وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-17-2024, 04:45 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-23-2009, 04:47 PM

محمد صلاح

تاريخ التسجيل: 12-07-2004
مجموع المشاركات: 1276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام (Re: محمد صلاح)

    ملحوظة الوثائق نقلا عن موقع الحوار المتمدن
    اقتصاديا واجتماعياً وثقافياً، ستكون الإمكانية مفتوحة لتعدد الأحزاب.

    ج- العولمة:
    العولمة فترة جديدة في تطور النظام الرأسمالي.وقد أرتبط هذا النظام منذ بداية تشكله وتخلقه بالحاجة للأسواق في كل أنحاء المعمورة، وبالتالي أسبغ طابعاً عالمياً علي الإنتاج والاستهلاك. فالعولمة في جوهرها هي تعبير عن اتجاه موضوعي في مسار اقتصاديات وأسواق العالم نحو التكامل تحت هيمنة الاحتكارات العالمية، فالمدخلات الخارجية عبر الاستغلال الاستعماري للمواد الخام، والسيطرة على أسواق التصريف، ضربة لازب للنظام الرأسمالي ليعيد انتاج ذاته ويتجاوز أزماته.
    وكان كارل ماركس قد تنبأ بمثل هذا التكامل العالمي غير المتكافئ، وأشار إلى انه سيسير في اتجاه إيجابي، وسيكون آلة رافعة للتقدم الإنساني والعدالة الاجتماعية في العالم تحت مظلة الاشتراكية. أما في ظل الرأسمالية فلن يقود إلاّ لتفاقم تناقضها الرئيسي وهو التناقض بين الطابع الاجتماعي العالمي للإنتاج، والتملك الخاص لوسائل الإنتاج.
    وتستند العولمة إلى منجزات الثورة العلمية التكنولوجية التي أحدثت قفزة نوعية في وسائل الانتاج وفي الانتاجية. غير ان فيض الانتاج بأثر هذه القفزة لم يغير البتة، تحت مظلة العولمة، من طبيعة النظام الرأسمالي. فرغم ازدياد الطابع الاجتماعي للعملية الانتاجية عالمياً، بتنامي الاحتكارات الضخمة والشركات الكونية العملاقة عابرة القارات، إلاّ ان الملكية الخاصة لوسائل الانتاج تبقى وتتعزز. وقاد هذا إلى تجسيم التناقض الأساسي للرأسمالية، وإلى استقطاب طبقي أكثر حدة ووضوحاً. ان الحقائق الماثلة في الساحة العالمية تشير إلى ان العولمة لم تقد إلاّ لتغيرات سلبية كبيرة في الخرائط الطبقية والاجتماعية في العالم بأثر الغياب التام للعدالة الاجتماعية.
    ان الفقراء يزدادون فقراً وعدداً، والأغنياء يزدادون غنىً ويقل عددهم. وهو أمر يفاقم ويعمق التفاوت الاجتماعي.
    لقد تدهورت الأحوال المعيشية للطبقة العاملة، وكذلك الفئات الوسطى التي تعرضت أقسام واسعة منها للبطالة. وقد قاد التقدم التكنولوجي بفنونه ووسائله الانتاجية الجديدة تحت مظلة حركة العولمة إلى إلغاء ملايين الوظائف والمهن والى ارتفاع نسبة العطالة، وإلى زيادة استغلال الطبقة العاملة وزيادة فائض القيمة النسبي.
    ووجدت حركة العولمة مناخاً ملائماً لها في عالم القطب الواحد بعد اختلال موازين القوى العالمية بانهيار التجربة الاشتراكية في بلدان المعسكر الاشتراكي. كما استفادت هذه الحركة للحد الأقصى من الحملة العالمية التي اطلقتها تحت أسم مكافحة الارهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا. وقد أصبح شعار مكافحة الارهاب تكأة وتبريراً لتنفيذ أهداف حركة العولمة. وبالإمكان القول ان الرأسمالية اليوم قد عادت سيرتها الأولى على سنوات سطوة الامبريالية وتحرك الجيوش والأساطيل عبر المحيطات لشن حروب التدخل والغزو والاحتلال.ولعل ابرز درس نستخلصه من التطورات في النظام الرأسمالي اليوم هو صمود الرأسمالية وقدرتها على تجديد نفسها و تجاوز أزماتها . وهو درس يقتضي مراجعة التعميمات النظرية للنمط السوفيتي حول الأزمة العامة الثالثة والأخيرة للنظام الرأسمالي ، وكذلك مراجعة مقولة لينين حول أن الاستعمار هو أعلى مراحل الرأسمالية .
    وتسعى حركة العولمة لدمج اقتصاد كل بلد رأسمالي في الاقتصاد العالمي بتقوية الموقف التنافسي للصادرات في الأسواق الخارجية، وبالتالي تنتهج سياسات حرية التجارة وتكسير الحواجز والعقبات التي تقف أمام تدفق الرساميل والاستثمارات والسلع والخدمات.
    وللعولمة خصائصها البنيوية وآلياتها المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية للوصول إلى هذه الغايات. وتتمثل هذه الآليات في البنك الدولي وصندوق النقد العالمي ومنظمة التجارة الدولية وحلف الاطلسي.
    وداخل البلدان الرأسمالية المتطورة يسعى التحالف السياسي والاجتماعي لحركة العولمة المكّون من الليبرالية الرأسمالية الجديدة واليمين الديني، لتحميل اوزار الأزمات الرأسمالية على عاتق العمل والعاملين. ويستهدف هذا التحالف في المقام الأول ضرب المكاسب التاريخية للعاملين ... دولة الرفاه الكينزية، والانفاق الحكومي العام على الخدمات والأشغال العامة، تحت زعم انها قادت إلى انخفاص اسعار الفائدة و بالتالي إلى انكماش وتأزم النظام الرأسمالي. واستناداً إلى ذلك يسعى هذا التحالف اليميني داخل كل بلد رأسمالي إلى سلب حقوق العاملين الاجتماعية والسياسية بما في ذلك الضمان الاجتماعي وكفالة حق العمل وحقوق المرأة والأقليات والعمالة المهاجرة. وفي الواقع العملي عصفت حركة العولمة بدولة الرفاه الكينزية، ونبذت افكار العدالة الاجتماعية، وقلّصت إلى أدنى حد الدور الاجتماعي للدولة.
    وبين اركانحرب حركة العولمة المكّّون من البلدان الصناعية المتطورة تلعب أمريكا دور العراب والقائد الفعلي. وتسعى أمريكا من خلال هذه الحركة لتوسيع الحيز الجغرافي لمفهوم الأمن القومي لأمريكا عبر التدخلات العسكرية والضربات الوقائية تحت مسمى الحرب العالمية ضد الارهاب. ولتنفيذ هذه السياسة العدوانية ستتجاوز الميزانية العسكرية للجيش الأمريكي 500 مليار دولار هذا العام (2007) وتتمتع الولايات المتحدة بوجود عسكري في 140 دولة، وتربطها بما مجموعه 36 دولة معاهدات للتعاون العسكري، وينتشر 400 ألف من جنودها في 800 قاعدة خارج الأراضي الأمريكية.
    هذا إلى جانب ما تضطلع به أمريكا من دور في توسيع حلف الأطلسي وتوسيع نطاق ميادين عمله لتشمل كافة مناطق العالم.وتزامنت هذه السياسة مع استراتيجية منهجية لأمريكا لإضعاف الأمم المتحدة وتطويعها لتتماشى مع الإرادة الأمريكية غض النظر عن القانون الدولي والمعاهدات الدولية.
    وفي العالم الثالث تسعى حركة العولمة لفرض طريق التبعية والنهج الرأسمالي وصولاً إلى أهدافها. وقادت مجمل عوامل دولية ومحلية للضغط على بلدان العالم الثالث للسير في ركاب ومعية حركة العولمة، وانتهاج ما عرف بطريق التحرير الاقتصادي أو الانفتاح الاقتصادي. أهم هذه العوامل هي:
    * برامج التثبيت و التكيف الهيكلي لصندوق النقد والبنك الدولي.
    * الشروط غير المتكافئة في التجارة الدولية.
    * ارتفاع اسعار الفائدة على القروض.
    * تدهور حجم المعونات الخارجية غير المشروطة.
    * تبديد الفوائض الاقتصادية المحلية عبر الصرف البذخي والفساد.
    * المديونية الخارجية التي بلغت أرقاماً فلكية.
    وقادت مجمل هذه العوامل، وما يصاحبها من ضغوط وتهديدات وإملاءات ، خاصة مع غياب الديمقراطية وتسلط الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، إلى فرض نهج التبعية، ونمو القوى الاجتماعية الداعمة لهذا النهج وخاصة فئات الرأسمالية الطفيلية في المدينة والريف.
    وأسفرت تجارب التطبيق، بطبيعة الحال، عن تراجع القفزة الكبيرة في وزن الفئات الوسطي والطبقة العاملة، وتقلص وانحسار دورهما الاجتماعي والسياسي المؤثر والفعال في سنوات ما بعد الاستقلال الوطني في بلدان العالم الثالث. وكانت تلك القفزة قد تحققت بأثر دور الدولة في التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الانفاق الحكومي على التعليم والصحة والإسكان، والتدخل الحكومي في آليات السوق عبر سياسات الدعم والتركيز والرقابة على الأسعار وقوانين الحد الأدني للإجور.

