العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع -د.محمد جلال هاشم - للنقاش

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-06-2024, 09:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-18-2009, 03:30 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع -د.محمد جلال هاشم - للنقاش

    العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع
    نُشر بجريدة أجراس الحرّيّة في الفترة ما بين مارس ـ مايو 2009م ثمّ منعته الرّقابة

    محمّد جلال أحمد هاشم
    (1)

    مقدّمة
    Quote: هذه سلسلة مقالات نتناول فيها العلاقات السّودانيّة المصريّة، نحاول فيها تقديم صورة لخطاب مغاير للمألوف في مجال هذه العلاقة. ومع أنّ المقالات تتناول بالتّحليل الفترة التي أعقبت توقيع اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع، إلاّ أنّنا مع ذلك نتوسّع في التّقديم لها باستعراض للعلاقات في سياقها التّاريخي. ومن المتوقّع لمثل هذا الاستعراض البانورامي أن يكون عموميّاً. ولهذا تحرّينا فيه تناول ما يُعلم في هذا الأمر بالضّرورة. وقد يبدو للبعض أنّنا كما لو كنّا نسعى لتقويض أركان العلاقات بين السّودان ومصر؛ ولكن لا شيء أبعد من هذا. ما نحاوله هو نقد مبضعي لها، بغية تقويمها وإعادة بنائها بما يحفظ للشّعبين أكرم العلاقات، لا علاقة الشّقيق الأكبرBig Brother بالشّقيق الأصغر، وهو وصف قدح به أستاذنا محجوب محمّد صالح في معرض تناوله لطبيعة العلاقات بين البلدين (راجع: محجوب محمّد صالح، "العلاقات السّودانيّة المصريّة وإشكالات الإدراك المتبادل" في: أسامة الغزالي [تحرير]، العلاقات المصريّة السّودانيّة بين الماضي والحاضر والمستقبل، القاهرة: مركز البحوث والدّراسات الإستراتيجيّة، 1990، ص.ص. 141-152). وكما يقول الأمين عبد اللطيف (كان سفير السّودان في القاهرة إبّان الدّيموقراطيّة الثّالثة)، إنّ "مصر لم تحاول فهم الشّخصيّة السّودانيّة واكتفت بالصّورة التي رسمتها ولم تغيّرها مع الزّمن". فالسّودان بالنّسبة لمصر لم يعدُ تاريخيّاً كونه معبراً لنهر النّيل، وبالتّالي استمدّ أهمّيّته لدوره الحيوي في مجال أمن مصر المائي؛ ولهذا لم يكتسب السّودان أيّ بعد إنساني، أي لم يشكّل السّودانيّون أيّ أهمّيّة في المخيّلة المصريّة، لا رسميّاً ولا شعبيّاً (الأمين عبد اللطيف، العلاقات السّودانيّة المصريّة ورؤية مستقبليّة، الخرطوم: مركز محمّد عمر بشير، 1986، ص.ص. 175-178). وكان هذا بالضّبط ما دفع بمحمّد عبد الرّحيم (مؤرّخ السّودان) لتدبيج الرّدود ضدّ كتاب قام بتأليفه محمّد حسين هيكل تحت عنوان عشرة أيّام في السّودان، تناول فيه السّودان بما لم يقبله السّودانيّون (محمّد عبد الرّحيم، رفع النّداء في دفع الافتراء، الخرطوم، 1953). وكان ممّا أخذه محمّد عبد الرّحيم على هيكل اعتماد الأخير على روايات أناس لم يعيشوا في السّودان غير بضع سنوات، وكانوا يُصنّفون، كما كانو يُصنِّفون أنفسهم، على أنّهم أجانب، دون أن يكلّف الكاتب نفسه مشقّة سؤال أهل البلد عن بلدهم وعن موقفهم إزاء القضايا المثارة في الكتاب؛ وكلّ هذا في عشرة أيّام غير كافية للقيام بسياحة متعجّلة في بلد قارّة. وقد علت العديد من الأصوات المشفقة من قبل سودانيّين يؤمنون ليس فقط بوحدة وادي النّيل، بل بحقّ مصر الأصيل في السّودان، وذلك تحذيراً لمصر من أن تفق السّودان جرّاء جهلها القاتل بالسّودان وبالسّودانيّين. ففي حوالي العقد الرّابع من القرن العشرين تكلّم التّيجاني يوسف