غازى صلاح الدين وعبقرية الاخفاق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 11-27-2025, 03:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-05-2003, 08:46 PM

waleed500
<awaleed500
تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 6653

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
غازى صلاح الدين وعبقرية الاخفاق

    بقلم: د. غازي صلاح الدين العتباني

    مستشار رئيس الجمهورية للسلام

    اعتاد الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئىس الجمهورية لشؤون السلام أن يتحف القراء بأطروحاته المتميزة التي يضمّنها آراؤه الواضحة والصريحة حول الكثير من القضايا ومستجدات الشأن الوطني. ومن هنا تحتفظ كتاباته بوقع خاص يحمل بلاغة التعبير وسداد الفكرة منطلقاً من مباشرته لملفات العمل السياسي في أدق أسراره وخفاياه، ولكم تحتاج مساحات الحوار الى بوح المسؤولين عن أهم الملفات الوطنية برؤاهم وتحليلاتهم حول الأحداث في مساراتها المتصلة، فذلك أمر يثري الساحة السياسية بمعالجات دقيقة تنبع عن قيادات وطنية تمرست في اختبار واقع العمل السياسي ردحاً من الزمن وكانت وراء قرارات وتحولات وأحداث مهمة لا تزال تفاعلاتها تشغل الأذهان، ويتناول الدكتور غازي من خلال مقال جديد - ننشره عبر هذه المساحة - قضية الاحتكام الى الشريعة الاسلامية وما أحاط بها خلال العقود الأخيرة من جهد، ظل الغيورون على الإسلام يبذلونه تجاه تثبيت أهم المفاهيم المتصلة بها، متحدثاً عن ما شاب ذلك الجهد من إخفاق في اثبات أن العلمانية لم تكن يوماً ضامناً لحقوق الناس فضلاً عن إبهام مدلولها.

    ويتطرق د. غازي - في مقاله - الى تجدد الجدل حول قضية الشريعة الاسلامية في الآونة الأخيرة، بكل ما تخلل ذلك من تداعيات مختلفة تكاد أن تدخل الواقع السياسي كله في التحاور بشأنها على خلفية ما أحدثه حراك السلام من تطورات باتجاه التوصل الى اتفاق السلام النهائى المرتقب.. ولن نفسد حديث د. غازي بإطالة التقديم إليه.. فهو الأثرى والأكثر جاذبية دون شك..

    "الإخفاقات البطولية" كتاب باللغة الإنجليزية من القطع الصغيرة، قرأته قبل عشرين عاماً ولم ينمح من ذاكرتي. والكتاب من طائفة الكتب التي تعرض فكرة فكهة بصورة جادة فتكون الثمرة آية في الفكاهة الراقية. فكرة الكتاب الأساسية هي أن الإخفاق، في بعض صوره، بطولة في ذاتها وإنجاز لا تستطيعه إلا الصفوة من الأكفاء. ويورد الكاتب حالات حقيقية يستدل بها على حجته، فهناك الملاكم فلان الذي لم يكسب مباراة واحدة في حياته ولم يفشل ولو بالمصادفة في أن يخسر بالضربة القاضية؛ وهناك المدير علان الذي لم تسجل سيرته الذاتية نجاحاً لشركة أدارها، حتى أصبح علماً بحق وحقيقة في دنيا المال والأعمال، علماً يعرف ليتقى؛ وهناك الفرقة الغنائية من بلد كذا التي ظلت تأتي في ذيل قائمة المتنافسين في مهرجان الأغنية لعشر سنوات متتالية. والمتتبع لاستشهادات الكتاب لا يلبث أن يؤمن بفكرته، فالحالات المرصودة تنم عن موهبة حقيقية في الاتجاه الآخر وعبقرية في تحقيق الخسارة بصورة لا يمكن نسبتها فقط للأقدار. ولا يمكن المساواة بالطبع بين هذا الضرب البطوليّ من الإخفاق والضروب الأخرى التي يقع فيها سائر الفانين من البشر من أمثالنا. ولو تمعنا بصورة أدق في هذه الظاهرة العبقرية لوجدنا أنها تكتسب طابعها من جمعها بين المقدرة على ارتكاب الخطأ أو تحقيق الخسارة ثم توليدها أو إعادة إنتاجها على نمط واحد متسق ومتصل.

    ولقد أصبحت لا أكفّ عن رؤية طريقة تناول بعض قضايا السياسة السودانية من ذلك المنظور، منظور الإخفاق العبقري المستوفى شرطي الخطأ المتناسخ والاتساق. ومن ضمن ذلك قضية الشريعة التي دارت عليها السياسة السودانية منذ الاستقلال. وأرى أن الإخفاق قد تجسد بصورة أساسية في عجز المسلمين الغيورين عن أن يتمسكوا بحقهم بصورة مقنعة وأن يعرضوا قضيتهم بمنهج موضوعي، وبين إصرار غير المسلمين على أن يتعمدوا تبني الفهم الخاطئ للإسلام وللشريعة كما يتعمدون أن يقدموا مطالبهم بصورة غيرمعقولة أو معتدلة.

    وبما أن أهم وجوه ذلك الإخفاق تتبدى في المقدرة العالية على إثارة الاستقطاب حول القضية والمزايدة بها في الاتجاهين - المطالبة بها والمطالبة بإسقاطها- فإن آخر ما يرمي إليه هذا المقال هو تعميق حالة الاستقطاب السياسي والمجازفة باتهام النوايا مما أراه زهيداً مستسهلا ومربحا بغير حق في الممارسة السياسية السودانية الرائجة. والأحب إلى نفسي هو أن ينظر إلى المقال بحسبانه نقدا ذاتياً عاماً لكل الممارسة السياسية مع كل ما يمكن أن يلحقنا من ذلك.

    إن قول الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها" إنما جاء تأسيساً لمنهج وهدي متكامل يسوق الخلق إلى عبادته التي هي مبرر خلقه لهم. وأول تقصير من الغيورين من المسلمين هو أنهم لم يعرضوا الشريعة بصورتها الحقيقية الكاملة تلك. أي على أنها هدى يتصل بنبع الأديان السماوية التي تلتقي على أرض واسعة من تعريف المعروف وتنكير المنكر. والنبي صلى الله عليه وسلم عندما حدث أنه إنما بعث "ليتمم مكارم الأخلاق" إنما رمي إلى تلك الأخلاق التي يتواضع عليها البشر بفطرتهم نفوراً من الشر وإقبالاً على الخير.
                  

