالفاته، وفعاليته وخططه أثناء فترته في الحكم، والاعتقالات التي يمكن أن توصف بـ"التعسفية" التي طالت باحثين وسياسيين سودانيين في الثمانينيات، وطبيعة علاقته النظرية والعملية وتقاطعاته مع (الإسلام السياسي)، ودوره في حلّ الحزب الشيوعي السوداني، واتجاهه لـ(عسكرة) النضال في السبعينيات ثم التسعينيات، ومصالحته مع الرئيس الأسبق، جعفر نميري، ولقاء "جنيف"، واتفاق "جيبوتي"، والانسلاخ، ثم "التراضي الوطني"، وغيرها من المسائل التي تحتاج شفافيةً كاملة.
    بعض كوادر الحزب، بل وحتى قادته، يضيقون ذرعا بالنقد الذاتي، ويعتبرون كلّ من يطرح رأيا ناقدا أو مخالفا، بمثابة عدو داخلي، أو "جزء من الطابور الخامس"، أو على أحسن الفروض "منفلت" لا يقدر عواقب النقد العلني على "صورة الحزب"، التي تجب العناية الفائقة بها، من خلال دفاعات مستميتة يطرحها كوادر الحزب وقادته، في وجه "الأعداء".
    هذا النوع من التفكير، أراه "كارثيا" بكل ما تعني الكلمة، وهو يعني عمليا، القضاء على أيّ نزعة ديمقراطية داخل الحزب، وعلى أيّ فرصة لإدارة حوارات حقيقية وجادة مع "الآخر".
    هذا الرأي تدحضه معطيات واعتبارات عدة:
    أولا: لا حاجة للخوف، فحزب الأمة يفترض أن يكون حزبا ديمقراطيا ينادي بالشفافية.والنقد الذاتي الموضوعي، يبرهن على ديمقراطية الحزب، وفاعلية كوادره وقدرتهم على الإسهام والمشاركة.
    ثانيا: مثل هذه النزعات، وإن تبطنت بالحرص على "المؤسسية"، تخفي ولعا بالأيدلوجيا، وتستر رغبة متنامية في جرّ الحزب، ليكون حزبا ديكتاتوريا.كما أنها تكرّس الفردية، وتقضي على تعددية الآراء.
    ثالثا: التذرع بأن نقد الحزب يغري الخصوم، ويدفعهم إلى الهجوم على الحزب، غير صحيح، لأن التجربة العملية دلّت على فاعلية هذا الأسلوب في الاستقطاب، لكنه نوع مغاير من الاستقطاب "غير الأعمى"، وهذا تحديدا ما نحتاجه في كلّ منظوماتنا السياسية، أعني استقطاب كوادر مثقفة وفاعلة وقادرة على الاسهام والتطوير.
    رابعا: يسود انطباع في أوساط المثقفين والمثقفات – الآن – أن حزب الأمة، جسم حيوي وفاعل، وتجري فيه نقاشات داخلية متقدمة، الأمر الذي يبقيه في صميم رهاناتهم المستقبلية.
    خامسا: من جانب آخر، يفسح النقد الذاتي للحزب مجالا للتراجع عن خطوة سياسية ما، إذا تبين أن مآلاتها ستكون غير ذات جدوى، هذا بالإشارة من قبل القيادة، إلى أن مجاميع حزبية مؤثرة، ترفض هذه الخطوة.
    سابعا: النقد الذاتي، يقوي الأفكار المطروحة، ويجعل من الحزب حزبا فاعلا ومقتدرا وواثقا من طروحاته أكثر فأكثر، لتعرّضها للتمحيص والرأي والرأي الآخر.


    (3) حزب الأمة ودعوة الحداثة:

    يمكن تصنيف حزب الأمة، على المستوى النظري، كمشروع يقوم على رؤية تحديثية لا تشتط كثيرا في مقاربتها للحداثة في أطر تنزع عن المشروع إمكانات أقلمته، بمعنى مراعاته للظروف التاريخية والثقافية المحيطة بالسودان.
    لكن، يبقى التأكيد واجبا، على أن الدور السياسي و"النظري" المفترض وحده، لا يمكن قطعا أن يقود باتجاه الحداثة، بل في النزوح المستمر والدؤوب، فكريا وثقافيا إلى عمق النسيج السوداني الاجتماعي ومحاورته بقصد تحريك الركود ومصادمة وتفكيك العقل السوداني.إن الحاجة ماسة لإجراء تغيير اجتماعي على المدى الطويل، خاصة بعد التخريب المجتمعي المتواصل من قبل النخبة الإسلاموية الحاكمة، التي شظّت المجتمع، وعمّقت انقساماته، ما يستدعي من حزب الأمة إيلاء عناية قصوى لطرح مشروع اجتماعي متكامل، يقوم على أساس معالجة الانقسامات الاجتماعية، وتقوية الشعور الوطني/القومي.وينبغي الانتباه هنا إلى أن الشعور/الوجدان القومي، يجب ألا يكرّس شوفينية قومية تسعى لدمج الأقليات وتذويبها أو تجاهلها.
    أطرح هذا الرأي عن قناعة أن حزب الأمة بجذوره التاريخية، ومقارباته الفكرية، من أكثر الفاعليات قدرة على القيام بهذا الجهد، لتشكيل خلفية فكرية سياسية ثقافية سودانوية خالصة، إذا ما نضجت الرؤية في ضوء نقاشات معمقة، لم ترتهن إلى مجاراة الواقع السياسي، وابتسار الحلول، وشرط أن يتبلور المشروع في اتجاه أن يكون استراتيجية اجتماعية للحزب.
    لكن الحزب، في المقابل، يواجه أزمة الغياب الكامل للمنابر والتعددية الفكرية فيه، بمعنى إنتاج الفكر، وتلاقح الأفكار.فالسيد رئيس الحزب، هو الوحيد الذي ينشط نشاطا بالغا في هذا المجال.هذا الواقع أفرز نتائج سالبة، من تمظهراتها، الجهوية، والصراعات التي يمكن وصفها بالبدائية، والرؤية (المدرسية) داخل الحزب، بمعنى تكريس البطريركية – الأبوية، وانعدام الحوافز – لدى الآخرين – لطرح رؤى مغايرة.
    يزخر حزب الأمة حاليا بطاقات كبيرة، صعد بعضها من الحركة الطلابية التي انبرت بفاعلية كبيرة لمقاومة الشمولية، وراكم بعضها الآخر، تجارب سياسية وإدارية ثرة من خلال العمل السياسي المباشر، أو العمل في مؤسسات ومنظمات محلية إقليمية ودولية، أو في وظائف أكاديمية وإدارية أخرى.ويؤشر الواقع الماثل إلى أن الحزب لم يفد الفائدة المرجوة من توظيف هؤلاء كلهم وإدماجهم في عمليات اتخاذ القرار والإدارة والتخطيط الحزبي.

    (4) الماثل والمرجو:

    دلّت التجربة أن حزب الأمة حين يكون على رأس المعارضة، يكون في عنفوانه، قادرا على الحشد وعلى الاستقطاب، وهذا مؤشر على أن الخطّ الثوري، إلى أن يتمّ التحوّل عنه – بسلاسة، وبالتدرج – هو الذي يحفظ للحزب تماسكه، خاصة في ظلّ الخطاب السياسي المطروح.التحوّل السريع من هذه النزعة الثورية إلى طبيعة سياسية تتصف بالوداعة، تسبغ على المجاميع الحزبية تراخيا بالغا ظهر بوضوح بعد اتفاق "جيبوتي" الذي أدى تاليا إلى انشقاق في الحزب، وإلى نتائج أخرى، صحيح أن عوامل أخرى أسهمت فيها، بشكل أو بآخر، إلا أن "جيبوتي" تبقى إحدى أسبابها المباشرة.
    وبعيدا عن الدعاية السياسية الفجة، لابد من تقييم هذه التجربة ودراستها بشكل علمي، لأنه يبدو فعلا أن "التكوين النفسي" لكادر حزب الأمة، يظل ذا طابع ثوري نتيجة الظروف التاريخية، ونتيجة التعبئة السياسية المتواصلة.والمطلوب إيجاد آليات سياسية وتنظيمية تبقي على التعبئة في أوجها، وتحافظ على الثورية، إنما في اتجاهات أخرى.
    وهنا، لابد من الإشارة إلى أن التعويل المستمر على "الكم" لا "الكيف" أضر بالحزب أيما ضرر.فلا معنى أبدا للاستمرار على هذه السياسة التي تُعنى بالحصيلة الانتخابية، لا تنمية قدرات الكوادر، ولا تكدير المجاميع الحزبية كلها بغرض إحداث نقلة نوعية داخل الحزب.
    فالورش الحزبية الدائمة في كلّ الولايات، والمكتبات الحزبية، والجهود الهادفة إلى بناء قدرات سياسية وإعلامية وتنظيمية، والمعسكرات التي ينبغي أن تنصرف إلى الأعمال الفكرية، كلها يجب أن تكون أولوية من أولويات الحزب.ويجب أن يهتم الحزب لأمر "اكتشاف" القيادات الولائية ودعمها ودمجها في إطار النخب الحزبية، التي هي الأخرى لابد من الالتفات لأمرها بحيث تتكون قاعدة واسعة للنخب الحزبية المؤهلة للعمل السياسي.
    وفي هذا الجانب ينبغي الإفادة من جهود "الطلاب" و"الطالبات" أثناء عطلاتهم الصيفية، إضافة إلى الكوادر الشابة، بحيث يكون إلزاما أن يمضي كلّ كادر من الكوادر الشابة المؤهلة، أسبوعا على الأقل في مدينة أو قرية، رفقة مجموعة من الكوادر الأخرى بغية النهوض بهذا العمل.
    هذه الجهود يمكن أن تبقي على جذوة "الثورية" إنما تدمجها في إطار حراك سياسي واسع يرمي إلى عمل تثقيفي مستمر، علاوة على اهتمام بالغ بالشؤون التنظيمية في ما يتعلق بتصنيف العضوية وتفعيلها وحثّها على المساهمات المالية إضافة إلى معرفة اتجاهاتها وتطلعاتها، والإبقاء على حلقات التواصل معها.
    وبخصوص النخب، لابد من كسر حالة الخمول والكسل الذهني داخل الحزب، فالواقع إن الحزب بات في حاجة ماسة إلى تفعيل كلّ قطاعاته، وخاصة نخبه المثقفة بحيث يفيد من طاقاتها الفكرية والعلمية عبر "خزانات تفكير" أو "Thinking Tanks" تعمل في شكل مجموعات استشارية، ويعهد إليها الحزب بالدور الاستشاري والبحثي و"الاستطلاعي" في ما يختص بالعلاقات الدولية، وقضايا الاقتصاد، والمجتمع، والدراسات المتخصصة، والإعلام، وتقديم الحزب في صورة جديدة متوائمة مع ما ينشده الناخبون، أو الأعضاء، أو الأعضاء المرجو انضمامهم إلى الحزب.
    يجب أن يلعب الحزب أدوارا في غير الشأن السياسي المباشر، في مياديين أخرى مثل: جمعيات المساعدات الإنسانية، القوافل الطبية، نفرات النظافة، محو الأمية، المهرجانات الثقافية، الدورات الرياضية – بأسماء قادة الحزب والكيان المعترف بأدوارهم الوطنية -، الحملات البيئية وحملات التشجير، الهيئات المختصة بحقوق الإنسان، والتطوّع للدفاع قانونيا عن المضطهدين أو الضعفاء، هيئات الحقوق المدنية المعنية بترسيخ قيم المساواة والحقوق المتساوية، جمعيات مناهضة ختان الإناث والعادات الضارة.
    الخطاب الحداثي يواجه مشكلة أعمق بخصوص تقاطع دور الحزب، كجهاز سياسي، ودور هيئة شؤون الأنصار، كجماعة دعوية.
