|
|
: د. منصور خالد في حوار الراهن والمستقبل
|
From Alsahafa newspaper حوار: د. منصور خالد في حوار الراهن والمستقبل :
بناء السودان الجديد لا يقوم على الإقصاء.. والحركة الإسلامية حقيقة من حقائق الحياة
يكتسب هذا الحوار أهمية خاصة.. فمن ناحية أولى تأتي الأهمية في أن الشخص الذي نجلس إليه هو الدكتور منصور خالد المستشار السياسي للحركة الشعبية والتي تجلس الآن في الطرف الآخر من الطاولة لمفاوضات تعتبر هي الأخطر في تاريخ السودان السياسي منذ استقلاله وحتى الآن. ونافلة القول هنا مكانة الدكتور السياسية والفكرية والأكاديمية من واقع تاريخه السياسي ومعاصرته للعديد من الأنظمة السياسية من ناحية أو من ناحية عطائه الثر في المجال الفكري والسياسي عبر مقالاته الصحفية، أو كتب يرفد بها واقع الحركة السياسية والفكرية والثقافية في السودان.
ومن ناحية ثانية يكتسب هذا الحوار أهمية خاصة من طبيعة الاسئلة والمضامين التي اجتهد لاستخلاصها حول مجاكوس وديمقراطية الحركة الشعبية واتخاذ القرار داخلها وتحالفاتها السياسية من جهة، أو من تلك التي تبدو أكثر شمولاً في النظر إلى قضايا الوطن راهناً ومستقبلاً. لو تحدثنا عن الأشياء الأكثر ديمومة في مجال السياسة وتحديداً السند المنطقي لمجاكوس، بمعنى ان هناك افتراضات سياسية مضمرة في مشروع مجاكوس من جميع الشركاء.. مثلاً هناك افتراض مضمَّر بأنه ليس هناك قوى داخلية قادرة على اسقاط الانقاذ بضربة واحدة... اعتقد ان هذا أحد الافتراضات.. - صحيح... هناك افتراضان أساسيان.. الافتراض الأول عن عجز المعارضة في اسقاط نظام الانقاذ ناهيك عن استئصاله كما كانت تقول.. من الجانب الآخر القوى الوحيدة التي كانت تلعب دوراً فاعلاً في المعارضة هي الحركة الشعبية والتي كان لها تأثير مباشر على نظام الانقاذ غير أن الحركة الشعبية مدركة أن هذه القضية السياسية لا تحل حلاً عسكرياً، ومن الواضح أن الطرفين وصلا لحالة تعادل سلبي، وفي مثل هذه الحالات والتي يصل فيها أي طرفي نزاع إلى هذه المرحلة، يكون الطرفان أكثر قابلية للتحدث لبعضهم واستكشاف الأرضية المشتركة لاتفاق... من جانب الوسطاء أميِّز هنا بين وسطاء الايقاد وبين ما سمى بالرقباء على رأسهم امريكا وبريطانيا والنرويج وأيضاً ايطاليا... هؤلاء مواقفهم متراوحة، فبعضهم معنى بالمقام الأول بمشكلة الجنوب من خلال الاعتقاد بأن المآسى الانسانية الناجمة عن الحرب تقتضي التدخل المباشر حتى لو أدى السعي إلى ذلك إلى الحوار مع الحكومة وهذا بالضرورة يقتضي ادراكهم بأن أسلوبهم في الماضي في رفض التعاون مع الحكومة واخضاعها للضغوط لم يعد هو الأسلوب الأنسب.. هناك جانب آخر للقوى الضاغطة في اميركا، وهي لها أجندة مختلفة بدءاً باليمين المسيحي الذي يمثل الدين هاجسه الأول. وقضية الدين كمانعرف لم تكن مشكلة في السودان، لكن الآن أي شخص يحاول أن يقلل من أهيمتها، فهو إما مخادع لنفسه، أو لا يعرف حقيقة الموقف في السودان، أو