07-05-2003, 08:48 PM

waleed500
<awaleed500
تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 6653

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غازى صلاح الدين وعبقرية الاخفاق (Re: waleed500)

    الشريعة لم تقدم بصورة جلية على أنها الضامن الأوثق لحقوق المسلمين وغير المسلمين. رغم أن الثابت في التاريخ أنها رفعت الظلم عن القبطي في مصر والمجوسي في فارس والمسيحي في الشام واليهودي في الأندلس وعدلت بينهم والمسلمين في الحقوق العامة على شروط العهود التي وقّعت معهم. والقصص المروية عن محافظة المسلمين على تلك العهود ائتمارا بتعاليم الدين أشهر من أن تحصى في هذه المقالة المختصرة. والتزام أئمتهم في التشديد في الحفاظ على تلك الحدود بلغ بابن الخطاب، رضي الله عنه، أن يكشف رأس والي مصر، الأمير القرشي وداهية العرب، عمرو بن العاص، ليضربه رجل متظلم من عامة القبط قائلا قولته التي ذهبت مثلاً "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

    هذا الحرص على الوفاء بالعهود واليقظة في مراقبة انفلات أصحاب السلطان وجورهم على المسلمين وغير المسلمين، والتشديد في إقامة العدل، هي التي دفعت مؤرخاً مثل توينبي ليلاحظ أن أكبر دافع لانتشار الإسلام لم يكن محض قدرته على الإقناع بعقيدة جديدة، بل لقدرته فوق ذلك على تحرير الإنسان في عصر ازدهر فيه التجبر والظلم. لقد وجد أصحاب الديانات الأخرى في الإسلام منهجاً للانعتاق وتحرير الذات من ذل العبودية للخلق حيث حشرتهم فيه أديانهم السابقة. لقد حررهم الإسلام من أغلال الوهم والجهالات السائدة، المستقوية برجال الكهنوت، والمتواطئة مع طبقة الحكام المتجبرين.

    كذلك حرر الإسلام من عاشوا تحت ظل سلطانه، المسلم والكتابيّ والمجوسيّ، من الخرافة التي حجبت عنهم مفاهيم العلم الحديث وطرائقه بغشاء غليظ فشاعت العماية وتردت أسباب المعاش. وفي الإسلام وشريعته وجد الناس طريقاً مهيعاً إلى العلم والمعرفة، بتدبر سنن الله ونواميسه، فكانت الحضارة الإسلامية التي طفرت بالعلوم والفنون والصنائع والتجارة والجغرافيا والعسكرية والرحلات الاستكشافية والسياسة الدولية وسادت بها قروناً طويلة. كمثال على الإسهام المتميز للإسلام في مجال يبدو للناس بعيداً منه هو الجماليات، أنظر إلى النهضة في العمارة والفنون انطلاقاً من موقف من تصاوير الأحياء أثمر إبداع المسلمين فنون الأرابيسك والمنمنمات المتكررة بلا نهاية التي استوحت مفهوم الوحدانية والقدم (الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية). وفي كل تلك الإبداعات العلمية والفنية، لم يقتصر الإسهام على المسلمين بل تعدى إلى مواطنيهم من أهل الكتاب والمجوس الذين نشأوا في محضن الحضارة الإسلامية؛ إن أولئك رغم اختلاف أديانهم لم يستشعروا حرماناً من الإسهام المبدع أو تناقضاً مع مقاصد تلك الحضارة.

    وقد سادت الشريعة وعلت وأبدعت لأنها أوجدت نظاماً قانونياً متكاملاً ومستقلاً في أحكامه عن إرادة الحكام أو طبقة الأقوياء والأشراف في المجتمع، فضمنت بذلك العدل بين الناس جميعاً، دون اعتبار لأديانهم أو طبقاتهم، وحجزتهم من التظالم فيما بينهم، كما حمتهم من ظلم الحكام وجورهم. أرست الشريعة ذلك النظام الكفء المستقل وجوّدته بصورة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، فكان ذلك من أقوى أسباب نجاحها وقبولها عند الناس باختلاف مللهم وتسابقهم من بعد ذلك في اعتناق الدين الذي عدل وأنصف. وأسست الشريعة منهجاً تفرع منه علم الأصول وفقه الدستور ونظم الأحكام وتفريعات القانون وتخصصاته المختلفة. منهجاً قد اختبر وامتحن في تجارب قدمت للإنسانية كثيراً عبر مراكزها في بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس وسمرقند وخراسان وتمبكتو وصوكوتو وإصفهان. منهجاً تأثرت به الصناعة القانونية والقضائية الغربية الراهنة، حتى إن القانونيين ليحدثون أن ما يسمى بالشرعة النابليونية، التي عاد المسلمون في زمان تأخرهم فاقتبسوا منها، إنما نظرت إلى منهج الإسلام وتطبيقات الشريعة حيث التقى الغرب بالإسلام في الأندلس والشام وشرق أوربا.

    إخفاقنا المتميز كان في أننا لم نفصح لأنفسنا أولاً ثم للآخرين أن الشريعة، ذلك المنهج الإسلامي المتكامل، قد نجحت وتأهلت لتحمل مقتضيات أهم حضارة توحيدية وأفلحت في التصدي لتحدياتها العظام فجمعت بين التزامات الدين ومستحقات المعاصرة واستوعبت أتباع أديان وثقافات شتى.

    بدلاً من ذلك المنهج الثقافي الاجتماعي القانوني المتكامل أخطأ من بيننا من غلبت عليهم الذهنية القانونية فصوروا الخلاص كله متحققاً يوم أن تدرج الشريعة في نصوص دستورية وقانونية. وإنه لمن المستغرب أن يكون بعض هؤلاء اليوم هم الأكثر استعداداً لإسقاط ذات النصوص بعد أن صارت التزاماً مستحكماً لا يمكن النكوص عنه دون أن يعني ذلك نكوصاً عن حق أصيل للمسلمين.

    بمقابل الإخفاق في تقديم الشريعة أخفق المسلمون الغيورون في إثبات أن العلمانية لم تكن يوماً ضامناً لحقوق الناس عامة أو الأقليات خاصة. العلمانية تعبير مبهم بعيد عن وجدان المسلم وهي بعيدة أيضاً عن وجدان المسيحي الحق الذي يعلم أنها لم تنتصر وتزدهر إلاّ في أعقاب معركة ضارية خرجت منها الكنيسة مهزومة مقصاة.

    والدارس للتجربة العلمانية في أصولها الفكرية وتطبيقاتها العملية سيكتشف أنها قدمت بعض أشد المناهج قمعاً للخصوصيات الدينية والثقافية.

    لقد نشأت العلمانية وتشكلت على خلفية تطورين هامين في الفترة التي أفرزت قيام أوربا الحديثة. الأول هو ما سمي بحركة الإصلاح الديني التي قادها كالفن ونوكس وآخرون والتي أفرزت المذهب البروتسنتي. والثاني هو تطور مفهوم الدولة القطرية الجمهورية إثر دخول أوربا حقبة ما عرف بتوازن القوى ابتداءً من القرن السابع عشر إلى الوقت الراهن وهي الحقبة التي أنتجت الدول والأوضاع الأوربية الراهنة. وتمثل فرنسا بصورة خاصة نموذجاً لتطور العلمانية التي بدأها أب "الريالبوليتيك" الكاردينال ريشيليو رئيس الوزراء الفرنسي المشهور على عهد لويس الثالث عشر، واستكملتها الثورة الفرنسية التي كانت ثورة ضد الكنيسة بأكثر مما كانت ضد الملكية. لهذا السبب كان الفاتيكان أول ضحايا نابليون عندما خرج غازياً من فرنسا حاملاً معه مبادئ الثورة الفرنسية. العلمانية في فرنسا ارتبطت ارتباطاً قوياً بالمركزية الإدارية والدمج الثقافي. وقد يكون البادي من ذلك للجمهورين العربي والإفريقي هو فقط نفوذها الثقافي في المستعمرات الفرنسية، حتى لقد قيل من باب المبالغة إن وزير التعليم الفرنسي في الفترة الاستعمارية كان يفتخر، وهو ينظر إلى ساعته، أنه يعرف في تلك اللحظة ما هي الحصة وما موضوعها في أي مدرسة في فرنسا أو في مستعمراتها. لكن هذا البادي في أفريقيا وآسيا يخفي حقيقة أن المركزية الثقافية قد هضمت حتى الثقافات الأخرى داخل فرنسا كما حدث في كورسيكا وبريتاني ومناطق أخرى. واليوم كما هو معلوم ومشهور يطرح تقليد الاندماج الثقافي ذي التاريخ العريق في فرنسا العلمانية مشكلة حقيقية أمام المسلمين الفرنسيين.