بشير (مقال بعنوان: "ضرورة الوحدة بين مصر والسّودان" في محمّد عبد الحي وبكري بشير الكتيّابي، التّيجاني يوسف بشير: السّفر الأوّل: الآثار النّثريّة الكاملة، الخرطوم، 1987م، ص. 128)، تكلّم عن تجاهل مصر للسّودان من زاوية الأدب واللغة الأمر الذي يرى أنّه لعب دوراً في تيسير فقدان مصر للسّودان إثر أحداث 1924م قائلاً: "كلّما فكّرّتُ في تعليل ذلك لم أجد ما يشفع لمصر في إفلات ما كان وما لا يزال يتهيّأ لها أن تحقّق فيه أنّ السّودان قطعة من مصر يصحّ فيها ما يصحّ في مصر، ويجري على هذه ما يجري على تلك. ولا ينبغي أن نخادع أنفسنا في نقرير الحقائق، فإنّ ما حصل لم يكن إلاّ نتيجة طبيعيّة لجهل مصر بالسّودان وإغفالها بدأةَ بدءٍ توثيق العلائق الأدبيّة والرّوحيّة بينهما، حتّى استغلّ سادتنا الإنجليز جهل مصر الفاضح بنا فوطّدوا مصالحهم في السّودان وانتزعوا منه كلّ ما يدلّ على مصر، إلاّ علماً ما تكاد تحسّ له بوجود. ولو قد كان لمصر أن تصرف عنايتها بعد عام 1924م إلى العلائق الأدبيّة وتنميتها لما اتّسعت الهُوّة الفاصلة بين القطرين إلى هذا المدى". والآن بعد ما يزيد عن 70 عاماً منذ أن كتب التّيجاني يوسف بشير ذلك، لا يزال الوضع على ما عليه من تجاهل مصر للسّودان وللسّودانيّين، إلاّ فيما فيه مصلحة مصر المباشرة من حيث استغلالها لطيبة بعض السّودانيّين (وتُقرأ كلمة "طيبة" هذه على أنّها "غيبة" وهي تخريج خاص بنا يجري على وزن الكلمة الأولى في معنى الغباء). فقد طالعنا التّقي محمّد عثمان ("مصر والسّودان .. ساعتان لا تكفي"، جريدة الصّحافة، 17/2/2009م، ص. 3 ـ ولتلاحظوا غفلة تقديم اسم مصر على السّودان في العنوان، وهي غفلة لا يمكن لأيّ صحيفة مصريّة أن تتسامح فيه)، فيه نعى على مصر عدم إيلائها الاهتمام اللازم بقضايا السّودان، ومنها وضعه الحرج حاليّاً إلاّ عندما تتهدّد مصالحها بصورة مباشرة. وفي مقاله يتّكئ التّقي على بعض الأوراق المقدّمة في ندوة العلاقات المصريّة السّودانيّة بين الماضي والحاضر والمستقبل، القاهرة: مركز البحوث والدّراسات الإستراتيجيّة، 1990، والتي تعرّضت لمظاهر تجاهل مصر حكومةً وشعباً للسّودان والسّودانيّين. وفي هذا يشير عنوان مقاله لهذا التّجاهل، حيث لم يتمكّن الرّئيس المصري من تخصيص زمن أكثر من السّاعتين الخاطفتين لتسجيل زيارة خاطفة للسّودان.
    وعلى هذا ستكون الفرضيّة الأساسيّة التي سوف نقوم بمناقشتها في هذه المقالات أنّ هذه النّظرة، وهذا المنهج (منهج الشّقيق الأكبر) هي التي تسود المنظور المصري، رسميّاً وشعبيّاً، في العلاقات بين البلدين. وتمتدّ الفرضيّة لتزعم بأنّ هناك سودانيّون قد تمّ تدجينهم وطنيّاً بحيث أصبح ولاؤهم الوطني لمصر بأكثر ممّا هو للسّودان. وتنتقل الفرضيّة إلى بعد آخر لتزعم بأنّ أنظمة الحكم العسكريّة والدّيكتاتوريّة في السّودان وإن كانت دائماً الأفضل لمصر، الأسوأ للسّودان، إلاّ أنّها تقوم على رصيد طبقي كبير بين المثقّفين السّودانيّين الذي يتماهى وعيهم الوطني بالوطنيّة المصريّة. وعلى هذا صارت مصر في أوضع أفضل من السّودان في تسخير العلاقات بينهما لمصلحتها وإن كان ذلك ضدّ مصالح السّودان. وبما أنّ هذا الخطّ غير الوطني لم يعد ممكناً له الاستمرار لأنّه يقوم اساساً على استغفال الشّعب السّودان، فإنّه قد آن الأوان لهدم الأسس المفهوميّة لبنيان تلك العلاقات وذلك لتشييد علاقات جديدة تكون بنّاءة بما فيه فائد الشّعبين خاصّة وشعوب المنطقة عامّة.
    إذن فإلى مفاصل الحوار والنّقاش في هذه المقالات.