    لا شك أن هيئة شؤون الأنصار، قامت بالدور الديني الأكثر فاعلية على مستوى الجماعات الدينية السودانية قاطبة، في التصدي لخطاب الإنقاذ الديني (الحاد)، بخطاب معتدل وعصري، وخط فكري ثابت يراعي المزاج والتعدد السوداني، إلا أن الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان، سواء على صعيد المرحلة، أو على صعيد المستقبل، هي بشأن حجم التقاطعات بين الجسمين، وخطاباتهما، وأيهما يهيمن على الآخر إلى درجة ما، وماهية دور الهيئة في الحياة السياسية داخل الحزب، وهل يؤدي (الأنصاري) دوره داخل المؤسسة السياسية كأنصاري له حقوق معنوية وسياسية أكثر من غيره، أم كمنتمٍ للحزب شأنه شأن الآخر غير الأنصاري ؟
    وأخيرا، هل يمكن التسليم بإمكان شقّ طريق حداثي في ظل ترؤس إمام الأنصار لحزب الأمة، أو في ظل قيادة رئيس حزب الأمة لكيان الأنصار، وما الذي سينجم عن تغليب دور القداسة داخل الحزب ؟
    أمر آخر، يتعلق هذه المرة بالشق الثقافي في تنظير الحزب، والإسهام الثقافي العام.هناك ضرورة متنامية ليس في النبش فقط عن تاريخنا الورائي، وإنما، أيضا في إدامة الحوار بين أقسام تاريخنا، وبين الحاضر، من خلال العملية التعليمية خاصة، والإعلام بشكل عام.
    واجب البحث وبشكل معمق في (شخصية السودان) العائدة إلى آلاف السنوات (ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر ألف سنة، من الحضارة، حسب تقديرات مختلفة، وثلاثمائة ألف عام من الوجود السكاني). حزب الأمة – مثلا – نظّر لمسألة تفكيك القبيلة والجهة لمصلحة الكيان القومي، لكن الجهد كان تعوزه مؤشرات نظرية ونقاشات متواصلة من أجل بحث كيفية لحم المهدية التي يرتكز عليها الحزب – غالبا -، بالتاريخ السوداني القديم، لتنمية الشعور القومي، ووضع التاريخ السوداني كلّه في الإطار الصحيح.
    غير أن الحزب فضّل غالبا الإنكباب على التاريخ المهدوي وحده ليجعله نقطة إنطلاق تاريخية له.ولابد أن نعي، وبشكل عميق جدا، أن الحزب إن أراد طرح تنظير شامل يتسق مع مكوناته الفكرية والثقافية (السودانوية) الصرفة، لابد أن يأخذ بعين الاعتبار أن تاريخنا القومي، محيط وشامل، ينسرب كنهر النيل، ولا يمكن تشظيته وابتساره ليضحي على هذا النحو الماثل الآن، خاصة في المناهج التعليمية.
    لماذا لا يشرع الحزب في وضع رؤية جديدة تجاه التعليم في السودان، بحيث يكون تعليما حديثا، محفزا على البحث، وقادرا على تنمية الشخصية السودانية على النحو الأمثل؟ وهل من سبيل إلى ذلك ما لم نعط أولوية للتاريخ البدئي؟ كم من طلابنا وطالباتنا يعلمون اليوم أن ملوك النوبة بلغوا بفتوحاتهم القدس؟
    إن كيفية تعامل الأمة مع تاريخها يعكس حضارتها ونضجها ومعرفتها بعوامل ضعفها وقوتها، والتاريخ المشترك من ضمن العوامل التي بمقدورها إذابة الجليد القبلي والجهوي والسياسي والإثني.
    أما دور الحزب في ذلك كله، فيكمن في ضرورة استبصار المستقبل من خلال عقل جمعي مفتوح على المعطيات كلها التي تجعل من التحديث أمرا ممكنا، ومن بناء شخصية سودانية قومية قادرة على الإسهام، هدفا رئيسا.
    ولننظر إلى جانب آخر، مما نعنيه بالتحديث: الدولة المدنية.
    الدولة المدنية المرادفة لميلاد سوداني ثان، مشروع أنجز نتاج جهد فكري كبير، يعود لرئيس الحزب، السيد الصادق المهدي، ضمن إسهامات أخرى، نظّر لها آخرون، تركّز بشكل أو بآخر على (دولة دينية) بصيغة أو بأخرى، أو (دولة علمانية) بشكل أو بآخر.
    ولا شك عندي – في حال استثنينا البعد الفلسفي في العلمانية – أن الدولة المدنية أقرب إلى العلمانية في صيغتها المخففة، الضامنة للمواطنة والحقوق، منها إلى الدولة الدينية - الثيوقراطية.المنطق يقول، من خلال مراكمة التجربة والوعي السوداني، بعد تجربة الإنقاذ،إن أية محاولة لتطبيق نموذج الدولة الدينية، ستعيد إنتاج الأزمة على نحو بالغ السوء.
    والحق، إن فكرة (الولادة الثانية) بحد ذاتها تبتر (ولادات) أخرى وتستغنى عنها كالولادات النوبية، والدارفورية، والسنارية، وغيرها، فكلّ تلك، كانت مشاريع ولادات لدولة يمكن أن يشار إليها تاريخيا أنها جزء من سعي السودانيين لتشكيل دولتهم، حتى إن لم تكن قومية.
    نقطة أخرى جديرة بالانتباه، هي أن دلالات العلمانية جرى تشويهها على نحو خطير للغاية من قبل الإسلامويين لضمان استمرار سطوتهم الفكرية القائمة على الترهيب الديني، واستعمال خطاب مكرّس لطرد مفاهيم حقوق الإنسان، والمواطنة، والمساواة، من حيّز الدولة (المؤسسات والمفاهيم).
    كما أن رؤية الدولة المدنية لا يمكن مقاربتها مبدئيا إلا من خلال الأوضاع الداخلية لحزب الأمة ذاته، وحركته الذاتية تجاه جماهيره (المجتمع)، وحركته تجاه الآخر،وحركة التثقيف (المدني) بداخله، إضافة إلى نقد الذات والتجربة، وتفكيك البنى (الأيدلوجية) والكاريزمية والأشكال كافة التي تتنافى قطعا مع أفكار الدولة والمجتمع المدنيين.
    ودعنا نطرح سؤالا في غاية الأهمية عن الدولة المدنية التي يبشر بها الحزب، وضرورات الميلاد الجديد للسودان، أليس من أوجب الواجبات توصيف علاقة الحزب بحركة الثقافة؟
    حين طرح البروفسير صمويل هنتغتون نظريته الشهيرة عن صدام الحضارات، تصدى له بعض الأيدلوجيين في السودان في إطار الجدل العالمي الذي أطلقه، لكن هؤلاء الأيدلوجيين تعاموا عن حقيقة مريعة، هي أننا في السودان نعيش صراعا من نوع أخطر، هو صراع الثقافات السودانية، فكيف سنسهم في الجدل العالمي، وبأية ثقافة من ثقافاتنا المتشاكلة، ونحن لم نبلور، بعد، ثقافة يجمع عليها الناس، يمكن توصيفها بالثقافة السودانية ؟
    طرح حزب الأمة – على المستوى النظري – مشروعا ثقافيا دعا من خلاله لحوار الثقافات السودانية، لكن، تبقى المسألة الجوهرية في الأمر برمته، مرهونة برؤية الحزب نفسه وقدراته الذاتية على الصعيد الثقافي، أي على مستوى الإسهام والحوار الفاعل في داخله، ومع المكونات والقوى الأخرى.
    هناك نوع من الحصار الثقافي يعيشه كوادر الأحزاب ذات الصبغة الأيدلوجية، أما في حزب الأمة، فإن هذا النسق الثقافي القابض، يكاد يكون غير ملحوظ.وهذا بحد ذاته أمر ينطوي على شقين، شق إيجابي، لما يمكن أن يوفره من ما يمكن وصفه بـ(المزاج الليبرالي) لكوادر الحزب، وانفتاحهم على الثقافات كلّها، وليست هناك ضرورة لكسر النسق القابض، وفضّ الحصار الثقافي عن الكادر، وبناء منظومة ثقافية ليبرالية.أما الشق الآخر، فهو غياب الأثر الثقافي عن حركة الحزب السياسية والفكرية والجماهيرية.
    الأداة الثقافية المفعّلة بواسطة الحزب، هي الحلقة الأولى من حلقات الوعي والاستنارة والإسهامات الجادة من قبل الأعضاء، لقيادة المجتمع إلى مسارات جديدة.كما أنها حائط الصد الأول أمام محاولات التغريب والإنكفاء.وسواء على مستوى الحراك السياسي أو الفكري، سيجد حزب الأمة نفسه في موقف المدافع عن الثقافة (السودانوية) بمعناها الواسع الحافظ للهوية السودانية ذات الخصوصية الواضحة.
    كما أن هذه الأداة – الأداة الثقافية – هي اللبنة الأولى في بناء مجتمع مدني !!
    طوال عقود، لعب المثقفون المصريون، المتحزبون وغير المتحزبين، دورا بالغ الأهمية في منع تقسيم المجتمع إلى مسلم – قبطي، وفي التصدي للمحاولات العنفية وغير العنفية التي بذلها الإسلامويون لجرّ المجتمع المصري إلى خندق معاداة العقل والفنون وحرية التعبير.هذا الدور الحيوي – وهو من صميم عمل المنادين بدولة مدنية – يجب ألا يتخلى حزب الأمة عنه بأيّ ثمن.
    إن أية دعوة يمكن أن نطلقها لكي يشرع الحزب في اعتماد نسق ثقافي خاص به، هي دعوة تضيف إلى حال التكلّس والحصار والجزر الثقافية – الإثنية في البلاد.وطالما أن الحزب دعا إلى قيم المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان، وحوار الثقافات فعليه ألا يكتفي بالتنظير في المسألة الثقافية.
    على الحزب أن يفعّل دور الثقافة، وأن يضطلع بمسؤولية تاريخية في إطلاق مثل هذا الحوار الذي دعا إليه تحت سقف الهوية السودانوية العريضة. ولابد من الاعتراف أن رؤية الحزب تجاه تحليل مفهوم الثقافة السودانية، كانت قاصرة باعتماد منهج تفسيري يغلّب الهوية العربية، مع صبغة إفريقية ضئيلة، ولم تتطور نظرته هذه إلا في التسعينيات، حين ثار جدل الهوية بشكل غير مسبوق، وشكت المجاميع المهمشة من هيمنة وتحامل الثقافة العربية عليها، فأضطر الحزب لمناقشة المسألة كلها في ضوء المستجدات، هذا على الرغم من أن المرحوم حسين شريف، كان أوّل من طرح بوادر السودانوية في 1919، إنما من دون تجذير المفهوم على النحو المطلوب.
    الهوية السودانوية التي يمكن أن نتبناها هي مجموع ثقافات متداخلة ومتلاقحة هيمنت الثقافة العربية عليها زمنا طويلا، نتاج القهر، والاستعلاء، والتهميش المستمر.ومجرد الاعتراف النظري، على أهميته، بوجود ثقافات أخرى، دون العمد إلى تحليل مفاهيمنا الاجتماعية والثقافية، ونقدها، وإبراز الملمح التعددي – المتساوي – في شخصيتنا القومية، والبدء في حوار جاد يزيل رواسب التاريخ، ويدين بوضوح، التواطؤ والإقصاء والاستعلاء، لن يحل المشكلة المتفاقمة.
    ليبرالية الثقافة السودانية التي ندعو لها، وهي أيضا، تعني تعددية الثقافة السودانية من خلال المفاهيم الجديدة المطروحة (multiculturisme)، وتعددية اللغات (multilinguisme)، لن تتحقق بإفساح المجال فحسب في أجهزة الإعلام للثقافات الأخرى، غير العربية، بل يلزمها مناخ اجتماعي يحتاج جهدا كبيرا من قبل حزب الأمة، من أجل خلق إيمان حقيقي يقفز على المسلمات القديمة، ويحلّ نمطا تعايشيا جديدا ومنفتحا بين الثقافات السودانية، ويكسر الاحتكار والإستعلاء، وهذا كلّه له ارتباطاته العميقة بأنماط التربية في السودان والمنظومات التربوية الثلاث (الأسرة، المدرسة والمجتمع).