    الفشل هو المصير المحتوم لسياسات العولمة:
    بداية نشير إلى أن الفشل المحتوم مقصود به سياسات العولمة الراهنة وليس العولمة نفسها . فقد تجد الرأسمالية مخرجاً جديداً مثلما وجدته رأسمالية المنافسة الحرة في القرن التاسع عشر، ثم مخرجاً من الاستعمار القديم إلى الاستعمار الحديث ، ثم في العولمة ، ثم التوظيف المكثف لمنجزات الثورة العلمية التقنية .
    لقد أسفرت حركة العولمة في سعيها لفرض النظام العالمي الجديد، عن صراع مستفحل بين المراكز الرئيسية الثلاثة للرأسمالية العالمية: الولايات المتحدة الأمريكية، غرب أوربا، اليابان. وتركّزت هذه الصراعات بصورة خاصة في مجالات الاستثمارات والتجارة. ويشهد العالم المعاصر صراع الضواري الإمبريالية في سعيها وراء مناطق النفوذ في مختلف انحاء العالم.
    وتؤكد التطورات الجارية في العالم، ان سياسات العولمة لم تنقذ العالم الرأسمالي من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مثل الأزمة المزدوجة للتضخم والكساد في آن معاً وأزمة انهيار اسعار العملة والأزمة السياسية والاجتماعية الناجمة عن ازدياد حدة التفاوت الاجتماعي.
    وتدور الصراعات الطبقية والاجتماعية في البلدان الصناعية المتطورة وتتنامى باضطراد وتائر الحركة النقابية والسياسية المناوئة لهيمنة الاحتكارات.ومن خلال هذا الصراع يتم إحراز مكاسب هامة لا يستهان بها لمصلحة العمل والعاملين. مثل الضمان الاجتماعي وحق العمل وغل يد الدولة عن التراجع عن الانفاق العام على الخدمات.وفي أكثر من بلد تم احياء التضامن النقابي بين العمال والفئات الوسطى والطلاب كما يتجلى في الحركة الإضرابية والمظاهرات وفي سيل المسيرات ضد البطالة والفقر والتهميش. لقد ارتدت المطالب النقابية في هذه البلدان أبعاداً أكثر راديكالية في مضامينها الاجتماعية. فإلى جانب المطالب التقليدية بزيادات الإجور وتحسين شروط الخدمة، أطلت برأسها مطالب جديدة مثل زيادة الانفاق الحكومي العام على الأشغال العامة والخدمات، والضمان الاجتماعي، وسن قوانين ديمقراطية للعمل تحول دون تشريد العاملين، وحماية البيئة وغيرها. ولكن الجوهر والأساس بالنسبة لكل المطالب يظل واحداً وهو انتزاع جزء أكبر من فائض القيمة لمصلحة العمل والعاملين.
    وقاد تنامي الحركة النقابية وإحياء التضامن النقابي إلى عودة الحيوية إلى أوصال الأحزاب اليسارية والديمقراطية. وعلى المستوى السياسي قامت في العديد من البلدان الرأسمالية تحالفات سياسية عريضة مناوئة لهيمنة الاحتكارات.
    ومن ناحية أخرى تنامت الحركة الجماهيرية المناوئة لسياسات العولمة الخارجية كما تجلى في الحملات العالمية الواسعة ضد غزو العراق، وفي التضامن مع الشعب الفلسطيني، وكذلك في التضامن مع بعض بلدان أمريكا اللاتينية التي رفضت نهج التبعية والخضوع للإمبريالية، وحققت مكاسب ملموسة لشعوبها بالسير على طريق التطور المستقل.
    وفي العالم الثالث عامة تنمو وتزدهر حركة واسعة ونشطة تستهدف تكامل مقومات التنمية الإقليمية وإلغاء الديون وتعديل اتفاقات التجارة الدولية وإنشاء كتل تجارية إقليمية. وتتسع الدوائر الاجتماعية والسياسية التي تستبين مخاطر نهج التبعية على نهضة بلدانها وسيادتها الوطنية،وتستجمع هذه القوى قدراتها للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية والشمولية التي تكرس نهج التبعية وتدير الظهر لكافة الأبعاد الاجتماعية والبيئية.وهناك ثمة تحول يتسع مداه عاماً بعد عام من الحكم العسكري للحكم المدني في أكثر من بلد.