    البقية :
    في مدونة: د.محمد جلال هاشم :
    http://mjhashim.blogspot.com/2009/05/blog-post.html
                  

05-18-2009, 04:26 PM

الطيب شيقوق
<aالطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع -د.محمد جلال هاشم - للنق (Re: abubakr)

    Quote: أي لم يشكّل السّودانيّون أيّ أهمّيّة في المخيّلة المصريّة،


    لا اعتقد الامر يرقى لهذه الدرجة وانما هي عدم ثقة توطنت في نفوس شعبي كلا الدولتين
                  

05-18-2009, 04:44 PM

الطيب شيقوق
<aالطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع -د.محمد جلال هاشم - للنق (Re: الطيب شيقوق)

    كتب فهمي هويدي الصحفي المصري ما يلي :-

    Quote: ملف العلاقات المصرية السودانية مرشح بقوة لأن يحتل موقعا بارزا في كتاب الدهشة، من حيث إنه محمل بأثقال الماضي بأكثر منه مستجيب لاستحقاقات الحاضر والمستقبل.


    (1)

    هل يمكن أن يكون هناك حضور الصين في السودان أقوى من الحضور المصري، بحيث تفتح معاهد لتعليم اللغة الصينية في حين يغلق فرع جامعة القاهرة في الخرطوم؟ ولماذا أصبح الماليزيون يديرون واحدا من أهم فنادق العاصمة السودانية بينما ينحصر أبرز وجود لمصر في الشمال في وفرة عمال البناء؟ وهل يعقل أن تستمر إسرائيل طوال الخمسين سنة الأخيرة في نصب شباكها حول السودان وتنجح في اختراق أطرافه، في حين تستمر مصر في الانسحاب منه والانصراف عنه؟ ولماذا فشل البلدان "الشقيقان" في إقامة علاقة ناجحة منذ استقلال السودان قبل أكثر من خمسين عاما وحتى الآن؟

    لست في وارد الإجابة على الأسئلة التي ظلت تلح عليّ أثناء زيارة الخرطوم وبعدها. وإن كنت لا أخفي أن فيها من الاستنكار أكثر مما فيها من الاستفهام. لكني أزعم أن استدعاء السياق التاريخي قد يكون عنصرا مساعدا على فهمها بصورة أفضل. ذلك أن خلفية علاقات البلدين مرت بأطوار عدة، لا تزال أصداؤها حاضرة في الإدراك المتبادل بين البلدين.

    ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن كثيرين من المثقفين المصريين والسودانيين لا يعرفون أن السودان الحديث هو في حقيقة الأمر أحد مشروعات النخبة التركية المتمصرة بقيادة محمد علي باشا. ذلك أنه لم توجد دولة باسم السودان قبل مجيء محمد علي وأحفاده إلى منابع النيل، حيث كانت الدولة التي تجاور مصر جنوبا هي سلطنة التويخ التي تمتد حدودها بين وادي حلفا وتخوم سنار.