    تأثرت الخطابات الحداثية في السودان، بما يصفه المفكر التونسي، الحبيب الجنحاني بالسمات الجنينية للخطاب الحداثي العربي، الذي أبرز مقولة (لا تقدّم، ولا تحديث بدون حرية!).والجدل السوداني – غالبا – يدور حول سقف الحرية السياسية، ولا يلقي بالا إلى ما أسميه بالبعد الاستراتيجي في بناء الدولة والمجتمع.
    من الثابت أن التجربة الإنسانية أكدت رجحان عناصر التحفيز الإبداعي، وعوامل التقدم في المجتمعات التي لا تعاني كبتا سياسي أو استبدادا يحيل الطاقات إلى قوى صامتة وعازفة عن الحياة.وبعيدا عن دور النخب السودانية التي شارك بعضها في إثراء النظم الاستبدادية و(استخدام ثقافتها الرفيعة للتمييز بين الديمقراطية الاخضاعية المرفوضة بالطبع، والديكتاتورية الانعتاقية) كما يصفها المفكر المصري، محمود أمين العالم، بعيدا عن ذلك، ورغم تأثر السودان بالخطاب الحداثي العربي خاصة،إضافة إلى الخطابات الإفريقية – التي لم تجد طريقها إلى الشمال الجغرافي بشكل كبير - إلا أن الخطابات الحداثية لم تكن ذات أثر كبير، نتيجة عوامل عدة، ولم تقدم رؤية نهضوية تتلمس جميع الجوانب، وهذا ربما يرجع للسلطات القائمة للدين والسياسة، إضافة إلى التعليم والأنماط الاجتماعية في السودان، وأخيرا، الخطاب الإسلاموي.
    البناء المعرفي في السودان يحتاج خلخلة واسعة، لا يمكن رميها كمهمة جليلة على عاتق المفكرين والمثقفين فحسب، وإنما ينبغي أن تضطلع القوى السياسية أيضا بدور كبير فيها، لتأثيرها المضاعف في هذه الناحية.
    وليس أدلّ على الفشل في هذا الجانب، بعد مرور ستة عقود على الاستقلال، من بقاء المسلّمات الكارثية في المجتمع، خاصة المتعلقة بالنظرة إلى الآخر..(السوداني)، والتصنيفات الاعتباطية القائمة على ذهنية رافضة لتقبل فكرة التعدد والمساواة، ربما إلا عن طريق فرض الأمر الواقع ..بالسلاح !
    هذه الاتجاهات الجديدة – التي ينبغي أن تسود خطابنا السياسي – تتأتى أيضا عن طريق الدعوة إلى إصلاحات جذرية في التعليم ومؤسساته.فالمناهج السودانية تتغافل عن دراسة التركيبة السودانية التعددية، وتكرّس فقط الثقافة العربية، والطالب أو الطالبة، يجد نفسه مضطرا للتماهي تماما مع مقولات ويقينيات الشعر العربي، والآداب العربية، والتاريخ العربي..فحسب، دون أن يدرك أن الثقافة الإفريقية أيضا، هي من صميم تكوينه، ويضحي مقولبا ومتشربا مناهج لا تعكس حاجاتنا الحقيقة لتكوين شخصية (سودانوية)، ولا حفز الأجيال الجديدة على الإيمان بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة وقيم القانون.
    فهل يمكن لمنظومة سياسية أن تشق دربا للحداثة في مجتمع ما، وتدعو لدولة مدنية من غير أن تولي جانب التعليم أهمية قصوى في خططها ؟
    ولا أعني بذلك العمليات التعليمية التلقينية القائمة منذ عقود، وإنما أطر، ومفاهيم، وفلسفة جديدة للتعليم في السودان، بحيث تكون العناية بالكامل موجهة إلى فتح المسارب أمام عقول التلاميذ والتلميذات لتنمية قدرات التفحص والنقد، عوض التسليم التام باليقينيات.
    هل أزعم بأن مناهج التعليم لابد أن تخضع لغربلة واسعة لطرد التلقين والتحفيظ ، وجلب "العقل" وغرس الحس النقدي ، والمناهج النقدية الى عقول صغارنا بدلا من حشوها بمعلومات كثيرة ، حفظها عن ظهر قلب هو الشرط "الوحيد" للنجاح ؟! عن أساليب تربيتنا على مستوي البيت والمدرسة والمجتمع ، تقبع أيضا مفاهيم تقليدية عاجزة عن تخليق أجيال تتمتع بالوعي فعلا ... اليس ملاحظا أن المستنيرين السودانيين هم نتاج ابداعهم هم وتقدمهم لا نتاج مؤسساتنا ؟! كيف تنبني مؤسسة سياسية راشدة ، والمؤسسات الباقية ضحلة فى ممارستها وفى فكرها . انظر لحال المؤسسة الاجتماعية _ ان صح التعبير _ على ماذا هى تأسست ؟! هل نضج الكائن القومي أم أن المؤسسة قائمة على أرضيات قبلية وجهوية متعسفّة فى رفضها للمشروع القومي ؟! بخصوص التربية ، دائما ما تحضرني عبارة لافتة للفيلسوف البريطاني بيرتراند رسل : عجبت لذلك النوع السخيف من الأخلاق الذى يجزع لكلمة نابية أكثر من جزعه من فعل قبيح !!! دعنا نتمهل طويلا أمام عبارة كهذه ونسقطها على واقعنا السوداني ، هل فعلا يقوم جزء من وعينا الأخلاقي على شروط "كلامية" أكثر من قيامه على شروط "فعلية" ؟! دعني ادلل لك _ وأنا ابدا لا أقرر شيئا هنا ، انما أتأمل _ ، فلنتأمل النخب نفسها على سبيل المثال ، الى أىّ حد تجاوز رفضها لحالة التشظي المجتمعي ، وتمظهرات "الابارتايد" فى مجتمعنا ، من المشافهة ، والادانة "الكلامية" الى فعل عملي ، فى وسط مجتمعاتهم الصغيرة أو حتى فى داخل أسرهم ؟! أليس عجيبا _ مثلا _ أن تسمع من ابن " او ابنة" واحد من النخبة تلفظهم بمصطلحات " عبيد" و" خدم" او فى المقابل " اولاد عرب معفنين" ، ودفاعهم المحموم عن جهوياتهم وقبائلهم ، بل ان انتماء الجهة والقبيلة لا يعدله ابدا انتماء آخر .. الى ماذا يدلل هذا الواقع ؟! الا يمكن الافتراض بأن النخب نفسها فى غالبها هى منافقة ومدعية ، وغير قادرة على مصادمة ارثها الثقافي ؟! هذا ما يقود الى فهم حيثية من حيثيات تعامل النخب السياسية نفسها ، فهي تتحدث بشيء ، فى حين أنها مدجنة بالكامل للمشروع الثقافي القديم ، القائم على جزر عرقية وثقافية ، ومفاهيم موغلة فى التخلف ، وشروط كاريزمات تبدأ من الأب ، وتمرّ بامام المسجد ، ومدير المدرسة ، وناظر القبيلة ، وشيخ الطريقة او الطائفة وتنتهي برئيس الحزب !! كيف يتّم التغيير و"النموذج" غائب ؟! هذا "النموذج" الذى تمثله نخب متصالحة فعلا مع ثقافتها ، ووعيها ... ان الأحزاب الكبيرة فى السودان أحوج لوجود نخب كهذه ، لتصنع "النموذج" رافضة القديم ومؤسسة لاصلاحات حقيقية تبدأ بنفسها ، وليس مطلوبا منها أن يقتصر دورها على السياسي فحسب ، انما مطلوب منها أداء ادوار اجتماعية وثقافية أهم !!

    إذن، هناك حاجة متزايدة للإجابة على أسئلة الحداثة – تحديث الدولة، وتحديث المجتمع -، ويبدو واضحا أن ثمة طريقين للقفز على مشكلات السودان، إما تكريس الأوضاع الراهنة، بناء على الغلبة المسلحة، وتقنين وضع ديكتاتوري، أو الاتجاه نحو الحداثة في معناها العريض.
    والفرصة ملائمة أمام حزب الأمة للإنخراط بجدية في مشروع الحداثة، ليس كحزب يطرح مرئيات الحداثة ومشروعاتها في اطار التنافس السياسي، والرغبة في الاستقطاب، وإنما كدور تاريخي يمكن أن ينهض به الحزب، وهو مؤهل جماهيريا وفكريا وتاريخيا للقيام به، علاوة على أن مثل هذا المشروع الحداثوي (المسودن) يتسق مع رؤى الحزب، إنما يلزمه دفع حثيث للأمام، بحيث يضحي مشروعا متكاملا من أجل بناء المجتمع والدولة.
    أعتقد أن ثمة ظروفا موضوعية وأخرى ذاتية عرقلت هذا الاتجاه في حزب الأمة.فعلى صعيد الظروف الموضوعية، أدّت التغييرات الإقليمية والدولية إلى تنامي الخطاب الإسلاموي الهتافي في السودان، منذ منتصف الستينيات.وأضحت المسألة الدينية، وعلاقة الدين بالمجتمع والدولة محلّ مزايدة كبيرة لدى الإسلامويين.ولا يمكننا الجزم أن هذه المعطيات كانت لتمكن حزب الأمة من طرح مشروع حداثوي تنويري متكامل، في ظل ضغوط على جماهيره، وفي ضوء تكالب اليسار على السلطة، نهاية الستينيات، ما عقّد الأوضاع أكثر، ومنح الخطاب الإسلاموي قوة دفع إضافية.
    صحيح، ساهمت الظروف الموضوعية والذاتية في انحسار الدور التنويري للحزب، على أن ذلك لا يحجب حقيقة أخرى ساطعة، هي أن الإرادة السياسية والثقافية، لم تكن متوفرة بقوة الدفع الكافية، لاختبار مسارات جديدة، كفيلة بوضع البلاد على سكة جديدة، غير التي كرسها الإسلامويون طوال السنوات الأربعين الماضية، وتوجوها – كواقع مرير للغاية – باستيلائهم على السلطة، صبيحة الثلاثين من يونية 1989م.
    كان على حزب الأمة، عوض المناورات السياسية والفكرية، التي أدت لأثمان فادحة، أن يختار بين طريقي الحداثة أو التقليد.وبدا الحزب في أحيان كثيرة، ميالا إلى التقليد لا التحديث، تحديث المجتمع والدولة أعني.فلم يطرح مشروعا متكاملا بهذا الشأن.وإلى غاية الآن، يبدو مثل هذا المشروع بعيد المنال عن أدبيات الحزب ومرئياته الفكرية.
    الواجب أن يعكف منظرو الحزب، ومثقفوه على مناقشات مستفيضة بهذا الشأن، مؤداها وضع مشروع متكامل للنهوض بالدولة والمجتمع على طريق الحداثة.
    هناك ضرورة لمواصلة الحوارات الحزبية وبذات الجرأة ، لأن المحصول الفكري والسياسي ، والممارسة المكتسبة عنها ، فضلا عن تراكم التجربة السياسية فى السودان تدلل الى خلل بنيوي "اولا" ، وهشاشة ديمقراطية لا تسلم منها الاحزاب السودانية ولا الكيانات الاجتماعية ، ولا العقل الجمعي . علينا أن نفطن الى أن الديمقراطية المنشودة لا تتأسس الا بردم هوات واسعة ، قائمة فى العقل الجمعي _ ان صح التعبير _ ، وفى طبيعة الانتماء السياسي ، وطرائق الولاء ، ومفاهيم المحاسبة والتساوي والحقوق .