    حالة أخرى من العلمانية المتطرفة طبقت في الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية. وقد كان من أهم سماتها أيضاً المركزية الإدارية والثقافية. ولقد جبّت الاشتراكية وثقافتها الجديدة وبشرياتها التاريخية كل ثقافة أخرى أو دين آخر. هكذا قمعت ثقافة المسلمين الأوزبك والطاجيك والتركمان في آسيا الوسطى، بنفس القدر الذي قمعت به ثقافة المسيحيين الليتوانيين واللاتفيين والمولداف في دول البلطيق. أما يوغسلافيا التي ارتدت من وطأة القمع العرقي والثقافي في حقبتها الاشتراكية وتفرقت شذر مذر إلى كل جنس ولغة ودين فأشهر من أن ينوه بها.

    لكن أشد الحالات تطرفاً في القمع العرقي والثقافي الذي بلغ حد التطهير العرقي فتمثلها بامتياز النازية والفاشية. وكلاهما تجربة قامت على مبادئ الاشتراكية الوطنية وعلى مفاهيم العلمانية. كما أن تجربة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، برغم التزام دعاتها بالمبادئ المسيحية في أشخاصهم واقتباسهم من أحاديث التوراة، إلا أنها في صورتها الرسمية ملتزمة بالعلمانية بمعنى أن دولتها لم ترتبط بالكنيسة.

    وإذا أردنا الاستشهاد بالتجارب الحية القائمة فدونك تركيا التي تعد العلمانية أهم سمات دستورها وأكثرها قداسة. لكنها علمانية تصطدم كل يوم بالمشكلة الكردية ونزوع الأكراد نحو تعبير أقوى عن الذات على الصعيدين الثقافي والإداري. ولم تقدم العلمانية حلاً للمشكلة في هذه الحالة بقدر ما عقدتها. والصين دولة علمانية تعاني أيضاً من مشاكل الأقليات الثقافية والدينية والعرقية.

    الأمثلة كثيرة بحيث يمكن الاستطراد فيها بما يوضح جوانب القصور البينة في معالجة التعددية الثقافية والدينية في العلمانية الأنجلوساكسونية والإسكندنافية أيضاً. والخلاصة هي أن العلمانية ليست فقط المحايدة في أمر الدين كما يحلو لأنصارها أن يصوروها ولكنها منطوية على نزعة تنميطية وتوحيدية مفرطة كثيراً ما تتصادم مع الخصوصيات الثقافية. ويتضح ذلك بصورة أكبر عندما يختبر المجتمع بثقافة جديدة غريبة كما هو واضح من معاناة المسلمين اليوم في الغرب. ومن قبل المسلمين عانى اليهود والغجر الأمرين في الغرب وتعرضوا لمحنة أشد بلغت ذروتها قبيل الحرب العالمية الثانية وأثناءها على يد النازيين والفاشيين.

    قارن بين هذه النزعة المركزية التنميطية للعلمانية وبين احتفاء الإسلام، ومنهجه العملي أي الشريعة، بالخصوصيات الثقافية والعرقية. تجد ذلك منثوراً في تقريرات جامعة وقاطعة، فالقرآن يقرر مبدأ التنوع بقوة حين يذكّر: "يا أيها الناس إنّا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وعندما يقرر أن التنوع آية من آيات الله التي تُذكر المسلم بآيات الخلق وتُؤكد أن التنوع سنة ربانية، آيات لا تشكل عقيدة المسلم فحسب، بل هو يتعبد بها في صلاته وزلفاه إلى الله: "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم".

    إن التجربة العملية للإسلام تؤكد تلك المبادئ، انطلاقاً من موثق الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة، وتطور مفهوم المعاهدة لدى المسلمين في حقب التاريخ الإسلامي المختلفة، ووصولاً إلى تجربة الخلافة العثمانية في التسامح مع الأقليات غير الإسلامية وهو ما شهدت لهم به الدراسات الاستشراقية المختلفة.

    الإخفاق المتميز يكون عندما يستمر عرض الشريعة بهتافية متشنجة تدعو غير المسلمين إلى تطبيقها برغم الأنف وقطع الرقاب، لاعلى أنها سبيل تحرر وانعتاق ونهضة. ذلكم كان سبيل الإسلام إلى الانتشار في قرونه الأولى كما أثبتنا عندما أوضحنا سابقاً أن الإسلام تمدد وانتشر بإيمان الشعوب التي وصل إليها أنه منهج للفوز والنجاة في الآخرة بقدر ما هو منهج للتحرر والرقي في الدنيا. وأيما دعوة تتنكب ذلك السبيل ستردّ الإسلام إلى موقع دفاعي ثم إلى التراجع والانسحاب التدريجي المنتظم.

    على أن هناك وجوهاً مباينة للإخفاق المتسق، يتمثل في تساهل طائفة أخرى من المسلمين، نحسن بهم الظن فنسميهم المسلمين المشفقين. ويبدو التساهل في الاستعداد الفوريّ للتنازل عن النص على الشريعة في الوثائق الهادية للدولة والمجتمع كالدستور تحت ضغوط هم يعلمون أنها لا تمثل انشغالات حقيقية لدى غير المسلمين بقدر ما تمثل أداة ابتزاز. وللأسف فإن تسييس الجدل حول هذه المسألة منذ الاستقلال قد أضاع معالم الحقيقة فيها حتى أضرب الناس عن التماس الحلول لها إلى استثمارها في الإدانات المتبادلة.

    ويتيح إعلان القاهرة الذي وقع مؤخراً بين الحركة الشعبية والزعيمين السياسيين محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي، ومذكرة التفاهم التي وقعت في لندن بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي مادة مثالية لإبراز بعض أوجه القصور المزمنة في تناول هذه القضية.

    لقد حمل إعلان القاهرة في افتتاحياته تقريرات طيبة وحسنة النوايا تجاه السلام والاتفاقات التي وقعت باتجاهه حتى الآن. لكنه فجأة انتقى قضية الشريعة وأقحمها في الموضوع هكذا وحدها بكل مضامينها الخلافية. صحيح أنه أوردها بصورة غير مباشرة لكنها واضحة جداً لمن خبر السياسة السودانية التي دارت حول هذه القضية حيثما دارت.