    "
    هل يمكن أن يكون هناك حضور الصين في السودان أقوى من الحضور المصري؟ ولماذا أصبح الماليزيون يديرون واحدا من أهم فنادق العاصمة السودانية بينما ينحصر أبرز وجود لمصر في الشمال في وفرة عمال البناء؟
    "
    وإلى غربها كانت توجد سلطنة كردفان بقيادة المندوم مسلم، ثم سلطنة دارفور التي كانت تتواصل مع مصر عن طريق درب الأربعين -أي درب الأربعين يوما- وهي الفترة التي تستغرقها رحلة القوافل للوصول إلى الحدود المصرية من الفاشر. وجنوبا كانت القبائل الجنوبية تعيش كما خلقها الله سبحانه وتعالى كتجمعات لا تعرف الدولة أو السلطة المركزية، ولكل لهجته وعاداته وطرائقه في الحياة.

    تمكنت مصر من لمّ هذه المكونات الجغرافية والبشرية على مراحل مختلفة، ابتداء من عام 1820 إلى عام 1874. ثم أطلق عليها الخديوي إسماعيل في أحد فرماناته اسم "السودان المصري". واستمر الحال كذلك إلى أن اندلعت الثورة المهدية، التي لم يسع برنامجها الروحي والسياسي إلى قطيعة مع مصر، بل إلى زيادة التواصل معها عن طريق إقامة دولة إسلامية متحدة بين مصر والسودان.

    حين سقط مشروع الثورة المهدية الذي عبر عن الشوق لإقامة دولة متحدة على وادي النيل، فإنه أفسح الطريق أمام دولة الحكم الثنائي ابتداء من عام 1899، التي كانت في حقيقتها حكما إنجليزيا روحا وإدارة، إذ لم يكن لمصر من نصيب في إدارة السودان إلا دفع تكاليف إدارة شؤون البلاد من الخزينة المصرية.

    لذلك فإن مشروع السودان الحديث الذي أقامه الإنجليز، وما فيه من سكك حديدية ومدارس ومشروعات زراعية وجيش نظامي، وغير ذلك من مطلوبات الدولة إنما تم سداد تكاليفه من الخزينة المصرية، باعتبار أن السودان كان يعد آنذاك إقليما مصريا. في حين أن الإدارة الإنجليزية كانت ترمى إلى هدف آخر هو أن يكون السودان للسودانيين، حتى لا يقوم مشروع دولة وادي النيل، التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الأدغال السودانية.


    (2)

    الفقرات السابقة مهمة في ذاتها وفي مصدرها. فهي تسلط الضوء على خلفية الحضور المصري في السودان منذ قرنين من الزمان. وتفسر بالتالي لماذا اعتبرت النخبة الحاكمة في مصر طوال العهد الملكي أن السودان جزء من مصر، وأن وحدة وادي النيل هي الأصل، وهي المطلب الذي تمسكت به جنبا إلى جنب مع مطلبها جلاء الإنجليز عن البلاد. أما مصدر هذه الشهادة فهو واحد من أبرز المثقفين السودانيين، هو مدير جامعة أفريقيا العالمية الدكتور حسن مكي (نشرت بجريدة الأهرام في 2/12/2008).

    هذه الصفحة طويت بعد قيام ثورة يوليو/تموز 1952، التي اعترفت بحق السودان في تقرير مصيره، مما ترتب عليه انحياز ممثليه إلى الاستقلال، الذي أعلن رسميا في أول شهر يناير/كانون الثاني 1956. وهذا الاستقلال نقل علاقات الطرفين إلى طور آخر. فقد شغلت مصر في المرحلة الناصرية بمعاركها المشهودة. في الوقت الذي احتفظت فيه بعلاقة ود طيبة مع السودان المستقل، وقد تطور الأمر على نحو أكثر إيجابية في عهد الرئيس السادات الذي توصل إلى اتفاق مع الرئيس جعفر نميري (1978-1985) حول صيغة "التكامل" التي أقامت مؤسسات عدة للتعاون بين البلدين.