    انطلاقا من رغبة تبدو مشروعة فى سبر أغوار الممارسة السياسية وتداعياتها ، لابد من الاعتراف بأن تبرئة حزب الأمة من دوره فى هذا الخراب ، ستكون مجازفة أكاديمية ، ومراهنة سياسية خاطئة ، المتضرر الأول منها : الضمير . ولئن بدا للبعض تحميل "الانقاذ" مثلا كل الوزر فيما حاق ببلادنا ، فان هذا النوع من اختزال الأزمة يعد ضربا من التعمية والتنصل من المسؤولية ، فالانقاذ _ برغم أخطائها الفادحة والمريرة فى آن _ هى نتاج تراكمات تغذّت من الواقع ، ليس فى شكل التلقين السياسي الداخلي والمستلف فحسب ، بل فى نزعات وجدت بيئة ملائمة للنمو والتغلغل من خلال نسيج اجتماعي واه ، وممارسات سياسية مشوّهه ، وكساح فكري أقعد المفكرين السودانيين منذ الاستقلال عن استكشاف طرق للتخطيط الاستراتيجي ، اذ أن السياسة السودانية تقتات من المرحلي فحسب _ كما أري _ ، ومن جملة علاقات مختلة بين الدين والسياسة ، وفى فهم النصوص الدينية نفسها ، وفى علاقة الانسان السوداني بالدين ، وسهولة تجنيده لجهة كيانات تتلبس بلبوس الدين كي تستقطب أكبر قدر من المؤيدين لمشروع سياسي صرف . هذا الواقع ، اضافة لاختلالات ثقافية واستقطابات اثنية حادة ، فضلا عن تراكمات تاريخية _ تنضاف الى الواقع السياسي القاتم وتغذيه.
    ولا يسع المرء الا التنويه أيضا بدور النخب السودانية ، المسيّسة وغير المسيسة ، المدعيّة الديمقراطية ، واللائذة بأحضان الحكومات الديكتاتورية ، اذ يتوجب كذلك فهم دور النخب تاريخيا وادوارها فى صناعة "الخراب" عوضا عن تموقعها الطليعي لتنوير الشعب ، وتوعيته ، فى خضم هذا ، لا يمكن نزع "نخب" حزب الأمة ايضا من محيطها النخبوي ، وتطويعها _ كما غيرها من النخب _ مواقعها وصفويتها لجهة امتيازاتها السياسية مع استحالة التعميم بالطبع . الواقع السوداني ، اذن ، هو متقاطع ومربك الى درجة كبيرة . والخوض فيه بدراسة جميع جوانبه يلزم تقصيا لجميع عناصر الاشعال والتوترات .
    فهمي لهذا الواقع مع استعصاء مفاتح حلّه كلها علىّ ، لا يسوقني بالضرورة الى الاتكاء على مبررات واعتذارات اقدمها بالانابة عن حزب الأمة . بالعكس ، ذلك يقود الى فهم جديد ، بضرورة الرجوع الى التاريخ ، وفحص الحاضر ، وادانة الممارسات الخاطئة ، والاختلاف مع الطروحات الفكرية غير المتبلورة ، وصولا الى فهم حاجيات المستقبل بوصف حزب الأمة ليس حزبا سياسيا فحسب ، انما هو بجماهيره ، وخطاباته السياسية والفكرية والاجتماعية جزء مكوّن لنسيج مجتمعي وثقافي وسياسي وفكري أكبر هو : السودان .
    ولا يصح الحديث عن مشروع نهضوي ما لم يكرّس مثقفون نابهون فى كل "الكانتونات" السياسية والدينية والمجتمعية والقبلية والجهوية جهدا يرمي الى تفكيك الاشكالات ، وطرحها بجرأة تصل الى حد الاعتراف ، والاعتراف مطلوب منا جميعا .
    هل يسعنا الاعتراف بدورنا في التشويه الحاصل وغضّ طرفي _ كمثقف شمالي _ واعني جغرافية شمال السودان تحديدا ، وكم أنا آسف جدا لاستخدام هذا التعبير الذى اراه عنصريا فجا ، هل بوسعي غضّ الطرف عن ضرورة اعترافي كذلك بالقيم الثقافية الراكدة و"الاستعلائية" التى يتحلي بها قطاع مقدر من مجتمعي الصغير فى الشمال بل ومحاولة القيام بجهد ثقافي مطلوب فى اتجاه ترسيخ قيم جديدة غير قائمة على الاقصاء والاستئصال وعدم الاعتراف بالآخر ؟ وهل بوسعي تجاوز دوري كمسلم ينبغي منه أن يسهم _ كمثقف _ فى التنوير بحقوق السودانيين الذين ينتمون لديانات أخري ؟ وما مدي التقاطع والتداخل _ أيضا _ بين هذه الأمور ودور أىّ مثقف فى اطاره السياسي كعضو ملتزم ؟
    ان حزب الأمة ، هكذا ، بالأبعاد الاجتماعية والثقافية والدينية التى تطرقت لها ، هو وليد ظروف محددة سياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا . بمعني آخر هو ليس بمعزل عن عوامل الخلل الناشئة عن "فهمنا " لهذه المفاهيم واختزالنا لها ، وبمقدوري العودة كذلك لطرق أبواب محكمة الاغلاق تتعلق بفهمنا المبتور لمفاهيم جوهرية لا تأسيس لسودان مختلف بدونها وهى :
    الدولة
    المجتمع السياسي
    المجتمع المدني
    الديمقراطية
    الحقوق
    الدستور والتشريع
    المواطنة
    الحزب : / الولاء / الانتماء / الاختلاف والتباين
    المؤسسة
    مؤسسات المجتمع المدني
    السلطة
    الواجبات
    وغيرها من المفاهيم الضرورية التى لا يتسع لها المجال ان اردنا تحليلها ، والاشتغال بمقاربات بين تعريفاتها المختلفة .
    هذا من جانب ، يربط حزب الامة بأوجه غير سياسية بحتة للأزمة ، لكن فى المقابل ، لابد من مساءلة الحزب عن أدواره فى هذه الأمور ، ومدي جديته فى تفكيكها لصالح مشروعه المدني المقترح . من جانب ثان ، فان الأزمة السياسية لا يمكن ردها فقط لهذه العناصر الجوهرية البنيوية فقط ، اذ أن هناك دور لابد أن ينسب للقيادة (بوصفها نخبة تدير أمور الحزب) ، ولها نشاطات ايجابية لا يمكن التغافل عنها ، كما لا يمكن الادانة على صعيد واحد ، اذ تتفاوت الادوار ، لكن بشكل عام ، يتوجب مساءلة الحلقات القيادية فى حزب الأمة على صعيد التاريخ ، وعلى صعيد الحاضر ، وعلى صعيد تأسيسها للمستقبل . على مستوي الانجاز الفكري ، والممارسة السياسية ، والدور المفترض تجاه الجماهير وتجاه الوطن . الى أىّ حد تجاوز الحزب اخفاقاته التاريخية فى ترسيخ الديمقراطية ، ليس على مستوي السودان وانما على مستوي قاعدته الجماهيرية ، والى أىّ حد قدمت شروحات لمفاهيم الحقوق والواجبات ، وكيف تمّ التعامل نظريا وعمليا مع اشكالية التقاطع بين كيان الانصار وحزب الأمة ( مع مسألة الامامة )، وهل يتجذر وعي عريض فى داخل الحزب بأدواره غير السياسية فى تفكيك الاشكالات المجتمعية والدينية والثقافية فى السودان ؟
    لكي نناقش هذه الاشكالات مع غيرها ، لابد من الاعتراف بحزب الأمة كجسم سياسي سوداني تحيط به ظروف موضوعية وأخري ذاتية ، تعطلت مسيرته الديمقراطية بسببها او بسبب تباطؤ القيادة فى احايين اخري . ولتأسيس منهج صارم فى هذا المبادرة ، لابد من تضمين الحيثيات قدرا من الاعتراف الصريح بأن مشكلات البنية السودانية سياسيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا هى مسؤولية جماعية تتفاوت تبعا لظروف وملابسات محددة وقاطعة .
    ولطرد الكسل الذهني عنّا جميعا لابد لأعضاء حزب الأمة من أن يدلوا بآراء شفافة ، وللآخرين أن يناقشوا من واقع مسؤولية وطنية تملي علينا جميعا أن نتدبر امور بلادنا فى شتي النواحي بضمير يقظ ، ومن دون تعسّف لا يحيط بأسباب الأزمة مجتمعة . واذا كان الركون الى شروط اخري فضلا عن شرط الدراسة السياسية المطلوبة واجبا ، فان هذه الأخيرة تحتاج الى مسبار عميق يفحص وجوه كثيرة لأزمة حزب الأمة ، ويستعرضها لوصول الى خلاصات نقدية واضحة لا يمكن اعتبارها من قبيل التواطؤ أو النيّة فى الهدم والاقصاء ، انما الاعتبار الوحيد الذى سيتضح لكلّ ذى بصيرة _ من الحادبين على حزب الامة أو المعارضين له _ هو اعتبار المسؤولية الوطنية الجامعة بغرض الدفع قدما بوعينا التاريخي ، واستنهاض أحزابنا ، واسداء خدمة لها باطلاعها على آراء نقدية أمينة تسعي فعلا الى تأسيس سودان ناهض .
    من الواجب اذن التعرض الى جوهر الأزمة التاريخية فى حزب الأمة ، فمن خطل القول اطلاق مزاعم مموهة عن عافية الحزب . فى تقديري ، فان جزء من الاشكال يبرز حين يتم التعامل مع حزب الأمة بوصفه امتدادا للثورة المهدية . نظريا يتقاطع هذا الفهم مع ما طرحه الحزب من رؤية لتأسيس مجتمع مدني ، فالمهدية تجد امتدادا طبيعيا _ فى اطار الدعوة _ فى كيان الأنصار ، وعمليا يجافي هذا الفهم المنطق فى أن تأسيس الحزب لم يرتهن الى الأنصار وحدهم ، بل ان المشاورات الأولي للتأسيس جرت بين نخب سودانية كانت على خلاف بين رؤيتين حيال الوحدة مع مصر . واذا دعم كيان الأنصار حزب الأمة لاحقا ، وشارك قادة الكيان فى محاضر التأسيس ، فان المكاتب القيادية الأولي كانت أقرب الى النخبوية المنتقاة من شرائح المثقفين وبعض وجهاء القبائل فيما يمكن تسميته تحالف بين قطاع نخبوي وبين كيان الأنصار _ ولهم أيضا نخب بالطبع _ ، والواضح أن التأثير الأكبر من خلال الممارسة السياسية وتقلّد المناصب الرسمية كان راجع الى نخبة حزب الأمة . بيد أن النخب التى تولت قيادة الحزب ، لم يكن لها انتاج فكري واضح فى المناحي السياسية والاقتصادية والفكرية ، ما جعل الحزب _ كجسم سياسي _ يتكيء على الارث المهدوي ، ويتغذي على فكر الأنصار . هذا الأمر باعد ما بين الحزب وبين الرؤية السياسية الجامعة التى لا تنطلق من مقررات فكرية لكيان محدد . وكان التطور الفكري ، والحال هذي ، محكوما بقدرة الكيان ، لا الحزب ، على رفد الحراك الفكري بنظريات سياسية . بطبيعة الحال لا يمكننا أن نقفز على دور السيد الصادق المهدي فى هذه الناحية ، اذ يجوز ردّ المساهمات الفكرية الأساسية اليه وحده . فمنذ منتصف الستينات بدأت مدوناته الفكرية تتخذ شكلا أقرب للمانفيستات الفكرية للحزب ، وهى المعبّر الفكري الرئيس عنه ، غير أنه لا يمكن التغاضي عن حتمية التطور التدرجي فى الأفكار ، فالأفكار المطروحة من قبله فى الستينات والسبعينات ، وهى التى عبرت عن حزب الأمة بالضرورة ، كانت مستمزجة الرأي السياسي والفكري ، بالميتافيزيقيا بعض الشيء . هذا ما يصفه بعض المثقفين بالكهانة . وان اعتبرنا أن فكر السيد الصادق المهدي قد شهد تطورا لافتا خلال عقدين من الزمن ، اذ انتقل من طروحات القيادة الملهمة ، والسطوة الروحية ، الى نوع من العقد الاجتماعي والنظر الى اشكالات سياسية وثقافية ومجتمعية من خلال منظور التنمية والديمقراطية المستدامة ، وطرح الدولة المدنية ، فانه لا يمكن اعتبار أن الحالة الفكرية فى داخل الحزب كانت تعيش عافية . الواقع يدلل الى أن نخب حزب الأمة كانت الى حد كبير "مفتونة" بفكر السيد الصادق ، وغير معنية بطرح نظريات موازية لادامة الحوار الفكري الداخلي ، ولم تشتغل أبدا على الدراسة المتأنية لفكره بغية تكوين منهج نقدي ومعدّل _ بكسر الدال _ لمنهجه . والواقع أن نخب الحزب بشكل عام ، ما فتئت تنتقل من مسرح فكري الى آخر من دون اعتراضات تذكر ، مع ملاحظة مهمة ، هى أنه لم ينشأ اى خلاف معتبر فى داخل الحزب حيال الفكر المطروح ، الذى كان يصوغه مفكر أوحد بالضرورة : السيد الصادق المهدي !!