يجد معاذير لنظام الانقاذ لأن النظام هو الذي صعد من القضية الدينية ليس فقط بالجنوب بل حتى في الشمال، وبالتالي فإن تدخلهم هو رد فعل ويجب أن يُفهم على هذا الأساس. بجانب ذلك هناك المجموعات الأخرى مثل مجموعة الأميركان السود، وهؤلاء القضية الأولى بالنسبة لهم هي قضية الرق أو قضية الاختطاف القسري، وقطعاً هو شيء تتعامل معه الصحافة العربية باعتباره ليس قضية وذلك نفياً لوجوده، وهذه مغالطة... صحيح ليس هناك رق بمفهوم القرن التاسع عشر، لكن هناك اختطاف لأطفال ونساء وصراعات ذات طابع قبلي، لكن هذه الصراعات تغذيها الحكومة لأنها تدعم هذه الجماعات، ليس بالضرورة من أجل ان تمارس هذه الجماعات الرق، لكن من أجل أن تخلق حالة من الزعزعة في المناطق التي تسيطر عليها الحركة. ونتيجة لهذا كله نجد هذه العمليات، فهناك مسؤولية غير مباشرة فيما يحدث، ومن الطبيعي أن يثير ذلك اهتمام العالم. هذه المجموعات التي تؤثر أو أثرت على المفاوضات يجعل القضية قضية جنوب وشمال.. والنظام نفسه وقع في هذا الاتجاه لدرجة ان ظل يقول إنه حريص على حل مشكلة الجنوب ولن يتحدث إلا مع الذين يحملون السلاح.. والذي يحمل السلاح هو الحركة الشعبية، وبالتالي عمقت الحكومة نظرة جنوب شمال لقضية هي في الواقع أكثر تعقيداً من ذلك بكثير. أحياناً يحس المرء بأن أحد الافتراضات هو أن الحركة الاسلامية تمثل قمة الشمال، والحركة الشعبية تمثل قمة الجنوب، وإذا كان من الممكن خلق صيغة اتفاق بينهما، فإن ذلك يعني حل المشكلة، هذا ما يُستشف من مقترحات تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية الاميركي والذي اسهم في اعداده الدكتور فرانسيس دينق. - اعتقد أن هذه النظرة بها تحيَّز، لأن بها جهل بتعقيدات الوضع في شمال السودان، بمعنى أنه صحيح أن القوتين الفاعلتين على الساحة هما الحركة الشعبية والحكومة، وأن ايقاف الحرب ضرورة تسلتزم اتفاق الطرفين... هذا صحيح.. أما أن يقال ان الجبهة الاسلامية تمثل الشمال فهذا غير صحيح، لأن الواقع اثبت غير ذلك. إن المراقبين أو مركز الدراسات أو من توصلوا لهذه النظرة غير قادرين على ادراك جدلية ضعف القوة وقوة الضعف... يعني... التجمع يملك كل المقومات لكنه ضعيف.. النظام منهك ولكنه قوي، وهذه لها اسباب كثيرة ومن أهمها تصعيد الحكومة والحركة للصراع السياسي للحد الذي جعل من الجانب العسكري جانباً مهماً. القوى السياسية الشمالية لسوء الحظ أو لحسنه لم تتعود على هذا النوع من الصراع مطلقاً، الآن عندما تنظر إلى الجيش السوداني في الجنوب تجد فيه اعداد كبيرة من الجنوبيين واعداد كبيرة من النوبة ليس بالحجم الذي كان بالماضي، وبالنسبة لهم ربما لأنهم قبائل عسكرية، وبالنسبة للبعض العسكرية احتراف، يعني الجنوبي حينما يذهب لقتل اخوانه لا يذهب لقتلهم لكن العسكرية بالنسبة له مهنة.. فهذه مشكلة حقيقية... الشخص الذي يريد أن يتعمق فعلاً في الأزمة السودانية لا يصل إلى هذا الاستنتاج