ندوة ناس الزقازيق : التشابه الجيني للقبائل السودانية والأمراض المنقولة جينياً

Quote: الاخ العزيز/ فيصل محمد صالح اود ان اشكركم بدءاَ انت والاخ محمد لطيف على استضافتكم بطيبة برس لحلقة النقاش\ المؤتمر الصحفى حول الدراسة التى قام بها معهد الامراض المتوطنة عن موروثات المجموعات السكانية بالسودان وفى الواقع هذه الدراسة ليست الاولى اذ سبقتها اخريات مع مجموعة جامعة ستانفورد وعلى راسهم عالم الوراثة البارز كاقاللى سفورزا والتى نشرت فى مجلة الطبيعة البريطانية فى عام 2000 والتى اظهرت ان المجموعات السكانية فى السودان واثيوبيا لديها بعض من اقدم المورثات فى الكرموسوم الذكرى على نطاق النوع البشرى وكانت تشكل بذلك امتداد للدراسة التى نشرتها مجموعة بيركلى بقيادة الان ويلسون والتى اظهرت ايضاَ ان الافارقة لديهم اقدم موروثات فى جينوم الميتكوندريا والتى يتم توريثها عن طريق الامهات فقط.وبالتالى فأن اصول جميع البشر ترجع الى القارة الافريقية. لكن الدراسة الحالية هى الاولى التى تتم بواسطة باحثين سودانيين داخل السودان على مجموعات سكانية سودانية ومقارنتها بباقى المجموعات السكانية فى افريقيا والشرق الاوسط ومثل هذا الضرب من الابحاث غير شائع فى افريقيا ( فيما عدا جنوب افريقيا) وكذلك فى المنطقة العربية ان لم يكن نادر الحدوث حيث ان تاريخ العقود والقرون الماضية كان تاريخ دراسة المجموعات السكانية الاصلية بواسطة علماء الدول الصناعية والذي كان يشكل جزء لا يتجزأ من العملية الاستعمارية بكل ما يحف بذلك من نظرات مسبقةاوتحيز وعدم المام. لقد اثار الاعلان عن نتائج الدراسة لغطَاً ونقاشاَ هو فى مجمله محمود وقد عنينا بأن يكون نشره عبر منبركم لعدة اغراض اهمها الخروج بنتائج الابحاث العلمية من اضابير الدهاليز الاكاديمية الى رحاب المجتمع وهو هدف التقى فيه الباحثون من المعهد مع العلماء من الاكاديمية السودانية الوطنية للعلوم التى اشتركت فى تنظيم حلقة النقاش او المؤتمر الصحفىو التي قام بادارتها البروفسور محمد أحمد الشيخ مدير جامعة الخرطوم . لقد لقيت نتائج الدراسة تغطية واسعة من الصحف واجهزة التلفاز حيث قامت قناة الجزيرة بتغطيتها فى قناتها (الجزيرة مباشر) كما لقيت صدى فى المنبر العام لسودانيز اونلاين حيث تكرم الاخ زهير الزناتى بعرض التحقيق الذى قامت به صحيفتى حكايات والاحداث و ان كان قد اضاف للعنوان عبارة او استنتاج عن خلو السودان من العنصر العربى وهو مالم تذهب اليه الدراسة فلقد استعملنا مصطلح عربى بالذات فى وصف بعض المجموعات السكانية رغم انه كمصطلح مثله مثل غيره من المصطلحات التى يطلقها البشر على انفسهم مثل اوربيون,افارقة,يهود لايحمل دلالة بيولوجية فى الغالب الاعم بقدر ماهو مصطلح له مدلولات تاريخية والعرب انفسهم هم ادل فى ذلك بتصنيفهم العرب الى عارب ومستعربة وعرب بائدة وهو عين التراث الشفاهي الذى قد يتم تعضيده او نفيه بواسطة ابحاث الوراثة الجزيئية مستقبلاَ . شخصياَ اعتقد ان الثقافة التى تكونت فى جزيرة العرب ما قبل ميلاد السيد المسيح قد اسهمت بها هجرات قديمة من شعوب نيلية صحراوية ( عرب سائدة) ومن ثم هجرة من شمال الهضبة الحبشية (عرب عاربة) شكلت ما توافق عليه العرب من اصول حميرية ولغوية ( العائلة الافريقية الاسيوية) وهجرة لاحقة من اسيا هندية – اوربية وهى التى جلبت العرب المستعربة الى جزيرة العرب كل ثقافة تقوم وتستند على انجازات الثقافات التى سبقتها فتستنبطنها ولاتجبها لذلك فان الامم التى هى فى حالة حراك ونهوض ثقافى تكون منفتحة على الثقافات الاخرى ومهيأة لاستقبال افضل مافى الثقافة السابقة. والطابع الثقافى لثقافة ما لايعبر عن المكنون الجينى لتلك الثقافة بقدر مايعبر