    هذا الوضع أربك المشهد الثقافي داخل حزب الأمة وأوهن دور مثقفيه ، اذ أدي بروز السيد الصادق المهدي كمثقف بارز فى قيادة الحزب الى ترسيم صورة جعلت من رئيس الحزب يبدو وكأنه المثقف الأوحد ، بالرغم من آخرين كثر كانت لهم اضافات بل و جدليات ومراجعات تحث على مطالعة أفكارهم واختلافاتهم مع الفكر الذى أضحي بالضرورة معبرا أوحدا عن الحزب ، غير أن منتديات النقاش الداخلي نفسها يمكن وصفها بالكساح ، فعلاوة على عدم اشتغالها بغير فكر رئيس الحزب ، واعراضها عن القراءة النقدية ، كرّست مبدأ نمطيا فى جعل المثاقفة الفكرية عملية مكرورة وأقرب ما تكون للتلقين والاجتهاد فى شروح فكر رئيس الحزب عدا عن كونها لم تمارس دورا ثقافيا طليعيا فى مضمار العرض والمناقشة والاختلاف ، على العكس مالت الى تدجين نفسها الى حد كبير ، ما أفقد الحزب طابع الحيوية الفكرية والثقافية ، وانصرف الصراع الداخلي الى تكريس حالات الجهوية والقبائلية والمناطقية ، فضلا عن تكريس كاريزمات كثيرة ، ومساومات سياسية لم تتأسس على أسس ناضجة للصراع السياسي عوضا عن تخليق صراع فكري ومحاور عدة يتاح من خلالها التعبير عن آراء منوّعة تخدم التيار الفكري العام وتسنده .
    فى هذه الناحية ، يصح القول بأن الالتباس الحاصل بين قيادة السيد الصادق المهدي ( سياسيا وفكريا وثقافيا ودينيا ) فى حزب الأمة وكيان الانصار ، أنشأ جملة من المفاهيم التى يمكن تسميتها بأنها خاطئة . فاجتهاده فى الحقل الدعوي بوصفه قائدا لكيان الأنصار أضحي ينسحب على المشافهات الثقافية وحالة التثاقف فى داخل الحزب من دون التنبه الى أن الاجتهاد فى هذا الحقل قد يصار الى أن يكون "أمميا" وليس بالضرورة أبدا أن يعبّر عن جسم سياسي سوداني كحزب الأمة . والواقع أن هذه النقطة تحديدا تحتاج تفكيكا منهجيا ومثابرة فى فصل المدونات النظرية لحزب الأمة فى اطار سعيه مع القوي السياسية الأخري لخلق مناخات جديدة ، وفى اطار التدافع السياسي ايضا ، عن المدونات الفكرية المنتجة لكيان الأنصار ومنتسبيه من المسلمين السودانيين المنتميين اليه . وعلى الرغم من أن كيان الأنصار قد يكون فى نظر الكثيرين _ وأنا منهم _ كيانا دعويا معتدلا ومنفتحا ، الا ان خطابه الفكري يتعارض مع الخطاب الفكري لحزب الأمة ، لكون هذا الأخير يتجه بخطابه لجميع السودانيين ، بأديانهم كافة وأعراقهم وثقافاتهم ، ولا يمكن اختزال خطابه فى تفريعات فكرية مستلفة من كيان الأنصار .كما لا يمكن فى المقابل اختزال الحقل الدعوي الانصاري فى مرئيات حزب الأمة فحسب .
    الحق ، لا يمكن الزعم بأن الفكر السياسي المنتج من قبل الصادق المهدي وخاصة فى عقد التسعينات ، محض هراء نظري، كما يدعي بعض المثقفين ، فالمتأمل لهذا الانتاج ، من دون قرنه بتطبيق عملي او ممارسة سياسية _ فالمراد دراسته بعناية فى اطاره الفكري فحسب _ لابد أن يتنبه وبشكل جلي لنقاط وافرة تم تحقيقها تصبّ لجهة التطور والاصلاح والتجديد الفكري ، ففى الميادين الاقتصادية ، والمجتمعية والتنموية والسياسية ، فضلا عن الثقافية ، والدستور كان الانتاج مدللا الى انفتاح وأخذ بعناصر الحداثة ومستمدا من التجربة الانسانية وناقدا لها فى آن . لكن الحاصل فى داخل حزب الأمة ، هو أن هذا الانتاج الغزير فى عقد التسعينات لم ينل حظه من الدراسات المعمقة والمباحث النقدية حتي يتبين مدي مطابقته أو مخالفته لكثيرين داخل الحزب وخارجه يملكون أدوات المعرفة ومتاح لهم انتاج فكر مواز او تعضيد الفكر المنتج او على الاقل الاختلاف معه فى بعض النقاط . لئن كانت مسألة الانتاج الفكري لرجل واحد قضية مربكة فى حزب الأمة كونها تخلق نوعا من الهيمنة الفكرية ، فان ذلك ينسحب على معظم مدارسنا السياسية فى السودان ، لكن المطلوب بالفعل فى حزب الأمة طرد حالة الخمول الذهني عن نخب الحزب ، لتشتغل بواجباتها الفكرية والثقافية على الوجه الصحيح بدلا من تلقف الفكر المنتج وحفظه فحسب من اجل المحاججة السياسية أو تسليما بالواقع القائل : طالما أن رئيس الحزب ينتج ، فقد كفانا !!
    من ناحية أخري ، فان ندرة الاختلافات الفكرية ، وشح المدارس داخل الحزب ، أدي لاستشعار ما بأن رئيس الحزب طالما أنه يجمع الرئاسة السياسية الى جانب القيادة الدعوية وينظّر لهما معا ، فان التطابق قائم لا محالة بين الكيان والحزب . ليس هذا فحسب ، وانما كذلك نشأ عجز ذاتي عن تأسيس منهج نقدي فكري وسياسي فى داخل الحزب ، فما لم ينقده رئيس الحزب ، وما لم يراجعه هو بنفسه ، لا يمكن الخوض فيه ، كونه المرجعية الفكرية الوحيدة . والواقع أن محاولات جيدة بذلت فى اتجاه النقد الذاتي والمراجعات الفكرية غير انها لم تستمر بذاات القوة والاندفاع لتخلق واقعا جديدا يقوم على تعدد الخطابات فى اطار وحدة فكرية عريضة .
    طرحت مسألة "الامامة" اذن اشكالا جديدا ، معقدا ، ومربكا ، ومتقاطعا فى آن . اذا كان الدمج الظاهر بين الكيان والحزب لا زال قائما ، كيف يمكن فكّه وقد أصبحت الرئاسة الدينية والسياسية فى يد السيد الصادق المهدي ؟!
    لا شك أن ظروف محددة أملت على القائمين فى هيئة شؤون الأنصار وعلى السيد الصادق نفسه ، ما يمكن وصفه بنوع من التراجع عن مقترح الدولة المدنية والتأسيس المدني . اذ لا يمكن الزعم أبدا بأن هذه الخطوة تصبّ لجهة حداثة الحزب ، هذه الظروف يمكن رصدها اجمالا فى محاولات الحكومة لشق الحزب والكيان ، وأتاح لها السيد مبارك الفاضل ذلك بشق الحزب ، وتبقت خطوة انتزاع الكيان من معاقل معارضة النظام الى حظيرته.
    الا ان الاتكاء على هذا وحده ، لا ينزع التوجس من مخاطر هذا الدمج على حزب الأمة من عقولنا . فالصحيح أيضا _ الى جانب هذه القراءة _ أن ارباكات شتي ستنشب فى داخل حزب الأمة ليس أقلها ما يمكن أن يطرأ من قدسية على أفكار وطروحات السيد الصادق "رئيس الحزب" بوصفه اماما للأنصار ، وبوصف خطاباته الفكرية لم تدرس بعناية لغاية الآن ، بقصد فصل خطاب الكيان عن خطاب الحزب ، ولأن تشكّل تيارات فكرية تخلق شيئا من التوازن _ والحال هذي _ لا زال فى علم الغيب ، ولأن عملية تثقيف جماهير الحزب ، وفصل الخطابين فى اطار توضيحهما ، لا زالت فى غاية البطء .
    اذن فان المنتظر هو اشكال فكري مرهق ، يتطلب مجهودا ضخما على مستويين ، المستوي الأول هو النخبة الموجودة فى هيئة شؤون الأنصار ، والمستوي الثاني هو نخب حزب الأمة . فالنخب الأولي مسؤولة عن دراسة الاجتهادات الفكرية فى سياقها الدعوي ، وعزلها ما أمكن عن خطاب حزب الأمة السياسي ، فضلا عن تأكيد حضور الشخوص الأنصارية فى قيادة الحزب بوصفها شخوص سودانية ، وليس من باب أن كيان الأنصار كان مدخلا لها ، والواجب ايضا الاكتفاء بالألقاب"امام" " أمير" و" شيخ" فى داخل الكيان ، والبعد ما أمكن عن ترسيمها فى فضاء الحزب . أما المستوي المتعلق بنخب الحزب ، فهو مسؤولية أكثر جسامة ، اذ لا تنحصر فقط فى فرز الخطابين ، وانما ايضا بترسيخ مفاهيم محددة تفكّ الارتباط نهائيا بين "الامامة" والعمل السياسي ، أى بعزل الدور الدعوي والديني عن اهاب الحزب والتعاطي مع الشؤون السياسية بهذا الفهم المتيح للاختلاف والنقد والتقويم من دون قداسة ومن دون اعتبارات "غير سياسية" فضلا عن دور كبير محتوم ، باعادة صياغة وبلورة أشكال الصراعات ، وتخليق التيارات ، وتكريس الحوارات الداخلية فى اتجاه حداثي يأخذ بالحسبان أول ما يأخذ ، عمل نقلة نوعية فى اوساط الجماهير ، وتحويل قطاعاتها من حالة "الكم" المراهن عليها بقوة الى حالة "الكيف" المراهن عليها بقوة أكبر !! ففى ذلك تكمن جملة مباديء فى مقدمتها تبديل "الولاء " الى قناعة بالبرنامج السياسي ، وتفجير طاقات قطاعات مقدرة فى اتجاه بناء حزبي حديث ، وجعل جماهير الحزب مشاركة فعلا فى صناعة القرار السياسي ، والمصادقة على البرامج السياسية ، والمداولة بشأن القضايا الفكرية .
    اذا كنا قد لفتنا الى اكتساب حزب الأمة الصفة الفكرية فى وقت لاحق عن نشأته من التوجهات الفكرية لكيان الأنصار ، وقلة العناية من قبل نخب الحزب بشأن التنظير الفكري ، فان ظهور السيد الصادق المهدي على المسرحين الفكري والسياسي مع غزارة انتاجه المتدرجة من انتاج شحيح بعض الشيء فى الستينات وصولا الى غزارة أحاطت بشؤون شتي ، وحققت نقلة نوعية فى التسعينات ، أدي الى مسكه الخيوط الفكرية بالنسبة للحزب والكيان فى ظرف زمني حتّم الاشتغال بالجانبين السياسي لخلق أوراق فكرية للحزب ، والدعوي لتحقيق اجتهاد اسلامي أوسع فى الكيان .