    وعندما ثارت الثائرة على إعلان القاهرة أصدر الزعيمان بيانات تفيد بأن تفسيرهما لتعبير العاصمة القومية الذي ورد في البيان لا يرمي إلى التنازل عن الشريعة فيها. ومن حقهما علينا كمسلمين أن نصدّق هذا التفسير ونحن ندرك مقدار الضريبة التي يتحملها أي سياسي سوداني إذا قال بغير ذلك. وهناك دليل إضافي لمصلحة التفسير الذي أورده الزعيمان وهو أنهما قد حكما السودان في آخر مرة لمدة ثلاث سنوات ولم يقدما على إلغاء الشريعة ما خلا الشبهة التي طافت حول اتفاقية نوفمبر 1988، لكن الضرر كان قد وقع كاملا بصدور الإعلان وطار زعيم الحركة بالجائزة وحده لا يلوي إلى واشنطن. ولم يكلف نفسه حتى إبداء شيء من الغضب أو الدهشة من التفسير الذي ساقه الزعيمان، ذلك التفسير المتصادم مباشرة مع تفسيره الموثق والمعلن في أكثر من مناسبة من أن العاصمة القومية بالنسبة له تعني "عاصمة بلا شريعة"، هكذا دون أي لبس أو تردد. والعلة في خلو زعيم الحركة من مشاعر الغضب أو الدهشة ناشئ من أن نظرته للإعلان أصلا لم تتجاوز الانتهازية السياسية، طلباً لتسجيل نقطة على الحكومة وإحراجها في المفاوضات وإحداث مزيد من الانقسام في الصف المسلم. ومرة أخرى يقع بعض قادة السياسة في شراك خصم مراوغ ويعطوا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق ، خاصة وأن القضية التي نالت كل هذا الاختصاص في الإعلان لا تمثل أصلاً في أسباب الحرب.

    ولقد اضطربت الأقوال والتبريرات بعد ذلك الإعلان كما لم تضطرب من قبل. على سبيل المثال قال لي قيادي قريب من أحد الزعيمين مبرراً موقف صاحبه من الإعلان: "كل هذا قد حدث بسبب تطبيقكم السيئ للشريعة والإسلام". فأوضحت له أنه يخطئ مرتين بمثل هذا المنطق. فهو من ناحية يعترف، خلافاً للتفسير السالف الذي أورده قائده والذي يتبرأ فيه من التنصل عن الشريعة، بأن الإعلان هو في الحقيقة تنصل من الشريعة، لكنه تنصل تسبب فيه التطبيق الذي يراه سيئاً للإسلام. وأبديت له أملي في أن يكون هذا هو فهمه الشخصي لا فهم الجماعة التي ينتمي إليها. فإذا كان هذا هو الفهم المعتمد للجماعة كلها فلن يمكننا حينئذ أن نعتصم بحسن الظن الذي وطنّا أنفسنا عليه والذي هو شرط ضروري للتعامل البنّاء بيننا. ثم هو يخطئ من مرة ثانية عندما يجعل التطبيق السيئ للشريعة -على افتراض أنه صحيح- مسوغاً مشروعاً للتخلي عنها. فالتمادي في هذا المنطق سيجيز للمرء أن يترك ملة الإسلام مرة واحدة بسبب أن بعض المسلمين أشرار رغم أنهم يراقبون الله في أداء الشعائر والمناسك.

    مثال آخر للارتباك الفكري وخلط المفاهيم تمثل في الزعم الذي ورد دفاعاً عن إعلان القاهرة واتفاق لندن بأن الوحدة الوطنية مقدمة على الشريعة. مرة أخرى يفرّط المسلمون دون مقابل عندما يعتمدون أقوال خصومهم ومزاعمهم دون تدبر أو تمحيص. أولا لأن من الخطأ الجسيم والظلم التسليم بأن الشريعة هي على حساب الوحدة الوطنية كما في معنى هذا القول.

    إن اعتماد الشريعة مصدراً للتشريع لا ينبغي أن يكون خصماً على الوحدة الوطنية في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى في بلد لا يوجد به مسلم واحد. وقد رأينا فيما سبق أن الشريعة نظام قانوني وأخلاقي متكامل مفتوح لمن أراد أن يقتبس منه أو يهتدي بتجربته حتى لو لم يكن مسلماً. فكيف نقول بهذا ثم نسلم ببساطة بأن الشريعة تنتقص من الوحدة الوطنية في بلد غالبيته الغالبة من المسلمين كالسودان، خاصة وأن قضية الشريعة لم تكن سبباً جذرياً لمشكلة الجنوب عندما ثارت في عام 1955 ثم عندما تجددت في عام 1983، بل كيف يمكن تصور تماسك الوحدة الوطنية أصلاً إذا أقصي المرجع العقدي والفكري والسلوكي لتلك الغالبية الغالبة.

    إن الإسلام قد تعايش مع اليهودية وتفاعل معها في كل المجتمعات الإسلامية وبصورة خاصة في الأندلس، وذلك برغم أن اليهودية لها عقيدتها السياسية وشعائرها المتشددة. فكيف إذن يعجز الإسلام عن التعايش مع المسيحية وهي لا تدعي عقيدة سياسية، وهي تتبنى نمطاً متحرراً ومرناً في الشعائر الظاهرة إذا ما قورنت بالإسلام واليهودية. ولقد قرأنا في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قد أمر أتباعه بأن يدعوا "ما لقيصر لقيصر وما لله لله". وقيصر آنذاك كان وثنياً مشركاً ليس بينه والمسيحية أرضية مشتركة، فلماذا نقرر خطأ أن المسيحي لا يلتقي مع المسلم في شيء من المبادئ والأخلاق وكل نصوص الكتاب وشواهد التاريخ تقول غير ذلك.

    ثم إن إعلان القاهرة ومن بعده اتفاق لندن لم يأتيا بأي مكسب معلوم للوحدة الوطنية. ولقد كان الرجاء وقد خرج زعيم الحركة بمطلبه كاملاً - بتفسيره هو للعاصمة القومية- أن يقدم مقابلا بالتنازل عن مطلب تقرير المصير، أو أن يبدي مجرد التزام مبهم بالوحدة الوطنية. لكنه في المناسبتين ضن على شركائه بمحض كلمة مجاملة في حق الوحدة الوطنية كما ضنت أم الحطيئة من قبل ببولها على النار. ومرة أخرى جرياً على تقاليد الإخفاق العبقري في السياسة السودانية ينال المبتز الملحف كل مطالبه ثم يهرب عند الاقتضاء.

    إن اتفاقية لندن ينبغي أن تنال عناية أكثر نسبة لأنها أعقد من حيث مضامينها ومن حيث خلفيات أطرافها ومنطلقاتهم. ولكي نتناول الاتفاق بموضوعية ينبغي أولاً أن نختزل بعض المضامين المشوشة التي وردت فيها. أول شيء من ذلك هو النظرة الحقيقية التي ترى بها الحركة الشعبية المؤتمر الشعبي. فرغم يقيني بأن بعض قيادات المؤتمر الشعبي ينظرون إلى تلك العلاقة نظرة استراتيجية بكل تبعاتها، لكنني أعلم كذلك بالمقابل أن العلاقة بالنسبة للحركة الشعبية لا تعدو كونها صفقة تجارية أخرى تختطف ولا يهم شخص البائع أو صفاته، تماما كما تبتاع سيارة أو بيتاً ولا يهمك شكل البائع أو ميوله أو خلقه. وهذا إن جاز في عالم التجارة اليومية فإنه لا يجوز حينما يتعلق الأمر بدنيا السياسة، خاصة عندما تزدحم بالدعاوى الأخلاقية العريضة.