    الآفاق مفتوحة أمام حركة الشعوب:
    صحيح ان ما حدث من انهيار للتجارب الاشتراكية في المعسكر الاشتراكي السابق، قاد إلى اختلال حاد في موازين القوى العالمية، وإلى إضعاف حركة الطبقة العاملة والحركة الثورية على المستوى العالمي. ولكن ما راكمته البشرية من الوعي والتجارب وأدوات النضال في صراعها ضد الرأسمالية وإفرازاتها باق وراكز. ان غياب المعسكرالاشتراكي السابق لا يعني الانهيار التام والشامل والنهائي الذي لا قيامة بعده للقوى الثورية والاشتراكية وقوى التحرر الوطني. وحتى في بلدان المعسكر الاشتراكي السابق تستنهض القوى المعادية للنظام العالمي الجديد صفوفها بعد الهزيمة وتقِّوم تجاربها وتراجع وتنتقد أخطاءها وتعمل على تجديد نفسها. كما تقوم بطرح مطالب متجددة على رأسها الديمقراطية التعددية والتداول الديمقراطي للسلطة وحقوق الإنسان. وسجلت هذه القوى في أكثر من بلد انتصارات انتخابية برلمانية ورئاسية كبيرة.
    ان زوال دولة الرفاه الكينزية وتقلص دور الدولة الاجتماعي إلى أدنى حد، وانزلاق الطبقة الوسطى إلى عداد الطبقة العاملة وسائر المحرومين، سيفاقم المشكلة الاجتماعية ويطرح في كل العوالم: الأول والثاني والثالث، ضرورة تجاوز النظام العالمي الجديد القائم على حركة العولمة. وهذا عامل موضوعي لنمو حركات رفض واحتجاج للوجه المتوحش لسلبيات حركة العولمة والنظام العالمي الجديد. ولقد تفجرت بالفعل حركة عالمية مناهضة للعولمة في انحاء مختلفة من العالم وبصفة خاصة في اوربا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وتكّون منبر عالمي واسع فكرياً وسياسياً واجتماعياً، ويتميز بمرونة تنظيمية عالية قاد تحركات جماهيرية واسعة ضد سياسات العولمة وآلياتها. ويطرح هذا المنبر مطالب اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة يرد بينها: إلغاء الديون، أسس عادلة ومتكافئة في التجارة الدولية، مناهضة العدوان والغزو والاحتلال، تقويم الاختلال في آليات الشرعية الدولية القائمة بانجاز إصلاحات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تحديد دقيق لمصطلح الإرهاب يتم الاتفاق عليه من قبل كل الأطراف في مؤتمر للأمم المتحدة، إصحاح البيئة، نزع الالغام، محاربة الجفاف والتصحر، وغير ذلك من المطالب.
    وتناضل مختلف الأحزاب الشيوعية والعمالية واليسارية والديمقراطية في العالم لدعم توجهات هذا المنبر وتوسيع آفاقه ورفع قدراته، لا لرفض ومناهضة حركة العولمة، ولكن لرفض الوجه المتوحش للعولمة والنظام العالمي الجديد، ولدعم وتغذية أعمال التضامن العالمي ضد العدوان. انه في الأساس،منبر إصلاحي ولا يشكل أممية اشتراكية جديدة . ويرفد التوجه العام ضد سياسات العولمة والحرب والعدوان. ما يواجهه الغزو الإمبريالي للعراق وافغانستان من صعوبات، فلم تستطع، لا القوات الغازية، ولا السلطات التي قامت تحت ظل الاحتلال، من إيقاف المقاومة والعنف ومن عودة الاستقرار والديمقراطية.
    ومن ناحية أخرى تتهاوى على نطاق واسع، مزاعم مفكري الأمبريالية لتغبيش وعي الشعوب على شاكلة زوال بروليتاريا كارل ماركس من المسرح السياسي/ الاجتماعي العالمي، وبالتالي زوال الدعامات الاجتماعية لدعوة الاشتراكية، وتراجع شعارات ومفاهيم الوطن والوطنية بأثر العولمة، وغير ذلك من الأباطيل.
    ويتأكد اليوم ان المحرك للصراعات في العالم ليس هو صراع الحضارات، بل هو الصراع السياسي/الاجتماعي الدائر تحت أبصارنا بلحمه ودمه في البلدان المختلفة وعلى المستوى العالمي.
    كما يتاكد ان الحراك الاجتماعي المصاحب للثورة التكنولوجية لم يقد لزوال الطبقة العاملة ولا لنهاية الطاقات الثورية للفئات الوسطي. وبالتالي فان الدعوة لرأسمالية شعبية عن طريق التفاهم بين الطبقات في المجتمع الليبرالي لا تستقيم. وطبيعي جداً ان يقود التطور التكنولوجي إلى تغيرات هيكلية في بنية الطبقة العاملة تماماً كما أفرز تغيرات ملحوظة في بنية الرأسماليين والانتاج الرأسمالي. ان فترة المخاض الجديدة التي تعايشها الطبقة العاملة والتغيرات في بنيتها لا تبرر الزعم بنهايتها وزوالها. فالتغيرات البنيوية في تركيب الطبقة العاملة لن تغير من طبيعة الاستغلال الرأسمالي، ولا من الرسالة التاريخية للطبقة العاملة الجديدة وحلفائها لإقامة المجتمع الاشتراكي.
    وقد قاد الحراك الاجتماعي المصاحب للثورة التكنولوجية إلى نشوء تحالفات أوسع للعاملين يدوياً وذهنياً. ان هذه التحالفات العريضة لقوى العمل تشكل دعامات اجتماعية اكثر قدرة على انجاز التحولات الاجتماعية والتغيير الاجتماعي.
    كما ان قيٍّم ومفاهيم الوطن والذود عن السيادة الوطنية والتراث الحضاري تتنامى أمام خطر الذوبان في نهج الحضارة الغربية. ويتصاعد هذا النمو طرداً مع اتساع الحركة المناوئة لنهج التبعية ودعاماته الاجتماعية المحلية التي ترضخ لإملاءات وشروط النظام العالمي الجديد.