    ربما كان جانب التصنيف الفكري للافتات المحتوية للجانبين السياسي والدعوي مهمة جدا ، ولعل هذا ما شكّل ورطة لقارئي فكره الذين سرعان ما سيسلمون بثمة خلط ، وصبغة دينية تتضافر على فكر الحزب ، وربما سيتعين لاحقا _ فى الثمانينات _ التعامل مع هذا الشأن بوصف حزب الأمة حزبا دينيا " ثيوقراطيا" . والحق أن الفرز الفكري الواضح بين ما هو موجه للسياسة فى اطار حزب الأمة ، وما هو موجّه للأنشطة الدعوية تجلّي فى عقد التسعينات بالذات ، لكن الفرز ظل قائما على مستواه الفكري ، اذ لم يوازيه جهد فى التثقيف والمثاقفة والمداولة ليترسخ "الفرز" ما أوجد حالة من الالتباس و"التشكيك" حيال تراجع حزب الأمة عن مدوناته الفكرية حين دعا الصادق بدعوة "أهل القبلة " التى هى فى الأصل دعوة منطلقة من الكيان لا الحزب ، وتوضحت أبعاد الالتباس أكثر فأكثر حتي فى أوساط النخبة بعد اختياره اماما للأنصار ، ثم اعادة انتخابه رئيسا لحزب الأمة . الواقع أن جهدا أمينا لابد أن ينشط فى اتجاه تفكيك هذه المسألة ، فمن ناحية _ وكما سبق أن أشرنا _ تنشأ جملة من التساؤلات حيال الجمع بين الامامة والرياسة السياسية ، غير أن هذه الاسئلة ذاتها تقابلها أسئلة مشروعة و"فكرية" تضعّف من الأولي ، وربما المحصول هنا هو محاججة يمكن أن تكون قيّمة فيما لو تم تداول المسألة فى الاوساط الحزبية بشيء من الجدية . بالامكان طرح تساؤلات حول تعارض هذه المسألة مع الديمقراطية !!
    لا شك أن كثيرين ربما يندفعون فى اتجاه ادانتها من منطلق سيدينهم لاحقا !! وربما تكمن حيوية الديمقراطية فى مثل هذه الجدليات المربكة ، فدفوعات الأسئلة الأولي ومحاججاتها القوية ، قد تصطدم بسؤال جوهري : ما مدي تعارض المسألة مع الديمقراطية . الا تشكّل ادانتها فى حد ذاتها نكسة للخيارات الديمقراطية المشروعة لكيان ديني فى أن يبلور رؤيته حيال زعامته الدينية كيفما شاء طالما أنها مقصورة _ أى البيعة لهذه الزعامة _ على المنتسبين فحسب ؟
    من جهة ثانية ، ما هو التعارض الديمقراطي فى أن تسند رئاسة حزب سياسي مدني لقائد جماعة دينية ؟ سيقول مؤيدو هذا الرأي ، إن "القس" جيسي جاكسون ترشّح للرئاسة الأمريكية ، وأن الشرط الوحيد لذلك الا يجلب معه الى الحقل السياسي قداسة منصبه الديني ، وأن "القس" ديزموند توتو فى جنوب افريقيا ، لم تثنه الصفة الدينية عن الاضطلاع بمسؤوليات نضالية وسياسية جسيمة ، فهل الدستورين الجنوب افريقي والامريكي يكرسان قدرا من "الثيوقراطية" ؟؟ اذن الشرط الوحيد فى رأي هؤلاء الذى يجب أن يخضع له رئيس حزب الأمة كائنا من كان _ وبناء على أسس ديمقراطية بحتة _ هو الا يتزيا بزي الدين فى حقل الممارسة السياسية ، والا يركن الى أىّ نوع من القداسة الدينية فى مضمار العمل السياسي .
    بشروعنا فى قراءة فكر حزب الأمة من الزوايا التى تقدم ذكرها ، يتضح أن هناك تقاطعات تمّ التعرض لها بشروح وافرة ، فى ما يتعلق بقضيتين أساسيتين ، الأولي اشتباك الاجتهاد المفترض الخاص بكيان الأنصار ، مع رؤي الحزب السياسية ، والثانية هى الحاجة لقراءة انتاج الصادق المهدي فى ضوء أنه انتاج فرد يحتاج الى رؤي مغايرة ومنوّعة لتشكيل ما يصح القول عنه .. تنوع الخطاب الفكري للحزب فى اطار وحدته . ولعل هاتين القضيتين تشكلان اليوم جوهر الأزمة الفكرية فى حزب الأمة ، فأولاهما مؤداها خلط مريع بين مفاهيم دعوية ومفاهيم سياسية بحتة ، ما يخلق حالة من الميوعة الفكرية فى أوساط الحزب ، وحتى لدى نخبته المثقفة ، تكمن فى العجز عن مفاصلة الخطابين ، وثانيتهما محصلتها تكريس حالة الكاريزما المصاحبة للسيد الصادق المهدي حتى فى اوساط انتلجنسيا الحزب ، وتعضيد فهم سالب عن ديكتاتورية يتحلي بها رئيس الحزب كونه مسيطرا على المفاصل الفكرية الأساس ، وهى التى بالضرورة تصنع بعض (أو كل) المواقف السياسية !!
    ان اسهامات نخب الحزب عدا السيد الصادق المهدي فى الفاعليات الفكرية ، والمؤتمرات والمنتديات الحزبية لا ترقي أبدا الى وصفها بأنها انتاج يعتد به ، حتى فى مجال النقد والمراجعة ، فانها تبدو غير متماسكة حتى الآن وتفتقر الى التغذي برؤية واضحة حيال قضايا فكرية مطروحة فى الساحة الفكرية السودانية ، وغير مسنودة بحس نقدي عال يؤسس فى داخل الحزب لصوت واضح ينادي بالمراجعة والتقويم . المخجل ، فيما عدا توسلات أمينة وصادقة قام بها نفر كريم من نخبة الحزب ، فان الصوت الفكري الوحيد المنادي بالنقد الذاتي كان صوت الصادق المهدي نفسه فى كتابات أخيرة . صحيح أن هناك محاولات اصلاحية سيكتب لها النجاح والتقوي ، فيما لو تخلّت عن خطابها الاحتجاجي ، وجذّرت منهجها ورؤيتها عميقا فى التربة المعرفية للحزب ، وحاججت الفكر والممارسة القائمتين باسهام فكري مكتوب أو مشافه به لجهة أن يكون المجهود مقصودا به الاصلاح فعلا ، لا المناورة السياسية الداخلية ، على أن يؤخذ فى الاعتبار ضرورة شمولية الرؤية بحيث لا تقتصر على تهويمات سطحية حول ممارسة محددة بعينها ، أو فكرة شاردة ، اذ لابد أن تكون شروط النقد وطرح افكار اصلاحية مصحوبة برصد تاريخي ، وفكري وسياسي يرد العلل فعلا الى مسبباتها الحقيقية ، ويفككها بقدر كبير من الموضوعية .
    يبقى القصور دائما مرتبطا بـ"الأجهزة" كنتيجة حتمية لجمعها "السلطات" وبالتالي "الفاعلية" و"الدينامية" بيدها. أما "تقصير" منسوبي الحزب هنا وهناك، فهو وإن غالينا جدا في ذمه، يظل "سلوكا" يمكن تعديله عبر برامج تنفيذية طموحة. لكن، نعود تارة أخرى للتساؤل، من يضع هذه البرامج؟
    إن القضية في تصوري، أعمق من ذلك، وأشد تعقيدا. الحزب يعاني "كسلا ذهنيا" وضمورا في ما يتعلق بـ"الفكر التنظيمي" بداخله. وأنا أفصل هنا بين "الكسل الذهني" و"الضمور في ما يتعلق بالفكر التنظيمي". فالكسل الذهني، قاد لفترة طويلة، إلى حال من "الإتكالية" المفرطة على السيد الصادق المهدي، والإكتفاء باجتهاده فيما يخص (كل) أمور الحزب، من النظر في الفكر البحت، إلى ترتيب ندوة صغيرة ربما، والتحدث فيها (طبعا).
    إننا حين نتحدث عن ترهل تنظيمي فادح، وفشل ذريع يواجهه الحزب، خصوصا في ناحية "التنظيم"، لا نعني بذلك أن مجرد عملية "ابدال" للكوادر القيادية، سيكون مجديا. أنا أؤمن بأن علينا في حزب الأمة، أن نسعى بقوة لجعل أمر حضور "ثمة نخب" في الحزب ممكنا. ليس في قيادة العمل، وإنما في القيام بدور "تثقيفي" و"نقدي" أكبر بداخل الحزب.
    وحين يسلط "بعض مثقفي" الحزب الضوء على ضمور العمل التنظيمي، وشل قدرات الحزب، وضعف برنامجه السياسي، فإن ذلك يعني أن ثمة "عملية انتاجية" للفكر والثقافة (أعني الثقافة داخل الحزب) تجري وتؤشر باتجاه جو (أكثر تعافيا) بهدف دفع الحزب في المرحلة الحالية حثيثا للخروج من (صومعة الفكر) والجهد التنظيري المجرد إلى حد كبير، إلى أفق التعامل "العملي" بل "البراغماتي" - بحدود - في السياسة.
    ظلت أجهزة الحزب وجماهيره، تتداول في شأن "المعضلة" المالية منذ ما لا يقل عن خمسة عشر عاما. لكن هذا التداول بقي في حيزه النظري، دون خطوة واحدة باتجاه وضع آليات تنفيذية قادرة على ترجمة صفحة واحدة من الاقتراحات والمقررات التي نوقشت مرارا. وظلت هذه الأجهزة تتداول أيضا في شأن "الإعلام"، وما يزال الحزب بحاجة ماسة إلى وضع "استراتيجية" إعلامية تسعى لإنشاء "أدوات" إعلامية تتمكن من مخاطبة الشعب السوداني كله.
    في خصوص دارفور، مع ملاحظة أننا الحزب الأكثر تضررا مما يجري هناك، بل ومن آثاره المستقبلية، كانت مواقف الحزب - نظريا - موضوعية وقوية، لكن على المستوى العملي، لم نفعل شيئا ذا بال. فما من مسيرة واحدة خرجت للتنديد بما يحدث، أو للضغط من أجل تحقيق السلام. "طلاب دارفور" بالجامعات فعلوا ذلك أمام مباني الأمم المتحدة في الخرطوم عندما زار كوفي عنان السودان.
    لم يدع الحزب جماهيره للإسهام - ماديا - لتخفيف المعاناة عن أهل دارفور !!
    لم يفكر الحزب في توجيه شبابه وطلابه لتقديم يد المساعدة في معسكرات النازحين في دارفور !!
    لم يقم رئيس الحزب وقياداته الكبيرة بزيارة معسكرات اللاجئين في تشاد !!
    ولننتقل إلى قضية "الفساد" مثلا. لم يجر جهد توثيقي وإعلامي وسياسي كبير للتصادم مع فاسدي الإنقاذ وفضحهم، وجعل هذه القضية المركزية، محورا رئيسا من المحاور السياسية للحزب !!
    الحزب لم يسع إلى غاية الآن، لجعل برنامجه السياسي متاحا لـ(كل) الشعب السوداني، من خلال "تبسيطه" و"اختصاره" ومخاطبة القضايا الخدمية - كمجانية التعليم والصحة، البطالة، مشكلات المغتربين - لينتقل الحزب إلى خانة "خدماتية" - على الأقل في أفق الوعود الانتخابية -.
    علينا أن ننظر بعمق - وهذا دور مثقفي الحزب بالأساس - للتجارب من حولنا، لنطلع على أسباب جذب (حماس) و(الاخوان المسلمين)، البساط من تحت أقدام (فتح) و(الحزب الوطني) في فلسطين ومصر على التوالي !!
    فلننظر – بعيدا قليلا – إلى تجارب "اليسار الديمقراطي الجديد" في أمريكا الجنوبية !!
