|
|
زمن الفتاوى الطالعة من فكر صدئ 000 وزمنا مقيح ومنتهي
|
في مجتمعات الثبات تضيع بدهية حركة التاريخ وتطور المجتمعات، ويبدو أن هذا ما لم تحسب حسابه تلك المجموعة من الاسلامويين التي اضطلعت بمهمة تكفير الآخرين، كما يبدو أنها لم تراعي بأن هناك الكثير من المياه قد سالت تحت الجسور منذ فتوى عام 68م الشهيرة والتي أفضت إلى حل الحزب الشيوعي وطرده من البرلمان، متوهمين أن التاريخ يتناسخ0
كان أخطر ما في تداعيات تلك الفتوى الشهيرة أنها ساهمت بشكل فعّال في إنزال رجل الدين من عليائه والتشكيك في قدسية أقواله، كما نبهت رجل الشارع البسيط إلى أن رجل الدين ليس بمنأى عن التورط في شبهة سياسية تنفي عنه الحياد 0كما أنها نبهت الجميع إلى جدوى التداعي للمعرفة الحقة بأمور الدين حتى بفوتوا الفرصة على أوصياء الدين0 فالشاهد حتى ذلك الوقت كان الدين حكراً على أشخاص بعينهم يطلق عليهم "رجال الدين" الذين اكتسبوا سمعة وثقة عامة الناس حيث أنهم كانوا مقياس للخلق والتواضع وعفة اللسان وذو سعي حثيث لكل ما يقرب الشقة بين الناس، وكان لقب "مولانا" أو "شيخ" منزلة رفيعة لا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم، ولم يكن ذلك بالطبع محض صدفة أو نتاج انطباعية عقيمة بقدر ما هي شواهد حية ودلالات ارتقت لمرتبة الاعراف0 حسب الأخوان المسلمون - ومن تفرع منهم من بعد في تلك الفترة- انهم سيطروا على مقاليد الأمور الدينية، ولكن يبدو إن ما فات عليهم حقاً أنهم أكدوا دون وعياً منهم أنهم ساهموا مساهمة فعّالة في هز ثقة المجتمع فيمن يوصفون برجال الدين0 بالطبع لم يقف الأمر على هذا الحال، فبتولي الجبهة زمام الأمور السياسية في البلاد كانت قد دقت إسفينا على أدنى معدل ثقة برجال الدين، من خلال ممارساتها المشبوه في تصفية خصومها السياسيين عن طريق التفسير المخل للدين، كما أن الفساد والإفساد الذي تم على ارض الواقع جعل من الأمة شهود عيان على تمرغ أصحاب الفضيلة الدينية في مخازي سيقف التاريخ طويلاً شاهداً عليها0 وها نحن الآن في هذا الجو الملبد بغيوم الشك والريبة وانعدام الثقة يأبى الخطاب الديني إلاّ أن يمارس نشازا وبمعزل عن أي نوع من أنواع الحكمة يفاجئنا هؤلاء النفر ممن يسمون أنفسهم علماء المسلمين بهذه الفتوى المتهافتة في محاولة يائسة لإيقاف الحراك السياسي الذي يكاد يمسك بخناق نظامهم، وكأنهم بهذا وفي هذا الوقت الدقيق من عمر الوطن يؤكدون بأنه لم تعد هناك أي بارقة أمل في أن يصبح الدين باعث من بواعث وحدة هذه البلاد التي على مفترق طرق0 إن ما جرى من قبل، وما يجري اليوم على ذات النسق لهو امتداد أصيل لفصول الخزي التي وسمت علاقة رجال الدين بالسلطة الحاكمة في تحالف انتهازي مورس على مر التاريخ وما زال لوأد محاولات الشعوب للنهوض في وجه الظلم والجبروت0 وليت كانت للقوم الذين يريدون قهرنا بسلطان الدين شجاعة يزيد بن عبد الملك، حين أمر اربعين رجل من رجال الدين في عصره أن يصدروا فتوى تؤكد على أن خليفة المسلمين لا يحاسب أو يعذب على أعماله!!!00 فالرجل حتى في تيهه وضلاله لم يرضى بالسهل والباس خصومه زي الشيطان الذي يجب أن يزال من على الأرض، في حين أن من يحكمونا لا يفوتون سانحة إلاّ واستثمروها للبطش بمن يرونهم حجر عثرة تقف في طريق طموحهم المحموم0
عبد الخالق السر/ ملبورن 16/7/2003م
|
|
 
|
|
|
|