    الشيء الثاني الذي أود اجتيازه سريعاً هو تلك الشهادة الطريفة من السيد نيال دينق الموقع على الاتفاق نيابة عن الحركة الشعبية على أن الحكومة تقدم نموذجاً سيئاً للإسلام الحقيقي العظيم وأنها ستتسبب في تقسيم السودان بعد أن تسببت في تقسيم الحركة الإسلامية. ووجه الطرافة لا يخفى لأن موقع السيد نيال دينق ليس خارج الملة الإسلامية فحسب، كما أنه لم يكن أبداً عضواً في الحركة الإسلامية، لكنه فوق هذا وذاك لم ترصد له أو للحركة التي ينتمي إليها أي أقوال سابقة تشي بأي عاطفة حميمة تجاه الإسلام أو الحركة الإسلامية. لكننا برغم ذلك لا نرى العيب فيه لأنه أتيحت له سانحة مجانية فاقتنصها. وإذا كانت هذه هي الصناعة الرائجة في سوق السياسة فلماذا يتخلف السيد دينق عن القنيص وكل الناس قد خرج له. ومرة أخرى على مثال إعلان القاهرة لا يتبرع لنا اتفاق لندن بكلمة تنويه مبتسرة عن الوحدة الوطنية، رغم اتهامه الحكومة بالسعي لتقويض الوحدة. وكان المنطق يقتضي كيل عبارات الالتزام للوحدة ما دام باب العطاء مفتوحاً والأخذ بالمجان.

    هذا ليس الأهم في الموضوعات وإن كان يلقي بظلال التخمين على مقاصد الوثيقة. الأهم من ذلك شيئان: الأول، الإشارة إلى مبدأ التحول الديمقراطي بعد كيل التقريعات الضرورية للحكومة لأنها لا تؤمن بذلك المبدأ. والثاني، المطالبة بالعاصمة القومية، بل والدعوة لاتخاذ الإجماع الوطني وحده قاعدة التشريع، هكذا بإسقاط صريح للشريعة.

    بالنسبة لإعلان الالتزام بالتحول الديمقراطي، فهي دعوة لا عيب فيها، سواءً عرف عن المطالبين بها التزام حقيقي نحوها في ماضيهم أو ممارستهم المعلومة أو لم يعرف. فحتى لو بدأ المرء حياته أو الجماعة كسبها على مبادئ الشمولية الديكتاتورية القمعية، لا بأس من أن تعلن توبتها وإنابتها إلى أفياء الحرية والتعددية والشورى والديمقراطية. هذا جائز ومقبول حتى من الكافر عندما يثوب إلى الإيمان، فالتوبة تجبّ ما قبلها والتائب لا يؤاخذ بماضيه. المشكلة تكمن عندما تخلوا هذه الإعلانات من سند حقيقي يؤيدها في أفعال المرء أو الجماعة.

    بالنسبة للحركة الشعبية فان الظاهر منها حتى الآن ليس الخطاب الديمقراطي والتنظيم المدني، بل هو خطابها الثوري وتنظيمها العسكريّ. إنها لا تزال تسمي نفسها الحركة الشعبية لتحرير السودان رغم أنها قررت أخيراً فيما يظهر أن تتحالف مع نفس الذين رأت في السابق أن تحرر السودان منهم. وهي تدعو إلى السودان الجديد وتتحالف مع أوضح رموز السودان القديم. وتنظيم الحركة لا يزال عسكريا العلاقات فيه تراتبية رأسية صارمة، وهي تعاني من مشكلات حقيقية مع تنظيمات المجتمع المدني التي بدأت تطل برأسها خاصة بين مثقفي بحر الغزال. ومنهج زعيم الحركة في القيادة لا يختلف كثيرا عن النماذج البائسة السائدة في الساحة الإفريقية من تقريب أصحاب الحظوة المطيعين ولو كانوا بغير أوزان، على حساب أصحاب الأوزان الفعلية الأكثر استقلالاً. ورغم كل محاولات الحركة المتعسرة لاستنبات الديمقراطية داخلها، تبقي الحقيقة دامغة، أمام عضويتها المتلهفة إلى التحول الديمقراطي، أنها تجد صعوبة حتى في عقد مؤتمرها العام وانتخاب قياداتها انتخاباً ديمقراطياً بعد أن مرت قرابة الأعوام العشرة على آخر دورة انعقاد للمؤتمر في عام 1994، وعلى ذلك قس.

    بالنسبة للمؤتمر الشعبي في نسخته المعدلة بعد خروجه من المؤتمر الوطني وتجربة الإنقاذ، فالحق يقال إن الفرصة أمامه متاحة، ما أن يأتي السلام، لإبراز مواهبه الديمقراطية. المأخذ الوحيد الآن هو على المبالغة في الإساءة إلى الحكومة والإلحاح في التنصل من "سيئات" الإنقاذ والزعم بأنها من صنع مجموعة لا علاقة للمؤتمر الشعبي بها تاريخياً، وتضخيم إعلان الالتزام بالديمقراطية والقول بأنه التزام قديم وليس بمستجد. إن هذا لا يثير جدلاً حول المصداقية فحسب، بل يثير قدراً كبيراً من الإشفاق والرثاء على المشقة التي سيعانيها من يدّرع تلك المهمة
                  

07-05-2003, 08:50 PM

waleed500
<awaleed500
تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 6653

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غازى صلاح الدين وعبقرية الاخفاق (Re: waleed500)

    الموضوع الثاني، هو المطالبة بالعاصمة القومية واعتماد الإجماع الوطني قاعدة التشريع. بالنسبة للعاصمة القومية فقد سبق القول فيها، وخلاصته أن الحكومة لا تدعو إلى غير قومية العاصمة، بل إنها تدعو لأن تكون كل مدينة في السودان قومية ولا ترى منطقاً ولا رشداً أوعدلاً في أن تكون العاصمة قومية بينما تظل بقية مدن السودان غير قومية. إن اختصاص العاصمة بالدعوة إلى القومية لأن بها مسيحيين يتضمن معنى أنه لا بأس من هضم حقوق المسيحيين في غير العاصمة. إننا نقول بمقابل ذلك إن عدل الإسلام يستوجب ألا تهضم حقوق المسيحيين في أي مكان. الفارق الأساسي بين الحكومة ومعارضيها في هذه القضية هو أن الحكومة تؤمن بكل صدق أن الإسلام والشريعة لا يتعارضان مع الوحدة الوطنية ولا مع حقوق غير المسلمين كما سنوضح لاحقاً.