بأن الجبهة الاسلامية تمثل القمة في الشمال، ولا حتى الاستنتاج بأن الحركة الشعبية تمثل الجنوب، لأنك إذا أردت قوى تمثل الجنوب تمثيلاً حقيقياً ستكون هي المجموعات التي تتحدث عن المشروع الجنوبي منذ الاستقلال.. لكن الحركة لا تقول ذلك. مجاكوس بنيت على توازنات قوى... والآن هناك متغيران في المنطقة هما الحرب على العراق التي افرزت توازن قوى مختلف في المنطقة، قطعاً ليس لصالح الأصولية... هناك متغير داخلي يتمثل في الحرب في دارفور... إلى أي حديمكن أن يؤثر هذان المتغيران؟ - أعتقد أن هذين المتغيرين يؤثران تأثيراً مباشراً، لأننا رأينا كيف بدأ نظام الانقاذ ينزع ثوابته كلها بعد احداث (11 سبتمبر)، وكان واضحاً بالنسبة له أن أجندته لن تصلح، وعليه أن يجد صيغة لقبول الواقع الجديد الذي فرضته الهيمنة الاميركية خاصة بعد 11 سبتمبر. ومن نتائج ذلك الصعوبات التي واجهت النظام في مجاكوس وحالة الخوف التي انتابته... لكن الانسان غريب بطبعه ولديه قدرة على خداع النفس... فقد كان ظنهم بأنهم مثلما خدعوا السودانيين وخدعوا العرب يستطيعون خداع اميركا باعطائها ما تريد لكن مع الحفاظ على المشروع، وقد اتضح لهم استحالة ذلك ليس فقط لأن المفاوضين الذين يتحدثون معهم بهذه الغفلة، لكن لأن هناك قوى حقيقية في اميركا وراء هذه القضية... صحيح انها لا تتعامل كما تعامل قضية العراق أو القضية الفلسطينية اللتان تحظيان باهتمام أعلى المستويات في أميركا... لكن القضية السودانية تعرض على هذه المستويات من مجموعات لها نفوذ على تلك القيادات... إذن هي ليست قضية يمكن معالجتها «بالشطارة»، وكما ذكرت ما حدث في العراق لم يؤثر على السودان فحسب بل أثر على كل المنطقة... لأنك لا تستطيع اليوم أن تقول «لا»، خاصة إذا كانت هذه «اللا» غير مبررةمنطقياً وليس هناك ما يدعمها مادياً. في الجانب الآخر في دارفور.. ودارفور اظنها ستكون درساً لأولئك الذين يُقْدِمون على معالجة المشكل السوداني استناداً على دراسات أكاديمية ومقارنات مع تجارب في مناطق أخرى، فما حدث في دارفور صفعة لهؤلاء، والقضية ليست فقط قضية اسلام ومسيحية، لكن هناك بؤر كثيرة يمكن أن تفتح وذلك يثبت صدق مقولة قرنق... قرنق يقول ان ما يحدث في الجنوب له أشباه ونظائر في الشمال... هل تريدون الانتظار لكيما يحمل هؤلاء السلاح كيما تنتبهوا لقضيتهم؟ فالناس تعاملوا مع ما ظهر في الأنقسنا وجبال النوبة باعتبار ان الحركة لعبت دوراً في اثارتها. لكن ذلك لا يمكن ان يقال عن دارفور... لأن حركة دارفور حركة أصيلة. هناك قلق حول أن يتجاوز مفهوم الأغلبية المهمشة اطاره الاجتماعي والاقتصادي ويتحول من محتواه إلى محتوى عرقي أكثر من كونه اقتصادي تنموي.. الآن يبرز كأن الأفريقانية في مواجهة المركز العربي.. انه منظور غير ديمقراطي... - هذا محتمل حدوثه... لكن لماذا يحدث؟ لأن رد الفعل دوماً على هذه الحركات كان هو الرفض واتهامها بالعنصرية بدلاً من معالجتها... تعبير عنصريةادخلناه بأنفسنا بدلاً من معالجة المشكلة باعتبارها مجموعات تعيش على الهامش سياسياً واقتصادياً... هناك اعتبارات تاريخية قادت لهذا التهميش... السياسات التي طبقت في فترة ما بعد الاستعمار كانت سياسات خاطئة لم تجابه هذه المشكلة. والواقع أن المشكلة يجب أن تجابه من هذا المنظور، احترام الخصائص الثقافية لهذه المجموعات، الارتقاء بها اقتصادياً، منحها نصيبها من الكعكة السياسية على مستوى القطر... هذا هو الاقتراب من المشكلة. عندما تطلق عليها عنصرية كأنك تريد أن تقول بأن العرق في المركز هو العرق الوحيد السائد والمهيمن والذي يجب أن ينتسب إلىه كل الناس. حسناً... إلى أي حد تستطيع الحركة الشعبيةالتمييز في أن هذه القضايا في جوهرها تنموية وليست قضية عرق... لأنك إذا نظرت إلى التنسيق بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي والتنسيق بين الزغاوةوالرزقة... إلى حد كبير لايمكن فهم ذلك على انه جزء من حركة الحداثة بل حركة أصولية للمؤتمر الشعبي. فكيف نصف مثل هذا التحالف خاصةوان المؤتمر الشعبي لم ينتقد تجربته. - صحيح... من الصعب فهم هذا النوع، لكن يجب ألا ننسى أن الحركة الشعبية هي حركةسياسية في المقام الأول، وتخوض معركة ضد خصم شرس، وبالتالي فإن من واجبها أن تستخدم كل الاسلحة لمحاربة هذا الخصم، وإذا كانت الجبهة الاسلامية عبارة عن جسم أقلية، والأجسام الأقلية هذه عندما تحدث فيها أي شقوق في نهاية الأمر فانها تنفجر وأنت لديك مصلحة في أن توسع من هذه الخروق.. في بُعد الجانب السياسي الانتهازي.. هناك جانب آخر موضوعي هو أن الحركة تقول إن بناء السودان الجديد لا يمكن أن يقوم على الاقصاء.. والتيار الاسلامي حقيقة من حقائق الحياة... إذا اراد هذا التيار أن يعيش بحجمه الطبيعي ويلعب اللعبة حسب الاصول التي يجب أن تراعي «لعبة الديمقراطية» فلا يمكن لأحد استئصاله وبالتالي لابد من فتح مجال له... وبدون شك الرجل الذي يمثل التيار الاسلامي هو حسن الترابي... والجانب الثالث هو أن هذه المجموعة التي بدأت الحوار مع الحركة أكدت على حقائق عديدة مثل رفضها للانقلاب كوسيلة للوصول للحكم وهذه وثيقة معلنة ومكتوبة، ثانياً وافقت على ديمقراطية تعددية واحترام حقوق الانسان... ثالثاً وافقت على مبدأ المحاسبة... وهذا ما يرفضه النظام في مجاكوس.. النظام يتحدث عن التعافى وقفل الصفحة... المؤتمر الشعبي بجانب موافقته على مبدأ المحاسبة وافق على أن تكون هناك مراجعة شاملة لا بغرض التأثيم ولكن لكشف مواطن الصواب والخطأ.. هذه أشياء اعتقد انها ايجابية. إلى أي حديمكن تصديق ذلك من الخبرة السياسية؟ - من الصعب جداً.. من الصعب جداً. هناك افتراضان...