    لم تتضح رؤية الحزب - من خلال هياكله القيادية ومثقفيه - الاستراتيجية والتكتيكية بالنسبة لـ"الانتخابات المقبلة"، وهي حاسمة وفي منتهى الخطورة، كونها ستقرر مستقبل السودان كله. ما هي التحالفات التي سنخوض بها الانتخابات ؟ هل سنخوض الانتخابات بـ"الشكل القديم" للحزب، أم سنسعى لطرح "نسخة جديدة" للحزب، لمخاطبة الشريحة الأوسع في المجتمع: الشباب ؟ كيف يتم ذلك ؟ وماهي التكتيكات التي سيخوض بها خصومـ(نا) الانتخابات ؟ وكيف سنواجهها ؟
    وأخيرا، هل نعتقد حقا بأن حزب الأمة بهياكله الحالية، وقدراته التنظيمية الحالية، و"طاقمه القيادي" الحالي، قادر على فعل انجاز تغيير ؟
    هل نستطيع الرهان على قدرة حزبنا على حشد مليون سوداني (مثلا) في مسيرة لأي غرض كانت ؟
    هل ننتظر مصيرا كمصير (الوفد) في مصر، الذي صحا وصحت قيادته على نتيجة مفزعة في الانتخابات ؟
    هل لدينا - غير الحركة الطلابية - ما نراهن عليه جماهيريا ؟ وأين هو هذا الرهان ؟ هل هناك ثمة تنظيم وعمل مؤسسي يبرهن على خطل هذا الرهان القاسي ؟
    إن مهمة مثقفي الحزب خصوصا في هذا الوقت، تبدو جليلة إلى أقصى حد، فما من وقت نضيعه في المجاملات، وفي الإبقاء على "مجرد الإرث" و"الأدوات السياسية السابقة"، إذ لابد من طرح هذه التحديات ومناقشتها، للقفز على هذه الأزمة الخانقة التي نعيشها. ومن الضروري إذن، أن نهتم بمعالجة الخلل التنظيمي، والنظر إلى مؤسساتنا الحالية بطريقة موضوعية، ليس فيها كثير من التبجيل أو المصانعة، ولا الحط من شأن القائمين عليها كذلك، لأن هناك أسبابا موضوعية - كالمال - تعوق عملها.

    (5) في المسألة الثقافية

    كنت كتبت – سابقا – هذه الورقة في إطار مناقشة مع الأكاديمي والمثقف السوداني، بروفسير عبدالله (بولا)، - وسأشير إليه دائما بـ(د.بولا) - حول ورقة علمية له بعنوان "شجرة نسب الغول في مشكل (الهوية الثقافية) وحقوق الإنسان في السودان، أطروحة في كون الغول الإسلاموي لم يهبط علينا من السماء" وهي تستحق مناقشات مستفيضة، و"استطرادات" من قبل الباحثين، لما بدأه د. بولا، وصولا إلى "فهم" مشترك حيال الأطروحة. وهي واحدة من أعمق وأشمل الطروحات الثقافية التي تعرضت للمشكل الثقافي في السودان.
    والواجب أن يتنبه حزب الأمة تماما لمثل هذه النقاشات، لأنها تسلط الضوء فعلا على بقع مظلمة في ثقافتنا، وتعتبر ضمن المسكوت عنه الذي يفترض أن يتصدى له الحزب ومثقفوه.
    ولعل نقطة جديرة بالنقاش، كمفتتح لهذه الأطروحة، غير البعيدة عن نقاشات الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان، هي كيفية جعل مثل هذه المناقشات متاحة لقطاعات واسعة من الشعب السوداني حتى لو تمت الاستعاضة عن لغة البحث العلمية بلغة تحوي قدرا من التبسيط والشرح للمصطلحات العلمية، والأفكار ذاتها.
    وهذا بحد ذاته، يحتاج جهدا في مضمار الاقناع الواسع بضرورة الانتقال إلى عقل ناقد ومنفتح على المدارس النقدية، وأولويات المراجعة العميقة. بعبارة أدق، وبصيغة سؤال: كيف السبيل إلى بناء "ثقافات شعبية ناقدة" في السودان، وقادرة على طرح فرضيات مختلفة حيال المسائل الثقافية، عوضا عن اليقينات والمسلمات. وفي هذا الخصوص، يبدو أن المدخل إلى مناقشة ورقة د. بولا، ستكون الشواهد التي لا تحصى عن الاستعلاء اللغوي - بحسب د. بولا - والعرقي والثقافي (والاضافة من عندي) من "الحياة اليومية العادية على قيامه في البنية الذهنية في كلا مستويي الوعي واللاوعي. يكفي في هذا الخصوص تعبير "غلفة اللسان". وهو مع أنه مفهوم عام يسري على كل من لا يتحدث العربية "النظيفة"، إلا أنه يقترن أكثر ما يقترن بمفهوم العبودية السوداني" عبدا لسانه أغلف" و"عبدا أبلم" و"الطين في طينه والعبد في رطينه"
    والحقيقة أن مثل هذه المفاهيم تسري على أوجه كثيرة في حياتنا، وتقع ضمن "المسلمات" من دون أية مراجعات أو على الأقل "ملاحظات ناقدة"، وتؤثر حتى في الآمال المعلقة على السلام والوحدة في السودان. ويتوجب في هذا السياق أن نوجه عنايتنا وبشكل كبير إلى "الأمثال الشعبية" و"المفاهيم" التي لا تخلو من تأكيد هذه المعاني الاستعلائية، وتفصح عنها بشكل لا يستدعي اللبس، مثل "عبدا بي سيدو ولا حرا مجهجه". والحر هنا بطبيعة الحال، لا يمكن أن يكون "ود عرب"، وإنما سيأتي ذكره لاحقا فيما يتعلق بأخلاف أسلاف كانوا "أرقاء" وأعتقوا. ويعني - في تقديري – رغبة مضمرة في استمرار الاستعباد بأشكال مختلفة، لأن الحرية "مجهجهة" !!
    ويمكن كذلك قراءة النكات - والتي لاقت رواجا كبيرا في فترة التسعينات وبداية الألفية الثالثة، من خلال مجموعات "فكاهية" - ومدى "تقبلها" في هذا السياق، وهي تستبطن أيضا في بعض جوانبها استعلاء. ففيها إشارات واضحة إلى المكانة الثانوية للجنوبيين مثلا في المجتمع. كما فيها إشارات للمستوى الذهني المتدني للجنوبيين. هل هناك حاجة للقول إن "الجنجويد" ظاهرة مترسخة في المجتمع السوداني؟
    وفي هذا الجانب أيضا، تقوم - ما يمكن أن أصفها بالذائقة الجمالية المستلبة إلى حد ما ولا أدعى بأنني أقتحم ميدان فلسفة الجمال - باجترار "المفاهيم العربية" حول لون البشرة، والزراية باللون الأسود، وتوجيه المثالب كلها إليه. بل أن المفاهيم هنا تستبطن بل وتصرح علانية أبيات المتنبي التي يبشع فيها بكافور الأخشيدي مثل :
    لا تشتري العبد إلا والعصا معه.. إن العبيد لأنجاس مناكيد
    في تأكيد انحطاط "العبيد" والمصطلح مرتبط بطبيعة الحال بـ"الزنوج" !!
    إن نسقا "مضمرا" بل ومصرحا به على هذه الشاكلة في الثقافة، كفيل بالقضاء على أية بادرة لـ"المواطنة" و"التعددية"، ناهيك طبعا عن الاقتباسات التي ساقها د. بولا، مع تحليل لسياقاتها الثقافية. ولا يغيب عن حيز البحث أيضا، الاسقاطات السياسية الواضحة في هذا الخصوص، حين يكون هذا المدخل وحده، دالا إلى اقصاء الآخر (د. قرنق مثلا) في العبارات الدارجة والاستنكارية في اطار المحاججة وفي صيغة سؤال "كيف يحكمنا هذا العبد".
    ولي أن أنبه هنا إلى ما أسميه "هامش الهامش" إذا جاز المصطلح. والمرء لا يعوزه عناء كبير للاتفاق مع د. بولا، بأن "الزنجي" في السودان هو "عبد" بالضرورة، في "النسق الثقافي" للعربسلاميين (والمصطلح للدكتور بولا)، لكن ثمة "مغيبين" عن المشهد، هم أولئك الذين جيء بأسلافهم منذ عشرات السنين كـ"أرقاء"، وأعتقتهم القوانين، وربما أيضا انحسار مفهوم "الرق" في "صيغته القانونية"، لكن لم يعاد إلي أخلافهم الاعتبار إلى غاية الآن. ويمارس بحق هؤلاء استعلاء عرقي وثقافي فائق، على الرغم من إسلامهم أو "أسلمتهم"، لكن الإسلام ذاته لم يشفع لهم لدى "سادتهم". ومفهوم السيادة ما يزال ماثلا إلى غاية الآن على الرغم من انتفاء صيغته القانونية، لكن حصول هؤلاء الأخلاف على أبسط الحقوق ما يزال بعيد المنال، لأن غالبيتهم لم ينالوا تعليما يذكر، ولا يسعون - بالتالي - للمطالبة بها، كما أنهم لا يملكون أراض زراعية (في الإقليم الشمالي مثلا) أو مصادر أخرى للرزق.
    وثمة أحياء تتألف من بيوت رثة في هوامش عدد كبير من المدن السودانية تضم هؤلاء، ويقومون في الغالب بالعمل في البيوت، ولدى الآخرين في أعمال البناء والفلاحة، والرعي، وصنع الشاي والقهوة، وربما صناعة الخمور في شروط انسانية بالغة التعقيد. هؤلاء ينسحب عليهم مصطلحا "عبد" و"خادم" في ظل قبول من جانبهم تحتمه المصالح الاقتصادية، وربما الغلبة الاجتماعية والثقافية في تلك المجتمعات، وهي ظروف ليست في صالحهم.
    هذه المسألة برمتها، ومناقشاتها - خصوصا في ما يتعلق بضرورات النقد والمراجعة - تبقى قدرتها على احداث تغيير حقيقي، رهنا بمراجعة شاملة و"نقدية" للمناهج الدراسية في السودان. لا يتعلق الأمر بالتعريب "القسري" فحسب، وإنما في فرض ثقافة بعينها، بكل "اسقاطاتها" و"أنساقها المضمرة" وهنا بيت رئيس للقصيد. لا يتعلق الأمر فحسب، بالسماح بتدريس اللغات الأخرى في السودان، وإنما أن تحوي المناهج الدراسية قدرا غير قليل من "البناء المعرفي النقدي"، والاستعاضة عن مبدأ التلقين والتحفيظ، و"اليقينيات" وكون المدرسة والمعلم، مصادر نهائية للمعرفة . وتأهيل "المعلم" ذاته يبقى قضية مفتوحة للنقاش، إذا لا تستقيم مثل هذه الدعوة، في ظل "تعليم جامد" ناله المعلمون أنفسهم.
    التشوهات التي لحقت بأجيال تالية توّلدت عن انتقال خبرات غير مدعومة برؤي نقدية من اجيال سالفة، فتعاطي الاجيال مع بعضها عملية تلقينية بالكامل تتمحور حول محاور شيخ الطريقة - المدرسة - الأب - زعيم الحزب او يمكن القول بأنها دينية، تعليمية، اجتماعية تفرّخ أجيالاً غير قادرة علي وضع لمسات حداثية عبر اتجاهات وطرائق جديدة للتفكير في ما عدا التقنية، أي ان الذهنية نفسها استبطنت النسق المتكامل المضمر في أنسجة المجتمع المستلهم للتراث الديني والثقافي والاجتماعي .
    كيف نبني "العقلية الناقدة" المتطورة باستمرار ؟ هذا هو السؤال الذي علينا أن نثابر على طرحه، ونحاول الاجابة عليه. فالنسق الثقافي، مؤثر جدا، وقادر على التأثير مستقبلا، إن لم تشكل "الأسئلة القلقة" بل والقناعة بجدواها، اشكالية له (النسق الثقافي). وهو، في طبيعته الساكنة و"غير القلقة" يستمد صلابته "المعرفية" من تراكم ما يمكن وصفه بـ"الوصايا"، وأدعوها كذلك، لأن النسق الثقافي يضمر أيضا تبجيلا منقطع النظير لآراء الكبار (الآباء، آئمة المساجد، المعلمين، شيوخ العشائر، وحتى زعماء الأحزاب) ويكاد يصل بقناعاتهم لمقام التقديس.
    وتبقى قدرتها على احداث تغيير أيضا، بمدى قدرة الإعلام والمؤسسات الثقافية على ادارة حوار جاد وعلمي حول "الثقافات السودانية" وأنساقها المختلفة، و"تنمية" العقل الناقد.