    أما المطالبة بأن يكون الإجماع الوطني وحده قاعدة التشريع فإنه يثير مشكلات أكثر مما يطرح حلولاً. فالإجماع الوطني وحده في السياسة لن يكون أقل خلافية من جعل الإجماع الأصل الوحيد في أصول الفقه دون تقديم الكتاب والسنة. إن الخلاف حول حجية الإجماع الذي ثار حتى بين الشافعية الذين وضع أستاذهم علم الأصول مشهور. والمعروف أن الإمام الشافعي رغم اعتماده للإجماع في الأصول كان يرى عدم إمكان انعقاده عملياً إلا في الفرائض المعلومة كالصلاة والحج. والحجة في ذلك باختصار أنه يستحيل اتفاق كل المجتهدين في كل العصور وفي كل الأمصار. لكن الأمام الشافعي رضي الله عنه اعتمده رغم ذلك بالاستدلال النظري، ثم أخّر ترتيبه عن الكتاب والسنة ليتقيد بهما. فلو جعلنا الإجماع وحده قاعدة الأصول فلن تتوفر المرجعية (كالكتاب والسنة) التي يهتدي بها الإجماع، وعندئذ قد يوافق الحكم المستنبط مقاصد الدين أو لا يوافقها. نفس القياس ينطبق على التشريع السياسي. فبالنسبة للمسلم المطالب بتحكيم الإسلام لا يمكن اعتماد الإجماع الوطني وحده دون تقييد بالشريعة، لأن التشريعات الصادرة من ذلك قد تتوافق مع الشريعة أو لا تتوافق، والغالب ألا تتوافق لأن الإجماع على تفسيرات الإسلام لن يتحقق حتى بين المسلمين. بهذا الفهم لن يكون الجهاز التشريعي في البلد المسلم مؤطراً بأي مرجعيات تشريعية إسلامية بأكثر من الجهاز التشريعي الإيطالي أو البريطاني أو الأمريكي. القانون الأمريكي مثلاً يعاقب على القتل بالقتل وهو في ذلك متفق مع التشريع الإسلامي في أساسياته رغم أنه لا يعتمد الشريعة مصدراً للتشريع. أقول في أساسياته لاستبق من يريد أن يسرع إلى القول بأن القتل غير القصاص. وهناك أيضاً من القوانين الغربية ما يشبه دية الجراحات.

    هذا من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فنفس السؤال الذي أثاره علماء الأصول يثور هنا وهو: من الذين ينعقد بهم الإجماع؟ وكيف؟ قد يجيب مجيب بأنهم جمهور المواطنين المستحقين للتصويت في استفتاء عام. وقد يجيب آخر بأنهم القوى السياسية. وقد يجيب ثالث بأنهم أعضاء مجلسي التشريع، الأعلى الممثل للولايات والأدنى الممثل للدوائر المباشرة. ولا تخفى التعقيدات العملية لكل إجابة. ويجب الاعتراف بأن النتيجة العملية لإعمال هذه القاعدة ستكون بلا شك هي إسقاط الشريعة. هذه هي الأسباب ذاتها التي جعلت واضعي الدستور الحالي، دستور 1998، وفي مقدمتهم كما هو معلوم دكتور الترابي، زعيم المؤتمر الشعبي ورئيس البرلمان السابق الذي أجاز الدستور الحالي، يؤخرون الإجماع عن الشريعة التي هي مرجع المسلمين، والعرف الذي هو مرجع المسلمين وغير المسلمين، ليتقيد الإجماع بهما كليهما. والإجماع هنا لا يعدو أن يكون حثاً على تحري أكبر نسبة أغلبية وليس الإجماع المطلق لأنه شبه المستحيل.

    لهذا فإن التفريق بين التشريع وآلية التشريع لا يعدو أن يكون ضرباً من الحيلة اللطيفة، فآلية التشريع التي لا تلتزم ابتداءً بمرجعيات الشرع لن تجد نفسها ملزمة بتحريه في التشريعات. على المسلمين أن يعوا هذه الحقيقة إن كان لهم التزام حقيقي بمطالبهم وإلا فلن تكون النتيجة إلا تخلصاً ذكيا من الشريعة، يجوز على الناس ولا يجوز على الله. وسيكون ذلك تراجعاً ليس عن الدستور الحالي فحسب، بل حتى عن دساتير 1972 و 1958 و 1956 التي نصت إما على الشريعة صراحة أو على مبادئ الإسلام في التشريع. تلك الدساتير التي وصفت بالعلمانية ظلماً أو جهلاً.

    بعد أن عرضت لنماذج من الإخفاق المزمن عند المسلمين، أود أن أصف بعض إنجازات غير المسلمين في ذات المضمار. وسأورد ثلاث صور على سبيل المثال:

    الصورة الأولى يرسمها التصريح الذي ورد في بعض الصحف السودانية قبل فترة وجيزة لأحد أعضاء وفد الحركة الشعبية للمفاوضات حينما قال بأنهم لا يقبلون تطبيق الشريعة لأنهم لن يسمحوا لأحد بأن يدخلهم الإسلام بالقوة. الزعم الذي يستنتج من التصريح هو أن الشريعة ترغم الناس على اعتناق الإسلام. وصاحب هذا الكلام اختصاصي في العرض المبتذل للإسلام لأنه، حسب روايته التي يكررها دائماً، أكره على الإسلام عندما كان يافعاً حتى اهتدى إلى تركه عندما أدرك الرشد والعقل وزالت عنه أسباب الإكراه. وهو صاحب موهبة في الرواية يضيف إلى قصته من أفاويه الدراما ما يقنعك أنك أمام مسرحي موهوب أكثر منه راوي مأساة واقعية. ولو صحت روايته من أنه مسلم سابق لكان حرياً به أن يعلم أن من مبادىء الإسلام أن الله تعالى، من حلمه، بعد إتمام نعمائه على عباده ترك لهم الخيار المطلق بين الإيمان والكفر فقال لهم "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". بل إنه تعالى نهى نبي الإسلام، محمداً ( صلى الله عليه وسلم) عن تكلف ما لا يتكلف ليدخل الناس في الإسلام فقال له: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".

    الصورة الثانية هي لزعيم الحركة شخصياً في إحدى لقطات الفيديو وهو يخاطب فئة من أتباعه الذاهلين قائلاً: "أنحن بنعرف الزول بيمشي الجامع، لكن في حكومة بتمشي الجامع؟" والمعنى يرسم صورة شائهة لمفهوم الشمول في الدين الإسلامي الذي يرى أن الحياة كلها عبادة وأن عروة الحكم وعروة الصلاة وما بينها كلها من الدين. والمدهش أن ذات الشخص الذي يستنكر على المسلمين ذهاب حكومتهم إلى المسجد لا يستنكف أن يذهب ليتحالف مع اليمين الديني المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية. تلك الشرذمة المهووسة التي تملكت حكومة أكبر قوة في العالم ومضت توظفها لأهدافها المادية الخاصة التي لا علاقة لها بالمسيحية الحقيقية.

    الصورة الثالثة لقيادي كبير في الحركة الشعبية أيضاً يخاطب اجتماعاً للعضوية في بعض أحراش الجنوب ويكيل السباب المباشر للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم شخصياً مدعياً بأن الإسلام دين دموي وأن النبي قد قتل حتى أهله في مكة. كأنه هو البريء عن قتل أهله وتشريدهم لمدة عشرين عاماً.

    الصورة الأولى منشورة من خلال التصريح الذي ظهر في صحيفة الأيام السودانية وقد صدر للاستهلاك العام. أما الصورتان الأخريان فقد قصد بهما الاستهلاك الخاص لكنهما موثقتان ومتاحتان لمن أراد أن يطلع عليهما بالصوت والصورة.

