رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 00:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-04-2003, 01:18 PM

Alsawi

تاريخ التسجيل: 08-06-2002
مجموع المشاركات: 845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات


    في الفترات التي تسبق موسم الجفاف تتراكم الأحزان والمخاوف. وعندما يحل، تتغير الحياة والأشياء، حتى البشر يتغيرون وطباعهم تتغير. حين يحل القحط لا يترك بيتاً إلا دخله ولا يترك إنساناً إلا وخلف في جسده أو قلبه أثراً. تظهر علي الأجساد آثار الكي (لليرقان)، وتتولد في القلوب الأحزان للفقد، في جانب الإنسان أو الحيوان. أنه الجفاف الذي يسوق معه أشياء لا حصر لها. المزارعون الذين كانوا يحفرون (المطامير) ويبنون (كرابيب) البطيخ، والرعاة الذين كانوا يسرحون ببهائمهم لا تهدأ أهازيجهم ومزاميرهم، يسوقون الأغنام ويحملون حملانها الصغيرة علي صدورهم، والباعة الذين كانوا يحملون اللحم والخضروات والفواكه ويحملون موازينهم البدائية ومعها قطع الحجارة المصقولة والتي اعتادوا على استعمالها أوزاناً... كل هؤلاء إن جاءوا في مواسم القحط، جاءوا بهيئات مختلفة. تراهم في السوق مصلوبين في الحر، ثيابهم ممزقة وأجسادهم هزيلة وعيونهم جاحظة يعرضون أشيائهم الحقيرة وفيهم كبرياء الأسود ويشترون بقدر ما تسمح به نقودهم القليلة، أو يقايضون بأمتعتهم أو حليهم دقيقاً وسكراً. الرعاة الذين كانوا يبالغون في ثمن خرافهم، بل ويفضلون أحياناً العودة بها دون بيعها مرات ومرات غير آسفين، أصبحوا الآن يتوسلون يريدون التخلص منها بأي شكل. حتى التجار الذين كانوا يُسلّفون الجميع علي أمل استرداد حقهم مضاعفاً، بدوا الآن شديدي التعنت، ثم لا يلبثون أن يمتنعوا تماماً. الكبار يهرمون بسرعة وتصيبهم الأمراض فيموتون، الصغار تنتفخ بطونهم ويتساقطون. حالة الانتظار اليائس تبدو مسيطرة علي الجميع، حتى الدواب المربوطة إلي ركائزها. الطباع تتغير، فالذين يتعاملون بالكثير من السماحة ويبدون المرح ويظهرون التفاؤل يتحولون فجأة إلي رجال قساة كثيري الضجر ويثورون لأتفه الأسباب.
    قرية الحيمورة تعتمد كلياً علي المطر في الزراعة أو الرعي. عندما تهطل الأمطار تخضر الأرض فتسرح البهائم وينبت الزرع ويفرح الناس فيتزاورون ويستأنسون ويضحكون ويقيمون المناسبات السعيدة، ولكن في الزمن الأخير وفي أخريات فصل الصيف خصوصاً أصبحت القرية تحس الخوف من أن تأتي سنوات المحل والجفاف. فعلي الرغم من امتلاكهم للمساحات الواسعة وتربيتهم للبهائم بأعداد كبيرة يتعذر عليهم أن يطعموا أنفسهم. تبدأ الأشجار بالذبول وتصبح الطبيعة كالحة وقبيحة، تبدأ عواصف الرمال تهب لتغطي كل شئ وتتكاثر أفواج الذباب والغربان لتأكل من بهائمهم التي تنفق. في هذه السنوات لابد أن يموت أناس كثيرون ولابد أن تحدث أشياء كثيرة لم يقدرها الآخرون. الحيوانات التي كانت تملأ المنطقة وتسرح بلا مبالاة يصيبها الهزال والمرض، وإذا نظرت لوجوه الرجال - خاصة الكبار منهم - تقرأ فيها مصاعب الأيام القادمة وآلامها التي لا يمكن أن تنسي.