    د‌- العالم الثالث:
    لمحات من أفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية وآسيا:
    (1) أفريقيا:
    القارة الأفريقية غنية بمواردها وخيراتها في ظاهر الأرض وباطنها. فهناك الثروات النفطية والغاز الطبيعي. وهناك المعادن بما في ذلك النحاس والذهب والماس واليورانيوم وغيرها. وهناك الثروات المائية والزراعية والحيوانية التي لا ينضب لها معين. ورغم ذلك تعاني البلدان الأفريقية من واقع التخلف، وتثقل كاهلها الاقتصادي المديونية الخارجية بارقام فلكية، ويعاني المواطن الأفريقي في معظم البلدان الأفريقية من الفقر والجهل والمرض وتحصده الأوبئة والمجاعات والحروب.
    ولم يقد انتاج النفط في بعض البلدان الأفريقية، وارتفاع أسعاره عالمياً، إلاّ إلى زيادة الفساد وتقوية القبضة الاستبدادية للأنظمة الشمولية الحاكمة، وإلى إهمال تنمية الثروات التقليدية الزراعية والحيوانية. وفي معظم البلدان الأفريقية المنتجة للنفط لا يتم إلاّ تكريس نسبة ضئيلة للغاية من عائداته في رفع مستوى حياة الملايين من الفقراء. والواقع ان البلدان الأفريقية المنتجة للنفط جنوب الصحراء تنتج أكثر من 11% من جملة الانتاج النفطي العالمي. وتحتل نيجيريا مكان الدولة الأعلى انتاجاً بين هذه الدول (2.5 مليون برميل في اليوم)، ورغم ذلك نجد ان اكثر من 90 مليون من سكانها البالغ عددهم 130 مليون يعيشون تحت خط الفقر. كما يرتفع التساؤل في تشاد والسودان وغيرهما عن أين تذهب أموال النفط المتزايدة في وقت تتدنى فيه أحوال المواطنين المعيشية.
    لقد حالت عدة عوامل وأسباب دون التنمية والتغيير الاجتماعي في البلدان الأفريقية على رأسها:

    * التدخلات الاستعمارية لنهب الثروات الأفريقية من المعادن ومواد الطاقة، وقطع الطريق في وجه سير البلدان الأفريقية في طريق التطور المستقل والنهضة الزراعية الصناعية الثقافية الشاملة. وتتبارى الضواري الاستعمارية حالياً، وفق سياسات العولمة والنظام العالمي الجديد، لبسط مناطق النفوذ والسيطرة من جديد على موارد أفريقيا النفطية والمعدنية، تماماً كما كان عليه حال الصراع حول النحاس في إقليم كاتنقا في الكنغو مطلع ستينات القرن الماضي.