    ولكن حكومة السيد الصادق المهدي التي جاءت بعد ذلك ألغت التكامل وتبنت ما سمي في حينه بـ"ميثاق الإخاء"، الذي كان بمثابة نكوص أدى إلى تراجع العلاقات خطوات إلى الوراء. وفي عهد حكومة الإنقاذ التي تولى السلطة فيها الرئيس عمر البشير عام 1989 حدثت محاولة اغتيال الرئيس مبارك عام 1995، التي شاركت فيها بعض أطراف الحكم في الخرطوم، مما ضاعف من تراجع علاقات البلدين وأدى إلى تدهورها.

    هذا التاريخ، القديم منه والحديث، ظل حاكما لمسار العلاقات طول الوقت. فقد تعددت قراءة الماضي البعيد على نحو أقام حاجزا في الإدراك السوداني أمام التفاعل المنشود. أما الماضي القريب فقد أضاف حاجزا في الإدراك السياسي المصري زاد الأمور تعقيدا. وما كان لهذا وذاك أن يحدث إلا في غياب رؤية إستراتيجية مشتركة تحدد الأهداف العليا، وتفرق بين ما هو مصيري وعارض أو بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. وهذا منطوق يحتاج إلى بعض التفصيل.


    (3)

    "
    أشاعت الخلفيات التاريخية حساسية مفرطة لدى شريحة واسعة من المثقفين السودانيين إزاء التعامل مع مصر, فمنهم من اعتبر الوجود المصري منذ أيام محمد علي باشا "احتلالا"، ومنهم من اعتبر أن مصر ظلت عازفة عن الاعتراف باستقلال السودان والتعامل معه باعتباره شقيقا وندا
    "
    فقد أشاعت الخلفيات التاريخية حساسية مفرطة لدى شريحة واسعة من المثقفين السودانيين إزاء التعامل مع مصر. فمنهم من اعتبر الوجود المصري منذ أيام محمد علي باشا "احتلالا"، الأمر الذي أثار جدلا طويلا لم يتوقف بين المثقفين السودانيين والمصريين (الأخيرين اعتبروه فتحا). ومنهم من اعتبر أن مصر ظلت عازفة عن الاعتراف باستقلال السودان والتعامل معه باعتباره شقيقا وندا، وتصرفت في مواقف عدة كما لو أن السودان لا يزال تابعا لها. ومنهم من ذهب إلى أن النخبة المصرية تستعلي على السودانيين وتنظر إليهم نظرة دونية (أحدهم قال لي لماذا يظهر السوداني "بوابا" في الأفلام السينمائية المصرية، في حين أن المصريين أصبحوا يؤدون هذه الوظيفة في أغلب دول الخليج)، إلى غير ذلك من الدعاوى والانطباعات التي سجلها كتاب "النداء في دفع الافتراء" (1952) للمؤلف السوداني محمد عبد الرحيم.

    صحيح أن ثمة أجيالا من المثقفين السودانيين تجاوزت تلك الحساسيات (أغلبهم ممن درسوا في مصر وخالطوا أهلها). لكن هذه الأجيال بسبيلها إلى الانقراض، فضلا عن أنه في غياب الحضور المصري في السودان فإن الأجيال الجديدة باتت تستشعر غربة إزاء مصر، حتى أصبحت غير محصنة ضد فيروس الحساسيات باختلاف مصادره.

    وضاعف من سلبية الموقف أن مصر السياسية لم تبذل جهدا ملموسا لتصحيح تلك الانطباعات خلال العقود الثلاثة الأخيرة بوجه أخص، التي بدا فيها السودان مهمشا في الإستراتيجية المصرية. حتى سمعت من أحد كبار السياسيين السودانيين أنهم في الخرطوم شعروا بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك أن السودان سقط من منظومة الأمن القومي المصري.