    إذا أغضى المسلمون عمّا في تلك الصور من السفه المتكرر والتشويه المتصل للإسلام مما ظلوا يعايشونه منذ الاستقلال من بعض الذين سيّسوا قضية المسيحية واستخدموها لأغراضهم، فإنهم لا يمكن أن يغضوا بعد اليوم عن المطالبة باحترام دينهم وحقوقهم إذا أريد لأي نوع من الشراكة أن تثمر وأن تدوم. وبالطبع هم لن يقبلوا بعد توقيع السلام أن يظل مثل هذا الابتذال في تصوير الإسلام أداة للابتزاز أو للاستنصار بالأجنبي.

    إن السؤال الجدير بأن نستعرضه للتدقيق هو عن حقيقة المشكلة التي يتحدث عنها هؤلاء وعن نجاعة ما اختط لها من حلول. الحجة الرئيسة التي يستند عليها من يثيرون هذه القضايا مبنية على افتراض التناقض الصريح بين الإسلام والمسيحية في الهدي العام وقواعد السلوك. ولذلك فإنهم يرون في حق المسلمين الاهتداء بدينهم وشريعتهم المصادمة الحتمية مع حقوق المسيحيين. وليس هناك تزييف للحقيقة أبلغ من هذا.

    إنهم، من باب التطفيف في الكيل، يغمطون المسلمين حقهم في إثبات رمزياتهم ومرجعياتهم العقدية والأخلاقية، بينما لا يرون عيباً في أن يطالب البابا بإثبات الهوية المسيحية في الدستور الأوربي الجديد، كما لم يروا عيباً من قبل في أن تكون الملكة الإنجليزية رئيسة للكنيسة الأنجليكانية في بلد يعج بالكاثوليك والمسلمين كما يعج بالأسكوتلنديين والإيرلنديين. ولم يروا عيباً كذلك أن يثبث الدستور النرويجي والآخر السويدي أنهما بلدان لوثريان وأن الملك أو الملكة فيهما يجب أن يكون لوثرياً، وليس كاثوليكياً أو أورثوذكسيا، وبالطبع ليس مسلماً.

    لقد رأينا كيف أن السيد المسيح وفّق ما بين حق المسيحي في التعبد على عقيدته ومنهجه وبين طاعة الحاكم ولو كان وثنياً مشركا ما ضمن له الحاكم ذلك الحق. إذا صحّ هذا الموقف المسيحيّ تجاه الحاكم الوثني المشرك فلماذا يتخوف المسيحي من الحاكم المسلم وهو يعلم أن الأيمان بالمسيح ورسالته شرط من شروط الإسلام. "قولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون". إن المسيحية والإسلام يتفقان في الهدى العام، ينكران ذات المنكرات ويعرفان ذات المعروفات. ما علمنا إلا أن المسيحية، كالإسلام، تدعو إلى الخير والمحبة والتسامح، وتنهى عن الظلم والعدوان والبغضاء؛ تأمر بالإحسان إلى الضعيف وإلى الجار وإلى المسكين وتنهى عن السرقة والزنا والفسوق. فلماذا يراد الإقرار بتناقض حتمي وضروري بين المسيحية والإسلام.

    إذا قيل إن هناك تبايناً في قواعد السلوك فهذا أمر نعلم أنه محدودي تمكن معالجته. نعلم أن المسيحيين المعاصرين يؤمنون بحل الخمر. والشريعة لا تمنعهم ذلك ولا تنكره، بل تعده حقاً مشروعاً لهم فلا تمنعهم شربها وتملكها وتداولها. لكنها تمنع المسلم، فرداً كان أم صاحب سلطان، من أن يهدرها. وإذا فعل أوجبت عليه التعويض. وإذا قيل إن الممارسة الراهنة لا تراعي ذلك فهذا أمر يمكن التحقق منه ومعالجته. فيما سوى ذلك لا نعتقد أن المسيحيين الحقيقيين يريدون أن يربطوا قضيتهم بأن يبدوا مطالبين بحرية الدعارة أو السرقة أو عامة وجوه الإفساد في الأرض.

    الآن وعلى كل الخلفية السابقة فلندقق فيما شمله فعلا اتفاق مشاكوس من المساواة والضمانات والحقوق الدينية. لقد ضمن اتفاق مشاكوس ما يلي:

    أولاً: إقامة نظام حكم ديمقراطي يراعي المساواة الثقافية والعرقية والدينية واللغوية والنوعية بين السودانيين

    ثانياً: أثبت في باب الحقوق الدينية:

    * الإقرار بأن السودان بلد متعدد الثقافة والأعراق والأديان واللغات.

    * حرية العقيدة والضمير والعبادة لصاحب أي دين أو عقيدة وألا يميز ضده على أساس عقيدته.

    * اعتبار الأهلية للمناصب العامة، بما في ذلك رئاسة الدولة، والتمتع بكل الحقوق والواجبات مؤسسةً على المواطنة وليس على الدين أو الاعتقاد أو الأعراف.

    * أن الأحوال الشخصية والأسرية تكون محكومة بالقوانين الشخصية النابعة من عقيدة المعنيين بذلك

    * إضافة إلى المذكور أعلاه، احترام الحقوق الدينية التالية:

    * العبادة والتجمع وإنشاء المرافق لذلك.

    * إنشاء المؤسسات الطوعية الخيرية.

    * صناعة الأشياء الضرورية للتعبد وتملكها.

    * كتابة المطبوعات الدينية وتوزيعها.

    * التعليم الديني في الأماكن المناسبة.

    * تلقي المعونات المالية من المؤسسات والأفراد.

    * تدريب القياديين وفق المقاييس المعتمدة والاحتياجات.

    * احترام أيام الراحة والعبادة والأعياد الدينية.

    * إقامة الاتصالات بين المجموعات والأفراد في المسائل الدينية على المستويين الوطني والعالمي.

    * منع التمييز على مستوى الحكومة القومية أو الولايات أو المؤسسات ضد الأفراد أو المجموعات على أساس ديني.

    ثالثاً: التشريع في الولايات الجنوبية مصدره الإجماع الشعبي وقيم وأعراف السودانيين بما في ذلك معتقداتهم الدينية.

    رابعاً: التشريع خارج الولايات الجنوبية مصدره الشريعة والإجماع.

    خامساً: في حالة أي تشريع وطني قائم أو سيصدر ويكون مصدره التشريعي الدين أو العرف، يحق للولاية أو الإقليم الذي يكون غالبية سكانه من غير أتباع ذلك الدين أو العرف إما إنشاء تشريع يوفر مؤسسات أو ممارسات تتوافق مع الدين أو العرف السائد لديهم؛ أو إحالة التشريع إلى مجلس الولايات ليجيز بأغلبية ثلثي الأعضاء تشريعاً قومياً يوفر مؤسسات مناسبة بديلة.

    سادساً: تنشأ لتطبيق ذلك كله حكومة ذات قاعدة عريضة، وتقوم انتخابات عامة مراقبة بواسطة هيئة مستقلة، وتنشأ لجنة لمراجعة الدستور ولتضمين تلك المبادئ فيه، كما تنشأ لجنة من الطرفين ومن جهات دولية لتقويم تطبيق الاتفاقية، ويكون للاتفاقية قسم خاص بالضمانات الدولية التي يتفق عليها.

    سابعاً: بعد كل هذا، إذا لم يقتنع الجنوبيون وفضلوا أن ينفصلوا بإقليمهم فلهم أن يفعلوا ذلك من خلال استفتاء عام بعد مضي ست سنوات ونصف من توقيع الاتفاقية.