    * الأنظمة الانقلابية والشمولية التي تصادر أي دور مستقل للجماهير الشعبية وتنتهج طريق التبعية والرضوخ لإملاءات النظام العالمي الجديد، وتفتح الباب لاستشراء الفساد وسياسات المحاباة التي تؤجج النزاعات العرقية والدينية، بل وتقود إلى انهاء وجود الدولة ذاتها كما حدث في الصومال.

    * الطريق المسدودالذي وصلت إليه طروحات الاشتراكية الأفريقية أو اشتراكية القرية، وعجزها عن تقديم نموذج عملي على أرض الواقع للتطور المستقل. وكذلك الفشل في انجاز التحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي على أيدي الأحزاب اليسارية التي تتمسك بالقشور دون اللباب في طروحاتها الاشتراكية وتترسم خطى الشمولية والحزب الواحد في تجربة النمط السوفيتي المنهارة.

    * النزاعات الدامية باسباب تعدد الإثنيات والأعراق والأديان والخلاف حول ترسيم الحدود، والفشل في حل المسألة القومية حلاً ديمقراطياًُ عادلاً، وما يقود له كل ذلك وغيره من هشاشة وضعف المجتمع المدني.

    خارطة الطريق لمواجهة مشاكل أفريقيا
    ان المفتاح لحل مشاكل أفريقيا المزمنة يكمن في قيام تحالفات واسعة لكل القوى والتنظيمات السياسية والنقابية والجهوية والقومية بما يمليه واقع التعدد والتنوع في بلدان أفريقيا، لانهاء الأنظمة الشمولية الاستبدادية وفتح الطريق لقيام أنظمة ديمقراطية تعددية تضطلع بمهام:
    - انجاز التحول الديمقراطي وكفالة حرية التنظيم والتعبير واستقلال وحرية النقابات وسائر منظمات المجتمع المدني، بما يرسي آليات فعالة للتنمية المتوازنة ورتق النسيج الاجتماعي ومحاربة الفساد. ذلك ان الرقابة الشعبية التي يوفرها التحول الديمقراطي هي الكفيلة حقاً بانجاز التنمية ومحاصرة الفساد. وفي هذا الإطار، وليس خارجه، يستقيم مقترح النيباد (الشراكة من أجل التنمية في أفريقيا) حول تكوين آلية للمراقبة والمحاسبة الذاتية للبلدان الأفريقية.
    - الحل الديمقراطي للمسألة القومية والإثنية بما يقود للوحدة الراسخة والطوعية في إطار التعدد والتنوع. فالإثنية ليست لعنة أو قدراً مسطراً لا فكاك منه، وفي الواقع لعبت الإثنية دوراً كبيراً في معارك التحرر من السيطرة الاستعمارية المباشرة في الكثير من البلدان الأفريقية. غير ان السياسات الخاطئة للأنظمة الشمولية، وخاصة قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي في قاع المجتمع، والكيل بمكيالين في التعامل مع الاثنيات والجهويات كالمحاباة من جانب والتهميش من الجانب الآخر قاد لان تتحول الاثنية إلى بؤرة ملتهبة للفرقة والشتات والنزاعات المتواصلة.
    وتتحول الاثنية إلى مصدر فوة ووحدة باعتماد صيغ الحكم اللامركزي والفدرالية والحكم الذاتي حسب واقع الحال والاقتسام العادل للسلطة والثروة، وانجاز التحول الديمقراطي. أي بالحل الديمقراطي للمسألة القومية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
    إن الحل أحادي الجانب للمسألة القومية، والذي يتلخص فقط في التمدد في الحكم اللامركزي بزيادة عدد الأقاليم والولايات كما في نيجيريا، لن يقود إلى حل ديمقراطي عادل للمسألة القومية. فقد ارتفع عدد الولايات في نيجيريا من 3 إلى أكثر من 30 دون ان يقود مثل هذا الحل الاحادي إلى وضع نهاية للصراعات الدامية في هذا البلد على أسس عرقية ودينية.
    - يقف التكامل الاقتصادي الأفريقي بين البلدان المتجاورة وخاصة في مجال تصنيع المدخلات الضرورية عالية التكلفة للتنمية الزراعية، رافداً هاماً على طريق انتهاج هذه البلدان لطريق التطور المستقل.
    - رفع قدرات البلدان الأفريقية على مواجهة سياسات العولمة والنظام العالمي الجديد،بما يقتضي دعم التكتلات الإقليمية القائمة وتطويرها، وإقامة تكتلات جديدة أوسع، على سبيل تقوية ضغوط أفريقيا بصورة جماعية من أجل تعديل شروط التبادل التجاري العالمية غير المتكافئة وفرض أسعار مجزية وعادلة للمحاصيل الزراعية الخامة والمحوّلة وإلغاء الديون .. الخ.
    - تفعيل بنك التنمية الأفريقي.
    - تطوير ميثاق الاتحاد الأفريقي ليشمل التضامن بين شعوب القارة في قضايا الحريات وحقوق الإنسان ومواجهة الأنظمة الشمولية والتدخلات الأجنبية. ولعل قراريْ مؤتمريْ الاتحاد الأفريقي الأخيرين بالخرطوم 2006 وباديس أبابا في 2007 برفض رئاسة السودان للإتحاد من منطلق إهدار حكومة السودان لحقوق الإنسان وارتكابها جرائم حرب في دار فور، يقفان دليلاً على إمكانية تطوير الميثاق. كما يعيدان لأذهان الشعوب الأفريقية أصداء حملة التضامن الواسعة، على المستويين الرسمي والشعبي، مع شعب الكنغو على أيام اغتيال بطل أفريقيا باتريس لوممبا مطلع ستينات القرن الماضي. كما يتطلب تطوير الميثاق، تقوية العلاقات البرلمانية وجعلها مستقلة عن الحكومات والأجهزة التنفيذية .
    والواقع ان الأعوام الأخيرة شهدت بعض التحولات في أفريقيا من الحكم الشمولي إلى الحكم الديمقراطي التعددي.وفي هذا الإطار يقف انتصار شعب جنوب أفريقيا بقيادة نلسون مانديلا على نظام التفرقة العنصرية، على رأس هذا التحول. وتمكنت ليبيريا بعد طول معاناة وصراعات دموية من إقامة نظام ديمقراطي تعددي فتح الطريق لإصلاحات ديمقراطية وتنموية. وكذلك جرى تحول ديمقراطي بهذا القدر أو ذاك في عدد من دول القارة مثل أثيوبيا ونيجيريا وكينيا ويوغندا وتنزانيا والكنغو والسنغال وموريتانيا.