    في هذا الصدد لا يستطيع المرء أن يكتم شعوره بالدهشة حين يجد أن بلدا كبيرا ومهما للغاية بالنسبة لمصر يهمش هكذا أو يغيب في رؤيتها السياسية. إذ هو بالنسبة لنا ليس جارا وشقيقا فحسب، ولكن أيضا سودان نهر النيل، وما أدراك ما نهر النيل. وسودان العمق الإستراتيجي، وسودان الموارد البشرية والاقتصادية الكبيرة. هذا إذا تجاهلنا دوره كباب للعرب والمسلمين إلى أفريقيا. يطل على ثماني دول منها (غير مصر). هو باختصار وبالمعيار النفعي البحت إحدى ضرورات الدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي.

    هذه الدهشة تتضاعف إذا علمنا أن إسرائيل أدركت منذ وقت مبكر أهمية السودان بالنسبة لمصر والعرب. وهو ما أشرت إليه في كتابات سابقة، عرضت فيها خلاصة لبحث عميد الموساد المتقاعد موشي فرجي حول علاقة إسرائيل بحركة تحرير جنوب السودان، الذي قدمه في عام 2003 إلى مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب، وإلى محاضرة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق آفي ديختر حول الرؤية الإستراتيجية لدول المنطقة، التي ألقاها في معهد الأمن القومي بتل أبيب (عام 2008). وفي الوثيقتين كلام صريح عن سعي إسرائيل إلى إضعاف السودان وإنهاكه لكي لا يصبح قوة مضافة إلى العالم العربي، ولكي يتحول إلى عنصر ضغط على مصر.

    ولا يخفي البحث الأول أن ذلك المخطط الإسرائيلي دخل إلى حيز التنفيذ منذ أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي. حيث ظل تفتيت السودان وإثارة الاضطرابات فيه هدفا إستراتيجيا إسرائيليا، ترجم على الأرض من خلال الدعم الكبير الذي قدم إلى حركة الانفصال في الجنوب، وهو الذي انتقل بعد ذلك إلى دارفور على النحو الذي ستفصل فيه لاحقا.


    (4)

    بوسعنا أن نقول إن السودان أخطأ عدة مرات في حق مصر. فقد استبد الغضب بالبعض حين استقر بالقاهرة الرئيس السابق جعفر نميري بعد إسقاط نظامه في منتصف الثمانينيات، وذهبوا في المطالبة به إلى حد حرق العلم المصري. وحين ألغي التكامل بين البلدين، وتم إغلاق فرع جامعة القاهرة في الخرطوم، كما تم الاستيلاء على استراحات الري التي أقامتها مصر على النيل. وتواصلت تلك الأخطاء حين تبين ضلوع بعض عناصر الحكم في محاولة الاغتيال الآثمة.

    "
    مصر والسودان فشلا في صياغة علاقة إيجابية تنبني على رؤية إستراتيجية تستعلي فوق العوارض والصغائر وتحقق مصالحهما العليا المشتركة, وإذا ظلت مصر تعتبر نفسها الشقيق الأكبر فإن مسؤوليتها عن الفشل تغدو أكبر
    "
    بالمقابل ينبغى أن نعترف بأن مصر الراهنة لم تتعامل مع السودان بما يستحقه من مودة. ولم تتصرف معه بمنطق الدولة الحريصة على تأمين حدودها الجنوبية. في الستينيات وبداية السبعينيات، أقيم حفل أضواء المدينة في الخرطوم، وقدمت الحفل الذي غنى فيه عبد الحليم حافظ الفنانتان سعاد حسني ونادية لطفي. كما زارت العاصمة السودانية فرقة رضا للفنون الشعبية وعرضت هناك مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي كان عادل إمام وسهير البابلي أهم أبطالها. ولم تنس حتى الآن زيارة أم كلثوم في عام 1965 التي نشرت جريدة "الصحافة" ترحيبا حميما بوصولها تحت عنوان: "أهلا سحابة المطر الواعد".

    هذه الصورة اختلفت خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فهم يقولون مثلا إن وزير الثقافة المصري لم يزر السودان منذ تولى منصبه قبل أكثر من عشرين عاما، وأن وزير الزراعة حين زارها مؤخرا فإن نظيره السوداني قال له وهو يرحب به في المطار: "أهلا بأول وزير زراعة مصري نراه في الخرطوم منذ 22 عاما"، ويعتبرون أن وزير الإعلام في حالة مقاطعة للسودان.