    بالطبع، لا يمكن مناقشة المسألة - هذه المسألة شديدة الارتباط بالنسق الثقافي - بمعزل عن أن " العقل السوداني نفسه لم يظهر الي الآن عناية بحضاراته القديمة وحصر جهوده في اجترار التاريخ الأنجلوسكسوني بالسودان ومناوراته مع المهدية، وهذا يستدعي تضافرا لجهود تدعمها منظمات عالمية مختصة من اجل الكشف عن حلقة من أهم الحلقات الانسانية، كانت لها اتصالاتها بحضارات بعيدة، يقرر باذل ديفدسن في كتابه "افريقيا تحت اضواء جديدة" * بأن آنية من الآنيات المعروضة في المتحف السوداني باعتبارها راجعة للحقبة المروية تحمل زخارف صينية! ديفدسن ينبه العالم الي ان لمروي علي الانسانية ان ترعاها وان تكشف ما في بطونها من ذخائر، انها من أعظم ما خلّف العالم القديم، والتاريخ الذي تحتويه، شطر من تاريخ الانسان جليل القدر علينا ان نجلوه، فالواقع الذي لا يزين الآن، هو اننا لا نعرف عن الحياة التي عاشها الانسان في مروي وسائر مدن كوش، اكثر مما عرفه هيردوتس قبل 14 قرنا وما مروي الآن الا مدينة بائسة يغير عليها النهر اثناء فيضانه وتتجاذبها رمال الصحراء الجامحة في سطوتها التي تذرو الغبار علي كنوزها الغائبة في بطن الارض، وتحتوي علي اهرامات ملوكية لا تقل ابداعا هندسيا عن رصيفاتها في الجيزة الا بصغر حجمها. (وأنبه هنا إلى أن "العقل السوداني" ذاته مصطلح يحتاج لوقفة، إذ لا يجوز في تقديري اطلاقه بهذا التعميم ومن دون النظر في مكونات مختلفة له، وعلى أي حال هو غير منضبط مصطلحيا).
    والغريب أن المناهج الدراسية (التي درسناها على الأقل في مراحل التعليم قبل الجامعي) لا تعطي هذا الأمر إلا أهمية قليلة، شأنه شأن "تاريخ أوروبا" و"تاريخ أفريقيا". والحلقات الغائبة في تاريخ السودان وتنشئة الأجيال بناء علي نسق منفصل عن الجذور العميقة، جعل من (الشخصية الماثلة)، مستعارة ومستلبة إلى حد ما، كونها مستنبتة في معمل القرنين الماضيين فحسب بينما يقبع التاريخ الورائي في ثنايا الذاكرة السودانية كـ"شظايا" غير حيوية ولا منتمية. عدم الانتماء هذا ولّد شعورا بـ"هامشية الشخصية" وسط شخوص عريقة علي المستوى الإقليمي.
    كما لا يمكن فصل المسألة، عن النظرة السائدة بالانشداد نحو المصادر الأولى (عربيا وإسلاميا) وهي الجزيرة العربية، حيث الحقائق تكاد - أقول تكاد - أن تكون مطلقة، والمعارف نهائية. فالعروبة خصيصة عرقية وثقافية "أفضل من غيرها"، وأنماط التدين "المنتجة" هناك، ربما تكون أكثر صلاحا، والتصاقا بالمصادر الأولى، لذلك فإن تأييد بعض علماء السعودية لحكم الاعدام على الأستاذ محمود محمد طه - مثلا - يكتسب أهمية بالغة لدى (الرأي العام).
    وهنا تصبح الثقافة (هنا) جزء من (كل) هناك، مستهلكة لانتاج ذلك الـ(كل)، أو في أفضل الأحوال تعيد انتاجه بصيغ أخرى، لكنها تحافظ على جوهره "ويفهم النسق المضمر والمعلن هنا". أي أن (هنا) ربما ليس إلا "جغرافيا" مكملة لـ(هناك)، وعليه، فإن منجزات الـ(هنا) الثقافية تبلغ كمالها بالتطابق ربما مع الـ(هناك) حتى في شكله. ففي حال غنى السودان وثرائه حال تدفق البترول سـ"نرتدي الأشمغة والعقالات" كما يستبطن ذلك في بعض النكات، و"القصائد الحلمنتيشية". أما المثال الأكثر وضوحا على هذه المسألة، فهي الدعاوى الدائمة، والملحة بأن (الأصول) تعود إلى ذلك الفخذ أو البطن من قريش، أو "الدوحة الهاشمية". (في هذا الاطار لا تتم الاشارة مطلقا إلى أبي جهل أو أبي لهب مثلا كجد مفترض لأية قبيلة سودانية !!).

    خاتمة

    أرى أن هناك قضايا في غاية الأهمية لابد أن يناقشها المؤتمر العام:
    1- صوغ رؤية واضحة للحزب حول مستقبل البلاد والأزمات التي تعصف بها.
    2- تقييم التجربة الممتدة من تكوين الحزب إلى غاية الآن بما في ذلك الخط السياسي الحالي من خلال أوراق علمية ونقاشات مفتوحة.
    3- النظر بشكل جاد في أزمة الجهوية داخل الحزب.
    4- طرح أوراق نقدية، وإعداد مشروع جديد لـ(دستور الحزب، وبرنامجه السياسي).
    5- النظر في الاهتمام أكثر فأكثر بطرح برنامج حزبي خدمي.
    6- تقييم واستعراض التشابك الحادث بين حزب الأمة القومي وكيان الأنصار.
    7- صلاحيات رئيس الحزب ومدته القانونية على سدة الرئاسة.
    8- الجمع بين رئاسة الحزب وإمامة الأنصار.
    9- النظر في علاقة السياسي بالديني – في خطاب الحزب وخطاب الهيئة – وفضّ الاشتباك، وإعادة النظر في أطروحة "المزاوجة بين الأصل والعصر".
    10 - مناقشة الخطاب الموّجه إلى الخارج "موضوعة العلاقات الدولية" وضرورة النظر إلى التغييرات الجارية في عالم اليوم، إقليميا ودوليا، وإعادة النظر في علاقاتنا خاصة بكلّ من ليبيا، تشاد، كينيا،إثيوبيا، أوغندا، مصر، إيران، السعودية ودول الخليج، إريتريا، الولايات المتحدة، فرنسا، الصين، بريطانيا، وروسيا، على ضوء مصالح السودان ومصالح الحزب.
    11- مناقشة الخطط الاقتصادية الخاصة بالحزب تجاه السودان – في حال الحكم، وفي حال المعارضة – وإمكانية التوازن بين اقتصاد السوق الحرة، وبين قيّم العدالة الاجتماعية ومظلة رعاية الدولة، وبين التنمية المتوازنة في الولايات، على أن تقرأ بعض المبادرات الجريئة في بلدان أمريكا الجنوبية في التخلص من مأزق الوقوع في براثن صندوق النقد الدولي، واملاءاته، وتفحص بعناية.
    12- مناقشة التحالفات السياسية المرحلية والإستراتيجية.
    13- الدعوة إلى تشكيل الـ Thinking Tanks
    14- مناقشة كيفية تفعيل النخب الحزبية والقطاعات كافة.
    15-
    16- تشكيل لجنة مختصة بالإنتاج الفكري ومراجعة الإنتاج الفكري.
    17- طرح أوراق متخصصة في الإعلام، وفي الخطاب الإعلامي للحزب
    18-
    19- النظر بجدية في كيفية إعادة المنسلخين، وآليات لتفعيل ومشاركة الكوادر البعيدة عن الحزب حاليا.
    20-
                  

العنوان الكاتب Date
دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-26-09, 00:46 AM
  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Sabri Elshareef05-26-09, 02:00 AM
    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عاطف مكاوى05-26-09, 02:09 AM
      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-26-09, 02:38 AM
  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-26-09, 02:07 AM
    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-26-09, 02:11 AM
      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية سارة علي05-26-09, 06:33 AM
        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية wadalzain05-26-09, 06:45 AM
          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-26-09, 07:49 AM
            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية lana mahdi05-26-09, 06:44 PM
              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-26-09, 09:51 PM
                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية فتحي البحيري05-27-09, 09:25 AM
          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-26-09, 09:44 PM
        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-26-09, 09:42 PM
          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Raja05-27-09, 01:20 AM
            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 01:48 AM
            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية سارة علي05-27-09, 01:55 AM
              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 02:23 AM
  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Galaleldin Abdalla05-27-09, 02:08 AM
    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 02:27 AM
      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية سارة علي05-27-09, 02:56 AM
        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 03:15 AM
        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر ادريس محمد05-27-09, 03:34 AM
          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 03:42 AM
          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية سارة علي05-27-09, 03:44 AM
            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية محمد حسن العمدة05-27-09, 10:22 AM
              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية محمد الواثق05-27-09, 11:14 AM
                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية جعفر محي الدين05-27-09, 11:56 AM
                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 12:41 PM
                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية emad altaib05-27-09, 12:50 PM
                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية emad altaib05-27-09, 01:13 PM
                    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية محمد عادل05-27-09, 04:34 PM
                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 04:56 PM
                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 05:03 PM
                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية emad altaib05-27-09, 04:59 PM
                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Elhadi05-27-09, 06:35 PM
                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-27-09, 07:03 PM
                            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية فخرالدين عوض حسن05-28-09, 11:04 AM
                              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية محمد الشيخ أرباب05-28-09, 12:41 PM
                                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية طه كروم05-28-09, 01:13 PM
                                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية emad altaib05-28-09, 07:26 PM
                                    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 04:16 AM
                                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 04:39 AM
                                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 04:43 AM
                                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية محمد حيدر05-29-09, 05:16 AM
                                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية كمال عباس05-29-09, 04:40 AM
                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 04:45 AM
                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 05:15 AM
                            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 05:30 AM
                              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Basheer abusalif05-29-09, 10:07 AM
                                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:09 AM
                                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:12 AM
                                    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:12 AM
                                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:19 AM
                                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:23 AM
                                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:26 AM
                                            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:30 AM
                                              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:35 AM
                                              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-29-09, 11:49 AM
                                                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:52 AM
                                                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-29-09, 12:17 PM
                                                    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 12:28 PM
                                                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-29-09, 12:52 PM
                                                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 01:11 PM
                                                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 01:23 PM
                                                            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-29-09, 01:37 PM
                                                              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 02:43 PM
                                                                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-29-09, 03:00 PM
                                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية نيازي مصطفى05-29-09, 11:33 AM
                                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:40 AM
                                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية yagoub albashir05-29-09, 07:02 PM
                                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 07:37 PM
  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Adil Osman05-29-09, 11:42 AM
    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-29-09, 11:58 AM
      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 05:34 PM
      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Basheer abusalif05-29-09, 06:07 PM
        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-29-09, 06:51 PM
          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-30-09, 01:15 AM
            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-30-09, 04:17 AM
              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية ثروت سوار الدهب05-30-09, 04:36 AM
                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-30-09, 04:54 AM
                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-30-09, 08:09 AM
              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-30-09, 04:39 AM
                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية ثروت سوار الدهب05-30-09, 06:14 PM
                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-30-09, 07:07 PM
                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-30-09, 07:50 PM
                    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية ثروت سوار الدهب05-30-09, 08:05 PM
                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-30-09, 08:37 PM
                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية ثروت سوار الدهب05-30-09, 09:27 PM
                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Abdel Aati05-30-09, 09:45 PM
                            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى05-30-09, 10:09 PM
                              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس05-31-09, 02:20 AM
                                Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس06-04-09, 05:49 PM
                                  Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس06-05-09, 04:47 AM
                                    Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى06-06-09, 07:36 AM
                                      Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس06-08-09, 05:00 AM
                                        Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عبدالمنعم خيرالله06-08-09, 06:27 AM
                                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس06-08-09, 06:45 AM
                                            Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية Mohammed Ibrahim Othman06-08-09, 06:59 AM
                                              Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية خالد عويس06-08-09, 05:35 PM
                                          Re: دعوة (علنية) لتأسيس تيار (الأمير نقدالله) في حزب الأمة وفي الحياة السياسية السودانية عمر عبد الله فضل المولى06-08-09, 07:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de