    (2) العالم العربي:
    وفي العالم العربي تتربع على دست الحكم في الكثير من بلدانه، انظمة استبدادية تعبٍّر عن مصالح شبه الاقطاع والرأسمالية الطفيلية والكمبرادورية. وتنتهج هذه البلدان نهج التبعية للنظام العالمي الجديد. وبأثر هذا جرى التراجع عن مكاسب هامة احرزتها الشعوب العربية ابان النهوض في حركة التحرر الوطني العربية، بما في ذلك دعم وتوسيع القطاع العام وانجاز الإصلاح الزراعي بهذه الدرجة أو تلك من الراديكالية، وزيادة الانفاق الحكومي على الخدمات والاشغال العامة، وكذلك المواقف الإيجابية من الامبريالية والاستعمار الإستيطاني الاسرائيلي لفلسطين.
    ورغم ان السنوات الأخيرة شهدت ارهاصات لتحولات ديمقراطية بأثر نضال الشعوب العربية في الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس ومصر إلا انها لاتزال هشة وفوقية. وتتأكد في بلدان العالم العربي ضرورات:
    * النضال مع الشعوب العربية لاستعادة قدرات حركة التحرر الوطني العربية كأداة أساسية في النضال من أجل انهاء السيطرة الامبريالية ورفض طريق التبعية. وفي هذا المقام تبرز أهمية مواجهة خطر التفتت عبر الانقسام السني/الشيعي الذي يضعف طاقات الشعوب العربية في مواجهة الإمبريالية، والتصدي لإهدار حقوق الأقليات القومية والدينية. كما تبرز أهمية تنمية وتطوير العلاقات بين التيارات اليسارية والديمقراطية والقومية والاسلامية المستنيرة.
    * قيام تحالفات عريضة على طريق النضال لإنهاء الأنظمة الشمولية واستعادة الديمقراطية والحريات وتدشين طريق التطور المستقل. ان المشروع الأمريكي للإصلاح الديمقراطي في بلدان الشرق الأوسط يظل فوقياً وخارجياً وضعيف المردود دون قيام مثل هذه التحالفات الشعبية العريضة.
    * استثمار العامل القومي العربي في استجلاب أوسع تضامن لدعم خيار شعب فلسطين وتوحيد الجبهة الفلسطينية الداخلية.
    * حشد أوسع الطاقات السياسية والدبلوماسية لفك الجمود أمام التسوية السلمية للصراع الفلسطيني/الإسرائيلي بتصفية الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967 وعودة اللاجئين من المخيمات وإطلاق سراح المعتقلين.
    وقد فرض هذه التسوية وجعلها ممكنة، نضال شعب فلسطين التحرري وانتفاضاته المتواصلة ضد الاحتلال، وتضامن الشعوب العربية وشعوب العالم مع هذا النضال التحرري، وبأثر هذا تحركت آليات الشرعية الدولية، فكان القرار رقم 242 والقرار 338 وكانت مدريد 1991 واوسلو1993 ثم خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي.
    ان أسرائيل بالتواطؤ مع أمريكا تسعى كما درجت دائما لإفراغ قرارات الشرعية الدولية من مضامينها، فبديلاً لشعارات مدريد: "الأرض مقابل السلام"، ظلت ترفع شعار: "أمن أسرائيل"، وبديلاً للسلام العادل رفعت شعار السلام الآمن لإسرائيل. بل ان الاستراتيجية الإسرائيلية تهدف لقيام الدولة الفلسطينية في مساحة صغيرة من أراضي الضفة والقطاع مجردة من السيادة الوطنية. ويا حبذا لو دخلت هذه الدويلة الصغيرة في اتحاد كونفدرالي مع الأردن. كما تسعى إسرائيل للتوسع في إقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي الفسلطينية ولبناء الجدار الفاصل الذي يخترق الأراضي الفلسطينية، ولتهويد القدس لتكون عاصمة أبدية لإسرائيل! وللحيلولة دون عودة اللاجئين الفلسطينيين. بل انها تتحدث عن تحالف إقليمي بينها والبلدان العربية المجاورة لها يفضي لقيام السوق الشرق أوسطية. كما تتحدث بلسان واحد مع أمريكا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير.
    إن طموحات إسرائيل الصهيونية للحصول على مكاسب جديدة تتطلب أوسع تضامن عربي وعالمي مع الشعب الفلسطيني لفرض قرارات الشرعية الدولية.
    * إجلاء الجيوش الأجنبية من العراق وتمكين شعب العراق من تصفية آثار الغزو والاحتلال وبناء دولته الديمقراطية المستقلة.
    * تفعيل دور الجامعة العربية ليشمل إلى جانب استنفار كل الجهد القومي الممكن، التضامن مع الشعوب العربية ضد الأنظمة الانقلابية ومع سجناء الرأي والضمير والأقليات الدينية والعرقية، وتحرير المواطن العربي من ربقة الفقر والجهل والمرض باستثمار عائدات البترول العربية في التنمية في البلدان العربية.
    * التفاعل بين العالم العربي وأفريقيا عبر التكامل والتعاون الاقتصادي وتفعيل دور المصرف العربي للتنمية في أفريقيا والاستفادة من إمكانات وقدرات البلدان المتطورة نسبياً مثل مصر وجنوب أفريقيا في هذا المضمار.
    * وبصورة عامة فإن المهام الآنية في العالم العربي هي النضال من أجل التحول الديمقراطي والتضامن بين الشعوب العربية.