الافتراض الأول أن الترابي يريد أن يتجاوز المحن ويضع قرنق في جناحه ومتى ما استتب له الأمر انقض عليه... الافتراض الثاني أن الترابي الذي صنع هذه الحركة قال صراحة بأنه إذا استمرت الأمور كما هي عليه الآن سنخسر ما بنيناه خلال أربعين عاماً، وأنا أغلب الافتراض الثاني لأنني لا اعتقد ان الترابي في هذه السن يمكن أن يدخل في مغامرة هو لا يعلم نتائجها بعد أن شهد ما تقود إليه المؤامرات.. ولا اعتقد أنه يلعب على قرنق وفي آخر لحظة يقلب له ظهر المجنَّ في هذه السن... اعتقد انه جاء في قضيته بخلاف كثيرين من زملائه، يغلب مشروعه الاسلامي على السلطة وبالتالي عندما يرى أن هذا المشروع كاد أن يتلاشى نتيجة الأشياء التي عملها النظام في العشر سنوات الأخيرة، فهو مستعد لأن يضحي بأي شيء في سبيل الابقاء على مكاسبه. اطلعت على تقرير كتبه (جون يانق) اسمه (الحركة الشعبية والحكم) وكاتب التقرير سياسي كندي وهو مستشار للجنة الرقابة... خلاصة التقرير أن الحركة الشعبية لا تمتلك ايديولوجيا، وهي على عكس حركات التحرير الأخرى الشبيهة في اريتريا واثيوبيا ليس لديها إدارة مدنية وان الحركة قمعت إلى حد كبير بروز المجتمع المدني، وهي حركة ليس فيها ديمقراطية داخلية ولا مؤتمرات دورية. والقيادة محصورة في جون قرنق.. الخ إلى أي حدتعتقد أنه يمكن لديمقراطي أن يتفاعل مع الحركة الشعبية؟ - دعني أقول.. صحيح إن الحركة ليس لها ايديولوجيا، ولا اعتقد بأن الايديولوجيا اصبحت لازمة لأي تنظيم سياسي، هناك مصائب كبيرة لحقت ببعض التنظيمات نتيجة تبني ايديولوجيا سياسية آخرها ما حدث في العراق على الرغم من أن ما يسمى بايديولوجيا البعث هي ليست ايديولوجيا بأي شكل، بل خليط من أشياء كثيرة جداً ومكتوبة بلغة ماركسية رديئة... إذا كان منتظراً من الحركة أن يكون لها ايديولوجيا بهذا الشكل، فالحركة لاتملك ذلك... الشيء الثاني هو الحديث عن الديمقراطية... إذا أي شخص قال إن الحركة تدار بأسلوب ديمقراطي بالفهم للديمقراطية المتعارفة.. طبعاً يكذب... الحركة.. حركة سياسية عسكرية والحركة تحارب ضد عدو قاسي وهناك حصار عليها، جميع هذه العوامل تغلب إلى حد كبير الهاجس الأمني في الحركة... وبالتالي لا تستطيع ان تقول بان هناك شفافية كاملة في كل القرارات.. هذا غير ممكن ويستحيل في عمل بمثل هذه الطبيعة... لكن الحركة يجب ان يعترف لها بانها بين كل التنظيمات السياسية الموجودة في الساحة السياسية عقدت عدة مؤتمرات، وما زالت تعقد مؤتمرات لمناقشة قضايا عديدة. عقدت الحركة مؤتمرا حول منظمات المجتمع المدني... ومؤتمرا حول الاقتصاد... وعقدت مؤتمرها العام... وتستعد الآن لعقد المؤتمر الثاني في داخل الاراضي المحررة...كما عقدت الحركة مؤتمرات للمناطق المهمشة... مؤتمر في جبال النوبة ومؤتمر في الانقسنا وقبل فترة انتهى مؤتمر أبيي في بحر الغزال... اذاً هناك عمل...