عن اسهامات الافراد والشعوب التى تأثرت بها او حولها فالثقافة العربية اسهم فيها الفرس والبربر والروم والحبش وكل من دخل فى نطاق تاثير تلك الثقافة فى اوج صعودها وكذلك الثقافة الاغريقية والاسبانية والانجليزية ,فالهنود الذين يتحدثون الانجليزية ويسهمون فى تطورها كثقافة وشعوب امريكا الجنوبية المتحدثة للاسبانية ليسوا بالضرورة من اعراق بريطانية او اسبانية ان وهم النقاء العرقى القائم على مواصفات الشكل الخارجى من اكثر المفارقات مدعاة للسخرية عبر التاريخ فاعرابياَ مثلاَ لايقرأ او يكتب يكون اكثر فخراَ بالانتماء العربى من سيبويه او ابن الرومى لانهم ليسوا بعرب عرقيا لايستقيم لأي ذي عقل. و الذين يفسرون الآية الكريمة " و كنتم خير أمة أخرجت للناس" بأعتبار أن هذه الأمة هي العرب و ليس المسلمين.. هم ممن يغلبون العرق علي الثقافة.. فبالطبع لا يملك الأنسان اختياراً للعرق, فالعربي أوالسلافي يمكن أن يكون أي كان لكن الانسان يمكنة أن يصبح مسلماً جيداً ان صح اسلامة بات من المبشرين بالجنة و استحق عن طريق أعمالة الانتماء الي تلك النخبة المنتقاة. وبذلك يبدو لي أن تفسير الأمة بأعتبارها جماعة ثقافية هو الأرجح من ناحية التفسير, و الا لكان أي متردد سجون يمني أو سعودي خير و أفضل من المهاتما غاندي و مدام كوري. الا ان الثقافات فى احيان عدة لايتم انتشارها عبر التماهى الثقافى فقط ولكن عبر القهر الثقافى كما حدث فى جنوب امريكا حيث انتشرت الاسبانية والمسيحية الكاثولوكية بواسطة السيف واصبحت اللغة والدين اداة للقهر الثقافى و حينما تنتشر ثقافة ما عبر الية مشابهة, تكون الثقافة السائدة هى الخاسرة اى كان زخمها لفقدانها للتفرد و المميزات الخاصة بالثقافة المسود عليها، ترى كم كانت الثقافة الامريكية الجنوبية لتكسب فى حال تمثلها لمكنونات الثقافة الامريكية ما قبل الاسبانية؟ و التنوع الثقافي هنا مشابه للتنوع الوراثى حيث أن المستودع الجينى ذي المورثات المتعددة اكثر قابلية للتطور والاستمرار عن آخر شحيح في مورثاتة. ان الثقافة وليست المورثات كانت ولازالت هى مايميز الناس عن بعضهم البعض وقد افلح بروفيسور كاقاللى سفورزا فى تبيان كيف ان الثقافة يتم توارثها بآلية تشبة آليات الوراثة الاحيائية وتخضع لقوانين الانتخاب الثقافى بل ان الثقافة فى ظروف عدة اكثرمحافظة واقل عرضة للتغيير من الموروثات الجينية. فى جنوب امريكا ارتبطت سيادة الثقافة الاسبانية بتلاشى المورثات المحلية للذكور من السكان الاصليين على حساب الكرومسوم الذكرى الهسبانى وهوالامر الذى يعنى ان انماط الزواج التى تلت وصول الفاتحين الاسبان اعطت افضلية للرجال الفاتحين على الرجال من السكان الاصليين الدراسة السودانية بينت ان امرا مماثلا لم يحدث وان كانت الهجرات الحديثة الاتية للسودان من اسيا واوربا قد كرست لهذا المنحى الذى يعطى افضلية للذكور المهاجرين بناء على مفاهيم عرقية ودينية وهو ما يتسق مع تاريخ السودان المعروف فالسودان لم يفقد استقلاله لقوى غير افريقية الا قبل قرن ونيف مع دخول محمد على باشا للسودان اما انهيار مملكة مروى وماقبله فقد حدث بفضل مؤثر افريقي( مايعتقد حول دور اكسوم) والذى يمكن استنتاجه من دخول المعلم الوراثى للمجموعة المعرف ب M78 . ان نتائج الابحاث العلمية لها بعدها الموضوعى العلمى، ورغم ان المادة العلمية نفسها (محايدة) الا ان العلماء ليسوا محايدين فان لهم ميولهم الشخصية وتوجهاتهم السياسية الخ....... لكنهم لايستطيعون فرض ذلك على نتائج ابحاثهم ان كانت تلك الابحاث ذات مصداقية علمية لكن بعض العلماء يستطيعون اعلاء أو التقليل من ِشأن بعض اوجه ابحاثهم ان جانبتهم الامانة العلمية وترى ذلك فى بعض من في قلوبهم مرض مثل جيم واتسون الحائز على جائزة نوبل فى الطب واحد مكتشفى تركيب الحمض النووى و الذي صرح قبل بضعة اشهر ان الافارقة اقل قدرة من الناحية العقلية على انتاج حضارة ولست هنا فى معرض الرد على ذلك فقد تصدى العديد من الباحثين والعلماء له كما ان رد الفعل الرسمى تضمن الغاء محاضرات له وطرده من منصبه من مؤسسة كولد سبرنغ هاربر التى قام بتاسيسها فى ستينات القرن الماضى .