    (3) أمريكا اللاتينية:
    أبرز ما يميز الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلدان أمريكا اللاتينية هو صمود الثورة الكوبية، والتحولات الديمقراطية المناهضة للإمبريالية الأمريكية بدرجات متفاوتة في البرازيل وفنزويلا وبوليفيا وشيلي والأرجنتين والإكوادور ونيكاراغوا وبيرو .. الخ
    لقد قاد التراكم النضالي طويل الأمد ضد الهيمنة والتدخلات الأمريكية في بلدان أمريكا الجنوبية، لأن يشق عدد متزايد من البلدان، بسند جماهيري عبر صناديق الاقتراع والصراع السياسي/الاجتماعي، عصا الطاعة على مبدأ مونرو الذي جعل من أمريكا اللاتينية منطقة نفوذ تابعة للولايات المتحدة الأمريكية. وكان لسان العنجهية الاستعمارية لأمريكا يتحدث عن بلدان هذه القارة كمجرد حدائق خلفية للبيت الأمريكي! وفي أحسن الحالات كمجرد جمهوريات للموز! بل ان توازن القوى العالمي الذي كان قائما عام 1919 مكّن الامبريالية الأمريكية من تسجيل مبدأ مونرو في ميثاق عصبة الأمم. وحتى بعد نصف قرن من ذلك صرح هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق حول تشيلي على أيام الرئيس الاشتراكي الليندي ... "لا أرى لماذا علينا ان نترك بلداً يتجه إلى الماركسية فقط لأن شعبه غير مسئول"!!
    وتسير بلدان أمريكا اللاتينية التي تمردت على الهيمنة الأمريكية على طريق التطور المستقل ودعم القطاع العام كقاعدة لهذا التطور، بهذه الدرجة أو تلك من الراديكالية بسند جماهيري واسع وفعال وتضامن عالمي. ويستند هذا الطريق على اتجاه سياسي وتحالف اجتماعي عريض رافض للبرنامج السياسي والاقتصادي لليبرالية الجديدة ولمخطط الخصخصة العشوائية وسيطرة آليات السوق الذي تسبب في إفقار الطبقات الشعبية. وتقيم هذه البلدان علاقاتها الخارجية باستقلال وبعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
    ويتجلى هذا الطريق المستقل وصولاً للتحول الديمقراطي والتقدم الاجتماعي، في رفض المخطط الأمريكي لإقامة تكتل تجاري جديد لبلدان أمريكا اللاتينية تحت هيمنتها ولخدمة مصالحها، وفي الاتفاق التجاري بين كوبا وفنزويلا وبوليفيا، وانهاء الاحتكار بتأميم حقول وصناعة الغاز الطبيعي في بوليفيا، وامتلاك زمام السيطرة على صناعة النفط في فنزويلا، وكذلك في التكامل الاقتصادي ومحاربة الفقر ودعم الخدمات الصحية ورفع المستوى التعليمي والثقافي للشعب.
    وتصمد هذه البلدان في وجه عقوبات أمريكا مثل عقوبة حظر الأسلحة الأمريكية عنها أو التلويح بعدم شراء نفطها .. الخ.