هذه المؤتمرات مؤتمرات مفتوحة تشارك فيها عناصر كثيرة جداً من الحركة ومن خارج الحركة... لانه اذا اردت التعامل مع منظمات المجتمع المدني لابد ان تتعامل مع هذا النوع من المنـظمات... وهي منظمات حزبية... بهذا المعنى هناك ديمقراطية.. ومن الصعب جداً ان اقول ان اي حزب سياسي آخر في السودان عمل مثل هذا العمل... مؤخراً عقد حزب الامة بعض مؤتمراته لكن الاحزاب الاخرى لم تفعل... هذا جانب هناك جوانب اخرى يدور حديث كثير عنها مثل موضوع انتهاكات حقوق الانسان، ودون ان احاول خلق معادل اخلاقي بين الحركة والنظام فاذا نظرت الى انتهاكات النظام، هي جزء من سياسة حدد النظام سقفها الاخلاقي... بالنسبة للحركة، تحدث هذه الخروقات ليس لانها جزء من سياسة الحركة، بقدر ما هي خروقات تحدث من قبل افراد مسؤولين في مستويات عديدة في القيادة، وهؤلاء عندما ترد شكاوى عنهم تتم محاسبتهم عليها لان الحركة بطبيعتها تعيش على الناس... لايمكن ان يكون جزء من سياستها ارهاب الناس وإلا لما كانت استمرت... كون الحركة مستمرة طوال هذه السنوات وتجد كل هذا السند، وجميع العاملين فيها هم من الضباط وجنود الصف... هؤلاء لا يأخذون مرتبات هم ليسو جنودا مرتزقة.. هم اناس محترفون بمقدورهم الذهاب والعمل في اي منطقة لكنهم قرروا ان يضحوا وان يبقوا... هذا دليل على ان هناك رباط وثيق وليس لان هناك ضغط او قهر يمارس عليهم. في بعض المرات تكون هناك اعذار... اذا كان هدفك مشروعاً اخلاقياً يمكن ان تتسامح في الوسائل... واذا كانت حركة تحرير يمكن ان يتم التغاضي عن اسلوب القيادة مثلما تم تجريبه في تحرير فلسطين وقاد الى مأزق واتضح انه لابد من تلازم ما بين اسلوب القيادة والاهداف... الي اي حد استفادت الحركة الشعبية من هذه التجربة... انا ارى انها لم تفعل سياستها القبلية لان هناك تبعثر على اساس قبلي في الحركة الشعبية. - لا.... الاقتراب الصحيح للمشكلة انك تتعامل مع مجتمع لا زال في مراحل البداوة.. وما تزال الولاءات القبلية هامة في هذا المجتمع... كون الحركة استطاعت ان تخلق تنظيماً يعيش لمدة عشرين سنة وهذا التنظيم يضم عناصر من كل هذه المجموعات وقيادات في مناطق قد لا تكون منتمية للقبيلة في المنطقة التي تقودها... اعتقد ان ذلك عمل هام وكبير... وفي كل الحالات التي كان فيها تفجير للقنابل القبلية الموقوتة... كان ذلك نتيجة عمل من الخارج... من ذلك استغلال النظام مثلاً للخلافات بين الدينكا والنوير... استغلاله ايضاً للخلافات المزعومة بين النيليين والاستوائيين.. لكن ليس هناك انفجار داخلي يمكن نسبته للحركة.. هذا لايعني ان الفروقات القبلية انتهت... لكن كونك استطعت السيطرة عليها وتشذيبها.. اعتقد ان ذلك يعتبر انجازاً.. الجانب الآخر هو الوعي بما يحدث بالخارج... اعتقد ان الفرق بين الحركة الشعبية واي حركة تحرير اخرى هو ان المجتمع في جنوب السودان مجتمع مفتوح عالمياً بدليل وجود خمس وثلاثين منظمة ومؤسسة لحقوق الانسان تراقب ما يحدث، وكثير جداً من هذه المنظمات تنشر بعض الاشياء التي تدور في المنطقة، لكن ليس هناك ما يشير الى ان هناك سياسة معينة لخرق حقوق الانسان، وما يحدث هو تجاوزات لا اكثر ولا اقل... بعض هذه التجاوزات يجب ان نعترف بانها خطيرة ولكنها تبقى تجاوزات في نهاية الامر. هناك تجاوز مزعج جداً بالنسبة لي... وانت شريك الآن لدكتور جون قرنق الذي تحدث في تصريحات بأن هناك اناس مع الانفصال قتلوا... القتل داخل الجماعة لاي سبب كان حتى الانفصال مثلاً... الا تعتقد بانه خطر اخلاقي؟ - الأخطار الاخلاقية تعود بنا الى معركة الجمل حينما قتل علي طلحة والزبير.. في هذا النوع من الصراع من الصعب حمل مسطرة اخلاقية لقياس الافعال... انا لايمكن ان اكون شاهداً على هذه المرحلة لانني في ذاك الوقت لم اكن في الحركة... لكن ما اقوله ان الذي حدث كان صراعاً قوياً... مجموعة ارادت ان تتجه الى الانفصال ومجموعة يقودها قرنق تتحدث عن الوحدة، والطرفان كانا يحملان السلاح ضد بعضمها البعض.. واذا التقى السيفان سقط الخيار. د. منصور.. أنت عاصرت غالبية الزعماء السياسيين من قريب جداً، ما هو الشئ الذي يميز قرنق عن القادة السياسيين الآخرين؟ - قر نق ينتمي الى جيل يختلف كل الاختلاف عن جيل القادة السياسيين الذين عرفتهم في الماضي وعلى كل المستويات.. اولاً قرنق ليس بصاحب آيديولوجيا، بعضها كان تأثره بها تأثراً مرحلياً عبر دراسته في جامعة دار السلام في زمن الحديث عن الاشتراكية الافريقية... تأثر بهذه المدرسة الى حد كبير، لكن لديه من العقلانية ما يجعله يدرك ان كانت الآيديولوجيا تتعارض مع الواقع، فالذي يعاد النظر فيه هو الايديولوجيا وليس الواقع، لانه في نهاية الامر اذا اردت ان تعيد النظر في الواقع ستضطر الى ليّ عنق الواقع وكسرها... قرنق لديه هذه الميزة.. لكن لديه ميزة اخرى هي انه معاصر، اقباله على السياسة فيه شئ من اعمال الفكر... هو رجل قارئ ورجل يتابع ما يدور بشكل جيد... معارفه وعقليته رقمية... درس الاقتصاد وعلومه الصعبة، الاقتصاد الزراعي، فالارقام تعني شيئا بالنسبة له وبالتالي فهو دقيق في كل حساباته سواء بالنسبة للعمل السياسي او العمل العسكري او في استشرافه لمستقبل السودان... ماذا سنفعل بالنسبة للاقتصاد... ماذا نفعل بالنسبة للتكامل وماذا ستضيف لنا العلاقة مع مصر والعلاقة مع دول القرن الافريقي او دول حوض النيل... هذه النظرية الشاملة غير موجودة عند السياسيين في الماضي... لسوء الحظ كانوا سياسيين منغلقين جداً بطبيعة تكوينهم وتربيتهم والسودان بالنسبة للشخص الذي يستشرف بعيداً جداً لا يتجاوز الاسكندرية... الشرق والجنوب لايعني شيئا بالنسبة له... لا وجود له، الآيديولوجيون ايضاً نظرتهم نفقية لانها ضرب باتجاه واحد، رغم ان نظرتهم يجب ان تكون قومية... لكن في الواقع هم لايروا العالم الا من خلال منظارهم المحدود جداً... مثلاً تخرج مظاهرات في الخرطوم تقول امريكا قد دنا عذابها... بالنسبة لهم العالم ينتهي حيث انتهت هذه المظاهرة ويبنون احكامهم على هذا... هذه مشكلة حقيقية... قرنق ليست لديه مشكلة من ذلك، يعرف الواقع ويعمل حساباته بصحة... الشئ الثاني قرنق لديه صفة اعتقد انها مهمة لاي سياسي اذا اراد ان يكون مقبولاً عند الناس، فهو لديه سياسة مهمة في انه لايصنع لنفسه هالة مثلما يفعل بعض الناس. حسناً الى اي حد يمكن أن يكون رجل دولة...؟ - اعتقد بأنه حقيقة رجل دولة... انه رجل دولة اكثر منه سياسي لا شك في ذلك. ما الذي يدل على ذلك؟ - انا اعرف كيف يتعامل... على الرغم من انه لايدير دولة الا انه في تعامله مع الدول وتعامله مع المسؤولين يظهر ذلك، اذكر مرة انه سُئل في مؤتمر في اسمرا عن صحة وجود عناصر ايرانية في الجيش وكان لدى الحركة معلومات كافية عن ان بعض العناصر الايرانية تدعم النظام خاصة الذين يعملون في بناء طريق اعالي النيل.. رده كان مباشراً (لا علم لي بهذا)... انا اعرف انه كانت لديه معلومات لكنه قال ان ايران دولة كبيرة لها علاقات مع السودان ولذلك لن تقدم على اي عمل يسئ الى علاقاتها مع الشعب السوداني في الحاضر والمستقبل... هذا الموقف ليس موقف شخص ينفعل. انا اعرف كثيرا جداً من السياسيين -لا اسميهم- لو سئلوا مثل هذا السؤال لكانوا القوا قصيدة شعرية في هجاء ايران. الى اي مدى يمكن ان تستوعب الحركة الشعبية في اطار الانقاذ والى اي حد هي مؤهلة لتقديم كفاءات وقادة اداريين وتنفيذيين لادارة سودان ما بعد مجاكوس - هناك جانبان لهذا السؤال... ان تستوعب الحركة في الانقاذ لا اظن... لان النظام عجز بالحرب ان يحطمها وعجز بمحاولات الاستقواء ان يحطمها وعجز بالاغراء... وبالتالي لايمكن بعد اتفاق السلام ان تنتهي الحركة الى جيب النظام، السؤال الثاني حقيقة له شقان ، اذا كان المقصود قدرة الحركة لاحضار كوادر فالحركة كوادرها من كل السودان، فهي تنطلق على اساس انها حركة لكل السودانيين وهناك عناصر كثيرة من مناطق مختلفة من السودان اما موجودة في الحركة او تتعاطف معها، من هذه الناحية ليست هناك مشكلة، الشق الثاني اذا كنت تقصد بذلك الجنوب فهذا السؤال يمكن ان يجاب عليه من ناحيتين الناحية الاولى ان تمثيل الجنوب في جميع اجهزة الخدمة المدنية يجب ان تراعى فيه العدالة... ان كان هناك نقص لابد ان يكمل هذا النقص وان نستخدم نفس المنطق الذي استخدمناه عندما تمت السودنة بعد الاستقلال... لم نقل بأن الذين يسودنون هذه الوظائف غير اكفاء وبالتالي نتركها للإنجليز، هذا هوالاسلوب الامثل الشئ الآخر هو ان فرصة العشرين عاماً الماضية اتاحت فرصة كبيرة للجنوبيين ان يتدربوا في مناطق عديدة في العالم... هناك عناصر كفئة ويمكن ان لا تفي هذه العناصر حتى لسد الاماكن التي ستكون شاغرة في الجنوب نفسه. تحديداً لان هناك حديثا عن النفط... الى اي حد تملك الحركة مهندسين وفنيين للعمل في هذا القطاع؟ - عملية النفط هذه لايديرها لا الشماليون ولا الجنوبيون، هذه تديرها شركات وخبراء من خارج السودان... هذه ليست قضية... السودانيون جالسون في الخرطوم في الوزارات والمؤسسات الاقتصادية، وطبعاً هناك اعداد من السودانيين في الحقول... وكما قلت اذا كنت تستعين بعناصر من ماليزيا والصين فمن باب اولى ان تستعين بشماليين اذا كان هناك شماليون مؤهلون لهذه الوظائف.
|
|

|
|
|
|