فالاوساط العلمية اصبحت لاتطيق مثل هذه التخرصات ويمكن القول ان لها سياسة احتمال صفرية للتوجهات العرقية. بعض المتعلمين مثل واتسون يتجاهلون نتائج الابحاث العلمية ويلوون عنق الحقائق لتوافق مايجد هوى فى نفوسهم من عرقية اوطبقية الخ..... و مثل هئولاء في مجتمعاتنا كثر والان عودة الى الورقة المعنية والتى هى واحدة من سلسلة من الاوراق عن المجموعات السكانية السودانية تشكل العمود الفقري لبحث الدكتوراه الخاص بهشام يوسف حسن من معهد الأمراض المتوطنة والتى تم نشر الأولي منها مؤخرا فى المجلة الامريكية لعلم الانسان تحت عنوان: Y-Chromosome Variation among Sudanese: restricted Gene Flow, Concordance with Language, Geography and History وترجمة عنوانها : التنوع الوراثى فى الكروموسوم الذكرى للسودانيين محدودية في اتجاه فيض المورثات Gene Flow وتوافق مع اللغة والجغرافيا وتاريخ السودان. يمكن تخليص نتائجها مرة اخرى فى التالى: 1-التنوع الوراثى للكرموسوم الذكرى هو الاقدم فى نوعه فى العالم ليس فى المجموعة الوراثية (أ) فقط ولكن فى المجموعة( ب) ايضاَ 2- يحتوى المستودع الوراثى للذكور فى السودان تبايناَ كبيراَ يعكس تاريخ الهجرات البشري الكبري الي السودان 3- التوافق مابين النوع اللغوى والوراثى والموقع الجغرافى للمجموعات السكانية مؤشر على التاريخ المشترك حيث تتحدر اغلب المجموعات السكانية السودانية من عائلة المتحدثين باللغات النيلية-الصحراوية (دناقلة,محس,دينكا, فور الخ) 4- المجموعات السكانية المتحدثة باللغات من العائلة الافريقية الاسيوية بعضهم قديم مثل (البجة) وبعضهم حديث الهجرة مثل المجموعات العربية والهوسا والاقباط اسهموا فى تنوع هذا المستودع وان كان أثرة محدوداَ على المجموعات الاصلية الجزء الثانى حول المستودع الوراثى للاناث والذي سيتم نشره قريباً يشير الى تواصل لكل المجموعات السكانية في السودان و يتفق مع الدراسة السابقة حول المورث الذكري في محدودية تأثير المورثات الاسيوية علي المستودع الوراثي للاناث في السودان و تشير الي أن بعض المجموعات السكانية خاصة في غرب السودان و جبال النوبة و شمال و جنوب السودان متصلة بأقدم نسل وراثي في العالم مما يرجح أكثر من ذي قبل فرضية نشؤ الجنس البشري في شرق أفريقيا و ربما تحديداً في المنطقةالواقعة ما بين الهضبة الاثيوبية و بحيرة تشاد علي غير ما يزعم بعض المؤرخين بأن ما يعرف اليوم بالسودان حديث النشأة (حتي أن بعضهم يرجعة الي حملة محمد علي باشا في القرن التاسع عشر). ان ذلك ربما كان صحيحاً فيما يتعلق بالحدود الجغرافية , الا انه لا يتفق مع الدلائل التاريخية , الثقافية و الآثارية’ و ما بينتة الدراسةالحالية من وجود مستودع وراثي يتسق مع واقع وجود مستودع لغوي وجغرافي الأمر الذي يشي عن وجود تاريخ مشترك, أصول وأختلاط و مصاهرة بين المجموعات السكانية المختلفة موغل في القدم و هو بعض من متطلبات تكون الأمة وليس شرطة الرئيسي أو الوحيد فهنالك كما تعلم شعوب كثر أبتليت بالتشرذم و التناحر رغم أشتراكها في اللغة والتاريخ الوراثي و الثقافي. ختاماً أسمح لي بأن أشكركم مرة أخري مع تمنياتي بتواصل الحوار و البحث في تاريخ و تراث أحد أكثر البلاد اثارة للاهتمام, وطننا السودان. المخلص منتصر الطيب 9\9\2008