    هذه الحريات والتدابير والضمانات التي تسوي بين السودانيين وتضع أسساً لمفهوم القومية على قاعدة التعاهد الاجتماعي، لا تتعارض مع الشريعة لأن الشريعة هنا لا تختصم من حق أحد من غير المسلمين. وهي تسري في أنحاء البلاد كافة. في الشمال والجنوب، للمسلمين وللمسيحيين، في الخرطوم وكسلا والرنك وجوبا ولا تجتزئ مفهوم القومية وتحصره في مدينة واحدة. على هذه الخلفية فلينظر المراقب المنصف إلى الدعوى العريضة التي أطلقتها إعلانات الخرطوم ولندن، والآن الخرطوم كذلك، برفع الشريعة عن الخرطوم استثناءً، تلك المدينة التي تقع خارج الجنوب كما أوضح اتفاق مشاكوس والتي يسكنها ما لا يقل عن «80% » من المسلمين. وفي ضوء تلك النصوص الواضحة عن الحقوق والضمانات فليوضح أصحاب هذه الضجة ما هو المطلوب في الخرطوم خاصة مما ليس مطلوباً في غيرها. بدون إجابة مقنعة فإن الأمر لن يعدو احتمالات ثلاثة، سوء فهم، أو سوء قصد ومراوغة عن الالتزام بالاتفاق وتبعاته، أو رغبة مريضة في إذلال المسلمين.

    أما سوء الفهم فمقدور عليه. وأما سوء القصد فعاقبته على صاحبه، وأما الإذلال فلن يكون. ولكي يطمئن الناس بشتى طوائفهم وأديانهم، أود أن أؤكد أن المفهوم الذي تلتزم به الحكومة هو أنها تفاوض عن السودانيين كافة، المسلم والمسيحي، والبر والفاجر. وأن الاتفاق النهائي ينبغي أن يحقق العدل والمساواة والحرية لجميع السودانيين، لأن في هذا الخلاص الحقيقي. وبالنسبة لشخصي، باعتباري مشرفاً على التفاوض، فهذا هو أيضاً موقفي والتزامي الذي لن أحيد عنه. ولا أرى سبيلاً لأن يرغمني أحد على توقيع اتفاق لا يمثل التزام حكومتي وقناعتي الشخصية، لكننا في كل الحالات لن نوقف السعي أبداً نحو السلام بكل الوسائل المشروعة. وغداً عندما تتوقف الحرب، وترتفع حالة الاستثناء، وتنعم كل جماعة بحريتها، ويشرئب كل سوداني ويستطيل عنقه تطلعاً إلى آفاق العزة، ستتاح فرصة نادرة للسياسة السودانية كي تنفلت من دوامة الإخفاق العبقري . فلنعمل سوياً من أجل تلك الغاية التي تسعنا جميعاً والتي سنربحها معاً يوم أن يحل السلام.
                  

07-05-2003, 09:46 PM

omdurmani

تاريخ التسجيل: 06-22-2002
مجموع المشاركات: 1245

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غازى صلاح الدين وعبقرية الاخفاق (Re: waleed500)

    اخى وليد: دا كلام كويس وفيه شيئين مهمين....تطور الفهم....والاستفادة من الخطأ...وفيه نية تبدو صادقة
    وهذا يتفق مع مااوردته هنا....
    .....................
    المهم هنالك خطوات اخري ستكون خيرا للجميع سنتناولها معك لاحقا....
    ...........................
    انا ارفض الدولة الدينية واراها تعديا علي مكانة المعصوم وضررها اكثر من نفعها،وهى ارتبطت بوجود الرسول وانتهت بموته...صلي الله عليه وسلم.
    ...........................
    الوحى هو ماجعل للرسول والحكم قداسة....
    ........................ .
    كذب من قال ان الرسول حدد شكلا للدولة او جعل لاحد الخلافة....وكل ماكان بعدها هو اجتهادات بهدى الاسلام ,يسميها البعض دولة دينية....لان الدين هو اساسها....وكانت المواطنة فيها والحقوق تكون بالانتماء للدين....كان الدين هو المحرك....كان الصراع هو صراع بقاء لهذا الدين او فناؤه....فكل منتمى لهذا الدين....له حقوق وواجبات....كان هو دفاع عن عقيدة...وكان الجامع للناس هو الدين...فما ا لذي يجمع خزرجى وأوسي غير الدين....كان الرابط هو الدين.....كان الدين هو الرباط...وكان هو ضرورة لتبليغ الدعوة.....وظل الدين هو
    الجامع.....
    .
    ...............................
    هذه الدولة الدينية اساسها ان الحاكم له كل السلطات التى كانت للرسول وله اخلاق الرسول....لذلك قدم الناس
    ابوبكر....ولا غرو فهو مبشر بالجنة....وهو العادل التقي الورع الحكيم...
    .............................
    الان لا يوجد هذا ....كما ان الرابط للسودانيين اليوم هو ليس الدين....لذلك لنا نحن المسلمون في عقد النبي ص
    في المدينة اسوة حسنة....
    ...................
    لذلك تجدنى اري ان الدولة التى تتوافق مع ظرفنا اليوم المكانى والزمانى اليوم، هى الدولة المدنية....واجد ان
    حزب الامة يدعوا اليها....وانا اتفق في هذا مع حزب الامة...
    ...............
    الدولة المدنية ضرورة لوضعنا....لان المسلم يجد فيها نفسه وكذلك المسيحى وكذلك اللا دينى.....مما يحمد له ان غالب المسلمين في السودان معتدلين غير متشددين وقدر كبير منهم ينتمى لحزب الامة
    ..............................
    الذي يجمع الدين بالدولة هم البشر....فالمسلم لا يستطيع ان يفصل بين سلوكه وعمله في الدنيا والاخرة ,الدين هو منبع نستقي منه القيم
    والاخلاق....فهل يجوز لنا فصل الاخلاق عن الدولة,لايستقيم هذا
    ...................
    ..........................
    تجاوز الدولة المدنية ، بالرغم من معقوليتها ، سيجر لنا دعوات اهل الهوس والتكفير ، لانهم سيقولون ان الاخرين لا يريدون اصلاحا بل يريدون ضررا بكم وبدينكم........فما لكم لا تعطونهم حقهم في دولة تحفظ ما يعتقدونه ام ترون الاسلام قاصر عن عهد المواطنة،
    اذا رفضتم دولة المدينة ، فلا سبيل للوحدة ، ويجب الا نكذب علي انفسنا
    ولنا عودة لعلنا نهتدى لماهو خير
    .......
                  

07-08-2003, 08:38 PM

waleed500
<awaleed500
تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 6653

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غازى صلاح الدين وعبقرية الاخفاق (Re: omdurmani)

    الاخ امدرمانى
    لك تحياتى ويعجبنى اسلوبك فى التحاور واظننى خبرتك بذلك من قبل وطبعا بختلف معاك هنا فى اشياء كثيرة
    من ضمنهارفضك للدولة الدينية البتقول عنها انتهت مع موت الرسول وحزب الامة عندما اتحت له الفرصة لحكم السودان عمل شنو؟؟؟؟ ما اظن فعل شى غير ما رجعنا الف سنة وسنة مما نحسب لك ودى امدرمانى وفى انتظار مداخلتك
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de