    في يوم من أيام الرشاش الذي يسبق الخريف بقليل، كان الوقت عصراً متهالكاً، الشمس مائلة للمغيب ترسل أشعتها الواهنة علي صفحات الرمال الذهبية المتموجة، حيث ترقد قرية حلة مرجي. النسيم يهب عليلاً هادئاً من الجهة الجنوبية حاملاً رائحة (الدعاش) المنعشة من مكان ما بعيد هطلت فيه الأمطار. مجموعة من السحب بدأت تتجمع في سماء حلة مرجي لأول مرة منذ أن اختفت آخر سحابة أخريات الخريف الفائت، القرية ساكنة وادعة إلا من حفيف أغصان شجر السيال تداعبه نسائم العصر، وخوار ثور عنيد يأتي من مكان بعيد يشق الصمت بصوت كالرعد. مجموعات الماعز بدأت تتجمع بجوار البيوت وحول زرائبها استعدادا للمبيت. في ذلك الوقت كانت مجموعة نساء حلة مرجي قد تجمعن في منزل حسن ود سارى الليل الكائن وسط (القطاطى) التي تتكون منها القرية، كانت أصواتهن مرتفعة يقاطع بعضها بعضاً، تكاد تسمع اكثر من صوت مرتفع وفي وقت واحد بحيث لا يستطيع السامع أن يميز موضوع الحديث إلا بصعوبة بالغة.
    كان الحديث يدور حول موسم الخريف الذي حان وقته، وعن الاستعدادات التي تمت لاستقباله من تنظيف للمزارع وتجهيز للأرض وتحضير (للتيراب). كانت أم مونة زوجة حسن ود سارى الليل تئن وهي معلقة بحبل متين إلي عمود (الراكوبة) العتيد وكأنها سعن لبن مجهز للخض، بينما اتخذت أصيلة ( الولاّدة ) حجراً أملس تسن عليه مجموعة من السكاكين الصدئة التي اتخذت منها أمواساً لتوليد حوامل القرية. وبعد لحظة انتظار وترقب اختفت فيها أصوات النساء تماماً أرتفع صراخ الطفل وعمَ (الروراى) أرجاء القرية الصغيرة. لقد أنجبت أم مونة مولوداً ذكراً أسماه والده ( أم حُمَّد ) تيمناً بالرسول الكريم محمد. مجموعة من رجال القرية توافدوا علي حسن ود سارى الليل يسابقون قطرات المطر التي بدأت تتساقط في فرح ونشوة مهنئين ومباركين قدوم الفارس الجديد :
    - إن شاء الله الفارس مبروك آزول.
    أخذ حسن ود سارى الليل مولوده الجديد إلي الفكي حمدان ليكتب له (الحرّاسات والبخرات) وعلق جزء منها علي رقبته، ثم قرأ عليه بعض التعاويذ وقال مهنئاً مباركاً :
    - إن شاء الله ح يكون لولدك شأن عظيم وح تسعد به اكثر من باقي عيالك.
    أم مونه بت طير الرب كانت متفائلة هي الأخرى بقدوم ابنها الميمون والذي تزامن مع نزول أول (مطرة) في خريف ذلك العام، بدا ذلك في حرصها الشديد علي أن تبقي جسده الغض محاطاً بمجموعة من الحجب والتعاويذ وحرصها علي أن لا تمتد إليه يد إلا بعد أن تسمي الله، وبقيت إلي جواره يُقرع علي رأسيهما بالحديد منذ غروب الشمس حتى تتخذ النجوم موقعها بوضوح علي قبة السماء، ولا تحادث أمه أحدا في تلك الفترة ولا يدخل عليها أحد اعتقادا بأن تلك الفترة هي التي تكثر فيها الشياطين، فكان القرع علي الحديد حماية له من أن تقربه الشياطين أو العوارض.
    في تلك القرية نشأ وتربي محمد حسن ود سارى الليل، ذاك النمط الحياتي الذي نشأ عليه والده. حياة جادة، كلها كدح وعمل منذ بدايتها في سن الطفولة وحتى نهايتها، لا فراغ فيها ولا طراوة، حتى طفولته كانت طفولة جادة، فهو بمجرد أن يخرج من حضن أمه - بعد مرحلة الفطامة مباشرة - يستلمه والده واخوته ليربونه علي حياة الشدة والخشونة وليصنعوا منه رجلاً كاملاً في فترة قصيرة، وتكون مرحلة ما بعد الفطامة مباشرة هي مرحلة تكوين الشخصية السوية الجادة والترويض علي خشونة الحياة وقسوتها التي يعيشها أهل تلك المناطق.
    تبدأ هذه المرحلة بأن يحظر عليه الجلوس في قعر البيت-وهو الجزء المخصص للنساء-، ويحظر عليه اللعب مع أخواته اللاتي يصغرنه، ويعامل معاملة الرجل السوي الذي يسعى لخدمة نفسه بنفسه.
    لقد كانت طفولة جادة قضاها محمد - كما هي طبيعة أي طفولة هناك - عمل جاد مستمر طوال النهار وقد يمتد إلي جزء من الليل أحيانا. بدأ محمد برحلته مع والده لرعاية الغنم، فكنت تراه طفلاً وقد اخشوشنت يداه من العمل، وأخشوشن جسمه اللين الذي قل أن يجد الماء موفوراً لينعم عليه بالنظافة لتعود إليه نضارته ولونه الطبيعي. كان محمد يخرج في (السرحة) والتي قد تطول لأسبوع كامل مع والده في الخلاء ولا يعود للبيت إلا في نهايتها ليغسل جسده وما عليه من ثياب ثقلت وتغير لونها جراء الاتساخ.
    كان هذا هو شكل الطفولة الجادة التي قضاها محمد قبل أن تقطعها علية حياته المدرسية، فقد استطاع عمه الذي نال قسطاً من التعليم إقناع والده بأن يدخله إلى المدرسة، وأفهمه بأن (محمد ولد كويس وفاهم وله مستقبل كبير في التعليم)، وبين له بأن المدرسة لن تنقص من رجولة ابنه شيئاً، هذا بالإضافة إلي أن للتعليم مزايا أخرى كثيرة. كان حسن ود سارى الليل يتذرع بحاجته لخدمات محمد، فهو يسرج له الحمار عندما ينوى الذهاب إلي مكان ما، ويساعده في الفلاة مع الغنم، ويملأ له إبريق الماء ويحضر له المصلاة...إلا أن السبب الحقيقي وراء تمنعه هو المفهوم السائد من أن المدرسة تؤدى إلي تخنث الأولاد وميوعتهم أو أنها تعلمهم الفصاحة وقلة الأدب في أحسن الأحوال.
                  

العنوان الكاتب Date
رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-04-03, 01:18 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-04-03, 01:20 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات ahmad almalik08-04-03, 02:55 PM
    Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-04-03, 04:08 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-10-03, 09:01 AM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-21-03, 06:55 AM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات ahmad almalik08-28-03, 01:08 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-28-03, 04:49 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Nada Amin08-28-03, 10:07 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-29-03, 12:39 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Nada Amin08-29-03, 03:56 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-29-03, 09:04 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Nada Amin08-29-03, 09:31 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات bushra suleiman08-29-03, 11:40 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-30-03, 08:26 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de