    يقولون أيضا إن مصر توقفت عن استكمال مشروع قناة جونقلي التي تم إنجاز ثلثيها، رغم أن الظرف أصبح مواتيا لإكمال الثلث الأخيرة، والتي إذا استكملت ستضيف الكثير إلى السودان، من ذلك أنها ستختصر الطريق من بورسودان إلى ملكال من أسبوعين إلى يومين أو ثلاثة.

    يقولون كذلك إن حالة النقل البحري بين البلدين تعبر بقوة عن بؤس الجسور الممتدة بينهما. فقد غرقت أربعة مراكب بركابها خلال السنوات الأربع الأخيرة، علما بأن أحدث مركب عامل على الخط بني في عام 1972 "عمره 37 عاما" وهناك مركب أخرى يعمل منذ عام 1959(!).

    يضيفون أن الدولة خصصت لشركة التكامل الزراعي السوداني المصري 170 ألف فدان قبل أكثر من عشرين عاما، ولكن مصر تقاعست عن استثمارها بحيث لم تزرع منها طوال تلك الفترة غير 5 آلاف فدان فقط.

    لست في مقام تبرئة أو إدانة أي طرف. ولكن أهم ما يستخلصه المرء من هذه الشواهد والانطباعات أن البلدين -رغم حاجة كل منهما للآخر- فشلا في صياغة علاقة إيجابية تنبني على رؤية إستراتيجية تستعلي فوق العوارض والصغائر، وتحقق مصالحهما العليا المشتركة.

    أردت أيضا أن أنبه إلى أن الذاكرة المسكونة بالرواسب والحساسيات ظلت عبئا أثقل وتيرة التقدم إلى الأمام، وأن مصر إذا ما ظلت تعتبر نفسها في مقام الشقيق الأكبر فإن مسؤوليتها عن ذلك الفشل تغدو بدورها أكبر.
                  

05-18-2009, 04:54 PM

baha eassa
<abaha eassa
تاريخ التسجيل: 07-21-2007
مجموع المشاركات: 6578

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع -د.محمد جلال هاشم - للنق (Re: الطيب شيقوق)




    بجامعة القاهرة ندوة بهذا الخصوص اليوم وغدا بحضور بعض السودانيين والمصريين
    ودكتور مصطفي عثمان اسماعيل ..
                  

05-18-2009, 08:45 PM

محمد على طه الملك
<aمحمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 10624

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع -د.محمد جلال هاشم - للنق (Re: baha eassa)

    المشكلة يا قريبي رغم إنه الحفر واضح وعلني تحت خارطة السودان..
    ومن جهاته الأربعة الناس ما قادره تستوعب الحاصل..
    يعني لو أي زول طرح على نفسه سؤال واحد وفكر فيه لبانت أمامه الحقائق ..
    بلد بثروات ومناخات ومساحة السودان ..
    يجلس عليه شعب فقير نسبة الأمية فيه تفوق 60% ..
    ضعيف في بنيته العسكرية والسياسية والإقتصادية..
    فشلت كل حكوماته في تحقيق التعايش السلمي بين كياناته..
    مقابل عالم يعاني من إنفجار سكاني ..
    وتكاد أن تنضب موارده الطبيعية ويبحث بجدية عن الحلول..
    ليست هنالك أمامهم عوالم جديدية يكتشفونها..
    ولم يعد منهج الإستعمار القديم ملائما للعصر ..
    فماذا تكون النتيجة؟
    إفراغ .. (ومصير القرن الإفريقي خير مثال)
    ليأتي لا حقا الإبدال.
                  

05-18-2009, 08:58 PM

الطيب شيقوق
<aالطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع -د.محمد جلال هاشم - للنق (Re: محمد على طه الملك)

    ود الناظر

    المشكلة يا قريبي

    يا ريت اكان عندنا ادارة اهلية بتقول لينا كدا يا الملك

    ما ترخي ليهو
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de