    (4) النمور الآسيوية:
    وترفد السير على طريق التطور المستقل والتحرر من التبعية وإلزامية التحول الديمقراطي والحريات السياسية والنقابية، والتضامن بين الشعوب وتفعيل المنظمات الإقليمية، تجربة النمور الآسيوية في جنوب شرق آسيا وكذلك تجربة رصيفاتها في بعض بلدان أمريكا اللاتينية. وقد أكدت هذه التجربة على أرض الواقع ان نهج التبعية وغياب البعد الاجتماعي للتنمية وطريق استجلاب التكنولوجيا والديون بأرقام فلكية لن يقود في الواقع العملي إلاّ لإفراز العطالة والفساد والأزمة الاقتصادية/المالية وانهيار أسعار العملة وعدم الاستقرار السياسي. ولعل في هذه التجربة السلبية ما يدعم ويعزز ضرورة السير على طريق التطور المستقل. لقد انبهر الدائرون في الفلك الرأسمالي بتلك التجربة ووصفوها بانها تجربة رائدة قبل ان تنهار. وفي الواقع لم تقد الجهود الهائلة والتوظيفات الضخمة بعشرات المليارات من الدولارات لصندوق النقد الدولي إلاّ لعلاج جزئي ومؤقت للأزمة، تواصلت معه المقاومة الشعبية لطريق التبعية بالانتفاضات العمالية والطلابية.

    الفصل الثاني

    الأوضاع الداخلية في السودان

    أ‌- أثر المنهج الماركسي في صياغة قضايا الثورة السودانية.
    ب‌- الأزمة السودانية: الجذور والتطورات والمخرج.
    ج- إتفاقية السلام الشامل في التنفيذ.
    د- الوضع في الجنوب.
    هـ- ملامح ومؤشرات جديدة في العمل بين العمال والطلاب والنساء والشباب والمنظمات الطوعية:
    1- الحزب الشيوعي والطبقة العاملة.
    2- قضايا التعليم والطلاب.
    3- الحزب الشيوعي وقضية المرأة.
    4- علاقة الحزب الشيوعي بحركة الشباب.
    5- المنظمات الطوعية.
    هـ- التجمع الوطني الديمقراطي وتجربة مجد.

    أ/ اثر المنهج الماركسي في صياغة قضايا الثورة السودانية
    تمكّن الحزب الشيوعي السوداني، مسترشداً بالمنهج الماركسي، من تأكيد وتعزيز ضرورته التاريخية والموضوعية لتطور الثورة السودانية، تلك الضرورة التي افرزها واقع وموازين الصراع السياسي والاجتماعي في السودان في منتصف اربعينيات القرن الماضي، ودعمتها التطورات اللاحقة في مسار ذلك الصراع (راجع كتيب: لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني) وقد ساعد الاهتداء بذلك المنهج، وصولاً الى صياغة استراتيجية وتكتيكات الحزب وبرامجه واشكال واساليب عمله، في تعميد وترسيخ جدوى الحزب الشيوعي في الساحة السياسية والاجتماعية في السودان.
    ولعل مأثرة الحزب الشيوعي السوداني تكمن في استطاعته، عبر اجتهاداته المتواصلة، ترجمة النظرية الماركسية الى لغة مفهومة لجماهير شعبنا رغم واقع التخلف وضعف الطبقة العاملة الصناعية وغلبة فئات البرجوازية الصغيرة في المجتمع. وقد دللت عديد التجارب، منذ نشوء الحلقات الاولى للحركة السودانية للتحرر الوطني، ان الطبقة العاملة السودانية هي الأكثر نشاطاً في ميادين الصراع السياسي والاجتماعي، فإلى هذه الطبقة بالذات يرجع الفضل في تفجير حركة التنظيم النقابي وتحسين مستوى المعيشة والنضال ضد الاستعمار والدكتاتورية، وفي التضامن مع فئات الشعب الاخرى كالمزارعين والطلاب.
    لقد اثبت نضال الطبقة العاملة السودانية خطل المزاعم التي تربط وجود الحزب الشيوعي باستلاب البروليتاريا الصناعية كما في البلدان الرأسمالية المتطورة. اما الدور القيادي للطبقة العاملة فهو قضية نضالية تحسمها في نهاية الامر القناعات الشعبية ويحكمها مسار الصراع السياسي والاجتماعي وازدياد وزن الطبقة العاملة في التركيب الاجتماعي للسكان بأثر التنمية.
    كما ان الاصرار على تطبيق المنهج الماركسي بإستقلال على الواقع السوداني، وفق تفرده وتنوعه وتطوره غير المتساوي، دفع الحزب الشيوعي السوداني للصراع قدر استطاعته، لتأكيد استقلاليته وللانفلات من اسار النمط السوفيتي وجموده. وهو صراع حدا بكثير من المهتمين بالشأن السوداني للحديث عن استقلالية الحزب الشيوعي السوداني عن النمط السوفيتي. وقد مكّنت الاستقلالية ومحاولات الاختراق المبكر لجبهة الجمود والانغلاق من تقديم الحزب لطروحات واسهامات مستنيرة عبر الصراع مع السوفيت حول طبيعة انقلابي 17 نوفمبر 1958 و25 مايو1969، وما يتفرع عن ذلك من قراءة للاوضاع السياسية والاجتماعية في السودان.
    غير ان ذلك الصراع كانت تحد منه وتضعفه اعتبارات تغليب العداء للرأسمالية والاستعمار في التحالف مع المعسكر الاشتراكي، على اعتبارات اختراق الجمود.
    وفي الواقع العملي ظلت محاولات الاستقلالية والتمايز محاصرة دوماً بمحيط الجمود، رغم الاقرار العام بأحقية كل حزب في اتخاذ القرار في اوضاع بلاده الداخلية. فأهل مكة ادرى بشعابها، وكل حزب مسئول امام شعبه وطبقته العاملة عن نتائج استرشاده بالمنهج الماركسي.
                  

العنوان الكاتب Date
وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:45 PM
  Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:47 PM
    Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:49 PM
      Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:51 PM
        Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:52 PM
          Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:54 PM
            Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:57 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de