|
الزمن في العلوم الطبيعية و رباعيات توماس إليوت (1) - بروفيسور عبدالملك محمد عبدالرحمن
|
الزمن في العلوم الطبيعية و رباعيات توماس إليوت (1)
(1) TIME IN THE NATURAL SCIENCES AND THOMAS ELIOT'S FOUR QUARTETS
أستاذ.دكتور عبدالملك محمد عبد الرحمن جامعة الخرطوم والأكاديمية السودانية الوطنية للعلوم
ولد الشاعر توماس ستيرنز اليوت T.S. Eliot ،الحائز على جائزة نوبل في ألأدب الانجليزي (1948م)، في سانت لويس، ميسوري، أمريكا. تخرج من هارفارد و درس الفلسفة في السوربون وهارفارد و أكسفورد واستقر في انجلترا بعد أن أصبح مواطنا بريطانيا. يكشف شعر إليوت عن اهتمام كبير بمفهوم الزمن Time ، ليس فقط من المنظور الفلسفي ‘ بل أيضا في الجانب الفيزيائي فهو قد عاش في عصر شهد قفزات كبيرة في الفهم الفيزيائي للزمن عبر نظريتي النسبية و ميكانيكا الكم. وجدير بالذكر أن إليوت عندما أتى لبريطانيا حل ضيفا على أستاذه السابق في هارفارد عالم الرياضيات والفيلسوف المعروف بيرتراند رسل (1872-1970م، جائزة نوبل في الأدب 1950م) وكان رسل مطلعا على أطروحات الفيزياء الحديثة وموصولا بدعاتها. كان إليوت مهتما بالعلاقة بين الزمن والحياة وكان يرى أن فهم هذه العلاقة ضروري لفهم الحياة ذاتها والعثور على وسائل لدرء الآثار السالبة لتقادم الكائن الحى، وهذه مسألة متعلقة في حدها النهائي بمفهوم الخلود Eternity الذى ظل دائما في مقدمة اهتمامات الفلاسفة. من بين دعاة الفكر الصوفي والفلسفات الشرقية، وبالذات الهندوسية، من رأى في التأمل المتسامي Transcendental meditation وسيلة للالتفاف حول آثار الحياة السالبة وذلك بإبطاء تقدم السن aging. خذ مثلا السبات الشتوي لدى بعض الكائنات. أو ليس هو حيلة لإبطاء slowdown وتيرة الحياة بتثبيط وظائف أعضاء الكائن عندما يتطلب أداء هذه الوظائف طاقة لا قبل للكائن بتوفيرها؟ لقد لوحظ أن في أجسام الذين يمارسون التأمل المتسامي نسب عالية من مصل كيميحيوي أسمه (Dehydreopiandrosterone (DHEAS يعرف عنه أنه مثبط لتقدم السن. إن إبطاء توال الحياة ومن ثم تقدم السن يعني إبطاء التغيرات الكيميائية في الخلايا الحية وهى تغيرات توفر الطاقة الضرورية للعمليات والنشاطات الحيوية وبها تمثل المواد الجديدة لتعويض المندثر منها. إن كل خلايا الجسم تنتج، بجانب الطاقة الضرورية للنشاط الحيوي، كميات صغيرة من الطاقة الحرارية حصيلة ثانية للعمليات الكيميائية داخل الجسم. إن العمليات المتصلة بتوفير طاقة الجسم عندما يكون هاجعا (ساكنا) تسمى التصنيع الحيوي السكوني (Resting ####bolism) ومقدار الطافة المنتجة في الثانية الواحدة لكيلو غرام واحد من الجسم هو معدل التصنيع الحيوي النوعي السكوني Resting specific ####bolic rate (أشير إليه فيما يلي اختصارا بمعدل التصنيع الحيوي فحسب). في عام 1932م استنتج عالم وظائف الأعضاء ماكس كليبرمن التجربة علاقة رياضية دقيقة وجديدة بين معدل التصنيع الحيوي للكائن الحي وحجمه. لقد كان معروفا قبل ذلك، من اعتبارات هندسية عامة، أن هذا المعدل ينخفض مع زيادة حجم الكائن. فهو مثلا للفأر الذى حجمه يعادل أربعين 40 غراما أعلى من ذلك للفيل الذى يعادل حجمه خمسة آلاف 5000 كيلوغرام. إن معدل نبضات القلب للفأر والفيل مؤشر جيد لهذا الاختلاف. فالدم ينقل للخلايا مواد التصنيع الحيوي الأولية : الغذاء و الأوكسجين. وكلما زادت حاجة الجسم لهذه المواد تعين على القلب أن يسرع معدل ضخه للدم الناقل لها فيزداد معدل ضرباته. فمعدل ضربات قلب الفار سبعمائة 700نبضة في الدقيقة في حين أن معدل ضربات قلب الفيل ثلاثون 30نبضة فقط في الدقيقة . والفأر،على عكس الفيل، يحتاج أن ينفق جزءا كبيرا من عمره في الانشغال بالتهام الغذاء المطلوب للتصنيع الحيوي السريع وعليه أن يقنع بنوع الطعام الذي يجده فالزمن ضيق لا يتسع لترف انتقاء ما يأكل! لقد حاول علماء أحياء ورياضيات و فيزياء وهندسة كثيرون‘ منفردين ومجتمعين، اشتقاق علاقة كليبر نظريا لكن محاولاتهم حظيت بنجاح محدود. هذه مسألة في العلوم لا زالت تنتظر الحل. سنعرض لبعض جوانبها في الحلقة القادمة.
|
|
|
|
|
|